الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل
، فأقول:(19)
الأصل الرّد إلى قِرَاض المثل كسائر أبواب الفقه، ولكنه (20) قال القاضى عياض في التنبيهات:
القراض الفاسد يُرَد إلى أجرة المِثل إلا في تسْع مسائلَ:
القِراض بالعُروض، وإلى أجَل، وعلى الضمان، والمُبْهَم، وبِدَين يَقْتضيه من أجبنبي، وعلى شِرْك في المال، وعلى أنه لا يشترى إلا بالدَّيْن فاشتَرَى بالنقْدِ، وعلى أنه لا يشترى إلّا سلعة معَيَّنة ممّا لا يكثُر وجُودُه فاشترى غيرها، وعلى أن يشترِيَ عبْدَ فلان بمالِ القراض ثم يبيعَه ويتَّجر بثمنِه، وألْحِقَ بذلك عاشِرةٌ من غير - الفاسد، وهي في الكتاب: إذا اختلفا وأتيا بما يُشِبِهُ فَله قراض المثل.
"فحُرِّم في الأمَّة المحمدية القليلُ الذي لا يُسْكِر تحريمَ الوسائل، وسَدا لذريعة تناول القدْر المسكر"، وذلك مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"كل ما أسكرَ كثيرُهُ فقليلُه حرام".
ومعلوم أن الوسائل تَعطى حكمَ المقاصد، فإذا كان المقصِد مشروعا وجائزا كانت وسيلته كذلك، واذا كان غير مشروع، وكان ممنوعا، فإن الوسيلة اليه كذلك، وسَدُّ الذرائع يعتبر كذلك من أسُس التشريع وحكمته. والشريعة الاسلاميةَ جاَت كاملة تامة، خالدة دائمة، خاتمة للشرائع الالاهية السابقة وناسخة لها، فكانت بذلك شريعة ربانية صالحة لكل زمان ومكان إلى يوم الدين وقيام الناس لرب العالمين.
(19)
هي موضوع الفرق العاشِر والمائتين بين القاعدتين المذكورتين: جـ 4. ص 14، وهو كذلك من الفروق القصيرة عند القرافي، ولم يعلق عليه ابن الشاط بشيء من تعاليقه المعروفة.
والقِراض كما سبقت الاشارة إليه مَصْدَرُ قارضَه يقارضه قراضا ومقارضة، إذا اتفق معه علىٍ القراض، وهو عقد يقوم بين صاحب المال والعامل فيه للتجارة، حيث يدفع صاحب المال قدراً منه لشخص يعمل فيه، أي يتجر فيه على جزء معلوم من الربح للعامل يتفقان عليه، وَلا ضمان على العامل فيه، لأنه أمانة بيده إلا أن يتعدى فيه أو يخالفَ إلى شيء مما نُهِيَ عنه".
ويُسَمى القِراضُ مُضاربَةً، من الضرب في الأرض، وهو السير فيها للتجارة، كما جاء في قوله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} . سورة النساء. 101، وقوله سبحانه:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} . سورة المزَّمِّلُ، الآية:20.
(20)
كذا في جميع النسخ، وعند القرافي في هذا الفرق: ولأنه العمل الذي دخل عليه، وهي عبارة أتم وأكمل، وأوضح في المعنى بالتعليل منها بالاستدارك.
والضابط: كلُّ منفعة اشترطها أحدُهما على صاحبهِ ليْسَت خارجة عن المال (21) ولا خالصةً لمشترطها فقراض المثل. ومتى كانت خارجة عن المال أو كانت (22) غَرَراً حراماً فأجْرَةُ المثل، فعَلى هذه الامور الثلاثة تدور المسائل، وعن مالكٍ قراض المثل مطلقا. وقال الشافعى وأبو حنيفة وعبْد الملك بالإِجارة مطلقا، نظراً لاستيفاء العَمل بغير عقْدٍ صحيح.
ومنشأ الخلاف أمرانِ:
أحدهما: المستثنَيات من العقود إذا فسَدت، هل تُرَدُّ إلى صحيح أنفسِها (23) وهو الأصل كفاسِد البيع، أو إلى صحيح أصْلِها؟
الأمر الثاني: أسْبابُ الفساد إذا تأكدت في القراض أو غيره بطلت حقيقة المستثنى بالكلية فتتعين الإِجارة، وإن لم متأكد اعْتُبر القراض، ثم يبقى النظر بعد ذلك في المُفسِدِ (24)، هل هو متأكد أم لا، نظراً في تحقيق الْمنَاط (25).
(21) كذا في ع، وت، وعند القرافي: وفي ح: في المال، والأولى أظهر وأصْوَب. وفي ت ايضا:"والضابط أن كل منفعة فيها قراض المثل" بزيادة أنَّ، وفيها.
(22)
في جميع النسخ: "أو كان"، وفي الفروق:"أو كانت" وهو الاظهر والأصوب.
(23)
كذا في ع. وفي ت وح: نفسها، وعند القرافي: أنفسها بالهمزة، ومعلوم أن المفرد المضافَ يعُمُّ.
(24)
في ح: الفاسد، وفي ت: الفساد، وكتاب الفروق: المفسد، ولعله المناسب مع ما في اول الفقرة وهو كلمة "أسباب الفساد إذا تأكدت" وهي في أول الفقرة المتضمنة للأمر الثاني من منشأ الخلاف.
(25)
تحقيق المناط كما سبق ذكره، في: محله من القواعد الأصولية، هو مسلك من مسالك العلة التي هي ركن من اركان القياس، ويرادُ به أنه إذا عُلِّق حكمٌ على وصف اتصلت به عدَّةُ أوصاف لا مدخل لها في علية الحكم، حُذِف ما لا مدخل له في التعليل بالاجتهاد، وبقي الوصف الذي له دخل في تعليل الحكم.