المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الرابعة عشرة:أقرر فيها ما يتعين من الأشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقرر فيها ما يتعين من الأشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

إعلم أن الفقهاء جمعوا أسماء العقود التي لا يجوز اجتماعها مع البيع في قولك جِصٌّ مُشَنَّق، فالجيم للجَعَالة، والصاد للصرف، والميم للمساقاة، والشين للشركة، والنون للنكاح، والقاف للقراض.

والسِرُّ في عدم اجتماع هذه، التضادُّ الواقعُ بينهَا. ولمّا كانتْ العقود أسبابا، كانت - ولابدَّ - مناسبة لمسبَّباتها. والشيء الواحدُ لا يناسبُ متضاديْن، وما لا تَضادَّ فيه يجوز اجتماعهما كالبيع مع الاجارة، ولم يَجُزْ مع الجعالة، للزوم الجهالة في عمل الجعالة. كذلك النكاح لا يجتمع مع البيع لتضادِّهما من حيث المكايسةُ في البيع والمسامحةُ في النكاح، وكذلك الصرف مبنى على التشديد وامتناع الخيار والتأخر، وأمور كثيرة هي منتفية في البيع، والمساقاةُ والقِراضُ فيهما الغررُ والجهالة كالجعالة، والشركةُ فها صَرْف أحدِ النقدين بالآخر من غير قبض، فظهر التضادُّ فيما لا يجتمع، وما لا تضادَّ فيه جازَ اجتماعه.

‌القاعدة الرابعة عشرة:

أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

. (64)

إعْلَم أن العقود ثلاثة أقسام:

الأول: يَرِدُ على الذمم، فمُتَعَلَّقه الأجناسُ الكُلّية دون أشخاصها، فيحصل الوفاء بمقتضاها بأي فرد كان من ذلك الجنس، إذا كان ذلك الفرد مطابقا بَرئ به، وإلا فلا. (65)

(64) هي موضوع الفرق التاسع والثمانين والمائة (189) بين قاعدة ما يتعيَّن من الاشياء وما لا يتعيَّنُ في البيع ونحوه. جـ 3. ص 253.

(65)

علق الشيخ ابن الشاط على هذا القسم الأول عند القرافي بقوله: ما قاله في ذلك صحيح، إلَّا قَوْله "فيكون متعلَّقُهُ الاجناسِ الكُليةَ دون أشخاصها"، فإنه إن أراد ظاهر لفظه فليس بصحيح، يل متعلَّقُهُ أشخاص غير معيَّنة، مما يدخل تحت الكلي، ولذلك صح الوفاء بأي فرد كان إذا وافق الصفاتِ المشترطة.

ص: 133

القسم الثاني مبِيع مشخَّص، فهذا معَيَّن، وخاصَّتُهُ أنه إذا فات ذلك المشخص قبْلَ القبض انفسخ العقد اتفاقا. واستُثنِي من المشخَّصَات صورتان: النقْدَانِ إذا شخِّصَا وتعيَّنا للحِس، هل تَتَعَيَّنُ أمْ لَا (66)؟ ثلاثة أقوال:

أحدها تتعَيَّنُ بالشخْصِ على قاعدة المشخَّصَاتِ، قاله الشافعي وابن حنبل.

وثانيها أنَّها لا تتعين، وهو مشهور مذهب مالك، وقال به أبو حنيفة.

وثالثها تتعيَّن إن شاءَ بائعها، لأنه أمْلكُ لَها، ولا مشيئةَ لقابضها، فإن اختص النقد بصفةٍ كالحِلْي تعينت اتفاقا.

واحتجّ الشافعي بأمور:

منها أن الدَّين يتعين فلا يجوز نقله إلى ذِمة أخْرى، فوجب أن يتعين النقدان بالقياس على الدَّين.

ومنها أنَّ ذواتِ الامثالِ كأرطال الزيت من خابية واحدة، وأقفزة القمح من صُبْرة واحدة، لا يتعلق بخصوصية، بل كلُّ قَفيزٍ منها يسُدُّ مسد الآخر عند العقلاء، ومع ذلك فلو باعه قفيزاً من ذلك أو رِطْلًا من ذلك، وجعَلَه مَوْردَ العقدِ وعيِّنَه لم يكن له إبدالُه بِغيره، بَلْ يتعيَّن بالتعْيين مع عدم الغرض، فكذلك النقدانِ.

والجوابُ أن الدَّين إِنما يتَعيَّن ولم يَجُزْ نَقْلُهُ، لأن الذمة تختلف باللَّدَدِ وَقُرْبِ الإِعْسار (67)، فلذلك تَعيَّن، ولو حصل في النقدين اختلافٌ لتعيَّن أيضا ذلك اتفاقا، وإنما الكلام عند عدم الاختلاف.

(66) كذا في نسختي ع، وح. وفي نسخة ت: إذا شخصت وتعينت، وفي النسخ الثلاث حصل اختلاف بين إيراد لفظ المثَنى وإعادة الضمير عليه في الفعلين الماضيين، أو الفعل المضارع بعدهما بما يفيد ويناسب الجمع. ولذلك فإن عبارة القرافي أوضح، وهي قوله: النقود إذا شخصت وتعينت للحس، هل تتعيَّنُ أمْ لَا؟

(67)

كذا في نسخة ع. وفي نسخة ح: لأن الدَّين يختلف بالرّد وقُرْبِ الاعتبار، وفي نسخة ت. لأن الدين يختلف بالرَّدِ وقَربْ الإِعسار. فالنَسَخ تختلف مع بعضها، في كلمات الدين بدل الذمة، والرد بدل اللدَدِ، وفي كلمة الاعتبار بدل الإِعسار. ولعل الصواب هو: لأن الذمة تخلف باللدد وقرِب الإِعسار، وهو ما في هذا الجواب الثاني عند القرافي رحمه الله فليُتأمل ذلك ولْيُصَّحح.

ص: 134

وعن الثاني أن السِلَع وإن كانت ذواتِ أمثالٍ فهي مقاصِدُ، والنقدانِ وسيلتان لتحصيل المُثمَّنات، والمقاصدُ أشرف من الوسائل إجماعا، فبِشَرَفِهَا اعتُبِر تشخُّصُها (68).

في القاعدة - لمالك على مذهبه - ثلاثُ مسائل:

المسألة الأولى: على مقتضَى مذهب مالك، أن خصوصَ النقدين لا يُمْلَكان البتَّةَ، بخلاف خصوصيات المثليات، ولهذا منْ غَصَب دينارا لآخَر، فليس يَسْتَحِقُّ عندهُ إلا دينارا. وأمّا خصوص ذلك الدينار فَلا، إلا أن يكون الدينار الذي أخِذ له حلالاً فأعطاه حراما، أو كان من ذهب طيّب "فأعطاه ذهبا لطيفا"، (69) وإلا فالمستحَقُّ دائما هو الجِنس والمقدار دون خصوص ذلك الفرد. (70)

المسألة الثانية: قال بعض الفقهاء: لا تتعين الدنانير والدراهم في مذهب مالك إلا في مسألتين: الصرف والكراء، وقال الشيخ أبو الوليد في المقدِّمات: النقدان يتعينان بالتعْيِين في الصرف عند مالك وجُمهور أصحابه، وإن لم تُعَيَّن تعينَت بالقبض وبالمفارقة، ولذلك جاز الرضا بالزائِف في الصرف. (71)

واعلَمْ أن استثناء هاتين المسألتين يُحْوِج لذكر الفرق بينهما وبين سائر المسائِل.

أما الصرف فيُمْكن أن يقال: إن قال مالك فيه بالتَّعْيين فلِضَيْقِ بَابِه وأمْر الشرع بسُرْعة القبضِ، وذلك مناسب للتعْيين، فيحْصُل مقصود القبْضِ ناجزاً،

(68) علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذا القسم الثاني إلى هنا بقوله: قلت: الذي يقْوى عندي مذهبُ الشافعي، وأقوى حججه قياس. اهـ.

(69)

هذه الجملة بين مزدوجتين موجودة في نسختى ع، ح، ناقصة في نسخة ت، وهي أظهر وأنسبُ، وأوضح في المعنى.

(70)

عقب الفقيه المحقق ابن الشاط على ذلك بقوله. ما قاله القرافي في ذلك ضعيف، والصحيح في النظر لزوم رد الدينار المغصوب بعينه مادام قائما، أما إذا فات فله ردُّ غيره.

(71)

عقب الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة الثانية إلى آخرها بقوله. قلت: المسألة مبنية على عدم تعيين النقدين بالتعيين، فلذك أشكل الفرق بين مسألتي الصرف والكراء، والصحيحُ أن ذلك الاصل غير صحيح، فلا إشكال، والله أعلم.

ص: 135

بخلاف ما إذَا قلنا: إن الصرْفَ إنما ورد على الذمة. وأمّا الكراءُ فصعْبُ الفرقِ بينه وبين غيره. وغايته أن يُقَال فيه: إن الكراء يِرِدُ على المنافع المعدومة، فلو كان النقدانِ لا يتعينان لكان الكِراء أيضا في الذمة، فيشبه بيعَ الدين بالدين، وهو حرام. غير أن هذا الفرق مشكل بأنه يُجَوِّزُ الكراء على الذمة تصريحا، وتَعَيُّنْهُ بعد ذلك.

المسألة الثالثة: إذا جرى غيرُ النقدين مَجراهما كالفلوس وغيرها، قال سَنَدٌ: مَن أجْرى الفلوس مَجْرى النقدين في تحريم الربا جعلها كالنقدين، ومَنَعَ البدلَ في الصرف إذا وُجد بعضها رديئاً، وفيها ثلاثة أقوال: التحريم، والاباحة، والكراهة.

الصورة الثانية المستثْناةُ من المُشخَّصات: ما قاله ابن القاسم في المدونة، إذا كان الدينُ لأحَد فلا يجوز أن ياخذ فيه سكنى دارٍ، أو خدمةَ عبدٍ، أو ثمرةً يتأخر قبضها، وإن عَيَّن جميع ذلك، وأجْرَاه مَجْرى فسخ الدين في الدين، وهو أوْجَهُ. (72) وقال أشهب: يجوز ذلك لأجْل التعيينِ، والمعيَّنُ لا يكون في الذمة (73)، وما لا يكون في الذمة لا يكون دَيْنا، فليس ها هنا فسخُ الدين فيِ الدين، وهو أوْجَهُ.

(72) وهو أوجه: ناقص في نسخة ع، ثابت في نسختي ح، وت.

(73)

هذه الفقرة، ابتداءً من قَوْلِ أشهب، ثابتة في نسختَي ع، وح، ناقصة في نسخة ت.

وهذه العبارة في النسختين ثابتة بالنفي هكذا: "والمعَيَّن لا يكون في الذمة". وعند القرافي بالنفى والإِثبات هكذا، بصيغة الحصر:"والْمُعيَّنُ لا يكون إلَّا في الذمة"، فهي تفيد الاثبات المؤكَدَ بالْحَصِر.

ولَعَلَّ الصواب على ما يظهر ما في نسختي الترتيب، بدليل العبارة الآتية بعدها، سواء عند البقوري أو القرافي، وهي "وما لا يكون في الذمة لا يكون ديْناً".

على أن عبارة: "والمعيّن لا يكون في الذمة" بالنفي تقدمت في القاعدة الثامنة من هذا الباب، والمقابِلة للفرق السابع والثمانين والمائة في الجواب الثاني عن حجة الشافعي في منْع البيع على الصفَة، على أساس القياس على السَّلَم في المعَيَّن وإن وُصف، وعلى أساس نهيه عليه السلام عن بيع المجهول. فلْيُتأمل ذلك وليُصَحَّحْ، والله الموفق للسداد والصواب.

وقد علق الشيخ ابن الشاط على نقل القرافي لكلام أشهب بقوله: قول أشهبَ في سكنى الدار الماخوذة في الديْن أوْجَهُ كما قال الشهاب (شهاب الدين القرافي) رحمهما الله جميعا.

ص: 136