الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن الثاني، قال الدارقطني: هو موضوع. وعن الثالث أنا نقْلِبُهُ، فنقول: عقد معاوضة، فلا يثبت فيه خيار الرؤية كالنكاح.
حجة الشافعي القياسُ على السَّلَم في المعيَّن وإن وُصِف، ونهيُه عليه السلام عن بيع المجهول.
والجواب عن الأول أن السَّلَمَ، مِن شرطه أن يكون في الذمة، والمعيَّنُ لا يكون في الذمة.
وعن الثاني أن الصفة تنفي الجهالة، لقوله تعالى:{فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} (36).
القاعدة التاسعة:
أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز
، (37) فأقول:
(36) سورة البقرة: الآية 89.
(37)
موضوع الفرق الثامن والثمانين بين قاعدة تحريم بيع الربوي بجنسه وبين قاعدة عدم تحريم بيعه بجنسه". جـ 3. ص 251. لم يعلق عليه الشيخ ابن الشاط بشيء.
والربوي نسبة إلى الربا، لكونه يحرم فيه، فالمراد كل ما يحرمُ فيه التعامل بربا الفضل والنّسَاء عند اتحاد الجنس من طعام وغيره، لكونه مما يقتاته الناس ويتعيشون به، ويمكن ادخارُه والاحتفاظ به لوقت الحاجة، (وذلك شأنُ المطعومات التي تقوم بها بِنْية جسم الانسان وحياته، أو لكونه متموَّلا وقيمة للاشياء تُقَوَّمُ به، وذلك شأن النقدين من الذهب والفضة حيث كان التعامل بهما، وكما هو مستفاد من حديث الموضوع.
والى ذلك يشير الشيخ خليل بن اسحاق المالكي رحمه الله في: مختصره الفقهي المشهور من باب البيوع في شأن الطعام حيث قال: فصْلٌ: علة طعام الربا اقتيات وادّخار، وهل لغلبة العيش؟ تاويلان، كحَب وشعير وسُلْتٍ وهي جنس، وعدَس وأرز وذُخْنِ وذُرة، وهي أجناس، وقطنية وهي أجناس، وثمر وزبيب، ولحم طير وهو جنس
…
الح. اي علامة حكمة حِرْمة الربا في الطعام من حبوب الزرع وغيرها كونُه مما يُقتَاتُ ويصْلُحُ للاحتفاظ به لوقت الحاجة والانتفاع به، وهل يُشترَطُ مع ذلك. كونُهُ مُتَّخَذاً للعيش غالبا أو لا يشتَرَطُ معهما اتخاذُه للعيش غالبا؟ في الجواب عن هذا الشرط تاويلان لقول المدونة، وكلاهما في الموضوع، والتوسع فيه مبسوطٌ في كتب الفقه).
ثبتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "الذهبُ بالذهب
…
" فذكر ستة أشياء من الربويات (38)، واشترط في بيع بعضها ببعض مِن المِثليات التماثلَ والتَّناجُزَ، فقال: "مِثْلا بمِثْلٍ، هَابِهَا، في كل واحد من الستة إذا بيعَ بجنسه.
ولمَّا كان هذا الحديث قد خرج باشتراط المماثلَة في بيع الجنس بجنسه عَرَضتْ حالتان: حالة واحدة، فيها تَحقُّقُ عدَم المماثَلةِ، فوقع الاتفاق على أنهَا لا تجوز، وذلك إذا كانَ الرِبويَّانِ مستوييْن في المقدار، ومعَ أحدِهما غيْرُ الآخَرِ كدينار بدينارٍ وزيادة. وكان الاتفاق على عدم جوازها، من حيث إن الحديث نصَّ على منعها، وحالة اخرى، الزيادة فيها ليست محقَّقة، وذلك كبيع ديناريْن بدينارٍ في قرطاس، فيمكن هنا أن يقال: القِرطاس في مقابَلة الدِينار الواحد، والدينار الآخر في مقابَلة الدينار الآخر، فلم تَحْصُلْ الزيادةُ بِتَحْقيق، (38 م) وكذا قال أبو حنيفة، ومنع مالك من ذلك، لأن المماثلة شرط في الجواز، وحصولُها ليس بمحقَّقٍ. وحديث مسلم في أمر النبي عليه السلام بتفصيل القلادة، حينئذ تُبَاع، دليل على ما قاله مالك. (39).
(38) هي المجموعة في الحديث الصحيح المروي عن عُبَادَة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الذهبُ بالذهب، والفضةُ بالفضة، والبُرُّ بالبُرِّ، والشعيرُ بالشعير، والتمر بالتمر، والمِلح بالملح مِثْلا بمثل، سواءً بسواءٍ، فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد". وفي رواية: "فمن زاد أو استزاد فقد أرْبَى: الآخذُ والمعطِي فيه سواء". وفي حديث آخر صحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذهبُ بالذهب رِباً إلَّا هاوهَا، والبُر بالبرُ رباً إلا هَاوهَا. والشعيرُ بالشعير رباً إلَّا هاوها، والتمر بالتمر رباً إلَّا هاوها" أيْ إلا إذا بيع يداً بيد، ومِثْلا بمثل، فلأ رِبَا حينئذ.
(38 م) كذا في نسخة ع، وح، وفي نسخة ت: فلم تحصل الزيادة تحقيقا.
(39)
ونص هذا الحديث ومضمنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بقلادة وهو بخَيْبَرَ، فيها ذهب وخرْزٌ فمنَعَ بيعَها حتى تُفَصَّلَ، وأمرَ بالذهب الذي في القلادة فنُزع وحْدَه، ثم قال: الذهب بالذهب وزْنا بوزْن". ولأبيِ داود عن فُضَالَةَ رضي الله عنه قال: أوُتِيَ النبي صلى الله عليه وسلم بقلادة، فيها ذهبٌ وخرْز، اشتراها رجلٌ بتسعةِ دنانيرَ أو سبعةٍ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، حتى تميزَ بينهما.
وأجاب الحنفية عنه بأن قالوا: قضية القِلادة واقعةُ عيْنِ، لم يتعين المنع فيها، لما ذكرناه من الجهل بالزِّنة. (40) وقال الحنفية: ظاهر حال المسلمين يقتضي الظن بحصول المماثلة، والظَّنُّ كافٍ في ذلك كالطهارة وغيرها. وقالَتْ المالكية: الرِّبَا شديد فِى الدّين، فلا يكفي فيه الظنُّ كما قلتم في الطهارة. (41).
ثم إذا قلنا باشتراطِ المُمَاثَلة فبأىِ شيء تُعتبرُ؟ فنقول:
أما الحُبُوبُ الْجَافَّةُ فما اعتبره صاحب الشرع من كيل أو وزن، وما ليس فب مِعْيارٌ له شرعيٌّ، اعتُبِرت فيه العادة العامةُ: الكَيْلُ أوْ الوزن، فإن اختلفتْ العوائد فَعَادةُ البَلَدِ، فإن جرتْ العادة بالوجهيْن خُيِّرَ فيهما، وقال الشافعي: ما كان يكال أو يوزَن اعتبر بتلك الحالة في الحجاز، وما تعَذَّرَ كيله اعتُبِر فيه الوزن، وإن أَمكن فيه الوجهانِ اعتُبِر بمشابَهته في الحجاز، فإن شابَه أمرْين نُظِر إلى الاغْلَب، فإن استويا غُلِّبَ الوزن لأنهُ أخص. وقيل: يجوز الوجهانِ، نظراً للتساوي، وقيل: يتعذر بيعُهُ لتعَذر الترجيح. (42).
ثم ما به يُعْرف اتحاد الجنس وعدم اتحاده، (43) فاعلَمْ أن الشارع صلوات الله عليه يعتبر ما هو عمادُ الأقوات، ويُلغيِ تفاوتَ الجوْدة والرداءَة لأنه داعية
(40) الزِنَةُ: مصدرُ الفعل الثلاتي، وزن الشيء يزنُه وَزْناً وزِنَةً، مثل وعَدَ يَعد وَعْداً وعِدَةً.
(41)
عبارة القرافي: "فإن قلتَ: ظاهر حال المسلمين يقتضي الظن بحصول المماثلَة، والظن كافٍ في ذلك كالطهارات وغيرها. قلت: لا نسلِّم أن الظن يكفي في المماثلة في باب الربا، بل لابُدَّ من العلم بمشاهدة الميزان والمكيال، وبابُ الربَا أضيق من باب الطهارة فلا يقاس عليه".
(42)
هذه الفقرة، ابتداء من قوله: ثم إذا قلنا باشتراط المماثلة فبأي شيء تعتبر؟ إلى قوله: وقيل: يتعذر بيعه لتعَذُّرِ الترجيح"، هي من إضافات البقوري في هذا الترتيب والتلخيص لمسائلِ كتاب شيخه القرافي في الفروق. رحمهما الله جميعا.
(43)
هذه الفقرة والمسألة هي موضوع الفرق الحادي والتسعين والمائة بين قاعدة اتحاد الجنس وتعدده (أي اختلافه) في باب ربا الفضل، فإنه يجوز مع تعدده، (اي اختلافه) كما هو مستفاد من نص الحديث "فإذا اختلفت الاجناسُ فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بِيَدٍ)، وهو من الفروق القصيرة والمختصرة عند القرافي، ولم يعلق عليه الشيخ ابن الشاط بشيء، جـ 3. ص 264.
قال القرافي رحمه الله في أوله: إعلم أن الله تعالى جعل الدنيا مزرعةً للآخرة، ومطيَّةً للسعادة الأبدية، فهذا هو المقصود منها، وما عداه فمعزول عن مقصود الشارع في الشرائع، فلذلك يُعتَبَرُ =
السرف، وترتيب الاحكام عليْه خلاف الوضح الشرعي والقانون الحكمي، فلهذا تساوتْ الالوانُ من الاطعمة في الجنسية، لأن مهمتها الإِدام، وتساوتْ الأخْبَاز، لأن مهمتها الاغتذاءُ. (43 م)
وقاعدةٌ أخرى في الفرق، (44) قال أبو الطاهر بن بَشير: الصنعة إذا كثرتْ أو بَعُدَ الزمان صيرتْ الجنس الواحد جنسيْن، وإن قَلَّتْ أو قَرُب الزمان لم تصيره جنسيْن، وإن كانتْ بنار وبِنَقْص الْمُقتاتِ (45) بغير إِضافة شئٍ لم تصيره جنسيْن كشيِّ اللَّحْم وتجفيفه وطبخه بغير مرقة، وبإضافة شيء إليه صيرتْهُ جنسيْن، كتجفيف اللحم بالإِبزار وطبخه بالمرقة. وان كانتْ الصناعة بغير نار وطال الزمان فقولان: المشهور تاثيرُها كخلِّ كالنبيذ من التمْر. والنظرُ في. ذلك كله إِلى الأَغراض من التساوي في المقاصد والتفاوت فيها. (46).
= في نظر الشرع من الربويات ما هو عماد الاقوات وحافظُ قانون الحياة، ومقيمُ بِنْية الأشباح التي هي مراكبُ الارواح إلى دار القرار، ويُلْغَى تفاوتُ الجودة والرداءة لأنه داعية السرف، ولا يُقصَد إلا للتّرف. فلو رتَّب الشرع عليه أحكامه لكان ذلك دليل اعتباره، ومنبِّهاً على رفعة قدْره ومناره، وهو خلات الوضع الشرعي والقانون الحكمي، فلهذا تساوتْ الألوان من الاطعمة في الجنسية، لأنَّ مُهِمَّها (هكذا) الإِدامُ، وتساوتْ الأخبازْ، لأن مُهِمَّها الاغتذاءُ".
(43 م) فى، زاد القرافي هنا بعد ذلك في آخر هذه الفقرة والقاعدة قوله:
"وعلى هذه القاعدة بنى العلماء رضي الله عنهم اتحاد الاجناس واختلافها، وإن كثرتْ فروع هذا الباب وانتشرتْ فهي راجعة إلى هذه القاعدة".
(44)
هذه القاعدة أوردها القرافي في هذا الفرق، فهي من كلامه وليست من إضافة البقوري كما قد يتبادر إلى الذهن.
(45)
كذا في نسختْي ع، وح، بينما هذا السطر كله ناقص في نسخة ت، وعبارة القرافي هكذا:"وإن كانتْ الصنعة بنار، وتنقُصُ المِقدرا بغير إضافة شيءٍ لم تُصَيِّرْه (الجنس) جنسين".
وفي تهذيب الفروق: الضَّعَة (بالضاد) من الوضح، ويكون المراد به حينئذ النقص الذي ينتج عن أثَر الصنعة في الشيء، والجِنس الواحد، فيصير جنسين، كما يتضح ممَّا في هذه الفقرة كلها، فلْيُتأمَّلْ ولْيُحقَّق.
(46)
عند القرافي: التقارب بدل التفاوت، فلَعَّل كلمة التفاوتِ أنسَب. فليتأمل، والله أعلم.