الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الخامسة:
أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن
. (11)
قال مالك: إذا طُرِح المتاعُ رَجاءَ السلامةِ تَشَارَكَ في ذلك جميعُ أهلٍ المركب الذين لهم الأمْتعة، واختُلِف في الذهب إذا كان عند بعضهم، وفي العبيد إذا كانوا نواتيه (12) وكانوا للتجارة، هل يدخُلون في حساب ذلك أو لا؟
فقيل: لا يدخل العبيد ولا الذهب، وقيل بالتفريق، إلا أنْ يكون الذهب للتجارة فيدخل، وكذلك اختُلف في السفينة هل يُعمل حسابُها في المطروح أو لا؟ ، القولان موجودانِ، فقيل: إن خيف أن يصدم قاع البحر فطُرح لذلك دخلتْ في القيمة، وإلَّا فَلَا، وأهْل العراق يقولون: تدخُلُ، وجميع ما فيها ممّا هو للتجارة أو القِنْية من عبيد وغيرهم، لأنَّ أثر المطروح سلامةُ الجميع.
وأجيبُوا بأن شأن المركَب أن يصِل برحاله سالِما التي البَرِّ، وإنما يُغْرِقهُ ما فيه عادةً، وإزالةُ السبب المُهلِك لا تُوجب شركة، بل فِعْلُ السَّبَبِ المنْجي، وهو فَرْقٌ حسَنٌ، فإن فاعل الضَّررِ شأنُهُ أن يَضمن، فإذا زال ضررُه نَاسَبَ أنَ لا يضمن، لعدم سَبَبِ الضمان، وفاعل النفع محَصِّل لِعَيْن المال، فناسَبَ أن يستحقه
(11) هي موضوع الفرق الخامس والمائتين بين قاعدة ما يُضْمَنُ بالطرح من السفنَ وبين قاعدة ما لا يضْمَنُ" جـ 4. ص 8. لم يعلق عليه الشيخ أبو القاسم بن الشاط بشيء
عبارة القرافي في أول هذا الفرق أكثر وضوحًا وبيانا، حيث قال مالك: إذا طُرح بعضُ الحمل للهول شارك أهل المطروح مَن لم يُطرَح لهم شيء في متاعهم، وكان ما طرح وسلم لجميعهم في نمائه ونقصه بثمنه يوم الشراء إن اشتروا من موضع واحد بغير محاباة، لأنهم صانوا بالمطروح مالهم، والعدل عدم اختصاص أحدهم بالمطروح، إذ ليس أحدهم بأولَى من الآخَرِ، وهو سببُ سلامة جميعهم، فإن اشتروا من مواضع، أو اشترى بعض أو طال زمن الشراء حتى تغيرت الاسواق اشتركوا بالقيم يوم الركوب، دون يوم الشراء، لأنه وقت الاختلاط، وسواء طرح الرجل متاعه. أو متاع غيره بإذنه أم لا. قال ابن ابي زيد القيرواني رحمه الله: ولا يشاركُ من لم يَرْم بعضُهم بعضا، لأنه لم يطرأ سببٌ يوجبُ ذلك، بخلاف المطروح له مع غيره.
(12)
النَّواتي: جمع نُوتِّي بضم النون، وهو المَلَّاح في البحر خاصة، كأنه يُميل السفينة من جانب إلى جانب. وقيل هو مُعَّربٌ، ومن الفعل: ناتَ ينوت إذا تمايَل من ضعف.
أو بعضَه، لِأن مُوجِدَ الشَّىْء شأنُه أن يكون له، ويُبْدأ في الطرح بالأمتعة، ثم الْبَهَائِم لشَرَف النفوس.
قال: والطَّرحُ عند الحاجة واجبٌ لا يجري فيه القولان اللذان للعلماء في دفع الداخل عليك البيتَ لطلَبِ النفس، أو مَن اضْطرَّ إلى أكل الميتة، فَفيهما قولان: أحدُهُما يجب الدفعُ والأكل، وثانيهما لا يجِبَانِ، لقصة ابنْي آدم، (13) ولقوله عليه السلام: كن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل (13 م)، وعليه اعتَمد عُثمان رضي الله عنه.
والفرق بيِّنٌ، من حيث إن التَّرْك هُنا لاقتناء الأموال، وليس واجبًا، وهنالِك من حيث قتْل النفس، وهذا الترك واجب عليه، لأن القتل محرَّم (14).
وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يضمن منِ أهل السفينة أحدٌ، إلا الطارحُ إن طرح مال غيره، وإن طرح مال نفسه فمُصيبته منهُ وإن استدعى غيرُهُ منْه ذلك.
(13) إشارة إلى قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (27) لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 27، 28].
(13 م) أورده الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني شارح الموطأ للامام مالك رحمهما الله، وذلك في كتابه:"مختصَر المقاصدِ الحسنة في بيان كثير من الاحاديث المشتهرة على الألسنة". وذكره بلفظ "كن عبد الله المظلوم، ولا تن عبد الله، الظالمَ، وقال فيه: ورد بلفظ "القاتل" و "المقتول"، ولم يذكر درجته من الصحة والحسن أو الضعف. واكتفى بالاحالة في شأنه على كتاب المقاصد، وكتاب التمييز، وكتاب الكشف، وهي كلها كما ذَكَرَ في مقدمة الكتاب كتب تناولت الاحاديث المشتهرة على الالسنة لتبيين صحيحها من ضعيفها. كما أورده الإِمام السيوطي في كتابه: الدر المنثور في التفسير بالمأثور، وذلك عند تفسيره للآية المشار إليها.
(14)
عبارة القرافي هنا اكثر بيانا ووضوحا حيث قال: والفرق أن التارك للقتل والاكل هنالك تارك لئَلا يفعل محرما، وها هنا لبقاء المال، واقتناؤه ليس واجبا، أكل الميتة وسفكُ الدم، محرم، وما وضع المالُ إلا وسيلةً لبقاء النفس، ولم يوضع قتلُ الغير وأكل الميتة وسيلةً لذلك، ولا يَضمن الطارح ما طرحة هنا اتفاقا، ولمالك في أكل مال الغير للمجاعَة قولان بالضمان وعدمه، ولا يضمن بدفع الفحل إذا قتله، لأنه كان يجب على صاحبه قتله، صوْنا للنفس، فقد قام عن صاحبه بواجب.