الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة السابعة:
في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها
. (26)
قال أبو الطاهر في كتابِ النظائر: يُرَدَّ العامِل إلى أجْرة المثل، إلّا في خمس مسائل فله مساقاة المثل: إذا ساقاه على حائط فيه تمْر قد أطْعَم، وإذا شرطَ العملَ معه، واجتماعُها مع البيْع، ومساقاةُ سَنَتَيْن على جزءين مختِلفين، ويَلزم عليهِ حائطان على جزءَيْن مختِلفين، واذا اختلفا وأتَيَا بما لا يُشْبِهُ فحلفَا علي دَعْوَاهُما أوْ نَكَلا. وسبب الخلاف ما ذكرناه في القِراض بعَينه، فالقواعد واحدةٌ فيهما.
القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه
، (27) فأقول:
الأصلُ فيه اللزوم. ثم ضابط ما لا يجوز الرجوع عنه هو الرجوع الذي ليس فيه عذر عادى، وما يجوز له الرجوع عنه هو أن يكون له في الرجوع عذر عادى. وهذا كما إذا أقرَّ الوارث للورثة أنّ ما تَركَه أبوه ميراث بينهم على القانون الشرعي، ثم جاء شهود أخبروهُ أن أباهم أشهدَهُمْ أنه تصدق عليه في صغره بهذه الدار وحَازَها له، فإنه إذا رجع عن إقراره يُقبل رجوعه، لِأنه أقرَّ، بناءً على العادة، ولا يكون إقراره السابق مكذِّباً للبينة، لأن هَذَا عذرٌ عادِي يُسْمَعُ مِثلُهُ.
(26) هي موضوع الفرق الحادي عشر ومائتين بين القاعدتين المذكورتين. جـ 4. ص 15. وهو من أقصر الفروق عند القرافي كما يتجلى ذلك في هذه القاعدة التي هي مضمونه ومحتواه. بحيث لم يتجاوز خمسة أسطر، وأربعة أبيات جمعت تلك المسائل الخمسة لبعض الفقهاء، ولم يعلق عليه بشيء، العلامة المحقق ابو القاسم ابن الشاط رحمه الله.
(27)
هي موضوع الفرق الثاني والعشرين والمائتين بين القاعدتين المذكورتين، جـ 4. صفحة 38. قال في أوله القرافي رحمه الله: الأصْل في الإقرار اللزوم من البَرّ والفاجر، لأنه على خلاف الطبع كما تقدم. إالى آخر ما هنا عند البقوري. ولم يعلق عليه بشيء، الشيخ ابن الشاط، رحمهم الله جميعا.
ومثْلُ هذه المسألة أن يقول: له علي مائةُ درهم إن حلف، أو إذا حَلَف، أو متى حلف، أو حتَّي يحلف، أو مع يمينه أوْ بعْدَ يمينه، فحلف المُقَرُّ له فنكَلَ المُقِر وقال: ما ظننت أنه يحلف، لا يَلزَمه شيء.
ومثال ذلك أن يقول: له عندي مائة من ثَمن الخَمْر أو ميتة، فإنه لا يلزمه شيء، لأن الكلام بآخِرِه. (28).
قلت: ولْنَذْكرْ مسائل وإن كانت الواحدة منها قد ذُكِرتْ، لكني أزيدها بسْطاً. (29):
المسألة الأولى، قال مالك: إذا قارَضَهُ على أن يُسلِف أحدُهما الآخَر كان للعامل أجْرَة مِثله، وإذا قارضه إلى أجل أو بشرط الضمان وجب فيه قراض المثل، وفي كلا الموضعيْن قد شرَط كل واحد منهما في القراض ما ليس منه، فلم كان ذلك؟ .
فالجوابُ أنه اذ اقارضه إلى أجلٍ أو بِشرط الضمان فالقراض لم يَنْضمَّ اليه غيْرُه ولم ينقله عن حكم القِرَاض، وليس ذلك في شرط السَّلف، لأنه من غير
(28) زاد القرافي هنا بيانا وتوضيحا لذلك فقال: "والقاعدةُ أن كّل كلام لا يستقِلُّ بنفسه إذا اتَصَل بكلام مستقل بنفسه صيَّره غيرَ مستقل بنفسه. فقوله: "من ثمن خمر" لا يستقل بنفسَه، فيصير الاول المستقِل غيرَ مستقل الصفة والاستثناء، وكذلك الصفة والاستثناء، والغاية والشروط" ونحوها". ومعلوم أن الميتة والخمر لا يجوز بيعهما في الإِسلام، فثمنهما حرام، ومن ثَمَّ كان إقراره ساقطا غَيْر لازم.
(29)
هذه المسائل الخمسة هي عند البقوري من إضافات المسائل المناسبة، وإلْحاق الفروع والجزئيات بمثيلاتها في كتاب الفروق لشيخه الامام القرافي رحمهما الله، وهي احدى الأسس والمميزات التي يقوم عليها هذا الكتاب كما سبق ذكره في أوله، وهي مرتكَزات تقوم على الترتيب، والاختصاره والاضافة، والإلحاق، والتنبيه على ما يظهر له خلال ذلك مما لم يذكره القرافي، فيكون جميع ذلك عونا على فهم الفروق وتحصيلها، كما سبَقَ في مقدمة المؤلف في الجزء الأول من هذا الكتاب الذي يدل من خلال ذلك على علو كعب صاحبه البقوري، وعلى تمكنه وطُول باعه وسَعَةِ اطِّلاعِهِ فيما احتواه واشتمل عليه، واستوعَبه من القواعد والفروع والجزئيات وما يتصل بِهَا من المعارف والعلوم الاسلامية المتنوعة كما هو الشأن بالنسبة لشيخه القرافي في كتابه الفروق، نفع الله بِعلْمهما معا، ورحمهما وكافة العلماء المسلمين.
القراض، إِذ هو معنى انضمَّ إِليه من غيره فنَقله عن حكمه. وأيضاً، فالسلف زيادة ازدادها أحدهما على الآخَرَ، والقراض إذا دخلْته الزيادة أفسدتْهُ، وليس كذلك في الأجَل، والضمانُ ليس بزيادة ازدادها أحدهما على الآخر، فلم ينقُل القِراض عن حكمه.
قلت: وما ذكرناه من الفرق الكلي في القراض كافٍ. (30)
المسألة الثانية، قال مالك: لا يجوز أن يدفع إليه مالَيْنِ بِربْحَيْن مختلفَيْن على أن كل واحد على حِدَة، واذا دفع إليه مالاً فاشترَى به سلعة فجائزٌ أن يدفع إليه مالا آخر. ويُشترط ألّا يَخلطه بالأول، سواء اتفق الربحُ أو اختلف، وفي كِلا الموضعين مالَانِ بربْحَيْن مختلفين، فلِمَ وقعَ هذا؟
فالجواب أنه إذا دفع إليه ماليْن وشرَط أن يخلط أحدَهما بالآخر واختلف الربح فهو غَرَرٌ، لأنه يجوزُ أن يربَحَ في أحدهما ويخسَر في الآخَر، فيكون قد خسر أحدهما فيذهب عمله باطلا فيما لا يربحُ فيه، وياخذ ربح المال الآخر، فدخل الغَبْنُ على رب المال، لأن ربَّ المال دخل على أنه يربح في كل مالٍ، ولا يستبد العامل في منفعة أحد المالَيْن دون الآخَر. وليس كذلك إذا اشترى بالمال الأول السِّلعَ، لأنه قد حصل له حكم نفيسه، امَّا من ربْح أو خسارة، فلا يدخل هاهنا الغرر كما دخل في الأول، إذ قد استحق العامل منفعة المال الأول إن كان فيه منفعة او كان فيه خُسْرانٌ، فهو على رب المال، لا تعلُّق لأحد الماليْن بالآخر، فافترَقا.
المسألة الثالثة، لا يجوز للمودَع أن يُودِع الوديعةَ عند غيره إلا من ضرورة، ويجوزُ أن يودِع اللقطة من غير ضرورة إذا كان في مثل أمانته، والكلُّ مالٌ للغير. فلِمَ كان هذا الفرق؟
(30) أَيْ في القاعدة السادسة من قواعد هذا الباب المشتمل على ثمانية ابواب، خصَّ كل واحد منها بقاعدة واحدة تتعلق به. اهـ
فالجوابُ أن المودِع إنما رضي بالمودَع، فلم يكن له أن يدفعها لغيره إلا من ضرورة، واللُّقَطة لم يَرْضَ صاحبُها أن تكون عند الملتقِط ولا اختَاره، وإنما الغرض منها الحفظ، فكان له دفْعُها إلى غيره.
المسألة الرابعة، إذا تعدَّى المودَعُ على الوديعة فاشترى بها تجارة، فربح فيها، كان له بح، وإذا تعَدَّى المُقَارَض في مال القِراض، فاشترى غير الذي أمره بشرائه كان رب المال مخيَّراً بين أن يضمنه وبين أن يقره على القراض ويقاسمه الربح، وفي كِلَا الموضعين، فالتعدي موجود.
فالجواب أن الوديعة لم يقصِد بها رَبُّها التنمية، وإنما قصد بها الحفظ، ولمْ يَزُلْ غرضه بتعَدِي المودَع عليها، لانَّ الحفظ موجود فيها على كل حال، وليس كذلك القراض، لأنَّ رب المال قصد به التنمية، فلو لم يكنْ له الخيَارُ لكان العامل قد منعَه غرضَه، وليس كذلك، فافترقا.
المسألة الخامسة، قال مالك: إذا استهلك العبدُ لُقَطَةً قبل عام كانتْ في رقبته، واذا استهلكها بعْد السنة كانتْ في ذمته، واذا استهلك الحر لقطةً كانت في ذمته مطلقا، فلِمَ كان هذا؟
فالجواب أن الاستهلاك إذا كان للعبد قبل السنة كان تعدِّيا، والعبدُ إِذا تعَدَّى على مال الغير كان ذلك في رقبته، وإذا كان بعدَ السنة لم يكن متعديا، لأنه ماذون له في إنفاقها فكانت في ذمته، دون رقبته، والحرُّ أحوالُه متساوية، فهي في ذمته أبداً.