الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وثانيها أنه يدلي بها وهي لا تزوج نفسها، فكذلك مَن يدلي بها، بل هوَ أحْرَى، لأن الفرْعَ لا يكون أقوى من الأصل ولا مِثلَه.
وثالثها أن الولاية لا تصح من أبيه فلا تصح منه، كابن الخال مع الخال.
والجواب أنه رُوِيَ بغير اذْن وليها، (7) والولايةُ من القرب، وابنُهَا أقْرَبُ إليها من كل أحَد. ثمّ رواية الْمَوْلَى تصح عليه من حيث إن المولى بمعنى الناصر، وولدها نَاصِرُها.
وعن الثاني أن قوة عقله صلح بها أن يكون وَلِيّا، وهي بَعُدَتْ عن ذلك لِضَعفِ عَقلها.
وعن الثالث أنه جُزْءٌ منها، فيتعلق به عارُها، بخلاف ابنِ الخال، وبخلاف أبِيه.
ثم القاعدة أنه يُقَدَّم في كل ولاية من هُوَ أقْومُ بمصالحها، ولهذا يقدَّم في القضاء من لا يقدَّم في الحروب، وكذا في كل معنى حسبما تقرر في موضعه، حتى إنه ربَّمَا تُقَدَّم الانثى في بعض الولايات ويتأخر الرجال، كما الامرُ في الحضانة، واللهُ أعلم.
القاعدة الثالثة:
أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث
(8)؟
(7) وهي الرواية المذكورة في بلوغ المرام من أدلة الأحكام للإِمام الحافظ ابن حجر العسقلاني، وفي شرحه سبل السلام، للامام محمد بن اسماعيل الصنعاني، ونقلها عن بعض أصحاب السنن. كما ذكرته في التعليق السابق. فرحمهم الله جميعا.
قال القرافي: والمَولَى له معانٍ، مها النَّاصِرُ، ومِنْه الآية الكريمة في جانب النبي صلى الله عليه وسلم مع أزواجه:"فإن الله هُوَ مولَاه وجبريلُ وصالح المومنين"، (سورة التحريم)(4)، وهذا الاحتمال أوْلى لأن فيه جَمْعًا بيْن الروايتَيْن.
(8)
هي موضوع الفرق الثاني والاربعين والمائة (ف 142) بين قاعدة الأجداد في المواريثِ يُسَوَّوْنَ بالإِخوة، وبين قاعدتهم في النكاح وميراث الولاءِ وصلاة الجنازة تُقَدَّمُ الإِخوةُ عليهم. جـ 3. ص. 103. وقد قال الفقيه ابن الشاط عن هذا الفرَق: ما قاله القرافي فيه صحيح، كما سبق ذلك في أول الكلام على الفرق المائة والاربعين (ف 140).
فقال شهاب الدين: إن الجدَّ في باب المواريث يقول: أنا أبو أبيه، لأن الإِبن يحجب الأبَ عن جملة المال إلى سُدُسه، وكان هذا جاريا في الأبواب الاربعة، ولكنه افترق الميراث من الأبواب الثلاثة بأن الجد يسقط الإِخوة للأم ولا تسقطهم الإِخوة الأشقاء ولا للأب، وأن. الجدَّ يرِث مع الابن، بخلاف الإِخوة. فلَمَّا عارَضَ هذيْنِ الوجهيْنِ حُجَّةُ الأخُوَة بالبنُوَّة، سُوّيَ بالإِخوة في باب ميراث النسب، لأنه الذي حصل فيه التعارض، وهذا التعارض منفي في الأبواب الثلاثة، بسبب أن الْإِخْوة للأم لا مدخلَ لهم في باب النكاح ولا ميراثِ الولاء ولا صلاةِ الجنازة حتى يقول الجدُّ لهم: أنتم عاجزون عن دفع هؤلاء، وأنا لا أعجز عن دفعهم، فتبقى حجتهم بالبنوة وتقديمِها على الأبوة سالمةً عن المُعارِض، فَقُدِّموا في الأبواب الثلاثة، بخلاف ميراث النسَب.
قلت: إذا لم تقع المعارضة من ذلك الوجْه بقِيتْ المعارَضَةُ من وجهٍ آخرَ، وهوَ أن الجد يَرِث مع الابن، بخلاف الإِخوة، وللإِخوة دخلٌ في النكاح إذَا لم يكونوا للأم.
قلت: ويمكن أن يقال: الفرق هو من حيث إن ميراثَ النسب يُسَوَّى الجدُّ فيه مع الإِخوة من حيث إن النسبَ متوقف على الجَدّ، فَبِه يتَحَقَّق، (9) وهو أبْعَدُ من حيث الخُلْطة والاتصالُ غالبا، فوقع التعارض، وفي المسائل الثلاث تحقَّقَ قربُ الاتصال، الموجبُ للرعْي والشفقة، فكان الجَدُّ مرجوحًا، والله أعلم.
القاعدة الرابعة:
نقرر فيها لِمَ كان للرجل أن يجمع بين عِدّة إماءٍ، ولم يكن له في الحرائر أن يَزِيدَ على أرْبعٍ، (10) فنقول:
(9) كذا في نسخة ع: "فَبِه يتحقق"، وفي نسخة ح وغيرها، "فيه يتحقق أو ليتحقق. وما في نسخة ع أظهرُ وأصوَبُ من حيث الوضوح وسلامة المعنى. فَلْيُنظَرْ ذلك وليتأمَّلْ. والله أعلم.
(10)
هي موضوع الفرق الرابع والاربعين والمائة بين قاعدة الإِمَاءِ يجوز الجمع بين عدد أيّ عدد شاء منهن، كثُر أو قَلَّ، وبين قاعدةِ الزوجات لا يجوز أن يزيد على أربع منهن" جـ 3. ص. 111.
لا شك أن الوسائل تتْبَعُ المقاصد في الأحكام، فالمحرَّم وسيلتُه محرَّمة، والواجبُ
وسيلته واجبة، وهذا قد تقرر فيْ غيرِ هذا الْمَوْضِعِ (11).
فإذا كان كذلك فلاشكّ أن تَزوُّج المرأة على ضَرَّتِها يُكسبُ شحْنَاءَ وعداوةً، وذلك محرَّم مطلقا، فما أدّى إلى ذلك يَجب أن يكون محرَّما، فكان يحتمل هذا أنْ لا سبيلَ إلى التزوج على زوجهِ، وقدْ أخِذ بهذا في مِلّة عيسى عليه السلام، وهو من باب تغليب مصلحة النساء على مصلحة الرجال، فإن الرجال متضررون أيضا بالحصْر والمنع، وقد كانتْ ملة موسى عليه السلام بإباحة ذلك مطلقا من غيْرِ حصْرٍ في شئٍ، فكان فيها أيضا تغليبُ مصلحة الرجال على مصلحة النساء. ولمّا جاءت هذه الشريعة الكريمة توسطتْ بين المِلّتين، فرفَعتْ الضرر الكبيرَ عن الرجال وعن النساء، فأباحت الجمحَ بين أربعٍ لا غَيْرُ.
قال شهاب الدين رحمه الله: وسِرُّ الاقتصار على ثلاثٍ في المُضَارَّة أن الثلاث اغْتُفِرتْ في. مواطنَ، فتجوز الهجرة ثلاثةَ أيام، (12) والإِحدادُ على غيْر الزوج (13) ثلاثةَ أيام، والخِيَارُ ثلاثة أيام. (14) والمُصَرَّاةُ ثلاثة أيام، وهذه جارية على غيْر الاصول، فَحُدَّتْ بذلك العَدَدِ.
(11) أنظر القاعدة الثامنة من قواعد العِلل في الجزء الأول المطبوع من هذا الكتاب. ص 120 - 121.
(12)
إشارة إلى حديثِ النهيْ عن هجْر المسلم لأخيه المسلم أكْثَرَ من ثلاث ليال.
فعَنْ أبي أيوبَ الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحِلُّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثِ ليال، يلتقيانِ فيُعْرض هذا ويُعرِض هذا، وخَيْرُهما (أفْضَلُهُما وأكثرهما أجرًا وثوابا عند الله) الذي يبدأ بالسلام"، رواه الشيخان: البخاري ومسلم، وغيرهما، رحمهم الله جميعا.
(13)
إشارة إلى حديث النهْي عن إحداد المرأة على غير زوجها أكثرَ من ثلاث ليال.
والْإِحدادُ، لغةً، هو المنع، وشرعًا: ترْك الطيب والزينة للمرأة المعتدة من وفاة زوجها، وامتناعُهَا عن ذلك إلى حين انتهاءِ عدة الوفاة. وأصْلُهُ حديثُ أمّ عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تُحِدُّ امْرأةٌ على ميتٍ فِوق ثلاثٍ، إلا على زوجٍ، أربعةَ أشهر وعشْرًا، ولا تلْبَسُ مصبوغا، ولا تكتحل ولا تمس طيبا" متَّفَق عليه بين البخاري ومسلم. رحمهما الله.
(14)
إشارة إلى خيار الشرط، وهو أن يشتري أحد المتبايعَيْن شيئا على أساس أن يكون له الخيار في إمضاء البيع أو فَسخه مدةَ ثلاثة أيام: وأصْلُهُ حديثُ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل بَيِّعَيْن لا بيع بينهما حتى يتَفَرَّقا إلا بَيْعَ الخِيار"، متفق عليه.
قلت: لم يُعْطِ سِرَّ الاقتصارِ على أربع، فإن كونه يقول: هذا هنا كما كان هنالك، ونحن لا نعرف لِمَ كان هنالكَ، أوْ إن عرَفناه، لعَلَّ هذا الموضع يخالف تلك المواضع. غيرُ كافٍ ولا واضحٍ. وأيضا فالاقتصار هنالك على ثلاثٍ، وقضِيَّتُنا الجمعُ بين أربع.
ويمكن أن يقال: كان التحديد بأربع من حيث إن تَزَوُّجَ الأكثر من هذا يَجْمَعُ ضرريْنِ على النساء: الضَّرَرُ الواحد ضَرر الشحناء المذكور بينهن، والضرر الآخَرُ، أن الرجُل يضعُفُ عن القيام بأكثرَ من أربع من حيث الوطء غالبا، فلمّا تضاعفتْ المضَرَّةُ في موضع، أسقِط، وأجيز ذلك حيث لم تَتَضَاعف. وما أبيحَ له عليه السلام هو التسع إلا لقوةٍ له ليست لغيره (15) لا من حيث الأخلاق ولا من حيث غيرُها.
قال شهاب الدين رحمه الله:
وحافَظَ الشرع على القرابة القريبة وصانَها عن التفرق والشحْناء، فلا يُجْمَعُ بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها، ولا بين الأختيْن. ولما زاد قرابةَ الأم مع البنت كان لا يجوز الجمْع ولا أزْيَدُ من الجمع، وهو أن البنت إذا كانت زوجةً حرُمَتْ الأم مطلقا، وكذلك الأمُّ حَرُمتْ البنت مطلقا أيضا. ويَلِي ما ذُكر -أولا- الجمعُ بين
والمُصَرَّاةُ بضم الميم وفتح الصاد هي الناقة أو الشاة أو البقرةُ التي يُتْرَكُ اللبَنُ في ضرعها أياما حتى يَعْظُمَ، فتشتد رغبة المشتري لها حين يراها كذلك. والتصرية منهي عنها، ويَثبتُ الخيارُ بالرد لمن وقع في ذلك. وأصْلُ النهْي ودليلُهُ: الحديث المتفَقُ عليه، والمروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لَا تُصِرُّوا الابل والغَنَم، فمن ابتاعها (أي اشتراها على تلك الحال) فهو بخيْر النظريْن بعدَ أن يحلبها: إن شاء أمسك، وان شاء ردَّها وصاعًا من تمر". فهذا الحديث أصل كذلك في النهي عن الغش، وأن التدليس لا يُفسد أصل البيع، وأنَّ مُدَّةَ الخيار ثلاثةُ أيام، وأنَّ التصرية مُحرَّمة، ويثبت الخيار بها.
(15)
كذا في نسخة ع، وح. وفي نسخة ت:"وإنما أبيح للنبي صلى الله عليه وسلم التسع، لأن القوة التي له ليست لغيره". والحصر متحقق وحاصل بكلتا العبارتين، سواء بالنفي والإِثبات، أو بأداة إنما، كما هو معروف ومقرر في علم المعاني من علوم البلاغة: البيان، والمعاني، والبديع بمحسناته اللفظية والمعنوية.
المرأة وخالةِ أمها وخالة أبيها، ثم الجمعُ بين المرأة وعمّة أمّها وعمةِ أبيها. (15 م)
ولمّا كانت الأم أشدَّ ميْلا للبنت من البنتِ للأم لم يكن العقد على الأم كافِيًا في تحريم البنتِ، فهذا ما يتعلق بالحرائر. (16)
وأمَّا الإِماءُ فلمّا كُنَّ مقصوداتٍ في الغالب للخِدْمةِ والهوانِ (17) بعُدَتْ مُنافَسَتُهن في شيءٍ ليسَ وُضِعْنُ إليه، وإنما يكون نادرا، فَجَاز فِيهِنَّ الجمع ولم يَجُزْ في الحرائر لِما ذُكِر.
قال شهاب الدين رحمه الله: يُشترَطُ في تحريم الأمّ الدُّخولُ كما اشتُرِط في تحريمِ
(15 م) وأصْلُ النهْي عن الجمع بيْن الأخْتين قولُ الله تعالى في سورة النساء: الآية 23، ضمن المحرَّمات بالنسَب والمصاهرة:"وأن تجمَعوا بيْن الأختين إلا ما قد سلف"(أي حُرِّمَ عليكم الجمعُ بين الأختين من النَّسَب، أو من الرضاع، في العصمة الزوجية لرجل واحد).
كما أن أصل النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، وبين المرأة وخالتها في العصمة الزوجية، وأساسَ تحريم ذلكَ الجمعِ بينهمَا تحريما مجمعا عليه، هو الحديث الصحيح المتفق عليه بين البخاري ومسلم، والمرويُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -قال:"لا يُجْمعُ بين المرأة وعمتِها ولا بين المرأة وخالتها"، ويقاس عليهما ما ذكره هنا كل من القرافي والبقوري رحمهما الله. (16) وفي ذلك قرَّر الفقهاء القاعدة المعروفة وهي: العقدُ على البنات يُحَرم الامهاتِ، والدخولُ بالأمّهات يحرمُ البنات، وسياتي في الفقرة الموالية كلام للقرافي يفيد أن حِرمة العقْد على الأمهات يُشترَط فيهَا الدخولُ بالبناتِ لا مجردُ العقد عليهن، وذلك منقول عن ابن مسعود رضي الله عنه، وهو خلافُ القاعدة السابقة المعروفة والمشهورة عند الفقهاء وفي: مختلف كتبهم الفقهية، وهي أن العقد على البنات يحرم الأمهات، وهي المعمول بها عندهم، فليُنظَر، وليتُحَقَّقْ من ذلك.
وعبارة القرافي هنا هي قوله: "ولمّا كانتْ الأم أشدَّ بُرُورا بابنتها من الابنة بأمها لم يكن العقد عليها (على الام) كافيا في بغْضِها لابنتها إذا عقد عليها، لضعف ميلها للزوج بمجرد العقد وعدم مخالطته، فاشترط في التحريم إضافة الدخول إلى العقد، وكان العقد كافيا في بغض البنت (لأمها) لضعف ودها فتحرم بالعقد، لئلَّا تعقَّ أمها، فهذا تخصيص أمر الزوجات.
(17)
هكذا جات هذه الكلمة عند كل من القرافي والبقوري رحمهما الله، وكان الأولى والانسَبُ عدَمَ إيرادها، والاكتفاءُ بِذكر الخدمة، والاقتصارُ عليها بالنسبة للإماء، فإن المبادئ العامة والاحكام الشرعية في الاسلام تُكَرِم الانسان، وتامُرُ بتكريمه وعدمِ إهانته واحتقاره بأي نوع من انواع الاهانة بغَضِّ النظر عن حاله، من كونه حرًا، أو رقيقا رغب الاسلام في عتقه بإحدى الكفارات المتنوعة، أَوْ من كونه خادِمًا، كما جاء في حديث:"إخوانكم خَوَلُكُم (أي خَدَمُكُمْ)، جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تُطعِمون، واكْسوهم مما تَكسون، ولا تكلفوهم، (مالا يطيقون)، فإن كلفتموهم فأعينوهم".
فلْيُتَأمل ذلك وليحقق، والله أعلم بالصواب.
البنت، لِلآية، فإن قوله:{اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} صفة تعقَّبَتْ الجملتين (18) فتعمُّهُما كالشرط والاستثناء (18 م)
والشافعي مذهبه في هذه القاعدة العموم، ولكنه قال هنا بخلاف أصْله، بسبب أن النساء في الجملة الأولى مخفوض بالإضافة، والنساءُ في الجملة الثانية مخفوض بحرف الجر الذي هو مِن، والعامل في الصفة هو العامل في الموصوف على الأصح، فلو كان صفةً للجملتين لعَمِلَ في الصفة الواحدة عاملان، وهما: الإضافة وحرْف الجر، واجتماعُ عامليْن على معْمول واحد، ممتنعٌ على الأصح، فهذا هو المانع للشافعي من الجري على أصله هنا.
قلت: ممّا يتقَوى به ما قاله شهاب الدين مِن عَوْد الوصف إلى الجملتين أن الوصف مبني لا مُعْرَبٌ، وإذا انتفى الإعراب انتفى العامل الذي يعْمَله وَيُحْدِثه، ولا يبقَى إلا صلاحيةُ ذلك من حيث المعنى، وهو صالح، وما ذكره النحويون إنمَا هو من حيث الإِعرابُ، وذلك الاعتبار يُفْقَدُ في المبنِيّ، فالصواب عوْد القيْد إلى الجملتين، جرْيا على القاعدة المقررة التي يقول بها الشافعي، والله أعلم. ورأيت أن ما ذكرهُ هنا شهاب الدين زائدًا على ما نقلتُه عنه، لا يحتاج إِليه، فأسقطته ومَا ذكرتُه، واللهُ أعْلَمُ،
(18) المراد بهما قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} ، أيْ فهذا الوصف صفة للنساء في الكلمة الاولى والكلمة الثانية، فإن الشرط والاستثناء الواقعيْن بعد جملتَين أو كلمتين، أو عدةِ جمل، يَرْجِع إليهما كل من الشرط والاستثناء، وهو رأىُ الامام مالكٍ والشافعي رحمهما الله، وأما الإِمام أبو حنيفة رحمه الله فمذْهبُهُ تخصيصُ الجملة أو الكلمة الأخيرة بالشرط والاستثناء، ويُرَجِّحُ ذلك التخصيص على أساس القرب أي القرب بين الشرط ومشروطه، وبين الاستثناء والمستثنى منه، وبين الصفة والموصوف في الجملة أو الكلمة، وهي الكلمة أو الجملة الأخيرة، فيخصها بالاستثناء والشرط.
(18 م) زاد القرافي هنا توضيحا وبيانا فقال: "فتعُمُّهما، كالاستثناء والشرط إذا تعقّبَا الجُمَلَ عمَّا، والعجَبُ أن مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الاستثناءَ والصفةَ إذا تعقبا جُمَلًا عمَّها، وخالِفَ أصلَه هاهنا ولم يقل به هاهنا. وجوابُهُ أنَّا نمنَعُ العَوْد هاهنا على الجملتين، وإن سلمنا أنه يعُود في غير هذه الصورة، بسبب أن النساء في الجملة الأولى مخْفوض بالاضافة، والنساءُ في الجملة الثانية مخفوض بحرف الجر الذي هو مِنْ" الخ
…