الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثامنة عشرة
في تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه
. (214)
إعْلَمْ أنه قد تقرَّر في أصول الفقه أن المصلحة إمَّا في محلِّ الضرورة، وإمَّا في محلّ الحاجة، وإمَّا في مَحَلِّ التَّتمّة، وما عدَا ذلك مستغنىً عنه.
والفرق ها هنا بين ما يُشترط فيه العدالة ممّا لا يُشترط مبني على هذه القاعدة، فاشتراطُ العدالة في محل الضرورة كالشهادة، فإن الضرورة تدعو لحِفْظ دماء الناس وأموالهم وأبْضاعهم وأعْرَاضهم عن الضَّيَاعَ، ولو قُبِلَ فيها قوْلُ الفَسَقة ومن لا يوثق به لضاعت، وكذلك الولايات كالإِمامة والقضاء، وغير ذلك من الولايات التي هي في معني ما ذُكر، ولو فُوِّضت لمن لا يُوثَق به لضاعتْ المصالح وكثرت المفاسدُ. ولم يَشترط بعضهم في الإِمامة العُظْمى العدالةَ، لغَلَبةِ الفسوق على وُلاتها. (215)
(214) هي موضوع الفرق العشرين والمائتين بين قاعدة ما يُشترطَ فيه العدالة، وقاعدةِ ما لا يشرط فيه العدالة". جـ 4. ص 34. لم يعلق الشيخ ابن الشاط على هذا الفرق بشيء.
وأحسنُ من تكلم في المقاصد والمصالح وتوسع فيها، وبحثَها بحثا دقيقا وبسطها واجاد فيها بما لَمْ يُسْبَقْ اليه، هو الامام ابو اسحاق الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه الشهير بالموافقات، كما تناولَهُ غيره من الأئمة وعلماء الأصول، سواءٌ القدامى والمحْدَثُون، ومن بينهم الفقيه العلامة الشيخ الطاهر بن عاشور، وأستاذنا الجليل الفاضل الزعيم العلامة المشارك في ختلف فروع العلم والمعرفة الاسلامية، الأستاذ علال الفاسى رحمه الله في كتابه الشهير "مقاصد الشريعة الاسلامية ومكارمها" وكذا كتابه:"دفاع عن الشريعة"، وغيرهما من المؤلفين في هذا العلم من علماء الاسلام المعاصرين، فرحمهم الله برحمته الواسعة، وجزاهم خيرا عن العلم والاسلام والمسلمين، وأسكنهم فسيح جناته مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
(215)
قلت: يظهر أنه لا ينبغى أن يوخذ هذا التعليل على عِلّاتهِ وظاهره وعمومه، ويكون بمثابة أمرٍ مسلَّم وقاعدة عامة مطردة، فإن الولاية العظمى والإمامة الكبرى في الاسلام وتاريخه الحافل المديد لا تخلو في كل بلد وزمان، من ولاة صالحين مصلحين، يخدمون الاسلام والمسلمين، ويوطدون الامن والاستقرار، ويحققون التقدم والازدهار لشعوبهم، وينفع الله بهم البلاد والعباد، ويعتنون بشؤون الناس وبمصالحهم في كل عصر وجيل، سواء بالنسبة للولاية الكبرى والإمامة العظمى، او بالنسبة للولايات والخطط الشرعية الاخرى المتفرعةِ عنها من قضاءٍ وحِسبة، وولاية أمور المسلمين وشؤونهم الدينية والدنيوية. كما هو مستفاد من كتب التاريخ الاسلامي وتاريخ
فلو اشْتُرِطَتْ لتعطلت التصرفات الموافقة للحق في تَوْليَة من يُوَلونه من القضاة والولاة وغير ذلك، وفيه ضَرَرٌ عظيم أقبحُ من فوات عدالة السلطان، قال: واذا نَفَذتْ تصرفات البغاة بالإِجماع، فأوْلَى نفوذ تصرفات الولاة والائمة مع غلبة الفجور عليهم.
ومحل الحاجة كالإِمامة في الصلاة، فإن الأئمة شفعاء، والحاجة داعية لِإصلاخ حال الشفبع عند المشفوع عنده، (216) وإلَّا لا تقبل شفاعته، فيشترط فيهم العدالة، وكذلك المؤذِّن الذي يُعْتَمَد على إعلامه بدخول الوقت، ولم يقع خلاف في المؤذن المذكور، بخلاف المؤذن لنفسه، ولا اعتمادَ على أذانه من حيث الغير، فلا يشترط فيه شرط. ووقع الخِلاف في اشتراطها في الامام، فالشافعي لا يشترطها، ومالكٌ يشترطها.
وسببُ الخلاف أن الشافعي لا يرى بالربط بين الإِمام والمأموم، فصحَّ أن يكون إماما، فإنه لنفسه صلَّى، كما تصح صلاة الفاجر إن أتَى بشروطها، أو تفسد عليه وحده إن أخَلَّ بشئٍ من شروطها وأركانها. ومالك يرى بالربط، فاشترط ذلك، إذْ فساد صلاته يسْري إلى صلاة الماموم.
وأمّا محَلّ التتمة فكالولاية في النكاح، فلا تُشترط فيها العدالة، لأن الوازع الطبيعي الذي عندَ الولي من الشفقة على وليته ولحَاقِ الضرر به يمنعه من أن لا يوقع بها إلا المصلحة، (217) فلم يُحْتَج إلى اشتراط العدالة، وهذا كالإِقرار لقيام
= امته المجاهدة، وتزخر به وتشهد به كتب التاريخ من أعمالهم الجليلة، العلمية منها والعملية، الدينية منها والدنيوية، تحقيقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله يبعث على رأس كل مائة من يجدد لهذه الامة أمر دينها"، وهو في عمومه شامل للولاة والعلماء الصالحين المصلحين في كل مكان وحين. فليتأمل في ذلك.
(216)
إشارة إلى ما جاء في الحديث والأثر: "أئمتكم شفعاؤكم، فانظروا بمن تستشفعون". قال القرافي: والصلاة مقصد، والأذان وسيلة، والعناية بالمقاصد أوْلى، غير أن الفرق عنده (الشافعي) أن الفاسق تصح صلاته في نفسه إجماعا، وكل مصَلٍّ يصلى لنفسه، فلمْ تدْعُهُ الحاجة لصلاح حالَ الامام، ومالك ورى أن صلاة الماموم مرتبِطة بصلاة الامام، وأن فسقه يقدح في صحة الربط، فهذا منشأ الخلاف.
(217)
كذا في نسخ هذا الترتيب والاختصار، وفي العبارة شيء يجعلها غير سليمة عند التأمل، فإبطال النفي يصير الكلام ويجعله مثبَتاً، فيكون الكلام: يمنعه من أن يوقع بها المصلحة، =