الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السادس عَدَمُ المزابنة، كَبيْع صُبْرةِ جيرٍ وجِبْس بمكيلهِ من ذلك الجنس، لأنه بيعُ المعْلُوم بالمجهول من جنسه، وذلك المزابنة المنهي عنها. (32) فإذا اجتمعتْ هذه (الشروط)، جاز البيع جزافا، وإلا فلا.
القاعدة الثامنة:
أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز
، (33) فأقول:
ما يجوز بيعه على الصفة هو ما اجتمع فيه ثلاثة شروط:
أحدها ألَّا يكون قريباً جدا يمكن رؤيته من غير مشقة، فإنه عدول عن اليقين إلى توقع الغرر.
والثاني ألَّا يكون بعيدا جدًّا، لتوقُّع تغييره قبل التسليم، ولتعذر تسْليمه.
(32) المزابنة: المدَافَعة، من الزبن وهو الدفع، لكون كل واحد من طرفي البيع يدفع الآخَر عند التنازع، وهي بيع التمر على شجره بالثمر والزبيب كيْلَا. فعن جابر رضي الله عنه قال: نهَى النبي صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابَنة والمعَاومة والمخابَرَة، وعن الثُّنْيَا، ورخَّص في العَرَايا" رواه بعض ائمة الحديث. والمراد بالمحاقلة بيعُ الزرع بالحِنطة كيلا. والمخابَرَة دفع الارض إلى شخص ليعمل فيها ويزرعها من عنده ببعض ما في يخرج منها. وهي المزارعة، وقد تقدم الكلام عنها بما يفيد إباحتها وجوازها بشروط. والثُّنْيا بضم الثاء المعجمة والياء المقصورة كالدنيا هي بيع شيء مع استثناء منه، كأن يقول البائع المشتري: بعتك هذه الجملة من حُبوب القمح إلا بعضَها. وهذا المستثنى، إن كان معلوما جاز البيع وصحَّ كأنْ يبِيعَهُ أشجاراً واستثنَى منها واحدة او اثنتين أو ثلاثا، مثلا، وإن كان مجْهولا فلا، لما فيه من الجهالة والغرر. وقد جمع الشيخ خليل رحمه الله هذه الشروط المتعلقة بيع الجزاف، فقال في: مختصره: "وجاز بيْعُ جزافٍ إن رئ ولم يَكْثُر جدّا، وجَهلَاه، وحزَرا (اي خَمَّنَا وعرفا قدر بالحزْر (وهو الظن)، واستوتْ أرضه، ولَمْ يُعَدَّ بلا مشقةِ، ولم تُقْصَدْ أفْرَادُهُ، إلَّا أن يقِل ثمنُهُ (أي كبيع البطيخ والرمان والبيض، مثلا، فيجوز بيعُهُ جِزافاً، لأنه وإن قُصدتْ أفراده فإنها قليلة الثمن).
(33)
هي موضوع الفرق السابع والثمانين والمائة بين القاعدتين المذكورتين جـ 3 ص 247. ولم يعلق عليه بشيء، الفقيه المحقق ابو القاسم ابن الشاط. رحمه الله.
الثالث أن يصفه بصفاته التي تتعلق الْأغْراضُ بها، وهي شروط السَّلَمِ (34) ليكون مقصود المالية حاصلا، فإن لم يذكر الجنس امتنعَ إجماعا، وإن ذكر الجنس جوزه أبو حنيفة إذا عيَّنه بمكانه فقط، كأن يقول: بعتك ثوبا من مخزني بالبصرة، أو بعْتك ثوبا في كُمّي. ومنعَ بيعَ ثوب من أربعةٍ، وأجازه من ثلاث أثواب، لِاشتماله على الجيد والدُّونِ والوسَط. ومنع الاقتصارَ على الجنس مالكٌ وابن حنبل، لبُعْد العقد عن اللزوم بسبب توقع مخالفة الغرض عند الرؤية. وأبو حنيفة يقول: لا ضرَرَ عليه، لأن لَه الخيار، بل أجَاز له الخيار مطلقا، وإنْ جاء على وفق الصفة، بخلاف مالك، فإنه إذا جاء على وفق الصفة فلا خيار له بل يلزم البيعُ. ومنع أبو حنيفة بيعَ الحيوان على الصفة، لأنها لا تضبطه، والصفة عنده في غير الحيوان -كما قلنا- توجِبُ الصحة دون اللزوم، وعند الشافعي لا توجبها، وعندنا تُوجبها.
حجةُ أبي حنيفة أن الجهل إنما وقع في الصفات دون الذات، ونهْيُه عليه السلام عن بيع المجهول، إنما هو فيما جُهلتْ ذاتُهُ لا صِفتُه، لأن الجهل بالذات أقوى، ولقوله عليه السلام "مَنْ اشترى ما لم يَرَهُ فهو بالخيار إذا رآه"(35) ولأنه عقدُ معاوضةٍ، فلا تُشترط فيه الصفة كالنكاح وباطنِ الصُّبْرَةِ، والفواكه في قِشرها.
والجواب عن الأول أن تفاوت المالية إنما هو بتفاوت الصفات دون الذاتِ، ومقصودُ الشَّرع حفظ المال عَنْ الضِّياع.
(34) كذا في نُسَخِ ترتيب الفروق (السّلَم بفتح السين واللام). وعند القرافي في كتاب الفررق: "وهي شروط التسليم" أي تسليم المبيع إلى المشتري. ولعل كلمة السَّلَم أنسب وأقربُ إلى الصواب، ومعلوم أن السلم نوع من البيع يَعجَّلُ فيه الثمن، ويؤجَّلُ فيه المبيع من الطعام وغيره إلى أجل مُعَيَّن، فهو بيْع شيء موصوف بثمن معَجَّل، ويكون الشيء المبيع في ذمة البائع إلى حين تسليمه عند حلول الاصَل المعَيَّن، وسُمّيَ كذلك بالسلف، لحديث:"من أسلف فلْيُسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى اجل معلوم". (متفَق عليه). وبيْعُ السّلَم هذا مستثنَّى من حديث "لا تَبعْ ما ليس عندك"، نظرا لحاجة الناس إليه، رواه الإِمام احمد أصحاب السنن رحمهم الله.
(35)
أورده السيد السابق في كتابه الشهير: فقه السنة، : مخرجا له عن البَيْهقي والدارقطني رحمهما الله، معلقا عليه بقوله: وفي إسناده عمر بن ابراهيم الكَرَوي، وهو ضعيف.