الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعن الثاني أن تعْيِير الزاني صغيرةٌ، ولايمنع الزاني (65) شهادته.
وقال مالك: لا يُشترَطُ في قبول توبته ولا قَبول شهادته تكذيبُهُ لنفسه، بل صلاحُ حاله بالاستغفار والعملِ الصالح كسائر الذنوب.
القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التي
لا تُرَد بها الشهادة
. (66)
إعْلَمْ أن الأمَّةَ مُجْمِعَةٌ على ردِّ الشهادة بالتهمة من حيث الجملة، لكن وقع الخلاف في بعضِ الرُّتَب.
وتحرير ذلك أن التهمة تنقسم ثلاثة أقسام: مُجْمَعٌ على اعتبارهَا لقُوّتها، ومُجمَعٌ على إلغائها لضَعفها، ومتوسطة بين ذلك، ففيها الخلاف. فأعلاها شهادة الإِنسان لنفسه، وقعَ الإِجماع على ردِّها. وأدناها شهادة الإِنسان لرجل من قبيلته، أجمِعَ على اعتبارها وبطلانِ هذه التهمة. ومن المتوسط بين الرُّتبتين شهادة الانسان لأخيه أو لصديقه الملاطِف، وكذلك أيضا تُعْتَبَرُ تهمةُ العداوة، ولكن في الدنيا لا في الدين، وقال أبو حنيفة: العداوة مطلقا، وكذلك من رُدَّت
(65) كلمة الزاني مذكورة في ع، وح، ناقصة في ت، وكذلك عند القرافي حيت جاءت العبارة هكذا:"والجواب عن الثاني أن تعْييرَ الزاني صغيرة لا تمنع الشهادة" أي من القاذف، وهذا هو الصواب والمعنى المقصود، لأن الكلام في القاذف، وأنه ينفعه تكذبيه المطلوب منه تجاه نفسه، فزال الإشكال الثاني بجواب القرافي عنه، فليتأمل ذلك وليصحَّحْ، والله أعلما.
(66)
هي موضوع الفرق الثلاثين والمائتين بين قاعدة التهمة التي تُرَدُّ بها الشهادة بعد ثبوت العدالة وبين قاعدة مالا ترَد به". جـ -4. ص 70.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على هذا الفرق في آخر الكلام عن الذي قبله (229)، فقال: ما قاله في الفروق الستة بعده صحيح، أو نقْل وترجيح، والفروق الستة هي: 230 - 235. فهي كلها مسلمة عند ابن الشاط رحمه الله، ورحم القرافي، ورحم سائر علماء المسلمين والمؤمنين أجمعين.
شهادته لفسقه أو كُفرهِ أو صِغره، ثم أدَّاها بعد زوال هذه الصفات، فإنه يُتَّهَمُ هنا. وقيل: يُقبَل الكُلُّ إلا الفاسقَ. (67)
ومن المتوسط شهادة أهل البادية - إذا قُصِدوا في التحمل دون أهل الحاضرة - في البيع والنكاح والهبة ونحو ذلك، لأن العدول إليهم مع إمكان غيرهم تهمة. وقال ابنُ حنبَل: لا يُقبَلُ بَدَويٌّ مطلقا على قروي. وقال أبو حنيفة والشافعي: يُقبل مطْلقا، فحملنا الحديث (68) على مَوضىح التهمة، جمْعاً بينه وبين العمومات الدالة على قبول الشهادة. وحملهُ (69) أبو حنيفة والشافعي على الأعراب الذين لا تُعْلمُ عَدالَتُهم. وقولنا نحن أوْلَى، لأنه لو كان ردُّها لأجْل عدم العدالة لم يكن للتخصيص بصَاحب القرية فائدة، بل إنما هو للتهمة، والله أعلم.
ثم ممّا يُقوي ذلك أنّا نَقْبَله في الهِلال (70) لعدم التهمة، وكذلك نقبله في الجراحات، لأن التهمة تضْعُفُ هنالك، والجِراح يُقصَد لها الخلَوات، بخلاف المعاملات.
(67) وفي ذاك يقول الفقيه العلامة أبو بكر، محمد بن عاصم في منظومته الفقهية التحفة:
ولأخيه يَشْهَدُ المُبَرِّزُ
…
إلا بما التهمة فيه تبْرُزُ
والأبُ لابنِه، وعكسُه منَيعْ
…
وفي ابن زوجة وعكسِ ذا اتُّبعَ
ووالدَيْ زوجة أو زوجة أبِ
…
وحيثما التهمة حالُها غَلَبْ
كحالة العدُوِّ والظَّنِين
…
والخصم والوصي والمدِين
(68)
المراد به الإشارة إلى حديث أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجوز شهادة بدَوي على صاحب قرية". والمراد بالبدوي ساكن البادية، المكثر للارتحال من مكان إلى آخر. بينما ساكن القرية من سكن فيها، وقد يُسمَّى حضريا.
(69)
كذا في نسختي ع، وح: وحملها، والصواب أن يقال: وحمله أبو حنيفة والشافعي على أن الضمير يعود إلى الحديثِ، فعند القرافي هنا. وحملوا هُمْ (أي الحنيفية والشافعية) الحديث على من لم تُعْلَم عدالته من الأعراب.
(70)
إشارة إلى ما في الصحيحين: البخاري ومسلم، أن أعرابيا شهد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤية الهلال فقبل شهادته على الناس، ولأن من قُبِلَتْ شهادته في الجراح قُبِلتْ في غَيْرهَا.