المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

تنبيه: قال اللخمي: كلُّ أمٍّ حَرُمتْ بالنسب حَرُمتْ أختُها، وكل أختٍ - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: تنبيه: قال اللخمي: كلُّ أمٍّ حَرُمتْ بالنسب حَرُمتْ أختُها، وكل أختٍ

تنبيه:

قال اللخمي: كلُّ أمٍّ حَرُمتْ بالنسب حَرُمتْ أختُها، وكل أختٍ حَرُمت لَا تحرُمُ أختُها إذا لم تكن أخْتا له (24)، فقد تتزوج المرأة الرجلَ، ولكل واحد منهما ولَدٌ، فالولد منه (24 م) يحل له ابنة المرأة من غير أبيه. وكل عمة حرمت فلا تحرم

أختها لأنها قد تكون اختَ أبيه وقد لا تكون. (25)

‌القاعدة السابعة

(25 م)

(24) هكذا في جميع النسخ الثلاث المعتمدة في التحقيق: "إذا لم تكن أختا له"، وعند القرافي "إذا لم تكن خالة". فليتأمل في أية العبارتين، أظهر وأصوب، وأنسب في المعنى المراد، وليصحح ذلك، وليُحَقَّق، فإن التعبير ومفهومه دقيق جدا، يحتاج إلى استيضاح وبيان لجلاء الصورة الجائزة من غيرها، ولَعَلَّ ما عند البقوري أظهر وأصوب، والله أعلم.

(24 م) في نسخة ع: فالولد منهما بالتثنية، وهو ما عند القرافي. وفي ح:"فالولد لهما"، وفي ت:"فالولد منه". ولعل عبارة الإفراد أظهر في المعنى المراد، فليتأمل ذلك وليحقق". والله أعلم.

(25)

عبارة القرافي من أولها تزيد المسألة وضوحا على ما يكون في إيرادِها من تكرار مع ما عند البقوري، وهي قوله:"كل أم حرمت بالنسب حرمت أختها، وكل أخت حَرُمَتْ لا تحرم أختها إذا لم تكن خالة (هكذا يذكر الخالة)، فقد يتزوج الرجل المرأة ولكل واحد منهما ولد. فالولد منهما (هكذا بالتثنية) تحل له ابنة المرأة من غير أبيه، وكل عمة حرمت قد لا تحرم أختها، لأنها قد لا تكون أخت أبيه ولا أخت جده".

ويظهر أن المعنى المستفاد من العبارتين عند القرافي والبقوري معنى واحد، ما عدا في التثنية والفرق بين قول القرافي:"إذا لم تكن خالة) وقول البقوري إذا لم تكن أختا له". فليتأمل في ذلك، وليحقق بجلاء الصورة وتوضيحها، وبيان الجائز منها من غيره، فالموضوع دقيق وخطير والله أعلم.

(25 م) هي موضوع الفرق الثامن والأربعين والمائة (148) بين قاعدة ما يُلْحَقُ فيه الولد بالواطِئ وبيْن قاعدة ما لا يلحق فيه. جـ 3. ص 122.

قال الإِمام القرافي رحمه الله في أول هذا الفرق: إعلمْ أن العلماء قد أطلقوا القوَل بأن الولد لا يُلحَق بالواطئ إلا لستةِ أشهر فصاعدا، وهذا الكلام ليس على إطلاقه، بل مُرادهم إذا كان الولد قد ولِد تاما فإنه لا يتم بعْد الوطء إلا في هذه المدة أو أكثر منها، أمّا اقلَّ من ذلك فلا .. الخ. وقد علق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على هذا الكلام بقوله: ما قاله القرافي في ذلك، من أن كلام العلماء ليس على إطلاقه، ليسَ عندي بصحيح، بل كلامُهُم على إطلاقه في ذلك، لأن ذلك هبى مقتضَى الآية في قوله تعالى:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} سورة الأحقاف، الآية 15، وأولُهَا قول الله تعالى:{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} .

ص: 33

أقرر فيها ما يُلحَقُ فِيهِ الولد بالواطيء (26) فأقولُ:

إنَّ الفقهاء يقولون: لا يُلْحَقُ الولد بأقلَّ من ستةِ أشهر، ومرادُهم بذلك لا تتم خِلقة الولد ويولد تامّا لأقلَّ من ستة أشهر، إذْ لو ظهر حمل بامرأةٍ مع زوجها فأسقطته لأقلَّ من تلك المدّة لَلَحِقَ بأبيه، وهذا لاخفاء به أنهم يريدون به هذا المعنى.

ثم ما ذكره الفقهاء من أنه لا يكْمُلُ خَلْق الولد لأقلَّ من هذه المدة، سببه ما ذكره ابن جميع وغيرُه فى التحدث عن الأجنة، قالوا: إن الجنين يتحرك لمثل ما تخلَّقَ فيه ويوضع لمِثْلَي ما تحرَك فيه، قالوا: وتخلُّقُهُ في العادة، تارةً يكون لشهر، وتارة لشهر وخمسةِ أيْام، وتارة يكون لشهر ونصف، وتارة يكون لشهر ونصف، فَيُولَد بعضُ الأولاد لهذا على رأس ستة أشهر، وبعضٌ على سبعةِ أشهر، وبعض على تسعةِ أشهر، ومَا وُلد لثمانية أشهر لا يعيش.

ثمّ قد يطرأ طارئ ويَعْرِض عارض من جهة المَنِيِّ في مزاجه أو في الرحم يَمنع من جريان هذِه العادة فيتأخر الولد إلى عام وإلى عامين وإلى أكثر، وهو قول الحنفية، وإلى أربعة أعوام وهو مشهور مذهب الشافعية، أو إلى خمس سنين وهو مشهور مذهب المالكية، وجاء عن مالك والشافعي إلى سبعة أعوام.

قال شهاب الدين رحمه الله:

ومعنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: "يُجْمَعُ أحَدُكم في بطن أمّه أربعين

(26) كذا في كلٍ من نسخة الخزانة العامة بالرباط، المشار اليها بحرف (ع)، ونسخة الخزانة الحسنية المشار إليها بحرف الحاء (ح)، وفي نسخة ثالثة من المكتبة الوطنية بتونس، وهي المشار إليها احيانا بحرف (ت):"نقرر فيها ما يُلْحِقُ الولد بالواطئ"، وعند القرافي في هذا الفرق:"ما يُلحَقُ فيه الولد بالواطئ" بحرف الجرّ (في).

ص: 34

صباحا نطفةً، ثم أربعين عَلَقَةً، ثم أرْبعين مُضْغة، ثمّ يُنْفخُ فيه الروح" (27)، الإِشارة إلى الأطوار الثلاثة تقريبا، فإن الأربعين تَقْرُبُ من الثلاثين، والخمسةِ والثلاثين، والخمسةِ والاربعين، وهي متوسطة بين هذه الأطوار، فهذا هو مَعنى الحديث، لا أنه على ظاهره في جميع الأجنّة، ولو كان على ظاهره لكانت الحركة في أربعة أشهر، ويكون الوضعُ في اثني عشر شهرا. وهذه الصورة صحيحة، ولكنها نادرة، وكلام الرسول عليه السلام لا ينبغي أن يُحْمَل على النادر، بل على الغالب.

قلت: قطع شهاب الدين - بِما ذكرَه المشرحون - بطرق التأويل إلى ما جاء في الحديث، وتاويلُهُ من أبْعدِ شيء، فالأوَلى دفع ما قاله المشَرِّحُون، فنحن لا نعرف هل اتفق المشرحون على ذلك أم لا؟ ثم بعْدَ الاتفاق يبقى معَنا الشك فيما

(27) ونصه بتمامه: عن أبي عبد الرحمان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: "إن أحدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقهُ في بطن أمه أربعين يوما نطفةً، ثم يكون علقة مثلَ ذلك، ثم يكون مضغةً مثلَ ذلك، ثمّ يُرْسَلُ اليه الملَكُ فينفخ فيه الروحَ ويُومَرُ بأربع كلمات: بكتْبِ رزقه، وأجله، وعمله، وشَقِيٍّ أو سعيد. فواللهِ الذي لا إلاه غيرُه، إنّ أحدَكم لَيعمَلُ بعمل أهل الجنة حتى ما يكونَ بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلُها، وإن أحدكم لَيَعملُ بعمل أهل النار حتى ما يكَونَ بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها". أورده الشيخ الامام مُحْيي الدين أبو زكرياء، يحيى بن شرف الدين النووي رحمه الله، ضمن أحاديثهِ الاربعين النووية، نقلا عن الشيخين البخاري ومسلم رحمهما الله.

والحديث يشير إلى الآية الكريمة الآتية، وهي قولُ الله تعالى في أول سورة الحج (5)، في معرض الاستدلال على بعث الناس من قبورهم يوم القيامة:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} ، كما يشير الحديث إلى الآية الكريمة الاخرى المذكورة في سورة "المؤمنون"، وهي قوله سبحانه:{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ} . صدق الله العظيم. الآيات 11 - 16. سورة "المؤمنون".

ص: 35

ذكروه من وجوه لا من وجه واحد، فمالَنَا ولِتاويلِ الحديث بشيء بعيدٍ غايةً، واللهُ أعلم. (27 م)

القاعدة الثامنة (28)

نقرر فيها الفرق بين قيافته عليه السلام وقيافة المُدْلِجِي (28)

ولنذكر -أوّلا- أن إلحاق النسبِ وإثباتَه بالقيافة مختلَف فيه، فذهب أبُو حنيفة إلى أنه لا يصح، لانه حَزْرٌ وتخمين، فلا يصح الاعتماد عليه كالاعتماد على النجوم والرمْل والزجْر والفال، (29) وغير ذلك من أنواع الحَزْرِ. ثم هو مع هذا من باب الحزْر البعيد كما قال عليه السلام للذي أنكر ولدَه لمَّا كان أسود: "أَلَكَ إبِلٌ؟ ، قال:

(27 م) قلت: وهذا الكلامُ والتعقيبُ للشيخ البقوري رحمه الله يتلاقى ويتفق مع ما جاء هنا من تعقيب وتعليقِ للفقيه ابن الشاط على كلام القرافي حيث قال عند قول القرافي: "وسبَبُه ما قاله ابن جَميع وغيرُهُ في التحدث عن الأجنة": "ما قاله القرافي هنا حكاية أقوال، وتقرير كلام الاطباء في تصرف أحوالٍ. فأما حكاية الأقوال فلا كلام فيه. وأما ما حكاه عن الاطباء (المُشَرِّحين) فلا اعتبار به عندي، على تقدير أن يكون صحيحا، لمخالفته لمقتضى الآية، ولا نُقِرُّ مخالفة الشرع لمقتضَى الحِسِّ، والله أعلم".

ثم زاد ابن الشاط معلقا على كلام القرافي في تأويل الحديث السابق المتعلق بتكوين الجنين، واعتباره إشارةً إلى الأطوار الثلاثة تقريبا، فقال ابن الشاط هنا:"لا حاجة إلى تاويل الحديث، فإن ما ذكره الاطباء من ذلك لا تتحقق صحته، والأصحُّ إبطال ذلك، لمخالفته الحديث .. "

(28)

هي موضوع الفرق التاسع والاربعين بعد المائة (149) بين قاعدة قيافته عليه الصلاة والسلام وقيافة المُدْلِجِي، جـ 3. ص 125.

وانظر التعليقَ على موضوع القيافة في الجزء الاول من هذا الكتاب، ص 267 عند الكلام على القاعدة الأولى في الفرق بين الشهادة والرواية من قاعدتيْ الخبر.

(29)

الرّمْلُ، وضْعُ خطوط على الرمْل، والزجْرُ أيْ زجر الطيْر لِتَطِيرَ يمينا أو شِمالا، فيقع التفاؤل بذلك والتكهنُ به إن طارت نحو اليمين، أو التشاؤم إن طارت جهة الشمال، وهو من أعمال الجاهلية التي ألغاها الاسلام وأبطلها، وأبدلها باتخاذ الاسباب المشروعة في كل شيء، وبالتوكل والاعتماد معها على الله سبحانه وتعالى، فهو الذي وحده يعلم الغيب .. ويحقق المطلوب، وفي ذلك يقول الشاعر الاسلامي: لبيد بن ربيعة، أحد شعراء القصائد الطويلة في العصر الجاهلي، والمعروفة باسم "المعلَّقات السبع"(أو المعلقات العشْر)، وهو ممن أسلَم وحسُنَ إسلامه، وحفِظ القرآن وهجر الشعر حتى قيل: إنه لم يقل بعد إسلامه إلا بيتا واحدًا يعبر فيه ويفصح عن مدى شعوره، واعتزازه وسعادته بهداية الإسلام، ونور الايمان، ونعمته الكبرى على الانسان، والبيت الشعري موضوع الشاهد هو قوله في قصيدة رثائية لأخيه إربد:

لعمرُكَ ما تدْري الضواربُ بِالحصَى

ولا زاجراتُ الطير ما اللهُ فاعلُ

ص: 36

نعَم، قال: فما لونُها؟ ، قال: بِيض، قال: هَلْ فيها من أوْرقَ؟ ، قال: نعَمْ، قال: فمن أين ذلك الأوْرقُ؟ قال: لعله نزْعُ عِرْقٍ، فقال عليه السلام: كذلك هُنَا .. ، (30) يُشير إلى أن صِفة الأجداد والجدات قد تظهر في الأبناء. فياتي الولدُ يشبه

ويكفي هذا الشاعرَ الإسلامي شرَفًا واعتزازًا بإسلامه وشعره ما رُوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حقه: أصْدَقُ كلمةٍ قالها لبيدٌ (وهي الشَّطر الأولِ):

"ألَّا كلّ شيء ما خَلا اللهَ باطلٌ"

وكل نعيم لا محالةَ زائل

وكل امرئ يوما سيعلَم سعيَه

إذا كُشِفَتْ عند الالاه الحصائلُ

وكأني به يشير في هذا البيت الأخير إلى قوله تعالى في سورة العاديات في شأن الانسان وتذكيره بالبعث والنشور: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ، وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ، إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} . 9، 10، 11.

ومن ذلك قول شاعر النيل حافظ ابراهيم رحمه الله في قصيدته الشهيرة التي تحدَّثَ فيها على لسان اللغة العربية، ومخاطبًا فيها أبناء لغة الضاد:

أيُطْرِبُكُم من جانب الغرب ناعبٌ

ينادِي بوَأدي في ربيع حياتي

ولو تزجرون الطير يوما علمتمو

بما تحته من عثرة وشَتَاتِ

سقى الله في بطن الجزيرة أعظمًا

يعز عليها أن تلين قناتي

والبيتُ الذي اتيت به في قصيدة لبيد شاهدا ومنطلقا لهذا التعليق في موضوع زجر الطير عند العرب في الجاهلية قبل الاسلام يعتبر أيضا من شواهد النحاة في أفعال الرجحان، في باب ظَنَّ وأخواتها فيما يتعلق بإلغائها عن العمل أو تَعْلِيقِها عنه (أيْ عن نصب المفعولين إذا كان فعْل منِها مسبوقا باستفهام أو لامِ ابتداءٍ او قسَم، أو نفْي بما أوإن أوْلَا، كما في قوله تعالى:

{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} . وقوله سبحانه: {وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ، إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ} . وإلى هذه القاعدة أشار العلامة محمد بن مالك رحمه الله في ألفيته النحوية المشهورة، فقال:

"وجوّز الإلغاء لا في الابتدا

وانو ضمير الشأن أو لامَ ابتدا

في موهِمٍ إلغَاءَ ما تقَدَّما

والتزَم التعليق قبل نفي ما

وإن، ولا، لامِ ابتداءٍ أو قسَم

كذا، والاستفهامُ ذا، لهُ انحتَمَ

(30)

أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، ونصُّ الحديث بتمامه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءَ رجلٌ من بني فَزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدتْ غلامًا اسوَدَ، فقال: هل لك من ابِلٍ؟ ، قال نعَمْ، قال: فما ألوانها؟ قال: حُمْرٌ، قال: هل فيها من أوْرقَ؟ (أي هل فيها بعير في لونه بياض) قال: إن فيها لَوُرْقًا (جمع أوْرق)، قال: فأنَّى أتاها ذلك؟ قال: عسَى أن يكون نَزَعَهُ عِرْق، قال: وهذا عسى أن يكون نزعَهُ عِرْق" (أي جذَبَه لوْنٌ كان في واحدِ من أصوله، وهذا كذلك. فمخالفة اللون لا تدل على أن الولدَ من الزنَى، فربَّما كان لونه في أحد أصوله وهذا كذلك. وفي المثَل: العِرْق نزَّاعٌ، فينبغى تحسين الظن في مثل هذه الحالة والأمرِ، عملا بالحديث: "إدْرءوا الحدرد بالشُّبُهات". اللهم الا إذا قويت الشبهة أو تحققت التهمة

ص: 37

غيرَ أبويه، وقد يأتي شبه أبويه ليس منهم، لأن الزاني بأمه كان يشبه أباه أو أحدًا من قرابته، فهو لا يطرد ولا ينعكس، فلا يجوز الاعتماد عليه.

واحتج الشافعي ومالك رضي الله عنهما على صحة الإلحاق بذلك بما أخرجه مُسْلم من دخوله صلى الله عليه وسلم على عائشةَ مسرورا، فأخبرها بما قال المدلجي في أُسامةَ وزيدٍ حيث قال:"هذه الأقدام بعضُهَا من بعض". والحجة من حيث إنه سُرَّ بمقَالتِه، وهو عليه السلام لا يُسَرُّ إلا بحق، ولا يُسَرُّ بباطل ولا يُقِرُّ عليه.

أجاب الحنفية بأنه سُرَّ بذلك لقيام الحجة على الكافرين على ما كان الأمر عندهم وإن كان باطلا في نفسه. قالوا: ومِن هذا أنه عليه السلام سُرّ بآية الرجْم (30 م) حينَ وُجِدَت في التوراة وهو لا يعَتقد صحتها، بل لقيام الحجة على الكفار.

أَجاب الأصحاب عن هذا بأن قالوا: ذلك الاحتمال بعيد. وتحقيق ما قلناه من حيث الحديث الذي جاء عنه في حديث الِلعان حيث قال: إن جاءت به كذا فهو لفلان، وإن جاءت به كذا فصَدَقَتْ وكذَب علَيها (31)، فإنه إذا كان هذا تثبيتا للالحاق

وثبتت ببينة ويقين، فحينئذ يكون سوء الظنّ مبنيا على أساس ويقينٍ، وتُتخَذُ الاجرآت والأحكام المشروعة لمثل هذه الحالة من طلاق ولعان أوْ حَدٍّ، وغيرهما، أمَّا قبل ذلك فلا. فعَنْ ابي هريرة ايضا رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أيُّما امرَأةٍ أدْخلتْ على قوْمٍ من ليس منهم، فليست من الله في شيء، ولن يدخلها الله جنته، وأيُّما رجلٍ جَحدَ ولدَه، وهو ينظر إليه احتجب الله تعالى منه، وفضحه على رؤوس الاولين والآخرين". رواه من ائمة الحديث والسنة، ابو داود والنسائي والحاكم وصححه. فرحمهم الله جميعا، ورزقنا السلامة والعافية، والستْر في الدنيا والآخرة.

(30 م) يراد بآية الرجْم ما رواه الشيخان عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه خطب فقال: إن اللهْ بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم، قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرَجَم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورَجَمْنا بعْدَه، فأخشى إن طال بالناس الزمانُ أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله، فيَضِلوا بتركِ فرِيضةٍ انزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله على من زنى إذا أُحْصِنَ، من الرجال والنساء إذا قامتْ البينة وكان الحبْل أو الاعتراف"، متفق عليه. وفي رواية: وقد قرأناها: "الشيخ والشيخة إذا زنَيَا فارجموهما البتةَ". قال بعض شراح الحديث: وهذا القِسْم من نسخ التلاوة مع بقاءِ الحكم، وقد عدّه الاصوليون قسما من أقسام النسخ.

(31)

اشارة إلى حديث أَنَسٍ رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أبْصِروها (اي المرأة المتلاعنة مع زوجها) فإن جآتْ به أبْيَضَ سَبِطاً فهو لزوجها، وإن جآت به أكحل جعْدا فهو للذي رماها به". حديث متفق عليه، والسَّبطَ بفتح السين كسر الباءِ الكامِلُ الخلْق من الرجال، والجعْد بفتح الجيم وسكون العيْن، القصير.

ص: 38

من حيث وجودُ هذه الأوصاف فأحرى أن يكون الإِلحاق بعد الوقوف على الصفات الموجِبة لذلك الإِلحاق، فإن إدراكها بالحس يزيد في ذلك. وأيْضا يتقوَّى بحديث عائشة:"تَرِبَتْ يمينُك ومِن أين يكون الشَّبَهُ"(32). وحيث جاء هذا عن النبي عليه السلام ضعُف ما قاله الحنفي، ويَقْوَى ما قاله مالك والشافعي.

قال شهاب الدين رحمه الله:

سؤال:

قال بعض الفضلاء: العَجَبُ من مالك والشافعي يستدلان على أبي حنيفة بحديث المدلجي ولا يستدلان عليه بحديث اللعان حيث صرَّح صلى الله عليه وسلم بالْقافةِ في ذلك، وكان الأظهر في الصواب العكس، لأن حديث اللعان مُدرَكٌ للمسألة في غاية القوة، فتركاه واستدلا بالأضعف، وهذا لأن إقرارهُ لا يقوى قوة فعله ولا قوةَ قوله وقد فعَل، وقال: وهُمَا عَدَلَا عن الفعل والقول إلى الإِقرار.

فأجاب عن هذا بأن قال: لذلك موجب حسَنٌ، وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه الله من وُفور العقل، وصفاءِ الدِّين، وجَوْدة الفِراسة أمرًا عظيما لا يقرب أحد من أمّته إليه في ذلك، وكذلك الأمر في حواسه وقُوى جسده وجميع أحواله، فقد كان يرى في العراء أحَدَ عشر كوكبا، ونحن لا نرى إلّا ستة، فلو استدلا على أبي حنيفة بفعله في ذلك وما صدر منه لم تقم حجة عليه، إذْ كان له أن يقول: إذا صحت القيافة من تلك الفراسة النبوية المعصومة من الخطأ فمِن أيْن لكُمْ أن تصح من الخَلْقِ الضعيف، فلذلك عدلُوا عن ذلك إلى ما استدلوا به، واللهُ أعلم.

(32) ونصُّه: عن أم سلَمةَ رضي الله عنها قالت: جآتْ أمّ سُلَيْم (وهي والدة أنس بن مالك رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إنَّ الله لا يستحْيي من الحق، فهل على المرأة من غسْلٍ إذا احتلمتْ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعَمْ، إذا رأت الماء، فقالت أم سلمة:

يا رسول الله، وتحتلم المرأة؟ ، فقال: تَرِبَتْ يَدَاكِ، فبِمَ يشبِهُهَا وَلَدُها؟ رواه الائمة: البخاري ومسلم وابو داود، رحمهم الله.

ص: 39