المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكفرات عن أسباب المثوبات - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكفرات عن أسباب المثوبات

قلت: ما ذكره شهاب الدين هنا ليس ببيّن، فإن واحداً من الفضلاء لا يرى الفضيلة أوْ عدمها من حيث الشعور بالألم الطبيعي أو فقْدُهُ، وإنما الفضيلة من حيث غلبة النظر في المسبَّب، وملاحظةُ فِعْله بِعين الكمال، فهو لذلك رَاضٍ، أوْ مِنْ حيث غلبةُ النظر للأسباب، والذهول عن المسبب، فإذا جآءه ما يخالف طبعه لم يكن راضيا، فكان ناقص الدرجة عن الذي قبله، وهذا -والله أعلمُ- هو الحق لا ما ذكره شهاب الدين ورأى أنه أغربَ به، والله أعلم.

‌القاعدة الرابعة عشرة

في تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

. (189)

فاعْلَم أن المثوبة تُرَتَّبُ على ما هُوَ من كسْب العبد ومقدورة، فما لا كَسْبَ فيه ولا هو من مقدوره لا مثوبةَ فيه، وهذا لقوله تعالى:"وأن فيس للانسان إلا ما سعى"(190)، ولِشَرْطٍ ثانٍ (191) أن يكون المكتسَبُ مامورا به، فما لا آمرَ فيه لا ثواب فيه كالافعال قبل البعثة، وكأفعال الحيوانات التي لا تُقْتَلُ، وكذا الموتى

(189) هي موضوع الفرق الثالث والستين والمائتين بين قاعدة المكفِّرات وقاعدة أسباب المثوبات" جـ 4. ص 231.

قال القرافي رحمه الله في أوله: "إعْلَمْ أن كثيرا من الناس يعتقدون أن المصائب سبب في رفع الدرجات وحصولِ المثوبات، وليس كذلك، بل تحرير الفرق بينهما أن المثوبات، لها شرطان: أحدهما أن تكون من كسب العبد ومقدوره، وثانيهما أن يكون المكتسَب مامورا به

الخ ".

(190)

وبَعْدَها قولُه تعالى: {وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} سورة النجم، الآيات 39 - 40 - 41 - 42.

(191)

في جميع النسخ الثلاث: ولشرْط ثان، ولعله خطأ من الناسخ، والصواب أن يقال: وشرطٌ ثانٍ أن يكون المكتسَبُ ماموراً به، كما يظهر من عبارة القرافي وعدِّهِ لهذين الشرطين فيما سبق ذكره هنا في أولِّ التعليق 189. ولعل وجهه أنه معطوف على عبارة:"وهذا لقوله تعالى".

ص: 453

يسمَعُون المواعظ والقرآن والذكر ولا ثواب لهم، لأن الأوامر ليسَتْ متعلقةً بهم. (192)

وأمّا المكَفِّرات فلا يُشترَط فيها شيء من ذلك، بل قد تكون كذلك وقد لا تكون، كالمصائب التي تصيب الانسان حتى الشوكة، فالمصيبة مكَفِّرةٌ، اقترن بها السخط أوْ الصبر (193)، فإنْ اقترن بها الصبر فله الثواب من حيث الصبر، وله

(192) علق الشيخ ابن الشاط على كلام القرافي من أول هذا الفرف إلى هنا، فقال: "هذا حديث غيرُ صحيح، بل الصحيح أن رفْعَ الدرجات لا يُشترطَ في أسبابها كونُها مكتسَبَة ولا ماموراً بها، فمنها ما يكون سببه كذلك، ومن ذلك الآلام وجميعُ المصائب، وقد دلت على ذلك كله دلائل، وظواهر الشرع متظاهرة، يعضدها قاعدة رجحان جانب الحسنات المقطوع بها. وما استدل به من قوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وقولهِ سبحانه: {هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} وما أشْبهَ ذلك من الآي والاخبار

الخ. يتعيَّن حمله على الخصوص، جمعا بين الأدلة.

فإن قال قائل: ذلك، وإن كانَ سبباً لرفع الدرجات وزيادةِ النعيم، فلا يسمَّى ثوابا ولا أجْرا ولا جزاءً، فإنها الفاظ مشعِرة بالإِعطاء في مقابلة عوض، فالأمر فيما يقول، قريبٌ، إذ لا مشاحة في الالفاظ. كيف يصح حمله الآيتين وما أشبههما على العموم، مع الإجماع المعلوم المنعقد على صحة النيابة في الاعمال المالية كلها، مع الخلاف في البدنية كلها أو ما عَدَا الصلاة منها، فلابُدَّ من حمل الآيتين وشههما على الإِيمان، أو عليه وعلى سائر الأعمال القليلة". قلت:"ومن الأدلة الكثيرة على ثواب الصبر وأجْره حالةَ الشدة والالم، قولُ الله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}. سورة البقرة، الآية 177. وقوله سبحانه {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ}. سورة الزُّمَرِ. الآية: 10 وعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: "ما مِن مسلمٍ يشاك شوكة فما فوقها (أي يصاب بشوكةٍ وألمها في جسمه) إلا كُتبت له بها درجةٌ، ومُحيَتْ عنه بها خطيئة" أخرجه الامام مسلم رحمه الله.

وعن محمد بن خالد عن أبيه عن جده، وكان له صُحبةٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"إن العبد إذا سبقتْ له من الله منزلةٌ فلم يَبْلغها بعمل، ابتلاه الله في جسده أو ماله أو ولده، ثم صبَّره على ذلك حتى يُبْلِّغَهُ المنزلة التي سبقت له عند الله عز وجل" رواه الائمة: أحمد وأبو داود، وأبو يعلى، والطبراني رحمهم الله.

(193)

عبارة القرافي أوضح وأظهر، وهي قوله: بل قد تكون كذلك مكتسَبَة، مقدورة من باب الحسنات، لقول الله تعالى:{إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} . سورة هود، الآية 114. وقد لا تكون (المكَفًرَات) كذلك، كما تكفر التوبة والعقوبات السيئاتِ وتمحو آثارها،

ومن ذلك، المصائبُ المؤلمة. لقول الله تعالى:{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} سورة الشورى. 30. =

ص: 454

التكفير من حيث المصيبة بإطلاق، وما كان سبباً للثواب يكون سببا للتكفير، وليس ما كان سببا للتكفير يكون سببا للثواب ولابد، وهذا لِأجْلِ ما شرطنا في سبب المثوبة من الشرطين المذكوريْن. ثم ذلك الشخص الذي يصحب المصيبة قد يكون ما ترتَّب عليه أكثرُ ممّا يترتب على المعصية من التكفير، وقد يكون أقلّ، وقد يكون مساويا.

وقال شهاب الدين هنا: والتكفيرُ مِن حيث المصيبةُ إنما كان لأجل الألم اللاحق. ولما كان كذلك فالتكفير حسب قدْر الألمِ، فيَعْظُم لعظمته وبالعكس، وكذلك يعظم لعظم الولد وبالعكس، فلو فرضنا ولداً لا يتألم بفقده والده لما كان له عليه شيء. (194).

قال ابن الشاط معلقا على هذا الكلام عند القرافي: "ما قاله في ذلك صحيح، إلا قوله "وتمحو آثارها"، فإنه إن أراد بذلك محوها من الصحائف فإن ذلك ليس بصحيح، لأنه عيْنُ الإِحباط، وهو باطل عند أهل السنَّة.

ثم زاد ابن الشاط قائلا: وأما قول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} فليس في هذه الآية دليل للقرافي على كون المصائب مكفرة للذنوب أو غيرَ مكفرة، وإنما فيها أن المصائبَ سببُ الذنوب، وأن من الذنوب ما لا يُقابَلُ بمصيبة يكون سببا لها، بل يسامَحُ فيه ويُعفَى عنه".

(194)

قال ابن الشاط هنا: "ما قاله القرافي من أن المصيبة لا ثوابَ فيها قطعا ليس بصحيح، وقد تبين قبلَ هذا أن ما استدل به من العمومات لا دليل فيه، لتعَيُّن حملها على الخصوص بالإِجماع على صحة النيابة في الامور المالية، وبالظواهر الظاهرة بثبوت الحسنات في الآلام وشبهها.

ثمَّ عقَّب ابن الشاط على ما ذكرَهُ القرافي من أن التكفير في موت الاولاد ونحوهم إنما هو بسبب الالام "بأنه صحيح، وما قاله من أن الولد إذا كان مكروهاً عند والده، ويُسَرُّ بفقده فلا كفارةَ بفقده البتَّة، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أطلق التكفير بموت الاولاد، بناءً على الغالب أنه يؤلمه موت الولد، فقال: "في ذلك تحكم بِتقييد كلام الشارع من غير دليل، وتضييق لباب الرحمة الثابت سعَتُهُ".

قلت: والحديث الدال على الثواب العظيم الذي يعطيه الله لمن توفي له بعض أولاده هو ما رواه أنس رضي الله عنه عن النبي طلائه قال: ما مِن الناس من مسلم يُتوفَّى له ثلاثةٌ لم يبلُغُوا الحِنْث (أي لم يبلغوا مبلَغ الرجال والنساء وهو سن التكليف) إلا ادخله الله الجنة بِفضل رحمته إياهم". رواه البخاري والنسائي رحمهم الله.

وعن أبي سعيد رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: إجعل لنا يوما (أي خَصِّصْ لنا يوما

ص: 455