الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وما قاله في البينة إذا شهدت، فإن الغالب صدْقها، ما كان هذا من ترجيح الغالب على الاصل، بَلْ من باب العمل بالخبر الذي لا يصحُّ خلافُه، وهو قوله عليه السلام:"شاهِداك أو يمينه". (22)
قلت: وعَدُّ اللعانِ فيما ذُكر ليسَ بظاهر. لأنه إنما كان يُقبَلُ قولُه لو كان يُقضَى بصحة قوله عند يمينه، وليسَ الأمر كذلك، بل الأمرُ يتوَقَّفُ على يمين المرأة، فإن حلفت بطلت الدعوى، وإن نكلت تحقَّقت الدعوى، وليسَ في اللِّعَان غيرُ ابتِداء الرَّجل باليمين.
القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها
. (23)
وتلخيص الفرق أن كل أمرٍ مُجْمَعٍ على ثبوته، وتعَيَّنَ الحقُّ فيه، ولا يؤدِى أخذه لفتنةٍ ولا تشاجُرٍ ولا فَسَادٍ، فيجوز أخْذه من غير رفع للحاكم. فمن وجَدَ المغصوبَ أو غيرَه ممّا هو له، وسلِم ممّا ذُكر، فياخذه ولا يحتاج للحاكم.
والذي يحتاج إليه خمسة أنواع:
النوع الأول، المختلَفُ فيه، هل هو ثابت أم لا؟ ، لابد في هذا من الرفع للحاكم حتى يَحْكُم فيه بحكم نوع (24) المسائل المختلَف فيها بيْن مالك والشافعي.
(22) قاله النبي صلى الله عليه وسلم للاشعث بن قيس، رواه الشيخان. وهو دليل على قبول شهادة الرجلين والاكتفاءِ بها في جميع الحقوق والحدود، ما عدا الزني فإنه يُشترط فيه أربعةُ شهود. وأصل الاخذ بشهادة رجلين على أنها بينة وحجة قاطعة، قول الله تعالى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}: البقرة: 282. وقوله سبحانه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} سورة الطلاق: الآية. 2.
(23)
هي موضوع الفرق الثالث والثلاثين والمائتين بين القاعدتين المذكورتين: قاعدة ما يحتاج للدعوى وقاعدة ما لا يحتاج إليها". جـ 4. ص. 76. ولم يعلق عليه بشيء، الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
(24)
كذا في ع، وح. وفي ت: فرع بدل نوع.
وعبارة القرافي رحمه الله: "فلا بد فيه من رفع للحاكم حتى يتوجَّه ثبوته بحكم الحاكم، فهذا النوع من حيث الجملة يفتقر إلى الحاكم في بعض مسائله دون بعض كاستحقاق الغرماء لرد عتق المديان وتبرعاته قبل الحِجر عليه، فإن الشافعي رضي الله عنه لا يُثبتُ لهم حقا في ذلك، ومالك رضي الله عنه يُثبته فيحتاج لقضاء الحاكم بذلك، وقد لا يفتقر هذا النوع للحاكم، كمن وُهِبَ له مشاع في عقار أو غيره، أو اشترَى مبيعا على الصفة، أو أسلَم في حيوان ونحو ذلك، فإن المستحِق المعتقِد لصحة هذه الأسباب يتناول هذه الأمور من غير حاكم، وهو كثير. والمفتقر منه للحاكم قليل، وفي الفرق بين ما يفتقر من هذا النوع ومالا يفتقر عُسْرٌ".
النوع الثاني: ما يحتاج للاجتهاد كتقويم الرقيق في عتاق (25) البعض، وتقدير النفقات الزوجات والأقارب، والطلاق على المُولي بِعَدم الفَيئة. (26).
النوع الثالث، ما يؤدي أخذُه للفتنة، كالقِصاص في النفس، والأعْضاء، فيُرفعُ ذلك للأئمة (27).
النوع الرابع ما يؤدي إلى فساد العِرض وسوء العاقبة، كمن ظفِرَ بالعَيْن المغصوبة، (28) فخاف - إن أخذها - أن يُنسَبَ إلى السَّرقة.
النوع الخامس ما يؤدي إلى خيانة الأمانة، (29) وقد قال عليه السلام:"ادِّ الْأمانة إِلى من ائتمنك، ولا تَخُنْ من خانك". (30) وأجازه الشافعي، لحديث
(25) كذا في ع، وفي ت: إعتاق، وهو ما في الفروق.
(26)
كذا في ع، وهو ما عند القرافي. وفي حِ: لعَدم النفقة، وفي ت: لعدم البينة، والأولى أظهر وأصوب، لقول الله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 - 227]. وعبارة القرافي هنا أوضح، حيث قال: "والطلاق على المُولي بعدم الْفَيئة، فإن فيه تحرير عدا فيئته، والمعْسِر بالنفقة لأنه مختلَف فيه، فمنعَه الحنفية، ولأنه يفتقر لتحرير إعساره وتقديره، وما مقدار الإعسار الذي يطلَّق به، فإنه مختلَف فيه، فعند مالك رحمه الله لا يطلَّق بالعجز عن اصل النفقة والكسوة اللتين تُفرَضَان، بل بالعجز عن الضروري المقيم للبنْيَة، وإن كنا لا نفرضه ابتداءً.
(27)
زاد القرافي هنا قوله: لئَلَّا يقع بسبب تناوله تمانُعٌ وقتْلٌ وفتنة أَعظم من الأولى، وكذا التعزير، وفيه أيضا الحاجة للاجتهاد في مقداره، بخلاف الحدود في القذف، والقصاص في الأطراف" (أي فإنه لا اجتهاد فيها لأنها منصوص عليها) ولا اجتهادَ مع وجود النص القطعي الدلالةِ على المسألة كما هو معروف عند علماء هذه الملة المحمدية.
(28)
وكذا "المشتراة أو الموروثة، لكم يخافُ من أخذها أن يُنسَبَ إلى السرقة، فلا ياخذها بنفسه، ويَرْفعها للحاكم دفعا للمفسدة".
(29)
عبارة القرافي أوسعُ وأبْيَن، حيث قال، وذلك إذا أوْدَع عندكَ من لك عليه حق وعجزت عن أخذه منه لعدم اعترافه أو عدم البينة عليه، فهل لك جحْدُ وَدِيعته إذا كانت قدْرَ حقك من جنسه أو من غير جنسه؟ فمنعه مالك، للحديث المذكور: وأجازه الشافعي، لحديث هند بنت عتبة.
(30)
أخرجَه عن أبي هريرة كل من الأئمة: أبو داود، والترمذي وصححه، والحاكم وحسنه، رحهم الله.