الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فكُلُّ اثنين في الجسد، فيهما دية واحدة كالأذنين وغيرهما إلا العينين، ففي عين الأعور الديةُ كاملةً. ووافقَنا أحمد. وقال الشافعي وأبو حنيفة: نِصف الدّية.
لنا أن عمرَ وعثمان وعلياً وابنَ عمر رضي الله عنهم قضَوا بذلك من غير مخالف، فكان إجماعاً.
الثاني أن الْعينَ الذاهبة يرجع ضوْؤها للعين الباقية، لأن مجْراهُمَا واحد كما شهد به علم التشريح، وكذلك الصحيح إذا أغمض احدى عينيه اتسع ثقب الأخرى بسبب ما اندفع لها من العين الأخرى، ولا يوجد ذلك في غيرهما.
إحتجوا بقوله عليه السلام: "في العين خمسون من الإِبل"، ولأنه قال:"في العينين الدية"، (46) وذلك يقتضي أن الدية كاملةً إنما تكون فيهما، ونحن نقول: ذلك محمول على العيْن غير العوراء.
القاعدة السادسة:
نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:
المتناوَلُ من هذه إما أن تَغِيب معه الحواس أوْ لَا، فإن غابت معه الحواس فهو المرَقِّدُ، وان لم تغب معه الحواس فلا يخلو، امَّا أن تَحْدُثَ معه نشوْة وسرور وقوةُ نفس أولا، فإن حدث ذلك فهو المسكِر، وإلَّا فهو المفسد.
(46) رواه النسائي، في حديث طويل، تضمَّن دية الأطراف، وذكرته عنه كتب أخرى في الحديث.
(46 م) هي موضوع الفرق الاربعين بين قاعدة المسكرات، وقاعدة المرقدات، وقاعدة المفْسِدات، جـ 1. ص-217
لم يُعَلق عليه بشيء، الشيخ ابن الشاط رحمه الله ورحم الشيخ القرافي، ورحم كافة العلماء والمسلمين أجَمعين.
قال القرافي في أوله: هذه القواعد الثلاث قوعد تلْتبِس على كثير من الفقهاء، والفرقُ بينها أن المتناوَلَ من هذه الاشياء أما أن تغِيب معه الحواس أو لا
…
الخ والمراد بالحواس هنا كما ذكره القرافي الظاهرة التي هي السمع، والبصر، واللمس، والشم، والذوق، وهي المجموعة في البيت الشعرى القائل كما سبقت الاشارة اليه.
أن الحواسَّ عندهم لَخمْسٌ
…
سمعٌ بصَرٌ، شَمٌّ ذَوقٌ، لَمْسُ
والمُسكِر هو المغيِّبُ للعقل مع نشوة وسرور وقوة نفْس في الغالب، والمفْسِدُ هو المشَوش للعقل مع عدم السرور في الغالب، وهذا يُظهر أن الحشيشة مفسدة وليست بمسكِرة، لوجهين:
أحدُهما أنها تثير الخلط السوداوي، فيكون لذلك عند أكلها سُبَاتٌ وصَمْتٌ وجَزَعٌ، وصاحبُ الدم يَحْدُث له سرور ونشوة، وهو بعيدٌ عن البكاء والصمت. (47)
الثاني أن شُرَّاب الخمر تكثُرُ عرابيدهم، (48) وهذا لقُوّة نفوسهم، وأصحاب الحشيشة ليسَ لهم ذلك، بل لو سُلِبتْ ثيابهم ما تحركوا، قد لزموا الصَّمت والهدوء، فهو لهذا من المفسدات لا من المسكرات، فلا حدّ فيها، ولا تَبطُلُ الصلاة بها.
وأقول: تنفرد المسكرات عن المفسدات بثلاثة أحكام: الحد، والتنجيس، وتحريم اليسير، والمرقِّدات والمفسدات لَاحدَّ فيها ولا نجاسة، ويجوز تناول اليسير منها.
(47) عبارة القرافي أوسع اواضح حيث قال: أحدهما أنا نجدها تثير الخلط الكامن في الجسد كيفما كان، فصاحب الصفراء تُحْدِثُ له حِدة، وصاحب البلغم تحدث له سباتا وصمتا، وصاحب السوداء تُحدث له بكاء وجَزَعا، وصاحبُ الدم تحدث له صرورا بقدر حاله، فتجد فهم من يشتد بكاؤه، ومنهم من يشتد صمته.
وأما الخمر والمسكرات فلا تكاد تجد أحداً ممن يشربها إلا وهو نشوان مسرور، بعيد عن صدور البكاء والصمت.
(48)
كذا في ع. وفي ت: تَكْثُرُ عرْبَدتُهمْ، وهو ما في هذا الفرق من كتاب الفروق.
والعَربدة: مصدر عربَد يعربد عرْبدَة، فهو عربيذ ومُعَربِد إذا سآه خلقهُ، وساء تصرفه في القول والفعل مع نفسه.
وعبارة القرافي: أن شراب الخمر تكثر عربدتهم ووثوب بعضهم على بعض بالسلاح وبهجمون على الامور العظيمة التي لا يهجمون عليها حالة الصحو.
فمن صلي بالبنج أو الأفيون لم تبطل صلانه إجماعا، ومن تناول حبة من الأفيون أو البنج أو السكران جاز ما لم يكن ذلك قدراً يصلُ إلى الثاثير في العقل أو الحواس، أما دون ذلك فجائز. قال القرافي: فهذه الاحكام الثلاثة وقع بها الفرق بين المسكرات والأخرين، فتأمل ذلك واضبِطه، فعليه تتخرج الفتوى والأحكام في هذه الثلاث.
قلت: ولنذكر مسائلَ تتعلق بها الحدود والبابُ الذي قبله، هي لائقة بهذا الكتاب مما يحتاج إلى إبداء الفارق فيها. (49).
المسألة الأولى: إذا أمضى الحاكم قضيةً ثم بان له أن الشهود عبيد لَزمه غرم ما أتلف، وإذا بان أنهم من غير أهل العدالة لم يكن عليه غُرْم، وفي كلا الموضعين تَبيَّن أن إمضاء الحكم بتلك الشهادة غير جائز، فلم كان الفرق؟ .
فالجواب أن أمْر العدالة يخفى، وإنما يُتوصَّل إليه بالاجتهاد على ظاهر الأمْر، فإذا شهد عنده من رأى أنهُ من أهل العدالة فقد عمل ما لزمه من إمضاء الحاكم، والعبودية أمْرٌ ظاهرٌ لا يخفَى، فإذا حكم بشهادتهم فقد فرَّط، ولو اجتهد لبَانَ له ذلك، فلزمه الغرم لتفريطه.
المسألة الثانية: إذا شهد شاهدان على رجُلٍ بعتق عبده فرُدَّت شهادتهما، فلا يجوز لواحدٍ منهما أن يملك العَبْد، فإن ملكَه عتَقَ عليه، واذا أعتق المفْلِس عبداً له، فَرَدَّ الغرماءُ عتقه، فإنه إن إشتراه مِن بَعْدُ لم يلزمه فيه عتق، والعتق من الجميع لم يمْضِ، فلِمَ كان الفرق؟ .
فالجواب أن عتق المفلس قد بطل ببيع السلطان، وبعد حكمه لم يلزَمه عتق إن عاد إليه، لأنَّ العتق قد بطَل، والشهودُ لم يَيْطلْ العتقُ المشهودُ به عندهم، لأنهم يعتقدون أن ذلك العبْدَ قد صار حُرًّا، وأن تملَّكه لا يجوز، ويعتقدون أن الحاكم غلط في ذلك، وأشْهَبُ لم يفرق بين مسألة الشهود والمفلس، والقياسُ ما قاله ابن
القاسم.
المسألة الثالثة: إذا قال أحَدُ الخصمين: رضِيتُ بما شهِد علىَّ به فُلان وفلان، فما شهدا به فهو الحق، كان له أن يرجع عن ذلك بعد شهادتهما فلا يلزمه ما شهدا به، وإذا قال: رضِيت يمينَك ، وخُذْ ما تَدَّعيه لم يكن له أن يرجع
(49) هذه المسائل هي مما اضافه الشيخ البقوري إلى كتاب الفروق لشهاب الدين القرافي رحمهما الله.
عن ذلك، وقد لزمه الحق متَى حلفَ خصْمُه، وفي كِلا الموضعين فهو رِضاَ بما يكون من جهةِ الغَيْر، فلم كان الفرق؟
فالجواب أنه كان له الرجوع في الشهادة، لأنه يقول: إنما رضيت بشهادتهما، لأنني ظننت أنهما لا يشهدان إلا بالحق، وأمَّا بالباطل فلا أرضَى، فحجته بهذا صحيحة، وليْسَ كذلك في اليمين، لأنه لا يدعى هذا المعنى فيها، ولأنَّ اليمين لا يخلو أن تكون في جهة المدعى عليه أوْ المدعى، فإن كانت في جهة المدعَى عليه، فقال المدعى: أحْلف، كان ذلك نُكولا منه عن اليمين، فلم يكُنْ له الرجوع عن ذلك، لأنه بنكوله قد تزتبت اليمينُ في جهة خصمه، وإن كان اليمين في جهة المدعِى فيقول المدعَى عليه: إحلف، فقد نكل عن اليمين، فيكون كما قلنا في الذي قَبله، وليسَ رضاه بالشهادة نكولا منه عن شيء وجب عليه، فافترقا.
المسألة الرابعة: إذا نِسى الحاكم قضية قضاها، فشهد عنده بذلك شاهدان، وجبَ عليه إمضاؤها، واذا شهِد شهود الفرع ونسي الشهادةَ شهودُ الأصل لم تُقبل شهادتهم، وفي كلا الموضعين فهو نقْلٌ عن الغير، فَلِمَ كان ذلك؟
فالجوابُ أن الشهادة على الْحُكْم شهادةٌ بحقٍ على الحاكم، وليست بنقل شهادتهم، وشهادة الفرع إنما يثبت حكمها بثبوت شهادة الأصل، لأنها نقْلٌ، والنقل مفتقر إِلى صحة المنقول عنه، فإذا نسي شاهدا الأصل الشهادة لم تُقبلْ شهادِةَ الفرْع.
المسألة الخامسة: إذا نسى شاهدُ الأصل الشهادة لم تقبل شهادة الفرع، وإذا نسى المخبِر الخبرَ جاز لمن روى عنه أن يخبِر بذلك، وفي كلا الموضعين فهو نقل عن الغير.
فالجواب أن شهادة الفرع إنما يثبت حكمها بثبوت شهادة الأصل، لأنها فرع له، وليس كذلك الخبرُ، لأن الراوي ليس بفرع للمروي عنه، فلم يفتَقر في ثبوتهِ إلى ثبوته، ولأنَّ المُخْبَرَ لما جاز له أن يُخبِر بذلك الخبر وإن كان المخبِر قد
نسيه، ولَمَّا لم يكن لشاهد الأصل أن يَشهد بتلك الشهادة وإن شهد بها عند شهود الفرع، لم يكُنْ لشهود الفرع أن يَّشْهَدوا بتلك الشهادة إذا نسيها شاهدا الأصل، ولأنه لمَّا لم يَجُزْ أن يشهد شاهدا الفرع مع وجود شاهديْ الأصل لم يَجُزْ أن يشهد حالَ نسيانه بتلك الشهادة، وَلمَّا جاز لِنَاقِلِ الخبر أن يرويه مع وجود راويه كان له أن يرويه مع نسيانه، والله أعلم.
قلت: هذه الفروق كلها غيرُ بَيّنة، والظاهر أن الفرق هو من حيث إن الخبر خُفِّفَ في أمره من حيث إن متعلقه ليس بمشخَّص، والشهادة يشدَّد فها من حيث إن متعلَّقها شخص بعينه، فكانت التهمة في أحدِ البابيْن دون الآخَر، والله أعلم.
المسألة السادسة: قال الفقهاء: يُحْكَمُ بأعدل البينتين فيما عدا النكاحَ، ولا يُحكَم بذلك في النكاح، فلِمَ كان ذلك؟
فالجواب أن النِكاح لا يصح فيه التداعي، إذْ المرأة لا يصح أن يملكها شخصان، وليس كذلك غير النكاح، لأنَّ التداعي يصِح فيه بصحة ملْكِ الشخص له، لِأنه لمَّا لمْ يجُز أن يَحكم فيه باليمين إذا عُدِمَتْ البينة، فيستحق كل واحد من المتداعيين بينهما من المَحْلوف عليه، المرأة لا تصحُّ قسمتها، فلم يُجْز لذلك أن يُحْكم فيه بأعدل البينّتيْن، وليس كذلك ما عداه، لأنه يحكم فيه بالأيمان عند عدم البينة، ولصحة وقوع القسم فيه، ولأن البُضْع لا يجوز أن يُقَرَّ على الشك، وفي الحكم بأعْدله البينتين إقرارٌ له على الشك.
المسألة السابعة: إذا حلف على شْيء - ألَّا يفعلة (50) - بالطلاقِ، فشهدت بينة بأنه قد فعله، (51) لزِمه الطلاق، ولوْ شهدتْ بينةٌ أنه فعل شيئاً مَّا،
(50) كذا في ع، وت. وفي ح:"لا يَفعَلهُ"
(51)
كذا في ع، وح: وفي ت: فشهدتْ فِيه البينةُ.
فحلف عليه بالطلاق أنه ما فعله، لمْ يلزمه الطلاق، وفي كلا الموضعين، فالبَيِّنَة قدْ قامت على فعل ما حلف عليه.
فالجواب أنَّه إذا حلف بالطلاق أنه لا يفعل شيئا فقد ترتبت اليمينُ عليه، فإذا قامت البينة بفعل ذلك الشيء توجَّه عليه الحكم باليمين المرتبة عليه، وليس كذلك إذا حلف بعد الشهادة أنه ما فَعَل مَا شهدا به، لأنه لم يترتب عليه حكمٌ قَبْلَ الشهادة، فحصل بذلك تكْذيبٌ لشهادتهم.
المسألة الثامنة: قال مالك: إذا ارتضيا بأنْ حكَّما بينهما رجُلاً، لزمهما ما يَحكم به عليهما، ولم يكن لأحدهما الرجوع عنه، وإذا ارتضيا شهادة شاهدٍ لم يلزمهما ذلك وكان للمشهود عليه الرجوع، وفي الجميع فالحكم موجود.
فالجواب أن إمضاء الشهادة إنما هو استدعاء لما يَعْلَمانِه (52)، فإذا ادعيا خلاف ذلك كان لهما، ولمن ادعاه منهما الرجوع، لأنه يقول: لمْ يات بما أعْلَمُهُ، وليْس كذلك التحكيم، لأنه استدعاء لما لاْ يعلمانِه، فلم يكن فيه الرجوع، لأنه لا يصح أن يكون فيه تكذيب من المحكوم عليه، والله أعلم.
المسألة التاسعة: قال مالك: إذا ادَّعى المرتهن تلَفَ الرَّهن وهو ممّا يغاب عليه لم يُقْبَل قولُهُ، ولزمه الغرم، وإذا ادَّعى المودَع تلَفَ الوديعة. كان القول قوله، وفي كلا الموضعين فالدعوى فيما يغاب عليه موجودةٌ.
فالجواب أن المرتهن غير أمين، فلم يقَبل قوله فيما يغاب عليه، والمودَعَ مؤتمَن، فيُقبل قوله في التلَف، لأن الأصول مبينة على هذا، إن كان مؤتمنا قبِل قوله فيما يدَّعيه إلا أن يوجَد خلافه.
وأيضا فإن الرَّهن إذا كانَ مما يغاب عليه حصل في ذمة المرتهِن، لأنه قبضه لحق نفسه، فلم يُقبَل قولُه في تلَفه، لأنه مدّعِ لبرآة ذمته، إذ هي في الأصل
(52) كذا هنا في نسخة ع، وفي نسخة ت: إنَّما اسْتَرْعى بما يَعلمانِه.
مشغولة، والوديعة لم تتعلق بذمة المودَع، لأنه قبضها لمنفعة رب المال دون منفعة نفصه، فكان القول قوله في التَّلَف.
المسألة العاشرة: قال مالك: إذا قَبَضَ المودَعُ عنده الوديعة ببينةٍ لم يُقبل قوله في ردها إلا ببينة، وإذا ادّعَى تلفها قُبِل قوله في ذلك، سواء كان قبضها ببينة أو بغير بينة، وفي كلا الموضعين هو مدَّع لإِخراجها عن يده.
فالجواب أنه إذا قبضها بغير بينة قُبِل قوله في ردها، لأنه مؤتمن على الرد، وإذا قبضها ببينة لم يُقبل قوله في ردها، لأنه غيرُ مؤتمن على الرد، وفي التَّلف القول قول لأنه مؤتَمَنٌ عليها، والتَّلفُ لا يمكنه الإِشهاد عليه، ويُمْكِنُه ذلك في الرِّدِّ.
المسألة الحادية عشرة: إذا أوصَى لرجُلٍ بحائطه، فأثمر النخل قبل موتِ الموصي، فإنه للموصِي. وكذلك إذا أوصَى بعتق الجارية فولَدَتْ قَبْل موته، فإن الولد للورثة، وإن وَلَدت بعد الموت كات تبعاً، والكلُّ وُجِدَ في الموصَى به.
فالجواب أنَه قبل الموت جميع ذلك على مِلْك الموصي ثابث لم يَزُل عنه، لأنه له تغييرُ ذلك ونقلُهُ إلى غير من أوصَى له به، (53) فكان له النماء الموجودُ قبل الموتِ، لأنه نماء شيء هو مِلْكُه، وبَعْدَ الموتِ فقد خرج ذلك عن مِلْكِه، وصار للموصَى له بِه، فكان النَّماءُ لِمن له المِلْكُ.
المسألة الثانية عشرةَ: قال مالك: لَا يُقْبَلُ دفع الوصي مالَ اليتيم بلا إشهاد، ويُقْبَل قوله في النفقة، وفي الجميع هو مدَّعِ لإِخراج المال عن يده.
(53) في نسخة ت: أوصَى، وكلاهما بمعنى واحد، كلاهما وارد في القرآن الكربم: قال تعالى: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} ، (أي اوصَاهم بملته والتمسكِ بها) وذلك في رواية ورش، وقرآته، وعلى رواية حفص وقرآته:{وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ} ، ومن ذلك قوله سبحانه:{وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} ، {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} .
فالجواب أن النفقة لا يُمْكنه الإِشهاد علَيها، لأنه لو تكلَّف ذلك لضرَّ به الضررَ الشديدَ، قَقُبِل قوله فيها، والدفع يمُكنه الِإشهادُ عليه، فَلَمْ يكن فيه ضرورةٌ كالنفقة.
المسألة الثالثةَ عشرة: إذا شهِد شاهد على قتل الخطأ أقسَمَ معَهُ واستحَقَّ الدِيَة، وإذا شهد شاهدٌ على إقراره بالقتْلِ لم يُقسِمْ معه، والكُلَّ شهادة على قتْلٍ.
فالجوابُ أنه إذا أَقسَمَ مع الشاهد الواحد فذلك لأنه لوْث، (54) واللوْث يُقبَلُ فيه الشاهد الواحد، وأمَّا الإِقرار فلا يُقبَل منه إلا اثنان كسائر الإِقرارات.
المسألة الرابعة عشرة: إذا أقر العبد بالزني أو السرقة قُبِل إقراره وَحُدَّ، وإنْ أكذبه السيد، واذا أقر بدَيْن لِإنسان أو بغصْبٍ لم يُقبَلْ قوله إذا أكذبَهُ السيّد، والكل إقرار، فلم كان الفرق؟ .
فالجواب أن إقرارَه بالسرقة والزني لا يلحقه فيه تهمة أن يكون أراد الاضرار بسيده، قَقُبِل إقرارُه، وليس كذلك الإِقرار بالدَّين، للتهمة فيه مع إنكار السيِّد.
المسألة الخامسةَ عشرةَ: قال مالك: يقيم السيد على عبده حدّ الزني، بخلاف حدّ السرقة، والكُل حدّ لله تعالى، فلِمَ كان التفريق؟ ،
فالجواب أنه يُتَّهَم في السرقة أن يُريد به التمثيل، وجَعَل السرقةَ علة لذلك، بخلاف حدّ الزني.
(54) اللّوْثُ بفتح اللام والثاء المعجمة: البينة الضعيفة غيرُ الكاملة، وهي كلمة يذكرها المحَدِّثون والفقهاء في باب القَسامة بالأيمان من المدعين للقتْل على شخص لم يثبت عليه ذلك يقينا وقطْعاً. وقد ترجم لها الإِمام مالك رحمه الله تعالى في كتابه الموطأ، في كتاب القسامة، وتبرئة أهل الدم بالقسامة في حَديث طويل، فقال:"الأمْر المجتمع عليه عندنا، والذي سمعتُ ممن أرْضَى، في القسامة، والذي اجتمعت عليه الأمة في القديم والحديث، أن يبدأ بِالأيمانِ المدَّعُون في القسامة فيحلفون، وأن القسامة لا تجب إلا بأحد أمرين: إما أن يقول المقتول: دمي عند فلان (أي هو الذي قتلنى)، أوياتي ولَاة الدم بلوث من بينة وإن لم تكن قاطعة على الذي يُدَّعى عليه الدم (أي القتل)، فهذا يوجب القسامةَ لمدعى الدم على من ادعَوْهُ عليه، ولا تجب القسامة إلا بأحد هذين الوجهين"
…
الخ.
المسألة السادسه عشرة: إذا أقرَّ بقتل الخطأ ثم رجع عن إقراره قُبِل منه، وإذا أقرّ بقتل العَمْد لم يُقبَل منه، وفِى كِلَا الموضعيْن هو رجوعٌ عن إقرار.
فالجواب أن المستحَقَّ بِقَتْل الخطأ الدِيةُ، وهي إنما تُستَحق على غير المُقِرِّ وهُم العَصَبَة، فإذا أقر بذلك كان إقراراً على غيره، فكان كالشهادة على الغير، فإذا رجع قُبِل منه، لأنه كالشاهد إذا رجع عن شهادته. وقتْلُ العمدِ، المستَحَقُّ فيه الْقَوَد، (القصاص)، والقود إنما يستحق على القاتِل، فالمُقِرُّ به مقِر على نفْسه، فلمْ يُقْبَل منه الرجوعُ عنه لذلك، إذْ الأصول مبْنيةْ على أنَّ من أقرَّ على نفسه بِحقٍ، فلا يُقبلُ منه الرجوع عنه، إلا أن يكون له وجْهٌ في ذلك.
المسألة السابعةَ عشرَةَ: الواجب في شجاج (55) العبد الأرْبع من قيمته بقَدْر ما في الحُرِّ من ديته، وفيما عداها من الجِراح ما نقَصَ من قيمته، وفي كِلَا الموضعين فهى جراح بِعَبْد.
فالجواب أن هذه الجراح الأربع لمَّا كان فيها شيء مُسَمى في الحُرِّ وجَبَ أن يكون ذلك فيها في العبد، وأيضاً فإنا لو لم نعتَبر ذلك بالحُرِّ لَأدّى إلى هدرها،
(55) الشجاج بكسر الشين: جمْعُ شجة بفتحها، وهي الجراحة أيْ الجَرْحُ في بعض الأعضاء، وتُجمع أيضا على لفظها جمع مؤنث سالما، فيقال شجَّات. قال الشيخ الزرقاني رحمه في شرحه على الموطأ في ترجمة ما جاء في عَقْل الشِجاج، أي في ديتها: وإنما تسمّى كذلك إذا كانتْ في الوجه أو الرأس. والمرادُ بالشجاج، الجراحات المصطلح عليها في الحديث والفقه باسم: الموضحة، والمنقلة، والمأمومة، والجائفة.
ففي الموطأ للإِمام مالك، والرسالة لابن أبي زيد القيرواني رحمهما الله، أن الْمُوضِحَة في الوجه مثْل الموضحة في الرأس، وفيما أوضح العظمَ من الجراحة. والمُنَقِلةُ هي الجراحة التي طار فراشها، بفتح الفاء كسرها، وهو الرقيق من العظم، ولم تصل إلى الدماغ، لأنه مقتل من الرأس.
والمامومة هي ما وصل إلى الدماغ، وكذا الجائفة، ليس فيما دون الموضحة عقل (أي دية) إلا الاجتهاد. فالعقل في باب الحدود والقصاص مصطلح شرعي ويراد به الدية، ويجمع على عقول كنفوس. وقد ترجم لها بذلك الإِمام مالك رضي الله عنه في كتاب الموطأ، بعنوان: كتاب العقول، وتوسع في الكلام عليها شراحه، وشراح الأحاديث كعب الفقه المطولة، فليرجع إليها من أراد التوسيع في الموضوع.
لأنها تَبرأ وتزولُ حتى كأنْ لم تكن، وليس كذلك ما عداها من الجراح، لأنها لابدَّ ممَّا تؤثر تاثيرا مَّا (56)
المسألة الثامنة عشرَةَ: الواجبُ في عين الأعور الدية كاملة، والواجب في إحدى اليَدَيْن إذا كانت الأخْرى مقطوعة أو شَلَّاءَ (57) نصف الدية.
فلِمَ كان هذا؟
فالجواب أن المنفعة توجَدُ بإحدى العينين كوجودها بالجميع، فإذا أتلف عليه منفعتها كأنه أتلف منفعة كاملة توجد بالعينين، فوجبت الدية كاملة، لأن المنفعة كاملة، وليس كذلك في سائر ما بالبدن ممّا فيه شيآن.
قلت: وقد تقدم وجْة آخرُ من الفرق في القاعدة الأخيرة، فانظره.
المسألة التاسعة عشرة: إذا اختلف أولياء المقتول، فقال بعضهم: قُتل خطأ، وقال بعضهم: لا عِلْمَ لنا، كان لِمن ادَّعى قتل الخطأ أن يُقسِم، ويستحقّ نصيبَه من الدية، وإذا قال في العمد بعضهم: لا عِلْم لنا، لم يكن لمن ادعى القتلَ أن يحلف ويستحق الدَّم، وفي الموضعين، فالاختلافُ موجود.
(56) كذا في نسختي ع وح. وفي نسخة ت: "لأنها ولابدّ أن تؤثر أثراً ما".
(57)
شلاء بفتح الشين وتشديد اللام على وزن فعلاء، مونث أشلّ. وهو من الفعل الثلاثي الازم، شَلّ يَشَلّ العضوُ من الجسم، من باب فرح يفرح، وتعب يتْعبُ، مبنيا للفاعل، ويقال: شُلّ، مبنيا للمجهول، إذا ييس العضو في الجسم، ولم يعُدْ يستطيع الحركة بكيفية عادية سليمة، ويقال: شلت يدُهُ لا علَى سبيل الإخبار بل على سَبيلِ الدعاء عليه حسب ما يقتضيه قصد المتكلم وسياق الحديث والكلام، ويقال في المثل العربي:"يدُك منكَ وإن كانت شَلاء"كما يقال: "أنفُك منك وان كان أجْدَع" أي مقطوعاً. وهو مَثل يُضرب لمن يصبر لإنسان ويحافظ على علاقته وموته معه، لكونه أخا له أو قريبا أو صديقا وفيا، بغَضِّ الطرف عما يقع منه من هفوات أو يكون فيه من عيوب أو يصدر عنه من اخطاء، وفي هذا المعنى يقول الشاعر العباسي بشار بن بُرْدٍ.
إذا كنت في كل الامور معاِتباً
…
صديقكَ لم تلقَ الذي لا تعاتبه
فعشْ واحداً أوْ صِلْ أخاك فإنه
…
مقارف ذنبٍ مَرَّة ومجانبُه
إذا أنت لم تشربْ مرارا على القَذَى
…
ظمئت وأي الناس تصْفو مشاربُهُ
ومن ذا الذي تُرْضَى سجاياه كلها
…
كفى المرءَ نُبلا أن تُعَدَّ معَاييُهُ
فالجواب أن قتْل الخطأ أخْفَضُ رتبةً من قتل العمد، لأنَّ المستحَقّ به مالٌ، والمستحَقُّ بالعمد نفْس، فجاز في الخطأ ما لم يجُزْ في العمد.
وأيضا فإن المستحًق، بقتل الخطأ الدية دون القَوَد، فكان لكل واحد من الأولياء أن يحلف، ويستحقَّ نصيبه من الدية، لأنه إنما يحلف على مال، فهو بمنزلة جماعة، لهم قِبَلَ إنسَانٍ دَيْنٌ، فتوجهت عليهم اليمين، فلِمَن لم يَنْكُلْ أن يحلف، ويستحقَّ نصيبَه، وليْسَ كذلك العمد لأن الواجب فيه القَود، وِالقودُ لا يُستحَقُّ إلا باجتماع الأولياء. وكان الشيخ الأبْهري يقول: القياسُ ألَّا يفرَّق بينهما.
المسألة العشرون: قال مالك: إذا سَرَقَ من متاع أهْل الحرب فلا حدَّ عليه، وإذا وَطئ الحربية فعليه الحد، وفي كلا الموضعين فهُوَ انتفاع بمال الحرب.
فالجواب أن أموال أهْل الحرب مباحة، فجاز الانتفاع بها، ولا حدَّ في سَرقتها، وليس كذلك الوطء، لأنه لا يَحِل إلا بنكاح أو مِلْكِ يمين، وإذا وطئ الحربيةَ قبل حصول أحَدِ هذين الوجهين فقد زني، وعليه الحَدُّ.
المسألة الحادية والعشرون: قال مالك رحمه الله: إذا وطِئ أحَدُ الشريكين جارية بيْنَه وبيْن غيره فلا حدَّ عليه، وإذا سَرَقَ أحدُهُما من مال الشركة مما قَدْ أحرِزَ عنه فوق حقِه بثلائة دراهم قُطِع، وفي كلا الموضعين فهُوَ حدٌّ تجبُ إقامته، وله شُبْهَة في الماليْن.
فالجواب أن الوطْء لا يتبعَّض، وله شبهة في الجارية، إذْ هو مالِك لبعضها، فدرأ عنه الحدَّ للشبهة، وليس كذلك السرقة، لأن الحدَّ يجب إذا وُجد القدارُ المحدود، وذلك موجود إذا سرقَ من مال الشركة فوق حقّه بثلاثة دراهم.
فإن قيل: أليس قد قال مالك: إنه يُقطح إذا سرَق من المغنم، ولمْ يُرَاعِ أن يَسرق فوق حقه بثلائة دراهم في النصاب، فلِمَ رَاعاه ها هنا؟ .
فالجواب أن حقه في المغْنَم غير معلوم، فلهذا لم يُراعِه، وليس كذلك في مال الشركة، لأن حقه معلوم، فلهذا راعاه، فافترقا.
المسألة الثانية والعشرون: إذا سرق زعفَراناً فصَبغ به ثوْبا، فإن ربَّه أحَقُّ بالثوب حتى يستوفي حق الزعفران. قال مالك: وإذا أخذ الثوبَ من الصَّبَّاغ قبل أجْرته فباعَهُ، فلا سبيل للصباغ إليه، وفي كلا الموضعين كلّ واحد منهما مستحق فيه الصَّبْغ.
فالجواب أن السارق مُتَعَدٍّ في صبغه، غيرُ مأذونٍ له، فكان ربُّ الزعفران أحقَّ بالثوب حتى يأخذ منه حقه، وليس كذلك الصَّبَّاغ إذا دفع الثوب قبل أخذ الأجرة، لأنه قد سلَّطهُ وأذِن له في الانتفاع به، فلم يكن له إلى الثوب سبيل.
المسألة الثالثة والعشرون: إذا أوصى لرجل بجارية، فوطئها قبل موت الموصِى، قال مالك: عليه الحدُّ، وإن وطئها بعد موته فلا حدَّ عليه، سواء كان له مالٌ مأمون أوْ لَمْ يكن، وفي كِلا الموضعين فقدْ وطئ من أوصِيَ له بها.
فالجواب أن الوصية إنما يثبت حكمها بالموتِ، إذْ للموصِى أن يرجع فيها، فإذا وطئ قبل الموت فقد وطئ من لا شبهة له في ملكِه، وليس كذلك بَعْد الموت، بل الشبْهة قائمة، فلمْ يكُنْ عَلَيْه حدٌّ، وإن جَازَ ألَّا تكون له.
المسألة الرابعة والعشرون: لا تجوز الكفالة في الحدود، وتجوز في سائر الحقوق، والكُلُّ كفالة بحَقٍّ على المكفول.
فالجوابُ أن موضع الكفالة غيرُ الحدود، لأنها يجوز أخذها من الكَفيل، والحدودُ لا يجوز أخذها من الكفيل، وإنما تؤخذ مِمَّن وجَبَتْ عليه.
المسألة الخامسة والعشرون: لا ينتفى ولَد الحرَّة إلا بلعَانٍ، وينتفى ولدُ الأمَة بلا لعان، والفراشُ في الجميع موجُودٌ، (58) فلِمَ كان هذا الفرق؟
(58) كلمة الفراش جاء ذكرها في حديث في كتاب الأقضية في الموطأ، في ترجمة القضاء بإلحاق الولد بأبيه، رواية عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، كما أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الولدُ للفراش، وللعاهِر الحجَرُ".
قال الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقانى رحمه الله في شرحه على الموطأ: أل للعهد، أي الولدُ للحالة التي يمكن فيها الافتِراش (أيْ تَأتى الوطء، فالحرّة فراش بالعقد عليها مع إمكان الوطء والحمل، فلا ينتفي عن زوجها، سواءٌ أشبهه أمْ لا، وتجرى بينهما الأحكام من إرث وغيره، إلَّا بلعان. والأمة إن أقرَّ سيدها بوطئها أو ثبت ببينة عند الحجازيين، وقال الكوفيون: إن أقر بالولد، وقدَّرُوا مضافا (أي صاحب الفراش وهو الزوج)، فلفظُ الفراش يصْدُقُ على الحرة فقط كما تراه الحنفية، فلا عموم عندهم فيه، أو يَصْدق على الحرة والأمة، ويعُمّهما معا كما هو رأى المالكية ومُوافقوهم، فتخَرَّجُ المسألة على أن العِبرة بعموم اللفظ، أو بحصوص السبَب، قال: فليتنبه لهذا البحث، فإنه نفيس جدًا، وبالجملة هذا أصل في إلحاق الولد بصاحب الفراش وإن طرأ عليه وطء مُحرَّم.
ومعنى للعاهر الحَجر، أي للزانى الخيبةُ، ولا حقَّ له في الولد، وهو اسم فاعل من عهر الرجل المرأة إذا أتاها للفجور، وعهرت هي وتعهرت، إذا زنتْ، والعهر الزنا، ومنه الحديث: اللهم أبْدل العهر بالعِفة" قاله عياض: والعرب تقول في حرمان الشخص من الشيء: له الحجر، وبقية التراب، ونحو ذلك، ويريدون ليس له إلا الخيبة، وقيل: هو على ظاهره، أي الرجْم بالحجارة، وضعَّف بأنه ليس كلَّ زان يُرجَم، بل المحْصَن.
وأيضا فلا يَلزمَ من رجمه نفيُ الولد. والحديث إنما هو في نفيه عنه، وقال الباجي: يريد الرجم، وإن كان لا يُرجَم زاني المشركين، لكن اللفظ خرج على العموم، ولمَّا قصد عيب الزنى أخبر بأشد أحكامه.
ثم ذكر الشيخ الزرقانى هنا رحمه الله نكتة فقال:
"لطيفة": كان أبو العيناء الشاعر الأعمى كثير الدعابة وشديد الانتزاع من الآيات والأحاديث (أي الأخذ منها)، فوُلد له ولدٌ، فأتى بعضُ مَن يُريد دعابته فهنأه بالولد، ووضع بين يديه حجرا وذهب، فلما تحرك أبو العيناء وجد الحجر بين رجليه، فقال: مَن وضع هذا؟ ، فقيل: فلان، فقال: عرَّض بى - واللهِ - ابنُ الفاعلة، قال صلى الله عليه وسلم "الولد للفراش وللعاهر الحجر".
قال الزرقاني هنا في شرحه على الموطأ: وللحديث سبب آخر غيرُ قصة ابن زمعة، رواه أبو داود وغيره من طريق حسين المعلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. فرحمهم الله ورضي عنهم أجمعين، ورحم كافة المسلمين، آمين.
فالجوابُ أن الحرَّة أعلى مرتبةً من الأمة، فكان حكمها خلاف حكم الأمة.
المسألة السادسة والعشرون: إذا أتَتْ المملوكة بولدٍ لم يُلحَق بالسيد، إلا أن يُقِر بالوطء، وإذا أتت الزوجة بولدٍ لَحِقَ بالزوج وإن لم يقر بالوطء، وفي كلا الموضعين فالوطءُ مباح له.
فالجواب أن الزوجة تصير بالعقدِ فراشا له، فلَحِق ولدُها، لثبوت الفراش، والأمةُ لا تصير فراشا إلا بإقرار السيد بالوطء، لأن المِلْك لا يوجب لها فراشا، إذ الِإنسان يَمْلك من لا يجوز له وطؤها، ولا يجوز له أن يتزوج من لا يجوز له وطْؤُهَا. (59)
(59) فهذه المسائل الست والعشرون في آخر الكلام على هذه القاعدة السادسة من قواعد الحدود، هي مما أضافه الشيخ البقوري رحمه الله، وتدل على مدى تضلعه وسعة اطلاعه وتمكنه من أصول الفقه وقواعده وأحكامه وغيرها، رحمه الله ،ورحم كافة أهل العلم والفقه في الدين، وسائر المسلمين. اهـ.