الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم قال: ولما كانَ التكفيرُ مرتَّبا على المصائب لم يَجُزْ أن يقال للمريض: اللهم اجعل له هذا المرض كفارةً، فإنه نخصيل للحاصل، وفيه قلةُ أدب، وهذا لا يجوز كما تقرر في الأدْعية (195).
قلت: قد مضى ما في الأدعية من الصواب في ذلك.
قلت: وهذا الذي قاله في هذه القاعدة يرده الحديث الصحيح،
قال عليه السلام: "ما من مسلم تصيبه شوكة إلا رفعه الله بها درجة وحط عنه بها خطِيئَةً". والحديث أخرجه مسلم، رحمه الله، والله أعلم.
القاعدة الخامسة عشرة:
في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه
(196).
إعلم أنه جاءت المَدْحةُ (197) بأن يكون العبدُ لا يخشَى إلا اللهَ، وجاء
= تعظنا فيه) فوعظهن "أيُّما امرأةٍ مات لها ثلاث من الولدِ كانوا لها حِجابا من النار، قالت امرأة: واثنان؟ قال: واثنان". رواه الشيخان البخاري ومسلم، والنسائي رحمهم الله. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من قدَّم ثلاثَةً لم ييلغوا الحُلُمَ (أي البلوغَ) كانوا له حِصنا حصينا من النار، قال أبو ذر: قدَّمتُ اثنين، قال: اثنين، فقال أبيُّ بن كعْب سيدُ القُرَّاء: قدَّمتُ واحدا، قال: وواحداً، ولكن إنما ذلك عند الصدمة الاولى" أي يكون الثواب أعظم إذا تحلى الوالد بالصبر عند الصدمة الأولى من المصيبة. رواه الترمذي رحمه الله.
(195)
علق الشيخ ابن الشاط على كلام القرافي في هذه الفقرة فقال: "ما قاله القرافي في هذا الفصل ليس بصحيح، ولا مانِعَ من الدعاء بتحصيل الحاصل، أي المعلومِ الحصول، إذ ذاك مراده هنا، ولا وجه لقوله: إن ذلك قلة أدب ح الله تعالى. كيف وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كانَ يدعو لنفسه الكريمة بالمغفرة ح العلم بثبوتها له، وما المانع أن يدعو بذلك غيره أو يدعو له، لعدم علمه بحصول شرط التكفير والغفران، وهو الوفاة على الإيمان، والله أعلم.
(196)
هي موضوع الفرق الخامس والستين والمائتين بين قاعدة الخوف من غير الله تعالى، المحرم، وقاعدة الخوف من غير الله تعالى، الذي لا تحْرُمُ" جـ 4. ص 237.
وقد علق ابن الشاط على ما جاء في هذا الفرق بقوله: ما قاله القرافي فيه صحيح، او نقْلٌ لا كلام فيه.
(197)
كذا في ع، وح. وفي ت: جاء المدح، وهوَ الانسب ح قوله بعْدُ: وجاءَ النهي عن خشية الناس.
كذا في ع. وفي ح: لموضع جلالة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي. ت: هذه الفقرة: محذوفة.
النهي عن خشية الناس، فقال تعالى:{فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي} ، (198) وقال تعالى:{وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} ، يقال: المراد بهذا الخوفِ المنهي عنه أن يُؤْثَرَ على خوف الله [تعالى] حتى يُترَكَ به واجب أوْ يُفعلَ به حرام.
(198) وأوَّل هذه الآية قول الله تعالى في الامر باستقبال بيت الله الحرام عند الصلاة: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} : سورة البقرة الآية 150. وكذا وردت هذه الآية في سورة المائدة، الآية 3.
والآية الاخرى في شأن تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بزوج زيد بن حارثة، وأولُها قول الله تعالى خطابا لنبيه الكريم:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} . سورة الاحزاب الآية 37.
وهذا الموضوع كان مجال درس حسني قيم لمعالي وزير: الدكتور عبد الكبير العلوي المدغري ألقاه بين يدي امير المومنين في رمضان المبارك لعام 1409 هـ - 1989 م بعنوان "حرية الفكر"، انطلاقا من حديث الامام أحمد في مسنده، والامام ابن ماجه سننه عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحقر أحدكم نفسه، قالوا: يا رسول الله، كيف يحقر أحدنا نفسه؟ . قال: يَرَى أمراً لله، عليه فيه مقال، ثمّ لا يقول فيه: فيقول الله عز وجل له يوم القيامة: ما منعك أن تقول في كذا وكذا؟ ، فيقول: خشيةُ الناس، فيقول الله:"فإيَّايَ كنتَ أحقَّ أن تَخشى"، وقد طبع هذا الدرس الحسني مع الدروس الحسنية القيمة التي القيت في ذلك الشهر، وصدرت مجموعة في كتاب في شهر رمضان المبارك لعام 1410 هـ، كما صدر في كتيب خاص به، ومترجم إلى ثلاث لغات اجنبية، بعنوانه السَّابق:"حرية الفكر".
ومما قاله القرَافي هنا قوله: ومما ورد في هذا الباب (اى باب الخوف الحرام)، وهو قليل أن يُتفطَّن له، قوله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} ، فمعنى هذا التشبيهِ في هذه الكاف قَلَّ من يحققه، وهو قد ورد في هذا الباب في سياق الذم والإنكار، مع أن فِتنة الناس مؤلمة، وعذابُ الله مؤلم، ومن شبَّه مؤلما بمؤْلمٍ فكيف ينكَر عليه هذا التشبيه، ومُدرَك الإنكار بيّنٌ، وهو أن الله تعالى وضع عذابه حاثاً على طاعته، وزاجراً عن معصيته، فمن جعل أذِية الناس حاثة على طاعتهم في ارتكاب معصية الله تعالى وزاجرة له عن طاعة الله، فقد سوَّى بين عذاب الله وفتنة الناس في الحث والزجر، وشبه الفتنة بعذاب الله من هذا الوجه، والتشبيهُ من هذا الوجه حرام قطعا، موجب للتحريم واستحقاقِ الذم الشرعي، فأنكر على فاعله ذلك، وهو من باب خوف غير الله، المحرّم، وهو سر التشبيه ها هنا.
وهذه الآية جآت في سورة العنكبوت. الآية: 10 - 11، وتمامها:{وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ} .