المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الوَقْف شَرْطُ الْوَاقِفِ: صِحَّةُ عِبَارَتهِ، وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، ===   (كتاب الوقف) الوقف والتحبيس والتسبيل - بداية المحتاج في شرح المنهاج - جـ ٢

[بدر الدين ابن قاضي شهبة]

فهرس الكتاب

- ‌كتابُ البيع

- ‌بابُ الرِّبا

- ‌بابٌ [البيوع المنهي عنها]

- ‌فصلٌ [في المنهيات التي لا يقتضي النهي فسادها]

- ‌فصلٌ [في تفريق الصفقة]

- ‌بابُ الخيار

- ‌فصلٌ [في خيار الشرط وما يتبعه]

- ‌فصلٌ [في خيار النقيصة]

- ‌فرعٌ [في عدم تفريق الصفقة بالعيب]

- ‌فصلٌ [في التصرية]

- ‌بابٌ [في حكم المبيع قبل قبضه وبعده والتصرف فيه]

- ‌فَرعٌ [في تتمة أحكام الباب]

- ‌فَرعٌ [في تتمة الباب أيضًا]

- ‌بابُ التّولية والإشراك والمراجعة

- ‌بابُ الأصول والثّمار

- ‌فَرعٌ [في دخول ما يتبع المبيع في البيع]

- ‌فصَلٌ [في بيان بيع الثمر والزرع وبدو صلاحهما]

- ‌بابُ اختلاف المتبايعين

- ‌بابٌ [معاملة الرّقيق)

- ‌كتابُ السَّلَم

- ‌فصَلٌ [في بقية الشروط السبعة]

- ‌فَرعٌ [في محل السلم وشروطه]

- ‌فصلٌ [في بيان أخذ غير المسلم فيه عنه ووقت أدائه ومكانه]

- ‌فصلٌ [في القرض]

- ‌كتابُ الرَّهْن

- ‌فصَلٌ [في شروط المرهون به ولزوم الرهن]

- ‌فصلٌ [فيما يترتب على لزوم الرهن]

- ‌فصلٌ [في جناية المرهون]

- ‌فصلٌ [في الاختلاف في الرهن وما يتعلق به]

- ‌فصلٌ [في تعلق الدين بالتركة]

- ‌كتاب التفليس

- ‌فصلٌ [فيما يفعل في مال المحجور عليه بالفلس من بيع وقسمة وغيرهما]

- ‌فَصْلٌ [في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه]

- ‌بابُ الحَجْر

- ‌فَصْلٌ [فيمن يلي الصبي مع بيان كيفية تصرفه في ماله]

- ‌بابُ الصُّلْح

- ‌فَصْلٌ [في التزاحم على الحقوق المشتركة]

- ‌بابُ الحَوالة

- ‌بابُ الضَّمان

- ‌فصلٌ [في كفالة البدن]

- ‌فصلٌ [في صيغتي الضمان والكفالة]

- ‌كتابُ الشّركة

- ‌كتابُ الوكالة

- ‌فصَلٌ [في أحكام الوكالة بعد صحتها]

- ‌فصَلٌ [فيما يجب على الوكيل في الوكالة المقيدة]

- ‌فصَلٌ [في بيان جواز الوكالة وما تنفسخ به]

- ‌كتابُ الإقرار

- ‌فَصْلٌ [في الصيغة]

- ‌فَصْلٌ [في شروط المُقَرِّ به]

- ‌فَصْلٌ [في بيان أنواع من الإقرار وفي بيان الاستثناء]

- ‌فَصْلٌ [في الإقرار بالنسب]

- ‌كتابُ العاريَّة

- ‌فَصْلٌ [في رد العارية]

- ‌كتابُ الغَصْب

- ‌فَصلٌ [في بيان حكم الغصب]

- ‌فَصلٌ [في اختلاف المالك والغاصب]

- ‌فَصلٌ [فيما يطرأ على المغصوب من زيادة ووطء وانتقال]

- ‌كتابُ الشُّفْعة

- ‌فَصلٌ [في بيان بدل الشقص الذي يؤخذ به والاختلاف في قدر الثمن]

- ‌كتابُ القِراض

- ‌فَصْلٌ [في بيان الصيغة وما يشترط في العاقدين]

- ‌فَصْلٌ [في بيان أن القراض جائز من الطرفين وحكم اختلاف العاقدين]

- ‌كتابُ المساقاة

- ‌فَصْلٌ [فيما يشترط في عقد المساقاة]

- ‌كتابُ الإِجَارة

- ‌فَصْلٌ [في بقية شروط المنفعة وما تقدر به]

- ‌فَصْلٌ [في منافع يمتنع الاستئجار لها ومنافع يخفى الجواز فيها وما يعتبر فيها]

- ‌فَصْلٌ [فيما يلزم المكري أو المكتري لعقار أو دابة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان غاية المدة التي تقدر بها المنفعة تقريبًا]

- ‌فَصْلٌ [فيما يقتضي انفساخ الإجارة والتخيير في فسخها وما لا يقتضيهما]

- ‌كتابُ إحياء المَوات

- ‌فَصْلٌ [في حكم المنافع المشتركة]

- ‌فَصْلٌ [في بيان حكم الأعيان المشتركة المستفادة من الأرض]

- ‌كتابُ الوَقْف

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الوقف اللفظية]

- ‌فَصْلٌ [في أحكام الوقف المعنوية]

- ‌فصلٌ [في بيان النظر على الوقف وشرطه ووظيفة الناظر]

- ‌كتابُ الهِبَة

- ‌كتابُ اللُّقَطة

- ‌فصلٌ [في بيان لقط الحيوان وغيره وتعريفها]

- ‌فصلٌ [في تملك اللقطة وغرمها وما يتبعها]

- ‌كتابُ اللَّقيط

- ‌فصلٌ [في الحكم بإسلام اللقيط]

- ‌فصلٌ [في بيان حرية اللقيط ورقه واستلحاقه وتوابع ذلك]

- ‌كتابُ الجعالة

- ‌كتابُ الفرائض

- ‌فصلٌ [في بيان الفروض التي في القرآن الكريم وذويها]

- ‌فصلٌ [في الحجب]

- ‌فصلٌ [في بيان إرث الأولاد وأولادهم انفرادًا واجتماعًا]

- ‌فصلٌ [في كيفية إرث الأصول]

- ‌فصلٌ [في إرث الحواشي]

- ‌فصلٌ [في الإرث بالولاء]

- ‌فصلٌ [في حكم الجد مع الإخوة]

- ‌فصلٌ [في موانع الإرث]

- ‌فصلٌ [في أصول المسائل وما يعول منها]

- ‌فَرْعٌ [في تصحيح المسائل]

- ‌فَرْعٌ [في المناسخات]

- ‌كتابُ الوصايا

- ‌فصَلٌ [في الوصية لغير الوارث وحكم التبرعات في المرض]

- ‌فصلٌ [في بيان المرض المخوف ونحوه]

- ‌فصلٌ [في أحكام الوصية الصحيحة ولفظها]

- ‌فصلٌ [في أحكام معنوية للموصى به]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الوصية]

- ‌فَصْلٌ [في الإيصاء وما يتبعه]

- ‌كتابُ الوَدِيعة

- ‌كتابُ قَسْم الفيء والغنيمة

- ‌فَصْلٌ [في الغنيمة وما يتبعها]

- ‌كتابُ قَسْم الصّدقات

- ‌فَصْلٌ [في بيان مستند الإعطاء وقدر المعطى]

- ‌فَصْلٌ [في القسمة بين الأصناف وما يتبعها]

- ‌فَصْلٌ [في صدقة التطوع]

الفصل: ‌ ‌كتابُ الوَقْف شَرْطُ الْوَاقِفِ: صِحَّةُ عِبَارَتهِ، وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ، ===   (كتاب الوقف) الوقف والتحبيس والتسبيل

‌كتابُ الوَقْف

شَرْطُ الْوَاقِفِ: صِحَّةُ عِبَارَتهِ، وَأَهْلِيَّةُ التَّبَرُّعِ،

===

(كتاب الوقف)

الوقف والتحبيس والتسبيل بمعنى، يقال: وقفت كذا، ولا يقال: أوقفت إلا في لغة رديئة وعليها العامة.

وحقيقته شرعًا: تحبيس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، يمتنع التصرف في رقبته، وتُصْرف منافعه إلى وجه من البر تقربًا إلى الله تعالى، كذا حكاه المصنف في "التحرير" عن الأصحاب (1)، واعترض: بأن القربة لا تشترط على الصحيح.

والأصلُ في الباب: السنة الصحيحة الشهيرة (2)، واتفاق الصحابة عليه قولًا وفعلًا، قال الشافعي في القديم: وقد بلغني أن أكثر من ثمانين رجلًا من الصحابة تصدقوا بصدقات مُحرَّمات (3)، والشافعي يُسمِّي الأوقاف: الصدقات المُحرَّمة.

(شرط الواقف: صحة عبارته) فلا يصحُّ من صبي ومجنون، (وأهلية التبرع) فلا يصحُّ من مبذر ومكاتب.

ولو اقتصر على أهلية التبرع. . لكان أحسن؛ فإنه يلزم منها صحةُ العبارة.

وأفهم صحة وقف الذمي للمسجد، وهو ما قاله البغوي في "فتاويه" وإن لم يعتقده قربة، اعتبارًا باعتقادنا؛ كما يصحُّ منه بيعُ الشحم وإن اعتقد منعَه، وأبدى فيه احتمالًا آخر بعدم الصحة؛ اعتبارًا باعتقاده.

ولم يعتبر المصنف كون الموقوف ملكًا للواقف، أو لمن وقع له الوقف، ومقتضاه: جواز وقف الإمام شيئًا من بيت المال، وهو ما أفتى به كثيرون؛ منهم ابن أبي عصرون والمصنف، وقال في "المطلب": إنه المذهب.

(1) تحرير التنبيه (ص 237).

(2)

أخرجه البخاري (2737)، ومسلم (1633) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

(3)

الأم (5/ 110).

ص: 449

وَالْمَوْقُوفِ: دَوَامُ الانْتِفَاعِ بهِ، لَا مَطْعُومٌ وَرَيْحَانٌ. وَيَصِحُّ وَقْفُ عَقَارٍ وَمَنْقُولٍ وَمُشَاعٍ، لَا عَبْدٍ وَثَوْبٍ فِي الذِّمَّةِ، وَلَا وَقْفُ حُرٍّ نَفْسَهُ، وَكَذَا مُسْتَوْلَدَةٌ وَكَلْبٌ مُعَلَّمٌ وَأَحَدُ عَبْدَيْهِ فِي الأَصَحِّ.

===

(و) شرط (الموقوفِ: دوام الانتفاع به لا مطعومٌ) لأن منفعته في استهلاكه.

(وريحان) لسرعة فساده، وهذا في الريحان المحصود، أما المزروع. . فالظاهر: صحة وقفه للشم؛ كما قاله في "شرح الوسيط"؛ لأنه يبقى مدة، وفيه منفعة أخرى وهي: التنزه.

وتمثيله بالريحان قد يفهم صحةَ وقف المشموم الذي ينتفع به على الدوام؛ كالعود والعنبر ونحوهما، وبه صرح ابن الصلاح والخوارزمي في "الكافي".

(ويصحُّ وقف عقار) بالإجماع (ومنقول) لقوله صلى الله عليه وسلم: "أَمَّا خَالِدٌ: فَقَدِ احْتبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتَادَهُ فِي سَبِيلِ الله"(1).

والأعتاد: ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآلة الجهاد، قاله الخطابي وغيره (2).

واتفقت الأمة في الأعصار على وقف الحُصر والقناديل والزَّلالي في المساجد من غير نكير.

(ومشاعٍ) لأن عمر رضي الله عنه وقف مئة سهم من خيبر مُشاعًا، رواه الشافعي (3)، ولا يسري إلى الباقي؛ لأنها من خواص العتق.

(لا عبد وثوب في الذمة) كالعتق، ولا يشترط رؤية الموقوف على الأصحِّ.

(ولا وقفُ حرٍّ نفسَه) لأن رقبته غيرُ مملوكة، ومالك المنفعة دون الرقبة لا يصحُّ وقفه إياها؛ لأن الرقبة أصل والمنفعة فرع، والفرع يتبع.

(وكذا مستولَدة وكلبٌ معلم وأحد عبديه في الأصحِّ) أما المستولدة. . فلأنها

(1) أخرجه البخاري (1468)، ومسلم (983) عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(2)

معالم السنن (2/ 53).

(3)

مسند الشافعي (ص 406)، وأخرجه البخاري (2764)، ومسلم (1633) بنحوه عن ابن عمر رضي الله عنهما.

ص: 450

وَلَوْ وَقَفَ بِنَاءً أَوْ غِرَاسًا فِي أَرْضٍ مُسْتَأْجَرَةٍ لَهُمَا. . فَالأَصَحُّ: جَوَازُهُ. فَإِنْ وَقَفَ عَلَى مُعَيَّنٍ وَاحِدٍ أَوْ جَمْعٍ. . اشْتُرِطَ إِمْكَانُ تَمْلِيكِهِ؛ فَلَا يَصِحُّ عَلَى جَنِينٍ،

===

ليست قابلة للنقل إلى الغير، فالتحقت بالحرة، ووجه مقابله: القياس على إجارتها.

وأما الكلب المعلم. . فلأن رقبته غيرُ مملوكة، ووجه مقابله؛ القياس على جواز إجارته وهبته.

واحترز بالمعلم: عما لا منفعة فيه؛ فلا يصحُّ وقفه قطعًا؛ إذ لا يقتنى.

نعم؛ القابل للتعليم ينبغي طرد الخلاف فيه؛ كما قاله السبكي؛ لأن الأصحَّ: جواز اقتناء الجرو للتعليم.

وأما أحد عبديه. . فقياسًا على البيع، ووجه مقابله: القياس على العتق، فيطالب بالتعيين، وفرق الأول: بأن العتق أنفذ بدليل سرايته وتعليقه.

(ولو وقف بناءً أو غراسًا في أرض مستأجَرة لهما. . فالأصحُّ: جوازه) لأنه مملوك يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه، والثاني: المنع؛ لأنه معرض للقلع، فكأنه وقف ما لا ينتفع به.

وقوله: (مستأجرة): مثال؛ فإن المستعارة والموصى له بمنفعتها مدة كذلك، ويجوز وقف المغصوب كعتقه، قاله الجُوري.

(فإن وقف على معيّن واحد أو جمعٍ. . اشترط إمكان تمليكه) في الحال؛ لأن الوقف تمليك المنفعة، وكذا العين على قول.

وخرج بالمعيّن: الفقراء؛ كما ذكره بعد.

ولا بدَّ في الموقوف عليه: أن يكون موجودًا، فلو وقف على ولده ولا ولدَ له. . لم يصحَّ.

وعبارة "المحرر": (جماعة) بدل: (جمع)، وهي أحسن؛ لشمولها الاثنين (1).

(فلا يصحُّ على جنين) بخلاف الوصية؛ لأنها تتعلق بالمستقبل، والوقف تسليط

(1) المحرر (ص 240).

ص: 451

وَلَا عَلَى الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ، فَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَيْهِ. . فَهُوَ وَقْفٌ عَلَى سَيِّدِهِ، وَلَوْ أَطْلَقَ الْوَقْفَ عَلَى بَهِيمَةٍ. . لَغَا، وَقِيلَ: هُوَ وَقْفٌ عَلَى مَالِكِهَا. وَيَصِحُّ عَلَى ذِمِّيٍّ، لَا مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَنَفْسِهِ فِي الأَصَحِّ.

===

في الحال، (ولا على العبد لنفسه) لأنه ليس أهلًا للتمليك.

(فلو أطلق الوقف عليه. . فهو وقف على سيده) كما لو وهب منه، أو أوصى له، فإن شرطنا القبول. . قبل هو، فلو لم يقبل وقبل سيده. . لم يكف على الأصحِّ وإن كان الملك له؛ لأن الخطاب. . لم يجر معه.

(ولو أطلق الوقفَ على بهيمة. . لغا) لأنها ليست أهلًا للملك بحال؛ كما لا تصحُّ الهبة منها، ولا الوصية.

نعم؛ يستثنى: الوقف على الخيل المسبلة في الثغور؛ فإنه يصحُّ كما جزم به جماعة منهم الدارمي، والدَّبِيلي، وجزم الغزي في "شرحه": بصحة الوقف على حمام مكة.

(وقيل: هو وقف على مالكها) كالعبد، فإن شرطنا القبول. . قبل صاحبها، وقال ابن الرفعة تبعًا لجماعة: إنه ظاهر المذهب (1).

(ويصحُّ على ذمي) معين ولو كان الواقف مسلمًا؛ كصدقة التطوع، والجماعة المعينون كالواحد.

ويشترط في المعين: ألا يظهر فيه قصد المعصية؛ فلو قال: (وقفت على خادم الكنيسة). . لم يصحَّ، قاله في "الشامل" وغيره.

ومحلُّ الصحة في المعين: فيما يجوز تمليكه إياه؛ فيمتنع وقف العبد المسلم وكتب العلم عليه.

(لا مرتد وحربي ونفسِه في الأصحِّ) أما الأولان. . فلأنهما مقتولان ولا بقاء لهما، والوقف صدقة جارية؛ فلا يكون على من لا يبقى؛ كما لا يوقف ما لا بقاء له، كذا وجهه الرافعي وغيره، ونقضه في "البيان" بالزاني المحصن؛ فإنه مأمور بقتله،

(1) كفاية النبيه (12/ 21).

ص: 452

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والوقف عليه جائز (1)، والثاني: يصحُّ عليهما؛ كالذمي.

وأما الثالث. . فلتعذر تمليك الإنسان ملكه لنفسه، ووجه مقابله: أن استحقاق الشيء وقفًا غيرُ استحقاقه ملكًا، وقد يقصد حبسه ومنع نفسه من التصرف المزيل للملك، وقيل: إن وقفه على نفسه وغيره. . جاز قياسًا على المسجد والأضحية، وإلا. . فتبطل حكاه ابن خيران في "اللطيف".

وصور الماوردي المسألة بما إذا قال: (وقفت هذه الأرض أو الشجر على الفقراء)، وشرط أن يأكل من مغل الأرض، أو ثمرة الشجر غنيًّا كان أو فقيرًا، وقطع بالبطلان فيما إذا قال:(وقفت على نفسي) وسكت، وحكى قولين فيما إذا قال:(وقفت على نفسي ثم الفقراء)(2).

وفي "فتاوى القفال": أنه لو وقف أرضًا وشرط أن يأكل منها ما احتاج إليه. . جاز، ولا يبطل به الوقف، وله أن يأكل منه، بخلاف ما إذا شرط أن يأكله كلَّه إذا احتاج إليه.

وقال مرة: هذا الشرط -أعني: الأول- نافذ. كذا رَويته عن جميع أشياخي والقضاة، وما رأيت أحدًا أنكر هذا، فهو كالإجماع منهم. انتهى.

وقد ذكروا للوقف على النفس صورًا من الحيل: منها: ما ذكره أبو علي الفارقي وغيره: أن يقف على أولاد أبيه الذين صفتهم كيت وكيت، ويذكر صفات نفسه، واعتمده ابن الرفعة (3)؛ فإنه وقف وقفًا على الأفقه من بني الرفعة، وكان يتناوله، واستبعده السبكي؛ لأن قصد الجهة فيها بعيد وإنما يقصد نفسه، بخلاف الوقف على الفقراء، ولو فرض أن لا فقير سواه. . فقد تقصد الجهة، ومنها: أن يؤجر ملكه مدة يظن أنه لا يعيش فوقها بأجرة منجمة، ثم يقفه بعد على ما يريد. . فإنه يصحُّ الوقف ويتصرف هو في الأجرة؛ كما أفتى به ابن الصلاح وغيره (4)، والأحوط: أن يستأجره

(1) الشرح الكبير (6/ 255)، البيان (8/ 65).

(2)

الحاوي الكبير (9/ 387 - 389).

(3)

كفاية النبيه (12/ 17).

(4)

فتاوى ابن الصلاح (1/ 397).

ص: 453

وَإِنْ وَقَفَ عَلَى جِهَةِ مَعْصِيَةٍ كَعِمَارَةِ الْكَنَائِسِ. . فَبَاطِلٌ، أَوْ جِهَةِ قُرْبَةٍ كَالْفُقَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمَسَاجِدِ وَالْمَدَارِسِ. . صَحَّ، أَوْ جِهَةٍ لَا تَظْهَرُ فِيهَا الْقُرْبَةُ كَالأَغْنِيَاءِ. . صَحَّ فِي الأَصَحِّ.

===

بعد الوقف من المستأجر؛ لينفرد باليد ويأمن خطر الدين على المستأجر، ومنها: أن يرفعه إلى من يراه فيحكم بصحته، وعليه العمل في زماننا.

(وإن وقف على جهة معصية؛ كعمارة الكنائس) وقناديلها وحُصرها وكتب التوراة (. . فباطل) قطعًا؛ لأنه إعانة على معصية، والوقف شرع للتقرب فهما متضادَّان، وسواء وقفه مسلم أو ذمي، فنبطله إذا ترافعوا إلينا، أما ما وقفوه قبل المبعث على كنائسهم القديمة. . فنقرهم حيث نقر الكنائس.

والمراد بـ (الكنائس): الأماكن المعدّة للعبادة، أما ما ينزله المارة من أهل الذمة. . فالنصُّ وقول الجمهور: جواز الوصية ببنائها، قال ابن الرفعة: ويشبه أن الوقف كذلك حتى يأتي الخلاف. انتهى (1).

وفي "البحر": لو وقف على من ينزل الكنائس من المارين والمجتازين من أهل الذمة. . جاز؛ لأنه وقف عليهم دونها.

(أو جهة قربة؛ كالفقراء والعلماء والمساجد والمدارس. . صحَّ) لعموم أدلة الوقف.

والمراد بـ (جهة القربة): أن يظهر فيها قصد القربة؛ بدليل المعطوف الآتي، وإلا. . فالوقف كلُّه قربة.

(أو جهة لا تظهر فيها القربة؛ كالأغنياء. . صحَّ في الأصحِّ) الخلاف مبني على أن المرعي في الوقف على الموصوفين التمليك؛ كالوصية أو القربة، قال الرافعي: والأشبه بكلام الأكثرين: الأول، قال: والأحسن: توسط لبعض المتأخرين، وهو تصحيح الوقف على الأغنياء، وإبطالُه على اليهود والنصارى وقطاع الطريق وسائر الفساق؛ لتضمنه الإعانة على المعصية.

قال ابن الرفعة: وما استحسنه ببادي الرأي صحيح، وهو خلاف قول الأصحاب

(1) مختصر المزني (ص 281)، كفاية النبيه (12/ 13).

ص: 454

وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِلَفْظٍ، وَصَرِيحُهُ:(وَقَفْتُ كَذَا) أَوْ (أَرْضِي مَوْقُوفَةٌ عَلَيْهِ)، وَالتَّسْبيلُ وَالتَّحْبِيسُ صَرِيحَانِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَالَ:(تَصَدَّقْتُ بِكَذَا صَدَقَةً مُحَرَّمَةً) أَوْ (مَوْقُوفَةً) أَوْ (لَا تُبَاعُ)، أَوْ

===

كافة؛ فإنه ناظر في الأغنياء لقصد التملك، وفي أهل الذمة لقصد القربة، وهو كإحداث قول بعد اجتماع الأولين على قولين، ولو كان الأمر كما قال في اليهود والنصارى. . لكان الوقف عليهم معصية، وهو خلاف قول الأصحاب.

(ولا يصحُّ إلا بلفظ) كغيره من التمليكات.

نعم؛ لو بنى مسجدًا في موات. . كفت النية؛ كما قاله في "الكفاية" تبعًا للماوردي (1)؛ لأن الموات لم يدخل في ملك من أحياه مسجدًا، وإنما احتيج إلى اللفظ لإخراج ماكان في ملكه عنه، وأما البناء. . فصار له حكم المسجد تبعًا، وخالفه الفارقي في ذلك.

ويستثنى أيضًا: ما إذا أخذ شخص من الناس شيئًا ليبني به زاوية أو رباطًا. . فإنه إذا بنى. . يصير وقفًا على ما كان يأخذ له، ذكره الشيخ أبو محمد في كتاب "موقف الإمام والمأموم" وكذا الشارع يصير وقفًا بالاستطراق ولا يحتاج إلى لفظ، ذكره الإمام في (الصلح)(2).

ومحلُّ اشتراط اللفظ: في الناطق، أما الأخرس. . فيصحُّ منه بالإشارة المفهمة، وبالكتابة مع النية.

(وصريحه: "وقفت كذا"، أو "أرضي موقوفة عليه") لأنه موضوع له.

وإنما قال: (موقوفة)؛ لينبه على أنه لا فرق بين الفعل والمشتق منه.

(والتسبيل والتحبيس صريحان على الصحيح) لكثرة استعمالهما واشتهارهما شرعًا وعرفًا، بل قال المتولي: ما نقل عن الصحابة وقف إلّا بهما، والثاني: كنايتان؛ لأنهما لم يشتهرا اشتهارَ الوقف، والثالث: التحبيس صريح، والتسبيل كناية.

(ولو قال: "تصدقت بكذا صدقةً محرمة"، أو "موقوفة"، أو "لا تباع"، أو

(1) كفاية النبيه (12/ 37).

(2)

نهاية المطلب (6/ 471).

ص: 455

(لَا تُوهَبُ). . فَصرِيحٌ فِي الأَصَحِّ. وَقَوْلُهُ: (تَصَدَّقْتُ) فَقَطْ. . لَيْسَ بِصَرِيحٍ وَإِنْ نَوَى، إِلَّا أَنْ يُضِيفَ إِلَى جِهَةٍ عَامَّةٍ وَيَنْوِيَ.

===

"لا توهب". . فصريح في الأصحِّ) (1) لانصرافه بهذا عن التمليك المحض، وهذا صريح بغيره، وما قبله صريح بنفسه، والثاني: كناية؛ لاحتمال تأكيد ملك المتصدق عليه.

واستشكل السبكي حكاية الخلاف في الثانية مع قطعه أولًا بصراحة: (أرضي موقوفة)، فكيف إذا اجتمع مع غيره يجيء فيه خلاف فضلًا عن قوته؟ ! انتهى، وفيه نظر؛ لأن الخلاف هنا جاء من احتمال تأكيد ملك المتصدق عليه.

(وقوله: "تصدقت" فقط. . ليس بصريح وإن نوى) لتردد اللفظ بين صدقة الفرض والتطوع والصدقة الموقوفة، (إلا أن يضيف إلى جهة عامة) كـ (تصدقت بهذا على الفقراء)(وينوي) الوقف، فيصير وقفًا على الأصحِّ؛ لأن الكناية مع النية بمنزلة الصريح.

وظاهر كلامه: أنه يصير بالنية صريحًا، وظاهر كلام الرافعي في كتبه، والمصنف في "الروضة": عدم الصراحة، وإنما إضافته إلى الجهة العامة صيرته كنايةً حتى تعملَ فيه النية، وهو الصواب؛ لأنه ليس لنا صريح يفتقر إلى نية (2).

واحترز بالجهة العامة: عن المعين؛ فإنه لا يكون وقفًا على الأصحِّ، بل ينفذ فيما هو صريح فيه، وهو التمليك المحض؛ كما قاله الإمام، وبحث فيه الرافعي (3).

واختار السبكي حصول الوقف في المعين أيضًا مع النية، قال: وممن أطلق ذلك الماوردي والقاضي أبو الطيب وابن الصباغ، قال: وإطلاق الصدقة على المنجزة والوقف إطلاقُ العام على الخاص؛ فقول القائل: (تصدقت) يحتملهما، فكان كناية.

وهذا كلُّه بالنسبة للظاهر، أما في الباطن. . فيصير وقفًا فيما بينه وبين الله تعالى،

(1) في (ب) و (د): (أو لا تباع ولا توهب).

(2)

الشرح الكبير (6/ 264)، روضة الطالبين (5/ 323).

(3)

نهاية المطلب (8/ 344)، الشرح الكبير (6/ 265).

ص: 456

وَالأَصَحُّ: أَنَّ قَوْلَهُ: (حَرَّمْتُهُ) أَوْ (أَبَّدْتُهُ) لَيْسَ بِصَرِيحٍ، وَأَنَّ قَوْلَهُ:(جَعَلْتُ الْبُقْعَةَ مَسْجِدًا) تَصِيرُ بِهِ مَسْجِدًا، وَأَنَّ الْوَقْفَ عَلَى مُعَيَّنٍ يُشْتَرَط فِيهِ قَبُولُهُ.

===

صرح به المرعشي وسليم وصاحب "الشامل" و"التتمة" وغيرهم.

(والأصح: أن قوله: "حرمته" أو "أَبَّدته" ليس بصريح) بل كناية؛ لأنهما لا يستعملان مستقلين، وإنما يؤكد بهما الألفاظ السابقة، والثاني: أنهما صريحان؛ لإفادتهما الغرض؛ كالتحبيس والتسبيل.

(وأن قوله: "جعلت البقعة مسجدًا" تصير به مسجدًا) لأن المسجد لا يكون إلا وقفًا، فأغنى لفظُه عن لفظ الوقف، والثاني: لا تصير؛ لفقد الألفاظ المتقدمة، وقد وصفها بما وصفها الشارع حيث قال:"جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا"(1).

وهذا قول الأكثرين، والأول لم ينقله الرافعي إلا عن ظاهر لفظ "الوجيز" وقال: إنه الأشبه، ولعله من تفقهه (2).

قال في "الكفاية": ومحلُّ الخلاف: إذا خلا عن نية، فلو قصد بقوله:(جعلتها مسجدًا) الوقف. . صار مسجدًا قطعًا، جزم به القاضي الحسين (3).

(وأن الوقف على معين يشترط فيه قبوله) لأنه يبعد دخول عين أو منفعة في ملكه قهرًا؛ كالهبة والوصية، وعلى هذا: يشترط كونه على الفور من أهله، وإلا. . فيقبل الولي، والثاني: لا يشترط، واستحقاقه المنفعة كاستحقاق العتيق منفعة نفسه.

وهذا اختاره جمع من المتقدمين والمتأخرين؛ منهم الشيخ أبو حامد، وابن الصلاح، والمصنف في (باب السرقة)، والسبكي وقال: إنه ظاهر نصوص الشافعي في غير موضع، وما رجحه تبع فيه "المحرر"، ونقله في "زيادة الروضة" عنه مقتصرًا عليه (4).

واحترز بالمعين: عن الجهة العامة؛ كالفقراء، أو جهة تحرير؛ كالمسجد؛ فإنه لا يشترط القبول قطعًا.

(1) أخرجه البخاري (335) ومسلم (521) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

(2)

الشرح الكبير (6/ 263).

(3)

كفاية النبيه (12/ 37).

(4)

المحرر (ص 241)، روضة الطالبين (5/ 324).

ص: 457

وَلَوْ رَدَّ. . بَطَلَ حَقُّهُ شَرَطْنَا الْقَبُولَ أَمْ لَا. وَلَوْ قَالَ: (وَقَفْتُ هَذَا سَنَةً). . فَبَاطِلٌ

===

قال الرافعي: ولو قيل: ينوب الحاكم في القبول. . لم يبع؛ كما ناب عن المسلمين في استيفاء القصاص وغيره (1)، وفرق السبكي بينه وبين الاستيفاء: والاستيفاء لا بدَّ فيه من مباشرة، بخلاف هذا، قال: وقد يقال: ندب الشارع إليه وهو بمنزلة الاستيجاب، والوقف بمنزلة الإيجاب فتم العقد. انتهى.

وحيث شرطنا القبول. . فلا يشترط القبض على المذهب المشهور، وشذ الجُوري والمرعشي فحكيا قولين في اشتراطه في المعين.

(ولو رد. . بطل حقه شرطنا القبول أم لا) كالوصية والوكالة، وقال البغوي: لا يرتدّ بردِّه، وجزم به في "الكافي"، وقال ابن الصلاح: إنه متجه (2).

وقوله: (بطل حقه) أي: من الوقف، كما صرح به الجمهور، وقال الماوردي: من الغلة، فعلى الأول: إن كان البطن الأول. . صار منقطع الأول، فيبطل كلُّه على الصحيح، والثاني: فمنقطع الوسط.

(ولو قال: "وقفت هذا سنة". . فباطل) أي: الوقف، لفساد الصيغة؛ لأن وضعه التأبيد، وقيل: يصحُّ مؤقتًا، وقيل: مؤبدًا، ويلغو التأقيت.

قال السبكي: قوله: (سنة): فيه تأقيت وسكوت عن المصرف، فلبطلانه سببان، فإن ذكر مصرفًا، بأن قال:(على زيد سنة). . ففيه تأقيت، وانقطاع آخره، أو (على الفقراء سنة). . فتأقيت فقط.

وصورة المسألة: ألّا يذكر بعده مصرفًا آخر، فإن قال:(وقفته على زيد سنة، وبعده على الفقراء). . قال الأَذْرَعي: صحَّ بلا خلاف، لوجود الدوام.

ومن هنا شرع المصنف في الشرائط؛ لأن الأركان فرع منها، وهي: الواقف، والموقوف عليه، والموقوف، والصيغة، وقد عقد في "المحرر" هنا فصلًا (3).

(1) الشرح الكبير (6/ 265).

(2)

التهذيب (4/ 517)، فتاوى ابن الصلاح (1/ 365 - 366).

(3)

المحرر (ص 241).

ص: 458

وَلَوْ قَالَ: (وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي) أَوْ (عَلَى زَيْدٍ ثُمَّ نَسْلِهِ) وَلَمْ يَزِدْ. . فَالأَظْهَرُ: صِحَّةُ الْوَقْفِ، فَإِذَا انْقَرَضَ الْمَذْكُورُ. . فَالأَظْهَرُ: أَنَّهُ يَبْقَى وَقْفًا، وَأَنَّ مَصْرِفَهُ أَقْرَبُ النَّاسِ إِلَى الْوَاقِفِ يَوْمَ انْقِرَاضِ الْمَذْكُورِ.

===

(ولو قال: "وقفت على أولادي"، أو "على زيد ثم نسِله"، ولم يزد. . فالأظهر: صحة الوقف) لأن مقصود الوقف القربةُ والدوام، فإذا بيّن مصرفه ابتداء. . سهلت إدامته على سبل الخير، وهذا هو المُسمَّى: منقطع الآخر، والثاني: بطلانه؛ لأنه لم يؤبِّده ولم يرده إلى ما يدوم، فكان كالتأقيت، والثالث: إن كان حيوانًا. . صحَّ، إذ ربما هلك قبل الموقوف عليه، بخلاف العقار.

(فإذا انقرض المذكور. . فالأظهر: أنه يبقى وقفًا) لأن وضع الوقف الدوامُ؛ كالعتق، والثاني: يرتفع الوقف، ويعود ملكًا للواقف أو ورثته إن كان قد مات؛ لأن بقاء الوقف بلا مصرف متعذر، وإثبات مصرف لم يذكره الواقف بعيدٌ، فتعين ارتفاعه.

(وأن مصرفه أقرب الناس إلى الواقف يوم انقراض المذكور) لأن أفضل القربات الصدقة على القرابات، فإذا تعذر ردّه إلى واقفه. . كان أولى الناس به أقربهم إليه.

فإن لم يكن له أقارب. . قال السبكي: ففي "مختصر البويطي": أن للإمام أن يجعله حبسًا على المسلمين تصرف غلته في مصالحهم، وحكاه صاحب "البحر" عن النصِّ، وقال: إن القاضي الطبري صار إليه ورجحه، والذي ذكره ابن الصباغ وسليم: أنه يصرف إلى الفقراء والمساكين، والقول الثاني: يصرف إلى الفقراء والمساكين؛ لأنه يؤول إليهم الوقف الصحيح في الانتهاء، والثالث: إلى مستحقي الزكاة، والرابع: إلى المصالح العامة مصارف خمس الخمس.

والمعتبر على الأول: قرب الرحم لا استحقاق الإرث على الأصحِّ، فيقدم ابن البنت على ابن العم، وقيل: النظر إلى قرب الجوار من أقاربه، ويختص به فقراء الأقارب على الأظهر.

وهذا الاختصاص هل هو على سبيل الوجوب أو الندب؟ وجهان بلا ترجيح في "الروضة" و"أصلها"(1)، قال الأَذْرَعي: والظاهر وقضية كلام الجمهور: الوجوب.

(1) الشرح الكبير (6/ 269)، روضة الطالبين (5/ 326).

ص: 459

وَلَوْ كَانَ الْوَقْفُ مُنْقَطِعَ الأَوَّلِ؛ كَـ (وَقَفْتُهُ عَلَى مَنْ سَيُولَدُ لِي). . فَالْمَذْهَبُ: بُطْلَانُهُ، أَوْ مُنْقَطِعَ الْوَسَطِ؛ كَـ (وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي ثُمَّ رَجُلٍ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ). . فَالْمَذْهَبُ: صحَّتُهُ. وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى: (وَقَفْتُ). . فالأَظْهَرُ: بُطْلَانُهُ.

===

(ولو كان الوقف منقطع الأول؛ كـ "وقفته على من سيولد لي") أو (على مسجد سيبنى)(. . فالمذهب: بطلانه) لأن الأول باطل؛ لعدم إمكان الصرف إليه في الحال، والثاني: فرع الباطل.

والطريق الثاني: فيه قولان، ثانيهما: الصحة؛ لأن الأول لمّا بطل. . صار كالمعدوم، وكان الثاني مبتدأ به، ولم يصحح الشيخان واحدًا من الطريقين (1)، وفي "المطلب": أن طريقة القطع صححها الجمهور.

وفي تمثيل المصنف نقص، وكان ينبغي أن يقول:(ثم على الفقراء)، وإلا. . فهو منقطع الأول والآخر، ولا خلاف في بطلانه؛ كما قاله القاضي الحسين وغيره.

(أو منقطع الوسط؛ كـ "وقفت على أولادي ثم) على (رجلٍ) أي: مبهم (2)(ثم الفقراء". . فالمذهب: صحته) الخلاف هنا مرتب على منقطع الآخر إن صححناه، فهذا أولى؛ لوجود المصرف في الحال والمآل، وإلا. . فوجهان: أصحهما: الصحة، وإذا صححناه. . ففي مصرفه عند توسط الانقطاع الخلافُ المارُّ في منقطع الآخر.

(ولو اقتصر على) قوله: ("وقفت") كذا ولم يذكر مصرفه (. . فالأظهر: بطلانه) لأن الوقف يقتضي التمليك، فإذا لم يعين الملك. . بطل؛ كقوله:(بعت)، والثاني: يصحُّ وبه قال جمع العراقيين، ومال إليه السبكي؛ كما لو قال:(أوصيت بثلث مالي) ولم يزد. . فإنه يصحُّ ويصرف إلى الفقراء والمساكين.

واستشكل الرافعي الفرق، وفرق في "الروضة": بأن غالب الوصايا للمساكين، فحمل الإطلاق عليه، بخلاف الوقف، وبأن الوصية مبنية على المساهلة، فتصحُّ

(1) الشرح الكبير (6/ 269)، روضة الطالبين (5/ 327).

(2)

في النسخ: (منهم)، والتصويب من "نهاية المحتاج"(5/ 374)، و"الإقناع"(ص 376).

ص: 460

وَلَا يَجُوزُ تَعْلِيقُهُ؛ كَقَوْلهِ: (إِذَا جَاءَ زَيْدٌ فَقَدْ وَقَفْتُ). وَلَوْ وَقَفَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ. . بَطَلَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ إِذَا وَقَفَ بِشَرْطِ أَلَّا يُؤَجَّرَ. . اتُّبِعَ شَرْطُهُ،

===

بالمجهول والنجس، بخلاف الوقف، وإذا صححنا. . ففي مصرفه الخلاف في منقطع الآخر (1).

(ولا يجوز تعليقه؛ كقوله: "إذا جاء زيد. . فقد وقفت") كذا على كذا؛ كالبيع والهبة.

واستثني من هذا: ما لو قال: (وقفت هذه الدار بعد موتي على المساكين). . فقد أفتى الأستاذ أبو إسحاق بوقوع الوقف بعد الموت؛ كعتق المدبر، وساعده أئمة الزمان.

قال الإمام: وهو تعليق على التحقيق بل زائد عليه؛ فإنه إيقاع تصرف بعد الموت (2)، قال الرافعي: وهذا كأنه وصية؛ لقول القفال في "فتاويه": لو عرضها على البيع. . كان رجوعًا، أي: فعلى هذا لا استثناء.

(ولو وقف بشرط الخيار) كما إذا شرط أن يرجع فيه متى شاء، أو يبيعه ونحوه (. . بطل على الصحيح) لأن الوقف إزالة ملك لله تعالى، كالعتق، أو إلى الموقوف عليه؛ كالهبة، وعلى التقديرين: فيفسد بهذا الشرط، والثاني: يصحُّ الوقف ويبطل الشرط؛ كما لو طلق على أن لا رجعة له.

(والأصحُّ: أنه إذا وقف بشرط ألّا يؤجر. . اتُّبع شرطه) كسائر الشروط؛ لما فيه من وجوه المصلحة، والثاني: المنع؛ لتضمنه الحجر على مستحق المنفعة، والثالث: إن منع الإجارة مطلقًا. . فلا، أو الزيادة على سنة. . اتبع؛ لأنه لائق بمصلحة الوقف.

ويستثنى من إطلاق المصنف: حالة الضرورة؛ كما لو شرط ألّا تؤجر الدار أكثر من سنة، ثم انهدمت وليس لها جهة عمارة إلا بإجارة سنين. . فإن ابن الصلاح أفتى

(1) الشرح الكبير (6/ 275)، روضة الطالبين (5/ 331).

(2)

نهاية المطلب (8/ 357).

ص: 461

وَأَنَّهُ إِذَا شَرَطَ فِي وَقْفِ الْمَسْجِدِ اخْتِصَاصَهُ بِطَائِفَةٍ كَالشَّافِعِيَّةِ. . اخْتَصَّ كَالْمَدْرَسَةِ وَالرِّبَاطِ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى شَخْصَيْنِ ثُمَّ الْفُقَرَاءِ فَمَاتَ أَحَدُهُمَا. . فَالأَصَحُّ الْمَنْصُوصُ: أَنَّ نَصيبَهُ يُصْرَفُ إِلَى الآخَرِ.

===

بالجواز في عقود مستأنفة وإن شرط الواقف ألا يستأنف؛ لأنه في هذه الحالة يخالف مصلحة الوقف (1).

وأفتى أيضًا: بأن الواقف لو شرط ألّا يؤجر أكثر من ثلاث سنين فأجره الناظر ثلاثًا في عقد وثلاثًا في عقد آخر قبل مضي المدة الأولى. . أنه لا يصحُّ العقد الثاني؛ اتباعًا لشرط الواقف (2).

(وأنه إذا شرط في وقف المسجد اختصاصه بطائفة؛ كالشافعية. . اختص) فلا يصلي فيه ولا يعتكف غيرهم؛ اتباعًا لشرطه، وقطعًا للنزاع في إقامة الشعائر، قال القاضي في آخر (كتاب الحرية): وهو مكروه، والثاني: لا يختص؛ لأن جعل البقعة مسجدًا؛ كالتحرير، فلا معنى لاختصاصه بجماعة، وقال الإمام: إنه المذهب (3).

(كالمدرسة والرباط) أي: فإنه يختص فيهما قطعًا؛ كما صرح به المتولي وغيره، ونقل بعضهم فيه إجماعَ المذاهب الأربعة.

(ولو وقف على شخصين ثم الفقراءِ فمات أحدهما. . فالأصحُّ المنصوص) في "حرملة"(أن نصيبه يصرف إلى الآخر) لأن شرط الانتقال إلى الفقراء انقراضهما جميعًا، ولم يوجد، وإذا امتنع الصرف إليهم. . فالصرف إلى من ذكره الواقف أولى، والثاني: أنه يصرف للفقراء؛ كما أن نصيبهما إذا انقرضا يكون لهم، قال الرافعي: والقياس: وجه ثالث، وهو ألّا يصرف إلى صاحبه، ولا إلى المساكين، ويقال: صار الوقف في نصيب الميت منقطع الوسط، ثم صرح بعده بقليل بحكايته وجهًا عن صاحب "الإفصاح"، واقتضى كلام "الشرح الصغير" ترجيحه، قال في "الروضة":

(1) فتاوى ابن الصلاح (1/ 382).

(2)

فتاوى ابن الصلاح (1/ 344).

(3)

نهاية المطلب (8/ 398).

ص: 462