الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: لا يصح حمل الآية الكريمة التي هي {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} على ذلك، لمنصب النبي صلى الله عليه وسلم. وأما إذا لم يكن سبباً لشيء من هذا، فلا مذمةَ فيمن خاف غير الله كخوف الأسُودِ والحيَّات والعقارب والظَّلَمة.
القاعدة السادسة عشرة:
في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه
(199)
إعلم أن أحوال الكفار مختلفة إذا أسلم، فيلزمه ثمن المبيعات، وأجر الاجارات، ودفع الديون التي اقترضها ونحوُ ذلك، ولا يلزمه من حقوق الآدميين القصاصُ، ولا الغصْبُ والنهب إن كان حربيا، وأما الذِّمي فيلزمه جميعُ المظَالِمِ وردُّها، لأنه عقَدَ الذِمة وهو راض بمقتضى عقد الذمة، وأما الحربي فلم يرض بشيء، فلذلك أسقطْنا عنه الغُصُوبَ والنهوب والغاراتِ ونحوَها. وأما حق الله تعالى فلا يلزمه وإنْ كان ذميا، لقوله عليه السلام:"الإِسلام يجُبُّ ما قبله". (200)
وضابط الفرق أنَّ حقوق العباد قسمان: منها ما رَضِيَ به حالةَ الكفر واطمأنت نفسه بدفعه لستحقه، فهذا لا يسقط بالإِسلام، لأن إلزامه إياه ليس منَفِراً له عن الإِسلام لرضاه به، وما لم يرضَ بدفعه لمستحقه كالقتل والغصب ونحوه فإن هذه الأمور إنما دخل عليها متعَمِّدا أنه لا يُوفيها أهلَها، فهذا كله يَسقط، لأن
(199) هي موضوع الفرق السبعين والمائة بين القاعدتين المذكورتين، جـ 3. ص. 184. وقد علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء فيه عند الكلام على تعليقه في اخر الفرق التاسع والستين والمائة، فقال: "ما قاله في الفرق بعده صحيح"، وبذلك يكون قد سلم ما جاء في هذا الفرق ولم يعقب عليه بشيء.
(200)
أورده الإِمام البيهقي رحمه الله في كتابه دلائل النبوة، في باب ذكر إسلام خالد بن الوليد رضي الله عنه، لمَّا دخل على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة وأعلن إسلامه وشهادتَه، قال (خاطِبا للنبي عليه الصلاة والسلام: قد رأيتَ ما كنتُ أشهدُ من تلك المواطن عليك، مُعَانِداً عن الحق، فادْعُ اللهَ يغفرُ لي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الاسلام يَجُبُّ ما كان قبله"(أي يقطع ما كان قبله من الكفر والعصيان)، قلت: يا رسولَ الله، علي ذلك، قال "اللهمَّ اغفر لخالد بن الوليد كلَّ ما أوضَعَ فيه من صَدّ عن سبيلك".
وأخرجه كذلك العلامة علاء الدين الدمشقي بن حسام الدنى الهندي في كتابه الشهير: كنز العمال في سَنَنِ الأقوال والأعمال. جـ 1. ص. 343. ط.