الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
النكاح والطلاق
وفيهما خمس وعشرون قاعدة:
القاعدة الأولى:
أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم
. (1)، لم كان النكاحُ ينعقد إذا كانوا مُطيِقين للوطء، وللولي الإجازة أو الرد، وكان الطلاق لا ينَفَّذُ (2)؟ فنقول أولًا:
الإشكال يتحقق من حيث إن النكاح من خطاب التكليف لا من خطاب الوضع، كما أن الطلاق من خطاب التكليف لا من خطاب الوضع. ولما كان الامرُ كذلك كان الظاهر تسويةَ البابيْن بِحَسبه في الانعقاد أو عدمه.
(1) هي موضوع الفرق المائة والاربعين بين قاعدة أنكحة الصبيان تنعقد إذا كانوا مطيقين للوطءِ وبين قاعدة طلاقهم لا ينعقد". جـ 3، ص 101 من كتاب الفروق للإِمام شهاب الدين أحمد بن ادريس القرافي رحمه الله. الطبعة الأولى بدار إحياء الكتب العربية، سنة 1346 هجرية، وهي الطبعة المعتمَدة عندي في الرجُوع إليها فيما يتصل بالتحقيق والمراجعة والتصحيح.
قال عنه القرافي في أوله: وَوَجْهُ الإشكال فيهما، والجامعُ بينهما، أن خطاب الوضع - كما تقدم - هو الخطاب بالأسباب والشروطِ والموانِع والتقادير الشرعية، وهي لا يُشترط فيها التكليف ولا العِلم، ولذلك نوجب الضمان على الصبيان والمجانين، ونُطَلِّقُ بالإِعسَار وإن كان معجوزا عنه وغيرَ مشعُور به، وكذلِك بالإِضرار، ونُوَرث بالأنساب وإن لم يشعر به الوارث ولا هو من مقدوره، لأن ذلك من باب خطاب الوضع الذي معناه أن صاحب الشرع قال: إذا وقع هذا في الوجود فاعلَموا أني قد حكمتُ بهذا، بخلاف خطاب التكليف يُشترَط فيه القدرة على المكلَّف به، والعلمُ به.
وقد علَّق الفقيه المحقق العلَّامةُ الشيخ قاسم بن عبد الله الأنصاري المعروف بابن الشاطِ رحمه الله، على ما جاء عند القرافي في أول هذا الفرق فقال: قلت: "فيما فرق به هنا نظَر" اهـ.
وقوله: ونُوَرث بالأنساب، لعله بالنسب بالإفراد، حتى ينسجم مع الضمير العائد عليه بالإفراد
(2)
كذا في جميع نسخ ترتيب الفروق: لا ينفَّذُ. وعند القرافي: "لا ينْعقد"، والفرق بين الكلمتين ومدلولِهما واضح لدى السادة العلماء، ومعروف لدى كافة الفقهاء.
فالجواب أن الطلاق لما كان يحْدِثُ حِرْمة، (3) لم ينفَّذ عليه، من حيث إنه ليس أهْلا للتكليف به. ولما كان النكاح يُحْدث إباحة الوطء، وكان الصبي أهلا للإِباحة أن تَتَعلق به، وللندب، وللكراهة، وليس أهْلًا للوجوب ولا للتحريم، وقع مِنْ الفرق ما وقع.
قلت: إن كان الطلاق سببَ تحريم الوطء فالنكاح سبب وجوب النفقة عليه، وأيضا فهذا لا يتمشى على قول القاضي أبي بكر: لو أوجب الله علينا شيئا لوجب، سواء توعَّد بالعقاب على ترْكِه أوْ لا، فليس من ضرورة الوجوب والتحريم العقابُ.
قال شهاب الدين: فإن قلت: الْإِتلاف سبب وجوب الضمان، والوجوبُ تكليف، وقد انعقد في حقه، فيجب على الولي الإخراج من مال الصبي ذلك، فإن أخر ذلك للبلوغ وجب على الصبي في ماله، وخوطب حينئذ، فقد تأخر الوجوب الذي هو مُسَبَّبُ الإِتلاف إلى بعدِ البلوغ، فلِمَ لا ينعقد الطلاق في حقه ويتأخر التحريم إلى بعد البلوغ عند حصول أهلية التكليف، كما قلتم ذلك في الإِتلاف، وكلاهما سبب وضْعِيٌّ. يقتضي التكليف؟ .
ثم قال:
قلت: الاصلُ تَرَتُّبُ المسبَّبات على أَسبابها، والتأخرُ عنها خلاف القواعد، والإِتلاف لم يتَعين فيه تأخرُ مُسَبَّبِه عنه، لإِمكان الإِخراج حالةَ الإِتلاف من مال الصبي. وأمَّا الطلاق فيتأخر فيه التحريم الأمَدَ الطويلَ -ولابُدَّ- إلى حين البلوغ، فلا جَرَم لم ينعقد في حقِّه (4) لأنه ليس سببَ إباحة فيترتب عليه مُسَبَّبُهُ في الحال،
(3) حِرمة بِكسْر الحاء من التحريم، كما هو واضح من السياق والكلامِ الآتي بعدُ.
(4)
كذا في جميع النسخ من هذا الترتيب والاختصار للفروق، وكذا في هذا الفرق عند القرافي:
"لا جَرَم لم ينعقد"، ولعل الصوابَ إضافةُ أن المصدريةِ، فيكون المعنى: فلا جَرَمَ عدَمُ انعقاده في حَق الصبي، أو إضافةُ إنْ الشرطية، فيكون المعنى: فلا جرم إن لم ينعقد الطلاق في حق الصبي الذي أوقعه وصدَر عنه، أي لا إشكال في ذلك ولاشكَّ ولا عجَبَ فيه. فلا بدَّ إذن من إضافة أحَدِ الحرفين أو تقديرهِ موجودا في العبارة، لأن كلمة لَا جرم تاتي في كل آيةٍ من القرآن الكريم مقرونةً بحرف أن المصدرية، مثْلُ قوله تعالى:"لا جَرَمَ أن الله يعلم ما يُسِرُّون وما يعلنون"، ولذلك فهى تُؤَوَّل مع الكلمة التي بعدها بالمصدر، إثباتا أو نَفْيًا. اهـ