المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

‌الدعاوى والشهادات

وما ألحِق بذلك، وفيه تسعَ عشرةَ قاعدةً:

‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

. (1)

إعْلم أن ضابط الدعوى الصحيحة هو أنها طلبُ معَيَّنٍ، أو ما في ذمة معَيَّن، أو ما يترتب عليه أحدهما، معتَبَرٌ (2) لا تُكَذِبه العادة شرعا.

(1) هي موضوع الفرق الحادي والثلاثين والمائتين بين قاعدة الدعوى الصحيحة وقاعدة الدعوى الباطلة .. جـ 4. ص 72، لم يعلىق عليه بشيء، العلامة المحقق الشيخ ابن النشاط رحمه الله، ورحم الشيخ الامام القرافي وأثابهما على ما قدَّماه من خدمة للعلم والدين وللاسلام والمسلمين، ونفع بعلمهما، آمين.

وَمِمَّنْ بسط الكلام في موضوع الدعاوى والشهادات وتوسع فيه وأجاد، الفقيه العلامة الشهير برهان الدين، ، أبو الوفاء ابراهيم بن الإِمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله محمد، المعروف بابن فرحون اليعمرى المالكي، رحمه الله، وذلك في كتابه:"تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام" ومؤلف كتاب: "الديباجُ المذَهَّب في معرفة أعيان علماء المذهب". (أي المذهب المالكي) وغيرها من المؤلفات القيمة، وكذا كتاب:"العِقد المنظّم للحكام فيما يجري بين ايديهم من العقود والأحكام"، تأليف الشيخ الفقيه أبي محمد عبد الله بن عبد الله، الشهير بابن سلَمون الكناني، والفقيه العلامة أبو بكر بن عاصم رحمه الله، في منظومته الشهيرة بـ "تحفة الحكام في نُكَت العقود والأحكام" وشرحيْها للعالمين الفقهين الجليلين، أبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي، وأبي عبد الله محمد التاودي، وغير هذه من الكتب المتداولة بين العلماء والفقهاء، والتي ظلت مُعتمَدَهم ومرجعهم في فقه القضاء وأبوابه من الأحوال الشخصية والبيوع وما يتصل بها، والدعاوى والشهادات وما يتفرع عها، وأحكام الواريث وجزئياتها ومسائلها، مما يجده فيها الدارس والباحث والراغب في التوسع فيما اشتملت عليه من ابواب وموضوعات واحكام، كما تناولها فقهاء القانون المدني تحت مصطلح "وسائل الاثبات". فرحم الله علماءنا الأبرار وفقهاءنا الأعلام، وجزاهم خيرا عن المسلمين والاسلام، ونفع بعلمهم في كل العصور والأجيال، آمين.

(2)

كذا في جميع النسخ الثلاث: ع، ح، ت. وفي كتاب الفروق:"معتبرة لا تكذبها العادة شرعا" بالتأنيث. ويظهر وجه التذكير في كونِ الضمير يعود على تعريف الدعوى، وهو طلبُ مُعَيَّنِ

الخ، وذلك الطلب يكون معتبراً، لا تكذبه العادة، بينما وجه التانيث في كونه يعود على الدعوى حيث تكون معتبرةً لا تكذبها العادة شرعا. وتكون الاضافة في كلمة طلب من اضافة المصدر إلى مفعوله كما يضاف إلى فاعله، وذلك ما اشار إليه ابن مالك في ألفيته حيث قال:

وبَعْدَ جَرّه الذي أضيفَ له

كَمِّل بنصْب أو بِرفعٍ عَمَلَه

ص: 219

فالأول كدعْوَى أن السلعة المعَيَّنة اشتراها أو غُصبت منه (3).

والثاني كالديون والسَّلَم.

ثم المعَيَّن الذي يُدَّعَى في ذمته قد يكون معَيَّناً بالشخص كزيد، أو بالصفة كدعوى الدية على العاقلة، (4) والقتلِ على جماعة، أو أنهم أتلفوا له أموالا.

والثالث كدعوى المرأة الطلاقَ أو الرِّدَّةَ على زوجها، وقولنا: معتبر (أو معتبرة) شرعا، احترازا من دعوى عُشُر السمسمة (5)، فإن الحاكم لا يَسْمَعُ مثل هذه الدعوى، فإنه لا يترتب عليها نفع شرعي،

ولهذه الدعوى (الصحيحة) أربعة شروط:

أن تكون معلومَة، محقَّقة، لا تُكَذبها العادة، يتعلق بها غرض صحيح.

وفي الجواهر: لو قال: لي عليه شيء، لم تُسمَع دعواه، لأنها مجهولة، وكذلك: أظن، لي عليه ألف (6). وقال الشافعى: لا تصح دعوى المجهول إلا في الإِقرار والوصية، لصحة القضاء بالوصية المجهولة كثلث المال، والمال غيرُ معلوم، وصحةِ المِلك في الاقرار بالمجهول من غير حكم، ويُلزمه الحاكم التعيين، وقاله أصحابنا، (7) ويَذكر في غير الأعيانِ الصفاتِ المعتبَرةَ في السَّلَم، وذِكْرُ القيمة

(3) كذا في ع، ر ح، وهو ما في الاصل: الفروق. وفي نسخة ت: وغصبت بالواو التي هي لمطلق الجمع، على خلاف ما تفيده وتقتضيه أو من ادعاء أحد الأمرين، فلْيصحَّحْ.

(4)

العاقلة مصطلح وتعبير شرعي لعَصَبَةِ مرتكب الجناية بالقتل خطأ، وهم أقاربه الذكور الاغنياء الموسرون من جهة أبيه، الذين يكونون مطالَبين بالتعاون معهُ على أداء الدية الواجبة عليه بسبب تلك الجناية الخاطئة، ومساعدته على عقْلها وتاديتها للمستحقِين لها من اهل المجنى عليه. وأحكامُ الدية مبيَّنة ومفصَلة في كتب التفسير والحديث والفقه. فلْيرجع اليها من أراد التوسع في الموضوع.

(5)

من اطلاقات السمسم ومدلولاته: حَبُّ الجُلْجلان، وهو معروف عند عامة الناس

(6)

عبارة القرافي: "وكذلك أظن أن لي عليك ألفاً، وأظن أني قضيتها، لم تُسْمَعْ، لتعَذر الحكم بالمجهول، إذ ليس بعض المراتب أولى من بعض، ولا ينبغى للحاكم أن يدخل في الخطَر بمجرد الوهم من المدَّعى". وبذلك تكون أنَّ مع اسمها وخبرها سدَّت مَسَدَّ المفعوليْن وقامت مقامهما.

(7)

زاد القرافي هنا قوله: وقال الشافعية: إن ادَّعَى بديْن من الأثمان ذكَر الجنس: دنانير أو دراهم، والنوعَ: مصرية او مغربية، والصفةَ: صِحاحا او مكْسورةً، والمقدارَ والسِكة، ويذكر في غير الاثمان الصفات المعتبرةَ في السَّلَمِ

الخ.

ص: 220

مع الصفات أحْوَطُ. ومالا تضْبطه الصفة كالجواهر فلا بد من ذكر القيمة من غالب نقد البلد، ويَذكر في الارض والدراهم (8) الصُّقْعَ والبلَدَ، وفي السيف المحلَّى بالذهب قيمتَه فضةً، وبالفضة قيمتَه ذهباً، وإن كان بهما قوَّمَه بما شاء منهما، لأنه موْضع ضرورة، ولا يَلزَم ذِكر سبب مِلْك المالِ، بخلاف سبب القتل والجراح لاختلاف الحكم ها هنا -دون المال- بالعمد والخطأ، وهل قتَله وحدَه أو مع غيره؟ ، وهذا كله لا يخالفه أصحابنا، غيْرَ أنَّ قولهم وقوْل أصحابنا: إن من شرطها أن تكون معلومة، فيه نظرٌ، فإن الانسان لو وجَد وثيقة في تركةِ موْروثِهِ، أو أخبَرَهُ عدْلٌ بِحَقٍّ له، فالمنقول جوازُ الدعوى بمثل هذا، والحَلفِ بمجرده عندنا وعندهم، مع أن هذه الأسباب لا تُفيدُ إلا الظن.

وتكميلُ البيان في هذا المقصود بمسألتين. (9)

المسألة الأولى: تُسمَع الدعوى عندنا في النكاح وإن لم يقُل: تزوجْتُها بولي وبرضاها، بل يقول: هي زوجتى، ويكفيه، وقاله أبو حنيفة. وقال الشافعي وابن حنبل: لَا تُسمَعُ حتى يقولَ: بولي وبرضاها وشاهِدَيْ عدْل، بخلاف دعوى المال وغيره.

لنا القياس على البيع والرِّدّة والعِدَّةِ (10)، ولأن ظاهر عقود المسلمين الصحة.

احتجوا بوجوه:

(8) كذا في جميع النسخ المعتمدة عندي في التحقيق والتصحيح لهذا الكتاب: ترتيب الفروق، ع. ح. ت. وعند القرافي هنا في هذا الفرق:"ويذكر في الارض والدار الصُّقْع والبلَد"، ويظهر أن ما عند القرافي مِن كلمة الدار أظهر وأنسب لِما قبلها من كلمة الارض، فليتأمل ذلك. والله أعلم.

والصقع بضم الصاد الناحيةُ والجهة، ويجمع على أصقاع. والصقيع: الجليد، أو ما يسقط من السماء في الليل كأنه ثلج.

(9)

من كلام القرافي، وعبارتُهُ:"ويَكْمُلُ البيانُ في ذلك بمسألتَيْن".

(10)

زاد القرافي قوله: فلا يشترط التعرض لهما، فكذلك غيرهما.

ص: 221

الأول أن النكاح خطيرٌ (11)، والوطء لا يُستدرَك، فأشبه القتل.

الثاني أن النكاح لمّاَ اختص بشروط زائدة على البيع من صداق وغيره خالفت دعواه الدعاوى، قياسا للدعوى على المدعَى به.

الوجه الثالث أن المقصودَ من جميع العقود يدخله البدل والإِباحة، بخلافه، فكان خطيرا، فيحتاط فيه.

والجواب عن الأول أن غالب دعوى المسلم الصحةُ، فالاستدراك حينئذ نادر، والنادر لا حُرْمَةَ له، والقتل خطرُه أعظم من النكاح، وهو الفرق المانع من القياس.

وعن الثاني أن دعوَى الشيء تتناول شروطه، بدليل المنع، فلا يحتاج إلى الشروط، كالبيع له شروط لا تُشترَط في دعواه.

وعن الثالث أن الردة والعِدَّة لا يدخلهما البدَل والإِباحة، ويكفي الإِطلاق فيهما.

المسألة الثانية: في بيان قولي: "لا تكذبها العادة":

الدعاوَى ثلاثة أقسام:

قسم تصدقه العادة كدعوى القريب الوديعَةَ.

وقِسْم تكذبه العادة كدعوى الحاضِر الأجنبي مِلْكَ دارٍ في يد زيد، وهو حاضر، يراهُ يبنى ويَهْدم ويؤاجِر مع طول الزمان، من غير وازع يزَعه عن الطلب من رغبة أو رهْبة، فلا تُسمع دعواه لظهور كذبها.

(11) كذا في ع، وح. وعند القرافي خطر بالمصدر، سواء في الكلمة الأولى أو الثانية، والمراد من وصف النكاح بركونه خطرا أو خطيرا إبرازُ أهميته الخاصة وشروطه المتميزة على غيره من العقود. لذلك سمى الله عقد النكاحْ ميثاقا غليظاً، وذلك في قوله تعالى:{وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا} . سورة النساء، الآية 20 - 21.

ص: 222

والقسم الثالث لم تقْضِ العادة بصدقها ولا كذبها، كدعوى المعاملة، وتُشترط فيه الخلْطة يكون بعد هذا -إن شاء الله- في بيان قاعدة من يَحلف ومن لا يحلف.

وأما ما تُكَذِبُهُ العادة فقال مالك في الأجانب: سنين، ولمْ يَحُدَّه بعَشْر، وقال غيرهُ: عشْرُ سنين تَقْطَعُ دعوى الحاضر، إلا أن يقيم بينة أنه أكْرى أو أسْكن أو أعارَ، ولا حيازة على غائب. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من حَاز شيئاً عشْرَ سنين فهو له"(12)، ولقوله تعالى:{وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} ، فكلُّ شيء كذبه العرف وجَبَ ألَّا يُومَرَ به، بل يؤمَرُ بالمِلْك لحائزه. وقال ابن القاسم: الْحِيازة من الثمانية إلى العشرة، وقال مالك: مَن أقامتْ بيده دارٌ سنين يُكري ويَهْدِمُ ويبْنى، ثم أقَمْتَ بينةً أنها لك أو لأبيك أو لجدك، وثبتَت المواريث وأنتَ حاضر تَراه يفعل

(12)"أخرجه ابن القاسم في المدونة من حديث سعيد بن المسيِب مرْسَلاً، وفي اسناده عبد الجبار بن عمر الأيلى، وهو ضعيف كما في ترجمته من التهذيب لابن حجر. وفي معناه ايضا حديث: "من احْتازَ شيئا عشر سنين فهو له". اخرجه ابو داود في المراسيل من حديث زيد بن اسلم مرسلا، وذكره في باب الاقضية.

قال في التوضيح: وبالعشر سنين أخذ ابن القاسم وابن عبد الحكم وأصبغ. ولابن القاسم كما في الموازية أن السَّبْعَ والثمانَ وما قارَبَ العَشْرَ مثلُ العشرة.

ويقول ابن رشد في شرحه لكلام المستخرجة: العشر سنين وما قاربها، يريد، والله أعلم، والشهرين والثلاثة، وما قارب منها ثلث العام وأقلَّ. وقد قيل: إن ما قرُبَ من العشرة الاعوام بالعام والعاميْن حيازة.

قال الحَطاب: فتحَصل في مدة الحيازة ثلاثة أقوال:

الاول: قول مالك أنها لا تُحَدُّ بسنين مقدَّرة، بل باجتهاد الإِمام.

الثاني: أن المدة عشر سنين وهو القول المعتمد، بناءً على الحديث، وَوَجَّهَهُ ايضا ابنُ سحنونٍ بأن الله أمر نبيه بالقتال بعد عَشْر سنين فَكان أبْلَغَ في الإِعْذار.

الثالث: أن مدة الحيازة سبعُ سنين فاكثر، وهو القول الثاني لإبن القاسم.

ومن أدلة اعتبار الحيازة والاخذِ بها وتقديمِ صاحب اليد ببينته عند تَساويها مع بينة المدعى ما رُوِي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم اخْتصَمَ إليه رجلان في دابة أو بعير، فأقام كل واحد منهما البينة بأنها له أنتجها، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يده، وأنتجها. اخرجه البيهقي وضعفه ابن حجر في التلخيص". انظر الكلام على الحيازة واحكامها في كتب الفقه، وفي الموسوعة الفقهية الكويتية بتفصيل.

ص: 223