الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأين عمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ غير أنه يجوز أن يحصل للمفضول مالا يحصل للفاضل، ومثل هذا كثير، حتَّى إنه في الموجودات النباتية، فقد يوجد في الشعير من الفضائل مالا يوجد في البُرِّ، وفي المعدنية كالنحاس ما ليس في الذهب.
القاعدة السابعة والعشرون
في تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد
. (305)
فحقُّ الله تعالى أمرُه ونهيْه، (306) وحقُّ العباد مصالحهم، (307).
والتكاليف على ثلاثة أقسام: حق الله تعالى فقط كالإِيمان وتحريمِ الكفر، (308) وحقُّ العبيد فقط كالدُّيُون (309)، وقسم اختُلِفَ فيه، هل يغلَّبُ فيه
سليمان صلى الله عليه وسلم: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص: 35]، فرده الله خاسئاً". قال شارحه الإِمام النووي رحمه الله: هكذا هو في مسلم، "يَفْتِكُ، وفي رواية البخاري: "تَفَلّتَ"، والفَتْكُ هو الأخْذُ في غفلة وخديعة، والعفريت هو المعاني المار من الجن، ومعتى فدعَتُّه بذال معجمة وخفيف العيْن المهملة أيْ خنَقتُهُ، قال الإِمام مسلم: وفي رواية أبي بكر ابن أبي شيبة: فدَعَتُّه بالدَّال المهملة، وهو صحيح أيضا، ومعناه دفعتُه دفعاً شديدا، والدعتُ والدعُّ الدفع الشديد، وأنكَر الخطّابي المهملة وقال: لا يصح، وصحَّحَها غيرُهُ وصوبوها، وإن كانت المعجمة أوضحَ وأشهر، وفي الحديث دليل علي جواز
العمل القليل في الصلاة".
(305)
هي موضوع الفرق الثاني والعشرين بين قاعدة حقوق الله تعالى وقاعدة حقوق العباد". جـ 1. . ص 104.
(306)
علق الشيخ ابن الشاط على هذه الجملة عند الإِمام القرافي رحمه الله، فقال:"قلت: بَل حقُ الله تعالى مُتعلقُ أمره ونهيه، وهو عبادته. قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حق الله على العبادَ أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا".
(307)
قال ابن الشاط: إن أراد حقه (أي العبد) على الله تعالى فإنما ذلك مُلزِم عبادتَه إياه، وهو أن يدخله الجنة ويخلصه من النار، وإن أراد حقَه على الجملة، أي الأمر الذي يستقيم به في أولاه وأخراه، فمصالحه"، أي فذلك أو فتلك مصالحه، حيث يستقيم العبد في أموره وأحواله، ويسعد بذلك في دنياه ودينه، تفضلا من الله ونعمة منه سبحانه على عبده المومن المطيع.
(308)
قال ابن الشاط: قد تقدَّم أن حق الله تعالى على عباده عبادتُهُم إياه، فإن أراد ذلك فصحيح، وإلا فلا.
(309)
قال ابن الشاط: تمثيله هذا يُشْعِرُ لأنه يريد حقوق بعضهم على بعض، وقولُه قَبلُ: حقهُ (اي العبد او العباد) مصالحهم، يُشْعِر بأنه يريد حقوقهم على الجملة.
حق الله تعالى أوْ حقُّ العبْدِ كحد القذف. ونعْني بحق العبد، المحضَ الذي لو أسقطه لسقط، وإلا فما من حق للعبد إلا وفيه حق الله تعالى، وهو أمرُهُ بإيصال ذلك الحق إلى مستحِقه، فيوجَد حق الله تعالى بدون حق العبد، ولا يوجد حق العبد بدون حق الله تعالى. (310)
وكثير من الحقوق التي لله تعالى وليس للعبد إسقاطها هي مصالح للعبد كتحريم الربا، وتحريمِ تضييع المال، (311) وتحريمِ المسْكِرات، وتحريم السرِقَة، وتحريم القتل، وتحريم الغِيبة، فهذه كلها مشتملة على مصالح العبيد. (312)
(310) قال ابن الشاط، بعْدَ أن قرر القرافي قبلُ، أن حقّ العبد مصالحه على الِإطلاق: قصَر كلامه على بعض ما يتناوله ذلك الإِطلاق من التفاصيل، وهو حَقُّ بعضٍ العباد على بعض، وترك الكلام على غير ذلك من مصالح العباد، فلم يكن كلامه منتظِما كما يجبُ.
(311)
زاد القرافي قوله: ولو رضى العبد بذلك لم يُعْتَبر رضاه.
وقال ابن الشاط: ما قاله القرافي في ذلك صحيح.
(312)
عبارة القرافي ذكرت هذه الحقوق مع بيان حكمتها ومقاصدها، حيث جاء فيها قوله:
"وكذلك تحريمه تعالى السكراتِ، صونا لمصلحة عقل العبد عليه، وحرَّم السرقة صونا لماله، والزنى صونا لنسبِه، والقذْفَ صونا لعِرضه، والقتل والجَرح صونا لمهجته وأعضائه ومنافعها عليه، ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك لم يُعتَبر رضاه ولم ينفَّذْ إسقاطه.
وعقب عليِه ابن الشاط بقوله: أما في القتل والجرح فرضاه معتبَر، وإسقاطه نافذٌ.
قلت: وبهذه العبارة والفقرة للقرافي يظهر نوع من الاختصار وجانبٌ من الايجاز عند البقوري رحمه الله، مما سأتناوله في دراسة لاحقة وخاصة بهذا العالم الجليل وكتابهِ هذا إن شاء الله وبعونه وتوفيقه، فقد اختصر فيه الإِشارة إلى القاصد التي لأجلها حرم الشرَع تلك الأمور ونهى عن ارتكابها والوقوع فيها.
وهي المقاصد الضرورية التي جاءت بها وبحفظها كلَّ ملة، وجمعتها الشريعة الإسلامية، واسْتوعبَتْها الملة المحمدية التي ختم الله بها النبوة والرسالة، وفي ذلك يقول بعضهم:
الدّين والنفس وعقلٌ ونسَبْ
…
والمالُ والعرض فحفظُها وجَبْ
في كل ملة لحكمة أتتْ
…
حُدُودها من أجْلها قد حُفِظتْ
وهو مضمون بيت عند الشيخ اللقاني في منظومته جرهرة التوحيد، حيث جاء فيه:
وحِفْظُ دين ثم نفسِ مالٍ نَسَبٍ
…
ومثلُها عَقْلٌ وعِرضْ قد وجَبَ
وختم القرافي هذه الفقرة بقوله في هذه المسائل المشتملة على مصالح العباد عند التأمل واستعمال النظر، فقال: فتأمل ذلك بها ذكرتهُ لك من النظائر تجده، فتحجير اللهِ على العبد في هذه المواطن لطفا به، ورحمةً من الحق سبحانه.
قال شهاب الدين رحمه الله: في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال: "حق الله على العبيد أن يعبُدوه ولا يشركوا به شيئا"، فهذا يقتضي أن حق الله تعالى نفس الفعل لا الأمرُ به، وهو خلاف ما قلناه. والظاهر أن الحديث أوِّلَ، وأنه من باب إطلاق الأمر على متعلّقه، فأطلق الحقَّ على متعلَّقه الذي هو الفعل. (313)
(313) قلت: أورد القرافي رحمه الله هذه الفقرة تحت عنوان "تنبيه"، فذكرَ أن ما تقدتم له من أن حق الله تعالى أمرُهُ ونَهْيه، أمر مشكِل، ثم أتي بالحديث المذكور إلى آخِرِ كلامه في هذه الفقرة عند البقوري رحمه الله.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على ذلك بقوله:
جميع ما قاله القرافي هنا غير صحيح، وهو نقيض الحق وخلاف الصواب، بل الحق والصواب ما اقتضاه ظاهر الحديث من أن الحق هو غير العبادة، لا الأمرُ المتَعلِّق بها.
ثم زاد ابن الشاط قائلا: ومِنْ أعجب الأمور قوله: "فظاهره (اي الحديث) معارض لما حَرَّره العلماء من حق الله تعالى، كيفَ يحرر العلماء ما يخالف قول الصادق المصْدوق؟ !
ويَاليْتَ شعْرِي، مَنْ هؤلاء العلماء؟ كيف يصح القول بأن حقَّ الله تعالى هو أمرُه ونهْيُهُ، والحَقُّ معناه: اللازم له على عباده، واللازم على العباد لابدَّ أن يكون مكتسَباً لهم، كيف يصح أن يتعلق الكسْبُ بأمره، وهو كلامُه وصفتُهُ القديمة، وهذا كله كلام من ليس بن التحصيل بسبيل، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله.
قلت: يظهر - والله أعلم - أن كلام كل من هذين العالمين الجليلين، والفقيهين الفاضلين: القرافي وابن الشاط رحمهما الله يحتاج إلى تأمل ونظر، لعله يجد فهما صحيحا ووجهاً سليماً ومَحْمِلا مقبولا يجعل كلام كل منهما صائبا وسديدا يمكن معه التوفيق بينهما. وبيان ذلك أن يقال: حق الله تعالى على عباده هو أمره نهيه، كما قال القرافي وبعض العلماء، على اعتبار أن ذلك من حق الله سبحانه وأنه أهل له، فهو رب العالمين العليم الحكيم، خالق الكون والناس اجمعين، ومن حقه سبحانه وتعالى كذلك على عباده أن يعبدوه ويطيعوه بما أمرهم به من الواجبات، وما نهاهم عنه من المنهيات، وأن يخضعوا له بكل ذلك، ويخلصوا له الدين فيه، وكل دلالةٍ منفردةٍ. للحق بهذا المعنى، مُسَلَّمةٌ عند العلماء وغيرهم من كافة المسلمين، وعلى هذا، يصدق حق الله تعالى في دلالته على الأمرين معا وشموليته لهما، ويجمع بين أقوال العلماء في ذلك على هذا الأساس والفهم والتأويل القريب.
فالتحقيق الذي حرره العلماء في دلالة حق الله على أمره ونهيه سبحانه لعباده، وانتهوْا إليه نظريا، وحكاه القرافي عنهم، لا ينبغي أن يُفهَم على أنهم حرروا ما يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم، فهُم رضي الله عهم- في مُجْملهم وَجميعهم اكثر الناس ورَعا، وتقوى وخشية من الله، وهم أوسع. الناس وأدقهم فهماً لكماب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهم لذلك أبعد الناس على المخالفة والابتداع، وأحرصُهم على الموافقة والاتباع، والاقتداء بنبيهم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وهو الأسوة الحسنة لمن كان ورجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا. وما قد يصدر =