الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أعيانٍ، والصَّرْفِ إن كان فيه أخْذُ أحَدِ النقديْنِ عن الآخَرِ، والإِجارةِ إن كان عن منَافع، ودَفع الخصومة إن لم يتعيَّن شيءٌ من ذلك، والإحسانِ وهو ما يعطيه المُصَالِح من غيْر الجاني، (104)، ومتى تعيَّن أحدُ هذه الأبواب رُوعيت فيه شروط ذلك الباب، لقوله عليه السلام:"الصلح جائز بين المسلمين إلا صُلْحا أحلَّ حراما أو حرَّم حلالا"
ويجوز عندنا وعند أبي حنيفة على الإقرار والإِنكار، وقال الشافعي: لا يجوز على الإِنكار (105). والعجَب منه أنه يقول: للمدعي أن يدخل دار المدعَى عليه بالليل وياخذَ قدْر حقه، فكيف يمنع مع الموافقة من الخصم على الأخذ.
نعَمْ، إن كان يعلم أنه ما طلبَ إلا باطلا فلا يحل له الأخذُ.
القاعدة التاسِعة عشرة:
في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة
. (106).
(104) كذا في نسخة ع، وفي نسخة ت: الحاجة، والذي في هذا الفرق عند القرافي هو ما في النسخة الأولى ع:(أي من غير الجاني) وهو أبين وأظهر، فلْيُصَحَّحْ ذلك ولْيُحَقَّقْ.
(105)
ذكر شهاب الدين القرافي رحمه الله ثلاثةَ أوْجُه لقول الإِمام الشافعى رضي الله عنه في عدم جواز الصلح على الإِنكار، وهي:
1) الاول أنه أكل المال بالباطل، لأنه ليس عن مال، لعدم ثبوته، ولا عن اليمين، وإلَّا لجازت إقامة البينة بعده، ولجاز أخذ العقار بالشفعة، لأنه انتقل بغير مال، ولا عن الخصومة، وإلَّا لجاز عن النكاح والقذف.
2) الثاني أنه عاوَضَ عن مِلكه فيمتنع، كشراء ماله من وكيله.
3) الثالث أنه معاوضة فلا تصح مع الجهل كالبيع.
وأجاب القرافي عن كل وجه منها، مؤيدا بذلك قول الإمامين: مالك وأبي حنيفة في جواز الصلح على الانكار كما يجوز على الإقرار. فليرجع إليها في هذا الفرق (202) من أراد الاطلاع عليها والتوسع في معرفة تلك الاجوبة عند الإِمام القرافي رحمه الله.
(106)
هي موضوع الفرق الثاني عشر والمائتين بين قاعدة الأهوية وبين قاعدة ما تحت الأبنية" جـ 4 ص 15. قال القرافي في أوله:
إعلم أن حكم الأهوية تابع لحكم الأبنية، فهواء الوقف وقْفٌ، وهواءُ الطلق طلق، وهواء المواتِ مَوَاتٌ، وهواء المملوك مملوكٌ، وهواء المسجد له حكم المسجد.
وقد عقب العلامة ابن الشاط على ما جاء في أول هذا الفرق فقال: ما قاله القرافي في ذلك حكاية للمذهب، فلا كلام معه فيه.
وقد أشار الشيخ خليل رحمه الله إلى موضوع البناء فوق الاهوية المملوكة وغرز الجِذْع أو العمود في حائط الجار بشروط فقال: "وجاز بيعُ هواءٍ فوق هواء إن وُصِف البناءُ، وغرْزُ
إعلم أن الأهْوِية يجرى عليها ما يجري على الأبنية، فالملوك لشخص معَيَّنِ، هواؤه كذلك، والمسجدُ هواؤه للمسجد، والوقْفُ هواؤه كذلك، فلا سبيل لأحدٍ أن يتعدى على شيء من ذلك بالبناء عليه، ولم يخرج عن هذه القاعدة إلَّا فرعٌ واحد. قال صاحب الجواهر: يجوز إخراج الرواشن (107) والأجنحة على الحيطان إلى طريق المسلمين إذا لم تكن مستندة، فإذا كانت مستنِدة لم يَجُزْ إلا برضا أهلها كلهم.
وسبب خروج الرواشن عن هذه القاعدة أن الابنية هي بقية المواتِ الذي كان قابلا للإحياء، مُنعَ الإحياء فيه لضرورة السلُوكِ ورَبْطِ الدوابِّ وغير ذلك، ولا ضرورة في الهواء، فبقي على حاله مباحا في السكة (108) النافذة، وأما المستندة فلا، لحصول الاختصاص، وتعيُّن الضرر عليهم. (109)
وأما ما تحت الأبنية الذي هو عكس الأهوية التي جهة السفل فظاهر المذهب أنه مخالف لحكم الابنية، ولهذا قال صاحِبُ الطراز: إنَّ المسجد إذا حُفِرَ تَحتَه مطمورة يجوز أن يَعبُرَهَا الجنُبُ والحائض. وقال: لو أجزْنا الصلاة في الكعبة وعلى ظهرها لم نُجزْها في مطمورة تحتها، فهذا تصريح بمخالفة الأهوية لما تحت الأبنية، إذْ لا يجيزون أن يَمرّ الجنب في أهوية المساجد، ولهذا اختلفوا، مَن ملك أرْضًا هل يملك ما فيها وما تحتها أوْ لا، ولم يختلفوا في ملك ما فوق البناء في الهواء (110).
جِذع في حائط الخ .. قال الفقيه ابن عاصم في منظومته التحفة:
وجائزٌ أن يُشترَى الْهَواءُ
…
لأنْ يقَامَ مَعه البِنَاء
(107)
الرواشِن: جمعُ رَوْشَن وهي الكوة أو النافذة.
(108)
السِّكة هي الطريق المستوية.
(109)
قال ابن الشاط هنا: تعليل القرافي بقاء أهْوية الطرق غير المستندة على حالها مِن قبولها للإِحياء، بعَدَم الضرورة المُلْجئة اليها، مشْعِرٌ بنقيض ما حكاه عن المذهب من أن حكم الهواء إلى عنان السماء حكم البناء، فإنه لا ضرورة تلجئ إلى ذلك، فمقتضى ذلك، الاقتصارُ على ما تُلْجئ الضرورة إليه، والمحَكَّم في ذلك العادةُ، فهذا موضع نَظر".
(110)
قال ابن الشاط: "ما قاله القرافي هنا حكاية أقوال لا كلام فيه".
يقال: قرٌ في المكان يَقَر بفتح القاف كسرها سكن فيه، وقر على الامر ثبت عليه.
والفرق كان، (111) لأن الناس تتوفر دواعيهم على العلو لأجل النظر إلى المواضع البعيدة من الأنهارِ وغيرها، ولمقاصد جمَّةٍ، ولا يتشوفون في السفل إلا إلى الأساس فقط. وقاعدة الشرع أنه إنما يُمَلِّك لأجل الحاجة، وما لا حاجة فيه لا يشرَعُ فيه المِلك، فلهذا لم يُمَلِّك ما تحت الأبنية، (112) ومن رأي تملك ما تحت الارض فقد استدل بقوله عليه السلام:"من غصَب شبرًا من ارض طوِّقَه يوم القيامة إلى سبع أرَضِين"(113).
(111) عبارة القرافِي: وسرُّ الفرق بين القاعدتين أن الناس شأنهم توفر دواعيهم على العلو
…
الخ. وقد علق الشيخ ابن الشاط على ذلك بقوله: ما قاله من أنه لا تتوفر الدواعي في باطن الارض على أكثر مما يتمسك به البناء من الأساسات، ليس بصحيح، كيف وقد توفرت عليه دواعي كثير من الناس كحفر الارض للجبوب (جمع جُبِّ بضم الجيم وهو البئر)، ومنه الآية الكريمة في قصة يوسف عليه السلام:{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ} ، والمصانع وحفر الابار العميقة، هذه غفلة شديده، يقول ابن الشاط، ثم قال: والذي يقتضيه النظر الصحيح أن حكم ما تحت الابنية كحكم الأهوية. ومما يدل على ذلك أن من أراد أن يحفر مطمورة تحت ملك غيرَه يتوصل إليها من مِلْك نفسه، يُمنع من ذلك بلا ريب ولا خلاف، فلو كان ما تحت الأبنية ليس له حكم الأبنية بل هو باقٍ على حكم قبول للإحياء لما منع من ذلك، والله أعلم.
أقول: ولعلَ الامر والنظر هنا يحتاج إلى التفريق بين الارض وأبنيتها في البادية وبينها في الحاضرة، حيث تتأتى بعض تلك الامور وتظهر أهميتها وقيمتها في البادية أكثرَ مما تتأتى في غيرها، ولو بصفة نسبية، مثل حفر الآبار والمطامير العتيقة، وبذلك يبقى كلام الإِمام القرافي سليمًا وبعيدًا إلى حد ما عن الغفلة الشديدة، بل يبقى بعيدا عن الغفلة من أساسها بالمرة، فلْيتأمل ذلك، وليُحَقَّق من طرف العلماء المتخصصين والفقهاء المتمكنين جزاهم الله خيرا، والله أعلم.
(112)
عقب ابن الشاط على هذه القاعدة بقوله: إذا كانت القاعدة الشرعية ألَّا يُملك الشرع إلا ما فيه الحاجة، وأيْ حاجة في البلوغ إلى عَنان السماء؟ ، وإذا كانتْ القاعدة أنه يُمَلِّك مما فيه الحاجة فما المانعُ من مِلْك ما تحت البناء لحفر بئر يعمقها حافرها ما شاء. فما ذَكَرَ من سر الفرق لم يظهر وبقى سرا كما كان، فالصحيح أنه لا فرق بين الامريْن. ومن الدليل على ذلك ما هو معلوم لاشك فيه من أن مَن مَلَك موضعًا، له أن يبني فيه ويرفع فيه البناءَ ما شاء، ما لم يضرَّ بغيره، ولَه أن يحفر فيه ما شاء وُيعَمِّق ما شاء، ما لم يَضُرّ بغيره
…
(113)
حديث صحيح متفق عليه عن عائشة ام المومنين رضي الله عنها بلفظ: "من ظَلَمَ شبرا من الارض طَوَّقه الله في سبع أرضِينَ".