الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قواعد البيوع
وهي خمس وعشرون قاعدة:
القاعدة الأولى:
أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح
؟ (1) فأقول:
أكْلُ المال بالباطل منهي عنه (2)، وهو لا يصح، واجتماع العِوضين لشخص مما يؤدى إلى ذلك، فبِسببه، الأصل (3) أن يكون العوض ياخذه أحدُ الشخصين عِوضا مما (4). خرج من يده، فيرتفع الغبن والضَّررُ عن المتعاوضيْن، إلَّا أنه قد اسْتُثْنِيَ عن (5) هذا الأصل للضرورة مسائلُ وُجدَ فيها العوض والمعوَّضُ لشخص
واحد:
(1) هي موضوع الفرق الرابع عشر والمائة بين قاعدة ما يصح اجتماع العوضيْن فيه لشخص واحدٍ، وبين قاعدة مالا يصح أن يجتمع فيه العوضان لشخص واحد. جـ 3. ص 1.
وقد علق الفقيه المحقق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على ما جاء عند الامام شهاب الدين القرافي رحمه الله في أول هذا الفرق، فقال:"قلت: في هذا الفرق نظرٌ يفتقر إلى بسْطٍ. وما ذكره من المسائل الثلاث الآتية، لقائلٍ أن يقول: ليس المبذول فيها عوضا عن الثواب، بل هو معونَةٌ على القيام بتلك الامور، فللقائم بها ثوابُهُ، ولمن تولّى المعوَنةَ ثوابُهُ، فلم يجتمع العِوضانِ لشخص واحد بوجهٍ، واللهُ تعالى أعلم".
(2)
وهو أمرٌ معلوم من الدين بالضرورة عند الخاصة والعامة من المسلمين، فمن ذلك قولُ الله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} . سورة البقرة: الآية 188. ومن ذلك قوله سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ}. سورة النساء، الآية 29. والاحاديث النبوية في هذا الموضوع وفيرة وكثيرة جداً.
(3)
كذا في نسختي ع، وح. وفي نسخة ت: إنَّ الاصل (بزيادة إنَّ المؤكِدة).
(4)
كذا في نسختي ع، وح. وفي نسخة ت: عمَّا خرجَ من يده.
(5)
كذا في جميع النسخ، والمستعمَل الفصيح أن يقال: استثني منه، لأن الفعل: استثى وما اشتُقَّ منه يتعدى بحرف الجر مِن، لا بالحرف عن، وهو ما عند القرافي حيث قال هنا: غيرَ أنه قد استُثْنِيَتْ مسائل مِن هذه القاعدةِ للضرورة وأنواعٍ من المصالح، وقال أيضا:
المسألة الأولى: الإِجارة على الصلاة، فيها ثلاثة أقوال: الجواز، والمنع، والتفرقة بين أن يُضَمَّ إليها الأذأن أم لا، فتصح بضم الأذان، ولا تصح بدونه.
ووجه المنع أن ثواب صلاتِه له، ولو حصلتْ له الأجرة أيضا لحصل له المعوَّض منه والعِوض، وهو غيرُ جائز.
وحجة الجواز أن الأجرة بإزاءِ الملازمة في المكان المعيَّن، وهو غيرُ الصلاة.
ووجْهُ التفرقةِ أن الأذَان لا يَلْزَمُه، فيصح أخذ الْأجرة عليه، فإذا ضُمَّ إلى الصلاة قرب العقد من الصحة، وهو المشهور.
المسألة الثانية: أخْذُ الخارج في الجهاد من القاعد من (6) أهل ديوانه جُعْلا (6 م) على ذلك، أجازه مالك، ومنعه الشافعي وأبو حنيفة.
فوَجْهُ المنع أن ثواب الجهاد حاصل للخارج فلا يكون له غيرُه، مَخافةَ أن يجتمع (7) العوضُ والمعَوَّضُ منه.
حجةُ مالكٍ عمَلُ الناسِ في ذلك للضرورة أن ينوب بعضهم عن بعض، (7 م) لكن إذا كانوا أهلَ ديوان واحد، فإن تعددت الدواوين فلا يجوز، ويبقى العمل بموجب القاعدة المتَّفَقِ عليها.
(6) كذا في ع، وهو ما عند القرافي، وفي ح: من القاعدين بالجمع، وفي ت: أخذ الخراج، ولعَلَّ ما في ع وما عند القرافي أظهر وأصْوَب، فلْيتأملْ.
(6 م) والجُعل بضم الجيم كما سياتي هو نوع من الاجارة، وفي كل منهما بيعُ منافعَ، أو عقْدٌ على منافِعَ بعوض. فالاجارة هي معاوضة على منافع الأعيان، أي إنها تكون على منفعة الذات كالعَمل الذي يقوم به الأجير، وتكون المنفعة مباحة ومعلومة إمَّا بالزمان كالمياومَة والمشاهَرة، وإما بغايةِ العمل كخياطة الثوب مثلا. وأما الجُعْل فهو الاجارة على منفعة يضمن الاجيرُ المجعولُ له حصولها، وهو جائز، وذلك كالاجارة الإجمالية في الثمن والأجر على استخراج الماء من بئر أو تركيب قنوات، أو ردّ آبق من الانسان أو شارد من الحيوان مثلا، بحيث لا تحصل المنفعة الكاملة للجاعل إلا بإنجاز العمل وإتمامه كله من طرف المجعول له، وبالتالي لا يستحق المجعوُل له أجْره إلا بذلك، والأحكام التفصيلية للاجارة والجعل والكراء مستوفاة بِتَوسعُّ وتفصيل في مظانها من كتب التفسير والحديث والفقه، كما هو واضح ومعلوم عند العلماء والفقهاء. فليرجع إليها من أراد التوسع في الموضوع.
(7)
كذا في نسخة ع وت. وفي ح: أن يَجْمَعَ.
(7 م) عبارة القرافي: "ولأنه باب ضرورة أن ينوب بعضهم عن بعض".