الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: قد مضى في تقييد المطلق ما تقرر معه أن مَذْهَبَ الشافعي أقوى في هذه المسألة من مذهب مالك، واللهُ أعْلَمُ.
قال شهاب الدين (80): يجوز بيع الطعام قبل قبضه في خمسةِ مواضع: الهِبةِ، والميراثِ على اختلاف، والاستهلاكِ، والقَرض، والصكوك، وهي أْعطَيَاتُ الناس من بيت المال. ووقعت الرخصة في الشركة في الطعام قبل قبضه، وفي الإِقالة، والتوليةِ، تنْزيلا للثاني منزلة الاول، بِشرطِ ألَّا يفترق العقدانِ في أصلٍ أو مقدار أو غيرهما، ومنعَ الشافعي وأبو حنيفة وأحمد جميعَ ذلك، نظراً للنقل والمعاوضة.
القاعدة السادسة عشرة:
أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا
، (81) فأقول:
(80) إختصر البقوري هنا أجوبة للإِمام القرافي عما احتج به الإِمام الشافعي من الحديثين السابقين ومن القياس على الطعام في منع بيع الشيء قبل قبضه مطلقا، طعاما كان او غيره. فقال القرافي:
"والجواب عن الاول والثاني أن هذه الاحاديث، المراد بها نهيُه عليه السلام عن بيع ما ليس عندك، فيُنهَى الانسانُ عن بيع ملك غيره، ويضمن تخليصه لأنه غرر، ودليله قوله عليه السلام: "الخراج بالضمان والغلَّةُ للمشترى"، فيكون الضمان منه، فما باع إلَّا مضموناً، فما يتناول الحديث محل النزاع.
والجواب عن الثالث. الفرق بأن الطعام أشرف من غيره، لكونه سببَ قيام البِّنية وعماد الحياة، فشدَّد الشرعُ على عادته في تكثير الشروط فيما عظُم شرفُه، كاشتراط الولي والصداق في عقد النكاح دون عقد البيع، وشَرَطَ في القضاءِ ما لم يشترطه في مَنْصِبِ الشهادة. ثم يتأكد ما ذكزناه بمفهوِم نهيه عليه السلام عن بيع الطعام حتى يُسْتوْفَى، ومفْهُومه أنَ غيْرَ الطعام يجوز بيعه قبل أن يُستوفَى، وقولِهِ تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} .
فإن قلت: أدلة الخصوم عامة في الطعام وغيره، والقاعدة الأصولية أن اللفظ العام لا يُخَصَّصُ بذكر بعضه، فالحديث الخاص بالطعام لا يُخَصِّصُ تلكَ العمومات، فإن من شرط المخصِص أن يكون منافيا، ولا منافاة بين الجزء والكل، والقاعدة أيضا أن الخاص مقدَّمٌ على العام عند التعارض، وقولُه تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} عامٌّ، وتلك الاحاديث خاصة، فتُقدَّم على الآية، والاعتماد في تخصيص تلك الأدلة على عمل أهْل المدينة لا يستقيم، لأن الخصم لا يُسَلم أنه حجة، فضلا عن تخصيص الأدلة.
قلت: أسئلة صحيحة متجهة الإِيرادِ، لا يحضرني عنها جواب نظائر. قال العبْدَ لِي: يجوز بيْعُ الطعام قبل قبضه في. خمسة مواضح. الخ.
(81)
هي موضوع الفرق التاسع والتسعين والمائة بين قاعدة ما يتْبعُ العقد عرفا وما لا يتبعه". جـ 3. ص 283. ولم يعلق عليه بشيء، الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
قال صاحب الجواهر وغيره: إذا قال: أشركتُكَ معي في السلعة يُحْمَل على النِصْف.
ثم الأرضُ يندرج في بيعها الأشجارُ والبناءُ والحجارةُ المخلوقةُ فيها دون المدفونة. وكذلك يندرج في بيعها الزرعُ الكامن، بخلاف الزرع الذي ظهرَ. ويندرج أيضا في الارضِ المعدنُ، بخلاف الكنْز. وقال الشافعي: لا يندرج في الارض البناءُ الكثِيرُ ولا الغرس، وكذلك الدار يندرج فيها المعدِنُ دون الكنز، والأحجار الخلوقة دون المدفونة، والأبوابُ، والخوابي المدفونة، والرفوف المسمَّرة، والسُّلَّم المتنقل. وقال ابن حنبل كقولنا. وعندنا أيضا إذا باعه البناءَ يندرج فيه الارضُ والتوابيتُ ومرافق البناء كالأبواب والرفوف والسُّلم المثبوتِ دون المنقول. ولفظ الشجر تَتْبَعُهُ الارض. وقال ابن حنبل: لا تندرج الارض في لفظ الشجر.
ولفْظُ المرابحة (82) عندنا يقتضي أن كل صنعة قائمهَ كالصبغ والخياطة والكماد (83) والطرز والغَسْل يُحسَبُ، ويحسَبُ له ربح. (وما ليس عينا قائمة ولا
(82) المرابحة مصطلح فقهى لنوع من أنواع البيوع الجائزة، وبيانه بايجاز واختصار هو كما جاء عند العلامة ابن جُزَي رحمه الله في كتابه الملخص الشهير: القوانين الفقهية: "فأما المرابحة فهي أن يُعَرِّف صاحبُ السلعة المشتريَ بكم اشتراها وياخذ منه ربحا. إما على الجملة، مثل أن يقول: إشريتُها بعشرة وتُربحُني دينارا أو دينارين، وإما على التفصيل وهو أن يقول: تُرْبِحُنِي درهما لكل دينار أو غير ذلكَ.
وبعبارة اخرى: بيع المرابحة هو البيع بالثمن الذي اشتُريتْ به السلعة مع ربح معلوم، وهو- كما قلتُ - من البيوع الجائزة المشروعة، وفق شروطها المطلوبة، والمنصوص عليها بتفصيل في الكتب الفقهية، مثل التولية، وهي البيع برأس المال دون زيادة أو نقص، والوضِيعة، وهي البيع بأقَلَّ من الثمن (ثمن الشراء)، وكالمساومة، وهي أن يتفاوض المشتري مع البائع في الثمن حتى يتفقا عليه من غير تعريف بكم اشتراها، وكالمزايدة، وهي المناداة على السلعة، وزيادةُ الناس فيها بعضِهم على بعض حتى تقف على آخِر زائد فيها فياخذها. وليس هذا مما نُهِيَ عنه من مساومة الرجل على سوم أخيه، ومِن بَيْعه على بيع أْخِيهِ.
(83)
الكِمَاد: تَسْخين العُضو بِخرَقٍ ونحْوها، يقالُ: أكْمدَ العضوَ سَخَّنَه بِوضعِ الكمادة عليه، وهي خرقة تسخَّنُ وتوضع على العضو الموجوع ليذهب ألمُهُ. والكمادة بهذا المعْنى تُعتَبَرُ حِرْفَةً من الحِرف لمنٍ يتعاطاها، والكِمَادُ بهذا المعنى دخل في مجال الحرفة والصناعة لمن يتعاطاها أوْ يَكُونُ معْروفا بها.
يُنَمي السلعة في نفسها كنفقة الرقيق يحسَب ولا يُحسَبُ له ربحٌ)، (84) وما ليس له عين قائمة ولا يُنْمي السلعة ذاتا ولا سوقا لا يحسب ولا يحسبُ له ربح، لأنه لم ينتقل للمشتري، فلا يقابَلُ بشيء، وهذِه الاحكام تتبع قوله: بعتك هذه السلعة مرابَحةً، للعشرة أحَدَ عشر، وما أشبهَ هذا القولَ، ولفظ العبد تتبعه ثيابه التي عليه إذا أشبهت مهنته دون ماله، وهذه الامور مبنية على العوائد، ولولاها لكان ما ذكرناه تحكما.
وممَّا يُشْبِهُ هذه الاشياءَ وليس مبنيا على العوائد، بل مُسْتَنَدُه النص، قوله عليه الصلاة والسلام:"من باع نخلا قد أبِّرَتْ فثمرتها للبائع، إلَّا أن يشترطها المبتاع". (85) ومفهومُه يقتضي أنها - إذا لم تؤَبَّرْ فللمبتاع، لأنه عليه السلام جعلها للبائع بشرط الإِبَّار، فإذا انتفَى الشرط انتفى المشروط، فالأول مفهوم الصفة، والثاني مفهوم الشرط. والحنفية يقولون: هي للبائع مطلقا، (أَيْ كانتْ مُؤبَّرَةً أم لَا)، ولا يصح الاحتجاج عليهم بالمفهوم فإنهم لا يقولون به، ويقيسون الثمرة على الجنين إذا خرج لم يَتْبَع، وإلَّا تَبِعَ، (86) وكذلك على الَّلبَن في الضرع.
(84) هذه العبارة المثبتة بين قوسين: ثابتة في ع، وح، ناقصة في ت، وعند القرافي هنا.
(85)
أخرجه الإِمام مالك رحمه الله في الموطأ: ترجمة 427: ما جاء في ثمر المال يباع أصله. ومَعْنَى أُبّرتُ بضم الهمزة وتشديد الباء المكسورة وتخفيفها لُقحتْ، فتابيرُ النخل تلقيحه، وهو - كما جاء في شرح العلامة الزرقاني رحمه الله على الموطأ- أن يُشَقَّ طلع الإناث ويوخذَ من طلع الذكر فيذَرُّ فيه ليكون بذلك بإذن الله أجودَ مما لم يؤبَّر، وهو خاص بالنخل، وألحق به ما انعقد من ثَمَرِ غيرها.
وبعبارة أخرى: الإبَّارُ عند العلماء أن يُجعلَ طلعِ ذَكر النخل في طلع إناثها، وفي سائر الشجر أن تنوَّر وتعقد، والتذكير في شجر التين التي تُذكّرُ، في معنى الإِبار.
(86)
كذا في جميع النسخ الثلاث المعتمدة في التحقيق والتصحيح لهذا الكتاب: ترتيب الفروق واختصارها. "ويقيسون (أيْ الحنفيةُ) - الثمرةَ على الجنين، إذا خرج لم يتبع، والا أتْبع". فالحنفية هُمْ الذين يقيسون ذلك كما هو واضح من نص العبارة والجملة. وعبارة القرافي هنا تفيد بأن المالكية هم الذين يقيسون تلك الأقيسة حيث قال: "وهذا ضعيف (أيْ الاحتجاج عليهم بمفهوم الصفة ومفهوم الشرط) من جهة أن الحنفية لا يرون المفهومَ حجة، فلا يُحْتَجُّ علهم به، بل نقيس الثمرة في الجنين، إذا خرج لم يُتْبع والا أتْبع، أو نقيسها على اللبن قبل الحِلَاب، واستتار الثمار في الأكمام كاستتار الأجنة في الأرحام واللبن في الضرع، أو نقيسها على الاغصان والورق =