المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما به يكون الضمان - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما به يكون الضمان

‌الضمان

وفيه قاعدتان:

‌القاعدة الأولى:

نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

، (1) فأقول:

إعْلَمْ أن أسباب الضمان في الشريعة ثلاثة أشياء لا رابعَ لها:

أحدها العُدْوان، كالقتل والإحراق وهدْم الدُّور وأكل الأطعمةِ، وغيرِ ذلك من الأسباب لِتلَف الأموال الممَوَّلات، فيجبُ الضمانُ بذلك، (2) والمضمونُ المِثْلُ إن كان مِثْلِيًّا، أو القيمةُ إن كان لا مِثْلَ له، أو غيرُ ذلك من الجوابر على ما تقدم في قاعدةِ الفرق بين الزواجر والجوابر.

وثانيها التسبُّبُ للإِتلاف، كحفْر بئر في طريق حيوانٍ (3) يحْفرها غيرُ مالِكِها، أو مالِكُها إذا قصَدَ تلف الحيوان بها.

وأمثلة السبب كثيرة، ولكنها منها متّفَقٌ عليه، ومنهَا مخَتَلَفٌ فيه كتقْطيع الوثيقة بالحق، مالك يقول بالضمان لمَا فيها، والشافعي لا يَرَى إلا بضمانِ ثمَن الورقة خاصة.

(1) هي موضوع الفرق السابع عشر والمائتين بين قاعدة ما يوجب الضمان وقاعدة ما لا يوجبه". جـ 4. ص 27. وهذا الفرق مع طوله نسبيا لم يعلق عليه بشيء الشيخ ابن الشاط رحمه الله.

(2)

في نسخة ح: يجب بدون الفاء، وفي نسخة ت: فتوجب الضمان لذلك.

(3)

كذا في نسختى ع، وت، وفي نسخة ح: في طريق الجواز يحفرها غير مالكها.

وعبارة القرافي هنا رحمه الله هي قوله: وثانيها التسَبُّبُ في الإِتلاف كحفر بئر في موضع لم يوذَنْ فيه، ووضْعِ السموم في الاطعمة، ووقود النار بقرب الزرع أو الأندَرِ، ونحو ذلك مما شأنَهُ في العادة أن يُفضىَ غالبا للإتلاف.

ص: 188

وثالِثُها وضعُ الْيَد التي ليست بمؤتَمَنَةٍ. وقَوْلِى: ليست بمؤْتَمَنَة، خيرٌ من قولى: اليدُ العادية (4) فإن العادية تختص بالسُّرَّاقِ والغُصَّابِ ونحوهم، وتَبقى الموجِبة للضمان بغير عدْوانٍ، بل بإذن المالك، كقبض المشترى للمبيع بيعًا فاسدا فيُتْلِفُهُ أو يَتْلفُ بآفة سماوية عند مالك، أو بحوالَةِ الأسواق. ووضْعُ اليد عند مالكٍ في الاجارة يختلفُ، فهو عنده على الأمانة كالقراض والوديعة والمساقاة، وأيدي الأوصياء على أموال الايتام والحكام على ذلك، وأموال الغائبين والمجانين، فهذه لا ضمان فيها.

وخرج مِن الإِجارة صورتانِ قال بالضمانِ فيهما:

الواحدة: الأجِيرُ الذي يؤَثِّر بصنعته في الأعيان كالخَيَّاط والصَّباغ والقصَّارِ، (5) لأنَّ السلعة إذا تغيَّرت بصنعتها لا يعرفها ربُّها إذا وجَدَها قد بيعت في الأسواق، فكان الأصلحُ للناس تضمينَ الأجراء في ذلك، وهو من باب الاستحسان (6)، ولم يَرَهُ الشافعى، بل طردَ قاعدة الأمانة في الإجارة.

(4) العادية: الجائرة الظالمة، المعتدية، مِن الفعل، عدا عليه يعْدو إذا جار عليه وطغى واعتدى وتَجَبَّر. ويقال: عَدا في سَيره يعدُو عدْوًا بمعنى أسرع.

ومن الاول قول جعفر بن أبي طالب رضىِ الله عنه أمام النجاشي ملك الحبشة لما هاجر إليها. جمعٌ من الصحابة رضوان الله عليهم الهجرَة الأولى إلى الحبشة، فرارًا بدينهم وعقيدتهم من تضييق المشركين عليهم وإذايتهم للمسلمين: قال جعفر: فَعَدَا علينا قومُنا وجاروا علينا، فخرجنا مهاجرين الي أرضك".

ومن المعنى الثاني قول الله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . سورة الأنعام. الآية 108. فهى تحتمل العدْوَ بمعنى السرعة، وبمعنى الجهل والاعتداء، كما ذكره بعض المفسرين، رحمهم الله.

(5)

القصار هكذا بصيغة المبالغة يطلق على من يغسل الثياب ويُبَيِّضُهَا، وخاصة ثياب الصوف والأغطية منه، حيث يحررها ويرخيها، كما هو معروف من هذه الحِرفة والصناعة.

(6)

قال العلامة أبو الوليد ابن رشد رحمه الله في كتابه المقدمات:

"الأصلُ في الصُّناع ألَّا ضمانَ عليهم وأنهم مؤتمَنون، لأنهم أجراء، وقد أسقط النبيُّ صلى الله عليه وسلم الضمان عن الأجراء في الائتمان، وضمَّنوهم نظرا واجتهادا، لضرورة الناس إلى استعمالهم. فلو علِموا أنهم يؤتَمنون ولا يضمنون، ويُصَدَّقون فيما يدَّعون من التلف لَتَسَارعوا إلى أخذ أموال الناس واجْتَرأوا على أكلها، فكان ذلك ذريعة إلى إتلاف الأموال وإهلاكها، وللحِقَ أربابَ السلع في

ذلك ضرر شديد، لأنهم بين أن يدفعوها إليهم فيُعَرضوها للهلاك، أو يمسكوها مع حاجتهم إلي استعمالها فيضر ذلك بهم، إذ لا يُحْسِنُ كلُّ أحد أن يخيط ثوبه ويعمل جميع ما يحتاج إلى

ص: 189

الثانية: الأجيرُ على حمْل الطعام الذي تتشوف النفوس إلى تناوله كالفواكه والأشربة والأطعمة المطبوخة، والشافعي طَرَدَ ما قاله في الاجارة كما قلنا قبل هذا، فَلم يقُلْ بالضمان في شيءٍ أصْلًا من هذا الباب، أعنِى بابَ الاجارة، وقد تقدم في الاجارة ذِكْر الصورتيْن، فهذا ما به يقعُ الضمان.

فإذا اجتمع سَبَبَاَنِ: المباشِرُ والسببُ من جهتينَ غُلِّبَ المباشرُ فكان الضمان به، كَمَنْ حفر بئرًا ليقع فيها حيوان، فجاء آخَرُ وألْقاه فيها (7)، الضَّمان على الذي ألقاه لا على الحافِرِ، لأن شأن الشريعة تقديمُ الرَّاجح، إلا أن يكون المباشِرُ مامورًا كقْتلِ المكرَه، فإن القصاصَ يجب عليهما، أو يجبُ على المسبِّب وحده دون المباشِر كشهود زور فينَفِّذُ الحاكم الحكومة ثم يعترفون، فالضمانُ على الشهود دون الحاكم، ووقع في الباب مسائلُ كثيرة مختلَفٌ فيها، والقاعدة هي ما قرّرنا في أسباب الضمان وعدمه، والله أعلم.

قلت: وذَكَرَ شهاب الدين رحمه الله فرقا آخَرَ وهو هذا بعينه، لكنه زاد فيه مسألتين، رأيت ذكْرَ المسألتين فقط هنا مع شيء يسير من الخلاف الواقع بين الفقهاء لا غيرُ.

من الخلاف أولًا أنّ أبا حنيفة لا يرى أن السبَبَ يوجب الضمان إلّا في الزِّرّ إذا حلّه فيَبْدُو ما فيه، وأمّا غيْرُ هذه الصورة كفتْح قَفَصٍ فيه طائر فيطيرُ، لا ضمان عنده فيه ولا في غيره إلّا ما ذُكر. ومالِكٌ يرى الضمان في هذا وفي

= استعماله، فكان هذا من الامور العامة الغالبة التي تجب مراعاتها والنظرُ فيها للفريقين جميعا، فكان الحض في دفعها إليهم على التضمين حتى إذا عُلِمَ إهلاكها بالبينة من غيرِ تضييع، لم يَضمنوا، لإزالة الضرر عنهم، كما إذا لم يُعلم الهلاك والتلف ضمِنوا، لإزالة الضرر عن أهل الاموال، هذا قول مالك رحمه الله أنهم ضامنون لِما غابوا عليه وادعَوا تلفه ولم يُعلَم ذلك إلا بقولهم، ولا ضمانَ عليهمِ فيما ثبت ضياعه بالبينة من غير تضييع. وتابَعه على ذلك جميع اصحابه إلا أشهبَ، فإنه ضمنهم وإن قامت البينة على التلف، وكذلك الرهن عنده، قياسا على العارية أنها مؤدّاة، للحديث. وللفقيه العلامة الشهير المالكي الحسن بن رحال المعدني التدلاوي: مخطوط صغير مفيد في موضوع تضمين الصناع، تحت رقم 1418 د. خ. ع بالرباط.

(7)

في جميع النسخ أعيد الضمير على البئر بصيغة المذكر، مع أنها مؤنث المعنى، وهو ما عند القرافي، ومنه:"بئر معطَّلَة"، في قوله تعالى:{فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} [الحج: 45].

ص: 190

غيره، فيقول بالضمان للطائر مطلقا، سواءٌ طار عقب الفتح أو بعْدَ ذلك، والشافعي يقول: إن طَارَ عقِبَ الفتح ضِمنَ وإِلا فَلَا.

لنا أن هذه الصورة سببُ الإتلاف عادةً فتُوجبُ الضمان كسائر صُوَرِ التسَبُّبِ المجمع عليها (8).

احتجوا بأنها إذا اجتمع المسبِّب والمباشِر اعتُبِرتْ المباشَرَةُ دونه، والطيرُ مباشِرٌ باختياره لحركة نفسِهِ، والحيوان قصْدُه معتبَر، بدليل جوارح الصّيْد، إن أمسكت لنفْسها لَا يُوكَلُ، أو للصائد أُكِلَ.

والجواب لا نُسَلِّمُ أن الطير كان مختارًا للطيران، ولعَلَّه كان مختارًا للإقامة، لانتظار العَلف أو خوف الجوارح، وانما طار خوفا من الفاتح، وإذا احتمل هذا والسببُ معلومٌ، فيضاف الضمان إليه، كحافر البئر يقع فيها حيوان مع إمكان اختياره لنزولها. (9) ولا نسلِّم أن الصيد لا يُوكل إذا أكَل منه الجارحُ، (10) سلمناه،

(8) فرق القرافي هنا رحمه الله بين السبب والتسبب فقال في حد كل واحد منهما وتعريفه بالسبب ما يقال عادة: حصل الهلاك به من غير توسط، والتسبب ما يحصل الهلاك عندهُ بعلة اخرى إذا كان السببُ هو المقتضيَ لوقوع الفعل تلك العلة، كحفر البئر في محل، عدوانا، فيتردى فيها بهيمة أو غيرها، فإن أرْداها غير الحافر فالضمان عليه دون الحافر، تقديما للمباشِر على التسبب، ثم قال: ويضمن المُكْرَهُ على إتلاف المال، لأن الإكراه سبب وفاتح القفص بغير إذن ربه، فيطير ما فيه حتى لا يُقدَرَ عليه، والذي يحُلَّ دابة من رباطها أو عبدا مقيدا خوف الهرب فيهرب، لأنه متسبب، كان الطيران أو الهرب عقب الفتح والحلّ أم لا.

(9)

قال القرافي هنا: وأما القاء غير الحافر للبئر انسانا، أو القاؤه هو نفسه في البِئر، فالفرق أنَّ قصد الطائر ونحوه ضعيف، لقوله صلى الله عليه وسلم:"جَرْحُ العجماء جُبَارُ"، والآدميُّ يضمن، قصدَ أو لم يَقصِدْ، فهذا هو تقرير قاعدة ما يوجب الضمان وقاعدة ما لا يوجبه. والعجماء، الحيوان، ويجمع على عجماوات.

(10)

الجارح، وجَمْعُه جوارح، المراد به: الكلب أو الصقْر الباز المعَلَّم والمدرَّب على اصطياد الصيد من الطير ونحوه، والإتيان به لصاحبه حين اصطياده، وقد يجرح ذلك الكلبُ المعلَّم والبازي ذلك الصيد المصطادَ وينالُ منه بمخلبه، وظفرْه، فيوكل ذلك الصيد إذا كان مما يباح اكله شرعا، وذكَر صاحِبُه اسمَ الله عليه عند ارسال الكلب (والبازي للصيد والاتيان به). وإلى ذلك تشير الآية الكريمة في قول الله تعالى:{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4].

وأحكام وتفاصيل هذا الموضوع مبسوطة في كتب التفسير وشروح الحديث والمؤلفات الفقهية.

ص: 191

لكن الضمان متعلق بالسبَب الذي تَوَصَّلَ به الطائرُ لقصده، كمن أرسَلَ بازيًا على طائر غيره فقتله البازي باختياره، فإنَّ المُرْسِل يَضْمَنُ. وهذه المسألة تنقض اختيار الحيوان.

وأيْضا لا نسلِم أن الفتح سببٌ مجردٌ، بل هو في معنى المباشرَة، لِما في طبع الحيوان من النُّفورِ من الآدَمي.

وها هنا مسألتان: (11)

المسألة الأولى: متى يضمن الغاصب؟

فعندنا يومَ الغصب، وعند الشافعي يعتبر الأحوال كلها فيضمن أعْلى القيمة.

وتظهر فائدة الخلاف إذا غصَبها ضعيفة مُشَوَّهَةً معِيبَة بأنواع من العيوب فزالت تلك العيوبُ عنده، فعندنا القيمةَ الأولى، وعنده الثانية، لاعْتِبَارِه الأعلى.

ولنا قاعدة أصولية، وهي أن ترتب الحكم على الوصف يدُلَّ على عِلّية ذلك الوصف لذلك الحكم (12)، ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قد رتَّب الضمانَ على الأخذ باليد، فيكونُ الأخذ هو سببَ الضمانِ، فمن ادَّعى غيرَه سبباً فعليه الدليل. وقوله أيضا عليه السلام:"على اليد ما أخذَتْ حتى تردَّه"(13) يدل على سببية الأخذ، وهو في أثناء الغصب لا يصْدُق عليه أنه أخَذَ الآن، بل أخذ فيما مضى، فوجَب أن يختَص السَّبَبُ بما مضى.

(11) هذه الجملة والعبارة ناقصة في جميع النسخ الثلاث المعتمدة في حقيق وتصحيح هذا الكتاب من ترتيب الفروق للبقوري، ع، ح، ت. مذكورة هنا عند القرافي. وهي ضرورية للتمهيد للمسألة الاولى المتفرعة عن المسألتين ولربطها معهما حيث قال: وها هنا مسألتان: المسألة الأولى: إذا قلنا بالضمان فالضمان على الغاصب يوم الغصب دون ما بعده

الح.

(12)

مثال ذلك قول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة: 38]، وكذا قوله سبحانه:{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]، فعِلة الحكم بالقطع هي السرقة، وبالجلد هي الزنى، وهي مستفادة من الوصف بالسارق والزاني.

(13)

أخرجه الأئمة: احمد بن حنبل، وأبو داود، والحاكم، وصححه، عن سَمُرة رضي الله عنه. وأورَدَه السيد سابق في كتابه (فقه السنة) بلفظ "حتى تؤديه"، وهي بمعنى حتى ترده. أي على اليد ضمانُ ما أخذتْ من غيرِها بالغصب والقوة حتى ترده إلى صاحبه كما هو وكما أخَذَتْهُ ..

ص: 192

ولنا قاعدة أخرى أصولية فقهية، وهي أن الأصل توقُّفُ المسبَّبات على أسبابها من غير تراخٍ، فترتَّبَ الضمان حِينَ وضع اليد لا بعد ذلك، والمضمون لا يُضمَن، لأنه تحصيل الحاصل.

احتجوا بأن الغاصب في كل وقت مامورٌ بالرَّد، فهو مامورٌ بردّ الزيادة، وما رَدَّها، فيكون غاصِبًا لها فيضمنها. وأيضا فإن الزيادة نشأت على مِلكه وفي مِلكه، فتكون مِلْكَهُ ويدُ العُدْوان عليها، فتكون مغصوبة، فتُضْمَن كالعَيْن المغصوبة، ولأنه في الحمالة الثانية ظالمٌ، والظلْمُ عِلَّة الضمان، فيضمن.

والجواب عن الكل أنا لَا نسلم أنها سبب الضمان بل سبَبُه وَضْع اليد. هكا يقتضي لفظ صاحب الشرعِ صلوات الله عليه، وأفْهَمَ أن غيرَ وضع اليد ليس بسبب، فلابُدَّ من دليل على المسألةِ، غَيْرِ ما ذكرناه، وما ذكرتموه لا دليل فيه.

المسألة الثانية: إذا ذهب جُلُّ منفعة العين كمن قطع ذَنَب بغلة القاضي ونحو ذلك، فعندنا يضمن الجميع، وهو فرعٌ اختلَفَ فيه المذهب وتشعَّبَت فيه الآراء وطرُق الاجتهاد، فقال أبو حنيفة في الثوب والعبد كقولنا في الأكثر، فإن ذهب الصِف أو الأقَل باعتبار القيمة عادةً فليس له إلا ما نقصَ. وقال الشافعي وابن حنبل: ليس له في الجميع إلّا ما نقصَ، لأن الأصل بقاءُ ما بَقي على مِلكه، فإن قُطِع يَدا العبد أو رِجْلاه، فوافقَنَا أبو حنيفة في تخيير السيد في تسْليم العبد وأخْذِ القيمة كاملةً، وبَيْنَ إمساكه ولا شيء له. وقال الشافعي: تَتَعَينُ القيمة كاملةً، خلاف قوله في المسألة الأولى، وهذا لأن الضمان الذي هو سبب العدوان لا يوجب مِلْكًا، لأنه سببُ التغليظ لا سببُ الرِّفْق. وعندنا المِلكُ يضاف للضمان لا لسببه، وهو قدْرٌ مشتَرَكٌ بين العُدْوان وغيره.

واعْلَم أن النقص عند العلماء على ثلاثة أقسام: تارةً يُذهب العَيْن بالكُلية، فله طلب القيمة اتفاقا، وتارة يكون النقص يَسيرًا فليس له إلزامُ القيمة اتفاقا، وتارة يكون الذاهب مُخِلا بالمقصود، فهو مَحَل الخلاف. وقال الشيخ أبو الحسنِ اللخمى: التَّعدِّي أقسام: يسِيرٌ لا يُبطل الغرضَ المقصود منه، ويسيرٌ

ص: 193

يبطله، وكذلك كثير لا يُبْطل المقصود، كثيرٌ يُبْطله، فهذه أربعة أقسام متقابلة.

أمّا القِسْم الأولُ وهو اليسير الذي يبطل المقصود فلا يضمن العين، وكذلك الكبير الذي لا يبطل المقصود وهو القسم الثالث، وأمّا القسْم الرابع فيخَيَّرُ فيه كما تقدم. وعلى القول بتضْمينه القيمةَ إذا أراد ربُّهُ أخْذَهُ وما نقصَه فذلك له عند مالك وابنِ القاسم. وقال محمد: لا شيء له، لأنهُ ملَك أن يضمنه فامتنع بذلك رضًا بنقصه.

وأمّا القسم الثاني، وهو اليسير الذي يُبطِلُ المقصود عادةً، فذلك يقتضي تضمينه كما تقدم في ذنَبِ بَغْلةِ القاضي، قال: ويستوي في ذلك المركوبات والملبوسات، هذا هو المشهور.

وعن مالك لا يضمنُ بذلك. وفرَّق ابن حبيب بين الذَنَبِ فيَضمَنُ، وبيْن الأذُنِ فلا يَضمنُ، لاختلاف السببيْن في ذلك. واتفقوا في حوالة الاسواق (13 م) على عدم التضمين، لأنها رغَبات الناس، فالنقص في رغبات الناس لا في المقصود.

(13 م) حوالة الاسواق كَلمة يراد بها في الاصطلاح والتعْبير الفقهي تَحَوُّل أثمان السلع في الأسواق، وتغَيُّرُ قِيمها بالارتفاع والانخفاض، والزيادة والنقصان فيها، تبعا لمرور الوقت وفارِقِ الزمن، وتبعا للجودة والرداءة، وللوفرة والقلة في السلعة، وهو في معْنى ما يُعَبَّرُ عنه في الاصطلاح الاقتصادي والقانون الوضعي بقانون العرض والطلب، أو غير ذلك من العوامل والأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي يكون لها أثر على تغير الاسواق وعلى حوالتها من حال إلى حال، زيادة أو نقصًا.

ويقال: حال بينه وبين الشيء إذا فصَل بينهما، ومنه الآية الكريمة:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [الأنفال: 24].

والكلمة هنا ماخوذة ومشتقة لغويا من مادَّة الفعل الثلاثي اللازم حالَ الشيْء يحوُل إذا تغَير عما كان عليه، وانتقَل من حال إلى حال. ومنه البيت الوارد في قصيدة غزلية للشاعر الاسلامي الشهير عمر بن أبي ربيعة القرشي المخزومي تحمل عنوان أول بيت في مطلعهما:"أمِنْ آل نُعْمٍ"، والتي يقول في الابيات الأوائل منها.

ص: 194