المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذب وفي الوعد وفي خلف الوعد - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذب وفي الوعد وفي خلف الوعد

في إلزامه ما لم يعتقد لزومه تنفيراً له عن الإِسلام، فقُدِّمت مصلحة الإِسلام على مصلحة ذوِي الحقوق. وأما حقوق الله تعالى فتسقط مطلقا، رضي بها أم لا.

والفرق بين الحقيْن من وجهيْن:

أحدهما أن الإِسلام حق لله تعالى، والعبادات ونحوها حق الله تعالى، فلما كان الحقان لجهة واحدة ناسَبَ أن يقدّم أحدهما على الآخر، أما حق الآدميين فجهةٌ للآدميين، والِإسلام ليس حقا لهم، فناسب أن لا يُسقِط حقُّهم تحصيلَ حق غيرهم.

وثانيهما أن حق الله سقط لكرمه، ولا يَسقط للعبد إلا ما تقدم الرضى به.

‌القاعدة السابعة عشرة:

في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

. (201)

أمّا الوعد فاختلَف الفقهاء، هل يجب الوفاء به شرعا أم لا؟

فقال مالك: لا يَلزَمُ، وقال سحنون:(202) الذي يلزم من الوعد: إهدِمْ دَارَكَ وأنا أسْلفك ما تبني به، أو أخرُجْ إلى الحج وأنا أسلفك، أو إشتر سلعة، أوْ تزوَّجْ، لأنك أدخلته بوعدك في شيء ما كان يدخله، وأما مجرد الوعد فلا يلزم

(201) هي موضوع الفرق الرابع عشر ومائتين بين قاعدة الكذب وقاعدة الوعد، وما يَجبُ الوفاء به منه وما لا يجب". جـ 4. ص 520.

بدأه القرافي رحمه الله بقول الله تعالى في أول سورة الصف: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} . ثم قال: "والوعد إذا أخْلِف، قولٌ لم يُفعَل، فيلزَم أن يكون كذبا حرّما، وأن يُحرَّم إخلاف الوعد مطلقا. وقال عليه الصلاة والسلام: "آيةُ المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب واذا وعدَ أخْلَف، وإذا اوئتمن خان". فذِكْرُه (أي خُلْفِ الوعد) في سياق الذم دليل على التحريم".

وقد علق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على ما جَآءَ في أولِ هذه القاعدة والفرق عند القرافي فقال: "ما قاله صحيح ولا كلام فيه" ..

قلت: والحديث المذكور صحيح مشهور، أخرجه الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه.

(202)

كذا في نسختي ع وت، وهو ما عند القرافي وفي ح: محمد.

ص: 459

الوفاءُ به، بل الوفاء به من مكارم الاخلاق. وقال أصبغ: يُقْضَى عليك به، تزوجَ الموعود أمْ لا. وكذلك؟ أسْلِفني لأشتريَ سلعةَ كذا، لزمك، تسبَّب في ذلك أمْ لَا، وإنما الذي لا يَلزَمُ من ذلك أن يَعِدَه من غير ذكر سبب، كأن يقول: أسلفني كذا، فيقول: نعمْ، (203) وإن وعَدتَ غريمك بتاخير الدَّين لزِمَك. (204)

واعْلَمْ أن مِن الفقهاء من قال: الكذِبُ يختص بالماضي والحاضر، والوعْدُ إنما يتعلق بالمستقبل، فلا يدخلُهُ الكذب، (205). ومنهم يقول: لَمْ يتعين عدم المطابقة في الستقبَل ولا المطابقَةُ، وانما تتعَّينُ المطابقة أو عدمُها بحسَب الماضي والحاضر، فيكون صدقاً أوْ كذِبا، (206) والذي في الوعد قبول المطابقة لا المطابقة، وكذلك قبولُ عدم المطابقة لا عدَمُها، ومنهم من يقول: الكُّلُ يدخله الكذِب، وإنما شُومِحَ في الوعد، تكْثيراً للعِدَة بالمعروف (أيْ الوعد به)، وعلى هذا القول لا فَرق بين الوعد والكذب، والظاهِرُ الاول، لِعَدَم تعيُّن المطابقة وعدَمها. (207)

وهذا يُعَضِّدُهُ "أن رجلاً جاءَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: الكْذِبُ لامْرَأتِي؟ فقال له: لا خيرَ في الكذب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أفَأعِدُها؟

(203) زاد القرافي قوله: "بذلك قضَى عمر بن عبد العزيز".

(204)

قال القرافي: "لأنهَ إسقاط لازم للحق، سواء قلتَ له: أؤخرك أو أخّرْتُك".

(205)

عبارة القرافي هنا بدأها بقوله: "واعْلم أنّا إذا فسَّرنا الكذب بالخبر الذي لا يطابِق، (أي لا يطابق الواقعَ أو الاعتقادَ، على خلاف في ذلك)، لزم دخول الكذب في الوعد، بالضرورة، مع أن ظاهر الحديث يأباه، وكذلك عدم التأثيم. فمن الفقهاء من قال: الكذبُ يختص بالماضي والحاضر، إلى آخر ما عند القرافي هنا، وأورده البقوري رحمهما الله. والحديث المشار إليه هنا عند القرافي هو ما ياتي للبقوري بعد هذه الفقرة.

وقد علق الشيخ ابن الشاط على هذأ الكلام عند القرافي بقوله:

"ما قاله في ذلك صحيح"، كما علق على قوله:"مع أن ظاهر الحديث ياباه، وكذلك عدم التاثيم" بقوله: يلزم تاويل ذلك.

(206)

علق ابن الشاط على هذا الكلام بقوله: هؤلاء الذين قالُوا هذا القولَ لم يخالفوا الأول في كون الكذب لا يدخل الوعدَ، ولكنهم عيَّنوا السبب في ذلك وبسطوه (وهو أن المستقبل زمان يقبل الوجود والعدم، ولم يقع فيه بحدُ وجود ولا عدمٌ، فليس فيه إلا قبولُ المطابقة أو عدمها)، ومَسَاق المؤلف لقول هؤلاء مفصولا عن قوْلِ أولثك يُشعِر باعتقاده أنه قول غيرُ الأول، وليس كذلك، بل هو القول الاول بعينه.

(207)

قال ابن الشاط معقبا على هذا الكلام هنا وعند القرافي: الصحيح نقيض مختارِه، وأنه لا فرق هنا، والله أعلم.

ص: 460

فقال: لا جناح عليك"، (208) فمنعه من الكذِب وأذِنَ له في الوعد، وهو يدل على أن خِلاف الوعد لا يُسمَّى كذبا، فجعلهُ قسيم الكذب ولا ذِمة فيه، ولو كان القصود الوَعْدَ الذي يفي به لما كان فيه إشكال ولا احتاج للسؤال عنه.

وفي كتاب أبي داود: "إذا وعَدَ أحدم أخاه وفي نيته أن يَفي فلم يف فلا شيء عليه"(209)، فهذا يدل على أن الاذن في خلف الوعد وارد إذا لم يكن بفَى عليه، وأن الكذب لا يُسْمَحُ فيه. (210)

(208) أخرجه الإِمام مالك رحمه الله في الموطأ مرسلا، وقال فيه الحافظ أبو عمر يوسف بن عبد البر كما نقله عنه العلامة محمد الزرقاني في شرحه على الموطأ: "لا أحفظه مسنَدا بِوَجْهٍ من الوجوه، وقد رواه ابن عُيَيْنَةَ عن صفوان عن عطاء بن يسار مرسَلا.

(209)

نَصُّهُ في بعض كتب الحديث: "إذا وعد الرجل أخاه وفي نيته أن يفيَ فلم يف ولم يَجِئْ للميعاد فلا إثم عليه". رواه كل من أبي داود والترمذي عن زيد بن أرقم رضي الله عنه. وخلاصة معنى الحديث أن الذي لم يف بوعده ولم يجئْ لميعاده لعذر من الاعذار المقبولة كالنسيان والمرض وطرؤ مانع من الموانع، لا إثم عليه، لأنه مغلوب على أمره، أما إذا وعد ونوى عدم الوفاء فإنه يكون آثِما، لأن الوفاء، بالوعد واجب، وخُلفُه حرام.، وقال جمهور العلماء: إن الوفاء بالوعد ليس واجبا، ولكنه أمرٌ مستحب فقط. والخُلْفُ مكروه، إلا إذا قصَد بالخُلْف صاحبُهُ الإذايةَ للغير فإنه يكون حينئذ حراما، وهذا ما لم يكن الوعد على شيء مجرم، وإلا وجب إخلافه، تجنبا للوقوع في الاثم، وابتعادا عنه، وطلبا للسلامة منه.

(210)

قال القرافي هنا توضيحا وتلخيصا لهذه الاقوال في لزوم الوفاء بالوعد وعدم لزومه:

وحينئذ نقول: وجْهُ الجمع بين الأدلة المتقدمة التي يفتضى بعضها الوفاءَ بالوعد، وبعضُهَا عدمَ الوفاء به، أنه إن أدخله في سبب يَلزَم بوعده، لزم كما قال مالك وابن القاسم وسحنون، أو كان وعْدُهُ مقرونا بذكر السبب كما قاله أصبغ، لتأكد العزم على الدفع حينئذ، ويُحْمَلُ عدم اللزوم على خلاف ذلك. مع أنه قد قيل في الآية: إنها نزلت في قوم كانوا يقولون: جاهدنا وما جاهدوا، وفعلْنا أنواعا من الخيرات وما فعلوها. ولاشك أن هذا محرّم، لأنه كَذِبٌ، ولأنه تسميع لطاعة الله تعالى، وكلاهما محرَّمٌ ومعصية اتفاقا.

وأما ما ذُكِر من الإخلاف في صفة المنافق فمعناه أنه سجية له، ومقتضَى حاله الإخلاف، ومثل هذه السجية يحسن الذّم بها كما يقال: سَجِيَّتهُ تقتضي البخل والمنع، فمن كانت صفاته تَحُثُّ على الخير مُدِحَ، أو تحُثُّ على السّر ذَمَّ شرعاً وعرْفا.

وقد علَّق ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله: "الصحيح عندي القولُ بلزوم الوفاء بالوعْدِ مطلقا (أي سواء كان وارداً على سبب ومقترنا به أم لا)، فيتعين تأويل ما يناقِض ذلك، ويُجْمَعُ بين الأدلة على خلاف الوجه الذي اختاره المؤلف، والله أعلم".

ص: 461