المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة العاشرة:في تمييز المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفرا - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة العاشرة:في تمييز المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفرا

معنى المداهنة معامله الناس بما يحبون من القول (108).

واعْلَمْ أنها تختلف بحسب اختلاف الاحكام الخمسة، فقد تكون حراماً كشكْر الظلَمَةِ، لأنها وسيلة لتكثير الظلم، وقد تكون واجبا إذا توصل به لدفع ظلم حرّم أو محرمّات لا تندفع الا بذلك، وقد تكون مندوبا إن كانت وسيلة لمندوب، وقد تكون مكروهاً، إن كانت عن ضَعف لا لضرورة تتقاضاه، أو تكون وسيلة للوقوع في مكَروه، وقد تكون مباحاً، وذلك بأن يشكَر من يَتقي شرّه بأن يذكر ما فيه من الصفات الحسنة ويُعْرض عن مساوئه (108 م).

‌القاعدة العاشرة:

في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

.

إعْلَمْ أن النهي يَعتمد المفاسد كما أنَّ الأوامر تعتمد المصالح.

فأعْلى رتب المفاسد الكُفْرُ، وأدناها الصغائر، والكبائرُ متوسطة بين المرتبتين (109).

(108) قال القرافي: ومنه قوله تعالى في سورة ن: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} أي هُمْ يوَدونَ لو أثنيت على أحوالهم وعباداتهم فيقولون لك مثل ذلك، فهذه مداهنة حرام، وكذلك كل من شكر ظالما على ظلمه، أو مبتدعا على بدعته، أو مبطِلا على ابطاله وباطله فهي مداهنة حرام، للعلة التي ذكرها البقوريِ. وروي عن أبي موسى الاشعرى أنه كان يقول: إنَا لنشكر (أو لنَبشُّ) في وجوه قوم، وإنَ قلوبنا لَتَلعنهم".

وختم القرافي كلامه في هذا الفرق بقوله: فانقسمت المداهنة على هذه الاحكام الخمسة الشرعية، وظهر حينئذ الفرق بين المداهنة المحرمة وغيرها. وقد شاع بيْن الناس أن المداهنة كلها محرمة، وليس كذلك، بل كما تَّم تقريره.

قلت: ولعل من هذا المَعْنى الجائز شرعا في المداهنة ما جَاء في قول زهير ابن أبي سلمى في معلقته.

ومن لم يُصَانع في أمور كثيرةٍ

يُضَرسْ بأنياب ويُوطأ بِمَنْسِمِ

ومن يجعلَ المعروف من دون عرضه

يفِرْهُ ومن لا يتّقِ الشتم يُشْتَمِ

(108 م) هي موضوع الفرق الواحد والاربعين والمائتين بين قاعدة المعصية التي هي كفر، وقاعدة ماليس بكفر" جـ 4. ص 114.

(109)

قال ابن الشاط هنا إن أراد (أي القرافي) المفاسد بمقتضى الشرع فلا شك أن الكفر أعظم المفاسد، وما عداه تتفاوتُ رُتَبه.

ص: 413

أكثَرُ التباس الكفر بالكبائر، فأعلى رتبةِ الكبائر يليها أدنى رتبة في الكفر (110). والكفرُ انتهاك خاص بحُرمة الربوبية، إمَّا بالجهل بوُجُود الله وصفاته العُلى، (111) وإمَّا بِفِعْلٍ، كرمي المصحف في القاذورات، والسجود للصنم، والتردد للكنائس في أعيادهم، وإمّا جحْدُ ما عُلِمَ من الدين بالضرورة.

فقولنا: انتهاك خاص، احترازاً من الكبائر والصغائر، فإنها انتهاك وليست كفْرا، (112) وسيأتي بيان هذا الخصوص إن شاء الله تعالىِ. وجحدُ ما عُلِمَ

(110) عبارة القرافي هكذا: "وأكثرُ التباس الكفر إنما هو بالكبائر، فأعلَى رتب الكبالًر يليها أدنَى رتب الكفر، وأدنى رتب الكبائر يليها أعلى رتب الصغائر".

قال ابن الشاط معقبا على هذا الكلام عند القرافي: ما قاله من أن أكثر التباس الكفر إنما هو بالكبائر ليس بصحيح، كيف يلتبس الكفر بالكبائر، والكفر أمر اعتقادي، والكبائر أعمال وليست باعتقاد، سواء كانت أعمالا قلبية أو بدنيَّة.

ثم قال ابن الشاط: "رمْىُ الصحف في القاذورات لا يخلو أن يكون خ العلم بالله تعالى أو مع الجهل به، فإن كان مع الجهل فالكفر هو الجهل لا عيْنُ رميه، وان كان مع العلم بالله تعالى فلا يخلو أن يكون مع التكذيب به أو لَا، فإن كان مع التكديب به فهو كفر، وإلا فهو معصية غير كُفْر.

وأما السجود للصنم إن كان مع اعتقاده إلاهاً فهو كفر وإلا فلا، بل يكون معصية إن كان لغير إكراه، أو جائزا عند الإكراه".

قال القرافي: "والتردد على الَكنائس في أعيادهم بزي النصاري ومباشرة أحوالهم".

وعقب عليه ابن الشاط بقوله: "التردد على الكنائس في أعيادهم، ومباشرة أحوالهم ليس بكفر، إلا أن يعتقدَ معتقدَهم".

ثم قال ابن الشاط: أما جحْدُ ما عُلِم من الدين بالضرورة، إن كان جحده بعد علمه فيكون تكذيبا، والا فهو جهل، وذلك الجهل معصية، لأنه مطلوب بإزالة مثل هذا الجهل على وجه الوجوب.

(111)

قال ابن الشاط: ليس الكفر انتهاك حُرمة الربوبية، ولكنه الجهل بالربوبية فلا يصدر - عادة ممن يَدين بالربوبية.

ثم قال ابن الشاط: الجهل بوجود الصانع أو صفاته العُلَى هو الكفر، خاصة عند من لا يصحح الكفر عنادا، وأما عند من يصححه فالكفر إما الجهل بالله تعالى، وإما جحْدُهُ، وانتهاك الحرمة إنما يكون مع الجهل، أما مع العلم فيتعذر عادة، والله تعالى أعلم.

(112)

قال ابن الشاط: ليست الكبائرُ والصغائر انتهاكا لحرمة الله، وإنما هي جرأة على خالفة تَحْمِل عليها الأغراض والشهوات.

ص: 414

من الدين بالضرورة كجحد الصلاة والصوم، أو جَحْدِ أنّ الله لم يُبحْ التّين والعنب. (113)

ثمّ الجهل بالله تسعة أقسام:

أحدها لم نومَر بإزالته أصْلا ولا نُواخَذُ ببقائه، لأنه لازم لنا لا يمكن الانفكاك عنه، وهو جلال الله تعالى، وإليه الاشارة بقوله عليه السلام:"لَا أحْصى ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"، (114) وقوْلُ الصّديق رضي الله عنه: العجْز عن دَرك الإِدراك إدراكُ. (115)

(113) قال ابن الشاط هنا: "ما قاله القرافي في ذلك صحيح، إلا كونَه اقتصر على اشتراط شهرة ذلك الأمر من الدين، بل لابد مع اشتهار ذلك من وصولِ ذلك إلى هذا الشخص وعلمه به، فيكون اذ ذاك مكذبا لله تعالى ولرسوله، فيكون بذلك كافراً، أما إذا لم يعلم ذلك الأمرَ وكان من معالم الدين المشهرة، فهو عاص بترك التسبب إلى علمه، ليس بكافر بذلك، والله أعلم." قال اللقاني في منظومة الجوهرة:

ومَن لمعلومٍ ضرورةً حَجَدَ

مِن دِيننَا يُقْتَلُ كُفراً ليس حَد

وقد اختصر الشيخ البقوري في هذا الفرق كلاما طويلا للقرافي، فليرجع إليه من أراد الاطلاع عليه والتويىح فيه، ربما رأى أنه لا داعي للاتيان به في هذا الترتيب والاختصار.

(114)

سبق تخريج هذا الحديث في قاعدة سابقة.

(115)

قال الشيخ ابن الشاط رحمه الله، معقبا على ما جاء من هذا الكلام عند القرافي رحمه الله:

كلامه هذا يقتضي الجزم بأن هناك صفة زائدة على ما دلت عليه الصنعة لكننا لا نعلمها، فإن كان يريد أنا لا نعلمها لا جملة ولا تفصيلا فقد تناقضَ كلامه، إذ مَسَاقُه يقتضي الجزم بثبوتها على الجملة وإن كنا لا نعلمها على التفصيل، وإن كان يريد أنا لا نعلمها على التفصيل وإن علمناها على الجملة فقوله ذلك دعوى لا دليل عليها.

وهذا المقام مما اختلف الناس فيه، فمِنْهم من يقتضي كلامُهُ أنه لا صفة وراء ما علمناهْ، ومنهم من يقتضي أن هناك جمفاتٍ لا نعلمها، ومنهم من يقتضي كلامه الوقف في ذلك وهو الصحيح، ويترتب عن ذلك أنه لا تكليف بإزالة هذا الجهل ولا مواخذة ببقائه كما قال. والله تعالى أعلم.

ولا دليل له في قول النبي صلى الله عليه وسلم، لاحتمال أن يريد لا أستطيع المداومة والاستمرار على الثناء عليك، للقواطع عن ذلك كالنوم وشبهه، ولا في كلام الصِّدِّيق رضي الله عنه، لاحتمال أن يريد العجز عن الاطلاع على صحيح معلومات الله تعالى، اطلاع على الفرق بين الرب والمربوب، والمالك والمملوك، والخالق والمخلوق، وذلك صريح الإِيمان وصحيح الإيقان، والله تعالى أعلم.

ص: 415

القسم الثاني أجْمع المسلمون على أنه كُفْر. قال القاضي عياض في كتاب الشفا: (نعقد الاجماع على تكفير من جحَدَ أن الله تعالى عالم أو متكلم وغيرُ ذلك من صفاته الذاتية، فإن، جَهِل الصّفة ولم ينفها كفَّره الطبري وغَيْرُهُ. وقيل: لا يكَفَّرُ، واليه رجع الأشعري. ويعَضَّده حديث السوداء لمّا قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أيْن ربّك؟ فقالت: فيِ السَّماء. (115 م)

قال شهاب الدين: فنَفي الصفات، والجزمُ بنفيها هو المجمع عليه، وليس معناه نفي العلمِ أو الكلام أو الِإدراك ونحو ذلك، بل العالم والمتكلم والمريد هو المجمع على كفره، وهذا هو مذهب جمع، كثير من الفلاسفة والدَّهرية دون أرباب الشرائع. (116)

(115 م) فى الموطأ (ترجمة ما يجوز من العتق في الرقاب الواجبة) عن عطاء بن يسار عن عمر بن الحكَم أنه قال: أتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن لي جارية كانت ترعَى غنما لي، فجئْتُها وقد قُقِدتْ شاة من الغنم فسألتها عنها، فقالت: أكلَها الذِّئب، فأسِفْتُ عليها، وكنتُ من بني آدم فلَطمتُ وجهَها، وعليَّ رقبة، "أفأعتقها؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيْن اللهُ، فقالت: في السماءِ فقال: من أنا؟ ، فقالت: أنت رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعتقها" الخ ..

(116)

قال ابن الشاط هنا: أكثر ذلك كله نقل. لا كلَام فيه، الا الاستدلال بالحديثين، فإنه موضع لا يكفي في مثله الظواهر تعين التاويل في الحديثين من جههّ أن حديث القائل "لئن قدَرَ الله عليَّ لَيعذبُني"، ظاهره ينفي أن الله تعالى قادر، واحتمالُ أن يكون تارة قادرا وتارة غير قادر، وليس ظاهره نفى أنه قادر بقدرة، وكذلك حديث السوداء، ظَاهِرُهُ أن الله تعالى مستقر في السماء استقرار الأجسام، وهذا، وإن كان غيرَ مُجْمع على أنه كفر، فإنه باطل قطعا، لقيام الدليل على ذلك، وقد أقرها النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، ولا يجوز أن يقر على باطل قطعا، فعين التاويل هنا، لأن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على الباطل لا يجوز، والله تعالى اعلم قلت: ومثل هذه الموضوعات من أدق المباحث عند علماء الأصول والتوحيد والكلام، والأولى والأسلم للمرء المسلم أخذها على ظاهرها، والتسليمُ بها كما جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية، وعدمُ الحوض والتعمقِ في مثل هذه الجزئيات والمفاهيم الغامضة على الحقل أحيانا، والتي لا يستطيع إدراك مدلولَاتها وعبارتها الا خاصةُ العلماء الراسخين، المفتوحُ لهم في العلم والفهم في الدين، خاصة أن مثل هذه الجزئيات والتفسيرات والتأويلات الصعبة الإدراك ليست من ضروريات العلم المطلوب في الدين عن كافة المسلمين، فالتسليم وأخْذُ الأمور على ظاهرها هو المطلوب، والعجْز عن الِإدراك إدراكٌ، كما قال أبو بكر رضي الله عنه، والخوض في ذات اشراك كما قال العلماء، (أي قد يؤول بصاحبه إلى الشرك)، والعياذ بالله من ذلك.

فالأسْلَمُ والأنسب هو التسليم والتفويض فيها لله سبحانه، واخْذُ الأمور على ظاهرها. =

ص: 416

القسم الثالث اختُلِف في التكفير به وهُوَ مَن أثبتَ الأحكام بدون الصفات فقال: الله عالمٌ بغير علم، ومتكلم بغير كلام، ومُريدٌ بغير إرادة، وكذا في بقية الصفات، وهو مذهب المعتزلة، فللأشعري ولمالك والشافعي وأبي حنيفة والقاضي في تكفيرهم قولان. (117)

القسم الرابع اختلف أهلُ الحق فيه، هل هو جَهْلٌ تجب إزالته، أمْ هو حقٌّ لا تجبْ ازالته؟

فعلى القول الأول هو معصية، وما رأيت من يُكَفّر به، وذلك كالقِدم والبَقاء، هل يجب أن يعتقد أن اللهَ باق ببقاء وقديمٌ بقِدَم، ويعْصِي من لم يعتقد ذلك، أوْ يجب ألّا يعتقد ذلك، واعتقادُ خلافِ هذا جهْل، عكس المذهب الأول؟

والصحيح أن البقاء والقدم لا وجود لهما في الخارج، بخلاف العِلْم والإرادة وغيرهما من الصفات السبعة التي هي العلم والإرادة والقدرة والحياة والكلام والسمع والبصر. (118)

القسم الخامسُ جهْل يتعلق بمتعَلَّق الصفات لا بالصفات، كتعلق إرادة الله تعالى ببعض الأشياء دون بعض من الكائنات وهو مذهب المعتزلة.

(117) قال ابن الشاط: ما قاله (اي القرافي) في ذلك صحيح، وهو نقل لا كلام فيه.

(118)

قال ابن الشاط عن هذا القسم الرابع: ما قاله القرافي فيه صحيح، غير ما في قوله "باق بغير بقاء" من (إيهام التناقض، ومرادُ مَن عَبر بهذه العبارة ليس ظاهِرَها، بل مراده أن البقاء ليس بصفة ثبوتية (أي فهو صفة عدمية بمعنى عدم الفناء).

قلت: وهو ملحظ وجيه وتعقيب دقيق عند ابن الشاط رحمه الله، اذ لا يكاد الذهن يُسَلم عبارة القرافي ولا يتعقلها، ولا يستسيغها ولا يتصورها، ولا يكاد يدركها ويفهمها، ولذلك اعطاها الشيخ ابن الشاط ذلك المعنى الجليَّ والتوجيه والتفسير السليم لتكون عبارة معقولة وسليمة مقبولة، وقد كرت في تعليق سابق كيف ينبغي التعامل مع مثل هذه المباحث والموضوعات والعبارات العميقة عند بعض العلماء المسلمين رحمهم الله، فالأسلم للعامة ولِضعيف العلم والمعرفة عدم الخوض والتفلسف في مثل هذه الكلمات وعدم التعمق في إدراك دلولاتها العميقة، لأن التعمق فيها بتلك الصورة غير ضروري ولا مطلوب في فهم صفات المعاني، والصفات المعنوية.

ص: 417

والمذهب الحقُّ تَعلَّقُ إرادة الله تعالى بتخصيص جميع الكائنات، وفي تكفير المخالف لهذا قولان، الصحيح عدم تكفيرهم. (119)

القسم السادس جهْل يتعلق بالذات لا بصفة من الصفات الاعتراف بوجودها، كالجهل بسلب الجسمِيَّة والجِهة والمكان، وهو مذهب الحشوية.

ومذهب أهل الحق استحالة جميع ذلك على الله تعالى. وفي تكفير الحشوية بذلك قولان، الصحيح عدَمُ التكفير. (120)

وأما سَلْبُ البُنُوّة والأبوة والحلول والاتحاد ونحو ذلك مما هو مستحيل على الله تعالى من هذا القبيل، فأجمع المسلمون على تكفير من يجوز ذلك عليه تعالى، بخلاف تجوبز غيره من المستحيلات كالجهة ونحوها ممّا تقدَّم ذكرُه.

والفرق بين القسمين أن القِسْم الأول الذي هو الجسمية ونحوها، فيه عذْر عادى، فإن الانسان ينشأ عُمُرَه وهو لا يُدرك موجوداً إلا في جهة وهو جِسْم أو قائم بجسم، فكان هذا عذْراً، بحلاف ما ذكرنا، فإنه رأى موجودات كثيرة لم تلِد ولم تولد، كالأفلاك والأملاك والارض والجبال والبحار، فلمّا انتفت الشبهة الموجِبة للضلال هنا انتفى العذر فكُفِّرَ هنا، بخلاف ما ذكِرَ من الجسمية وما أشبهها (121).

(119) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في هذا القسم الخامس صحيح.

(120)

قال ابن الشاط هنا: كان الأولى أن يقول: جهل بالصفات السلبية لا جهل يتعلق بالذات، ولا يحتاج إلى قوله "مع الاعتراف بوجودها" فإنه في كلامه كالمتناقض، مع أن الحشوية ليس مذهبهم الجهل بسلب الْجِسْمية، بل مذهبهم إثبات الجسمية وما في معناها، إلا أن يطلق على كل مذهب باطل أنه جهل، فذلك له وجْه.

(121)

عبارة القرافي هنا: فلما انتفت الشبهة الموجبة للضلال هنا انتفى الحذر، فانعقد الإجماع على التكفير، وهذا هو الفرق، وعليه تدور الفتاوى، فمن جوَّز على الله ما هو مستحيل عليه، بَتخرج على هذين القسمين.

وقد علق ابن الشاط على هذا القسم فقال: ما قاله (اى القرافي) في ذلك نقل وتوجيه، وهو صحيح.

ص: 418

القسم السابع: الجهل بقِدَم الصفات لا بوجودها وتَعَلّقها كقول الكَراميَّة بحدوث الارادة ونحوِها، وفي التكفير أيضا بذلك قولان، الصحيحُ عدم التكفير. (122)

القسم الثامن: الجهل بما وقع أو يقع من متعلَّقات الصفات وهُوَ قسمان: أحدُهما كُفْرٌ إجماعا، وهو المراد هنا كالجهل بأن الله تعالى أراد بعثة الرسل وأرسَلَهُم لحلقه بالرسائل الربانية، وكالجهل ببعثة الخلائق يوم القيامة، وإحيائهم من قبورهم، وجزائهم على أعمالهم، على التفصيل الوارد في كتاب الله تعالى وسُنَّةِ رسولهِ، فالجهل بهذا كفْر اجماعا. (123)

القسم الثامن: الجهل بما وقع من متعَلّقات الصفات وهو تعلقها بإيجاد مالا مصلحة فيه للخلق، هل يجوز هذا على الله تعالى أم لا؟

(122) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في هذا القسم نقل وترجيح ولا كلام فيه.

(123)

قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في القسم الثامن صحبح أيضا، لكن فيه اطلاق لفظ الجهل على المذهب الباطل، فإن الفلاسفة، مذهبهم الجزم بأن لا بعثة للاجسام.

قلت: وتلك إحدى المسائل الثلاثة التي ينكرها الفلاسفة غير المسلمين فيما ينكرونه من المسائل الاعتقادية الغيبية، اعتمادا على عقولهم البشرية القاصرة، ويؤدي إنكارها إلى الكفر، والعياذ بالله. وقد نظمها بعضهم فقال:

بثلاثةٍ كَفَرَ الفلاسفةُ العِدَى

إذْ أنكروها، وهي -حقاً- مُثْبَتَةٌ

عِلم بِجُزئيْ، حدوثُ عوالم

حَشْرٌ لأجسادٍ وكانت ميتة.

فالعقيدة الإسلامية الحق، التي عليها أهل السنة والجماعة وسائر الأمة الإسلامية، أن الله سبحانه وتعالى أحاط علمه بكل شيء وأحصى كل شيء عددا، وأنه سبحانه، يعلم الجزئيات كما يعلم كليات الأمور، فهو عالم الغيب والشهادة لا يعزب عنه مثقالُ ذَرة في السموات ولا في الأرض، وأن العالَم حادث مخلوق، فقد كان الله سبحانه في الوجود ولا شيء معهْ، وهو القائل سبحانه في كثير من آيات القرآن الكرم {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ}. وهو القائل:{مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا} . والخلق يقتضي الايجاد من الحَدَم. وأن الله تعالى يبعث الناس يوم القيامة بأرواحهم وأجسامهم، مصداقا لقوله تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} وقوله سبحانه رداً على من ينكِرُ إحياء العظام وهِيَ رميم. قل: {يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} .

ص: 419

فأهل الحق يجوزون ويقولون: كل نعمةٍ منه فضلٌ، وكل نقمَةٍ منه عدل، ولا يُسَأل عَمَّا يَفْعَلُ. وفي تكفير المعتزلة بذلك قولان، والصحيح عدمُ تكْفيرهم. (124)

وأمّا ما يتعلق بالجُرأة على الله تعالى فهو المجال الصعب في التحرور، وذلك أن الصغائر والكبائر وجميع المعاصي كلها جُرْأة على الله، لأن مخالفة أمر الملك العظيم جرأة عليه كيف كان، فتمييزُ ما هو منها كفْرٌ مبيح للدم صعْبٌ عسير.

والطريق فيه أن يكثر النظر فيما قاله أهْل العِلم والفتوى. فما وجده قد صرح به اهل العلم والأئمة الذين يُقْتدَى جمهم، نَقَله في ذلك، كفراً أو غيْرَه، ومَا لَمْ يجدْ فيه شيئا وأشكل عليه أمْرُهُ توقَّف فيه ولا يفتي فيه بشيء. (125)

(124) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في هذا القسم نقل وترجيح.

ثم زاد القرافي هنا قوله: القسم العاشر ما وقع من متعلًقات الصفات الربانية، أو يقع مما لم يكلفْ به كخلق حيوان في العالَم، او إجراءِ نهر، أو إماتة حيوان ونحو ذلك، فهذا القسم لا خلاف فيه أنه ليس بمعصية، وهو جهْلٌ، بل قد يكلَفُ بمعرفة ذلك من قِبَل الشرائع لأمْرِ يخص تلك الصورة، لا لأن الجهل به في حق الله منهى عنه، وهذا القسم هو أحد القسمين اللذبن في القسم الثامن، فهذه عشرة أقسام في الجهل المتعلِّق بذات الله وصفاته العلَى ومتعلقات الصفاتِ وبيانِ الكفر فيها من غيره، والمجمع عليها منها من المختلَف فيه مفصَّلا، وتبين بذلك ما هو كفر منها مما ليس بكفر، هذا ما يتعلق بالجهل.

وأما ما يتعلق بالْجُراة على الله فهو المجال الصعب، إلى آخر ما ذكره القرافي والبقوري.

قلت: ولعل كونَ هذا القسم العاشر أحدَ القسمين اللذين في القسم الثامن هو الذي جعل الشيخ البقوري يختصره، وينتقل مباشرة إلى ما يتعلق بالكلام على الجرأة على الله باعتباره المجال الصعب.

قال ابن الشاط هنا: إن أراد القرافي بكلامه هذا، الجهلَ بأن الله تعالى خَلق شيئا من الحيوانات الموجودات المعلوم وجودُها فذلك كفر لاشك فيه، وإن أراد الجهل بأن الله تعالى خلق حيوانا لا يُعلَمُ وجوده، فذلك ليس بكفر ولا معصية، لأن ذلك الجهل ليس براجع إلى الجهل بتعلق صفاتِ الله تعالى له، بل بوجود هذا المتعلق".

(125)

زاد القرافي هنا قوله: فهذا هو الضابط لهذا الباب، أما عبارة مانعة، جامعةٌ لهذا المعنى فهى من المتعذِرات عند من عرف غور هذا الموضع.

وعقب عليه ابن الشاط بقوله: ليس ما قاله في ذلك بصحيح، فإن التكفير لا يصح إلا بقاطع سمعي، وما ذكره ليس كذلك، فلا معوَّل عليه ولا مستنَد فيه، والله تعالى أعلم.

ص: 420

مسألة. اتفق الناسُ على كفر إبليس لقضيته مع آدم عليه السلام، وليس ذلك لكبيرة ولا لمخالفة الامر، وإلّا لزم أن يكون كل من اتصف بشيء من ذلك كافرا، بل لنسبة الله تعالى إلى الجَوْر. قال ذلك في قوله:{أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ} . (126)

مسألة. أطلَق مالكٌ وجماعةٌ سِواه الكفرَ على الساحر، وأنْ السِّحْر كفْرٌ. (127) والصواب ألَّا يُقْضَى بهذا حتى يتبين معقولُ السحر، إذْ السحر يقال على معانٍ مختلفة.

(126) سورة الاعراف، الآية 12، وسورة ص، الآية 76.

قال الله تعالى في السورة الأولى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (12) قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (13) قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} الآيات: 11 - 15.

زاد القرافي هنا قولَه: وقد أشكل ذلك على جماعة من الفقهاء، وينبغي أن تَعلم أن ابليس إنما كفر بنسبةِ الله إلى الجوْر والتصرف الذي ليس بِمَرضي ..

وقد علق ابن الشاط على هذا الكلام الذي اختصره البقوري في هذه المسألة، فقال: ما قاله (أيْ القرافي) من لزوم الكفر لكل ممتنع من السجود ولكل حاسد لكل عاص، ليس بصحيح، لأنه لا يمتنع في العقل أن يجعل الله حسداً مَا، وامتناعا ما، وعصيانا ما دون سائر ما هو من جنسه، كفرا، اذ كون أمر ما كُفْراَ أو غيرَ كفر، أمز وضعي، وضعَه الشارع لذلك، فلا مانع أن يكون كفرُهُ لا متناعه أو لحسده" اهـ.

ثم زاد القرافي قوله: وقد أجمع المسلمون على أن من نسب الله تعالى لذلك (أي للجور والظلم) فقد كفر، لأنه من الجرأة العظيمة على الله).

وتعقبه ابن الشاط بقوله: ما قاله من الاجماع صحيح، وما قاله من أن ذلك من الجرأة العظيمة ليس بصحيح، بل إنما كان ذلك لأنه من الجهل العظيم بجلال الله تعالى، وبأنه منزة عن التصرف الرديء والجور والظلم، وأن ذلك ممتنع في حقه سبحانه عقلا وسمعا. وما قاله في المسألة صحيح إن كان ما بَنَى عليه كلامه صحيحا.

(127)

قال القرافي هنا: ولا شك أن هذا قريب من حيث الجملة، (والاشارة بهذا إلى الحكم على الساحر بالكفر)، غير أنه عند الفتيا في جزئيات الوقائع يقع فيها الغلط العظيم المؤدي إلى هلاك المفتي مع. والسبب في ذلك أنه إذا قيل للفقيه: ما هو السحر، وما حقيقتُهُ حتى يمَضَيَ بوجوده على كفر فاعليه؟ فإنه يعْسُرُ عليه ذلك جدا، ويحكم على السحر والرقَى والخواص والسميا والهيمياء وقوَى النفوس بأنها كلها سحر ومن باب واحد، والتمييزُ بين خصوص كل واحد منها وبما يمتاز به لا يكاد يعرفه أحد من المتعرضين للفتيا، وأنا طولَ عمرى ما رأيت من يفرق بين هذه الامور، فكيف يفتي أحد بعد هذا بكفر شخص معَيَّن أو بمباشرة شيء معيَّن =

ص: 421

ولْنَذْكر السحر ما هو فأقول:

قال الإِمام فخر الدين الرَّازى قدّس الله روحه: استحداثُ الحوارق، إن كان لمجرد النفس فهو السحر، وان كان على سبيل الاستعانة بالفلكياتِ فذلك دعوة الكواكب، وإن كان على سبيل تخرج القُوى السماوية بالقوى الأرضية فذلك الطلْسمات، وإن كان ذلك على سبيل اعتبار النِسَبْ الرياضية فذلك الحِيل الهندسية، وان كان على سبيل الاستعانة بالأرواح الساذجة فذلك العزيمة، فهذا ما للامام.

وقال شهاب الدين رحمه الله:

السِحر يقع على حقائق مختلفة (128)، وهي: السيمياء، والهيميا، وخواص الحقائق من الحيواناتِ وغيرها، والطلسمات، والأوفاق، والرُّقَى، والعزائم، والاستخدامات. (129)

= وهو لا يَعرف السحر، كما أفتى البعض بكفر بعض الطلبة واخراجه من المدرسة حين وجد عنده كُراسةً فيها آيات للمحبة والبغضة والتهييج، على اعتبار أنَ ذلك عملُ سِحرٍ، فهذا جهل عظيم، وإقدام على شريعة الله بجهل، وعلى عباده بالفساد من غير علم، فاحذر هذه الخطة الرديئة المهلكة عند الله، وستقف على الصواب إن شاء الله في الفرق 242.

(128)

هذا البحث هو موضوع الفرق الثاني والاربعين والمائتين بين قاعدة ما هو سِحْر يكفرُ به وبين قاعدة ما ليس كذلك. جـ 4. ص 136.

(129)

قال القرافي هنا: فهذهِ عَشْرُ حقائق:

الحقيقة الاولى السحر، وقد ورد القرآن العزيز بذمه، في قوله تعالى:"ولا يفلح الساحر حيث أتى". سورة طه. الآية 69. وفي السُّنَّة أيضا لما عد عليه الصلاة والسلام الكبائر قال: والسحر، (وذلك في الحديث الصحيح: "اجتنبوا السبْع الموبقات") الخ.

غيرَ أنَّ الكتب الموضوعة في السحر وضح فيها هذا الاسم على ما هو كذلك: كفْر ومحرَّم، وعلى ما ليس كذلك، وكذلك السحرة يطلقون لفظ السحر على القسمين، فلابد من التعرض لبيان ذلك فنقول:

السحر ثلاثة أنواع، فهو اسم جنس يشتمل عليها:

النوع الأول: السيمياء

إلخ.

ص: 422

فالسيمياء عبارة عما تَركَّب من خواصَّ أرضية كدهن خاص، أو مائعات خاصة، أوْ كلمات خاصة توجب تخيلات خاصة، وإدراكَ الحواس الخمس أو بعضها الحقائق خاصةً من المأكولات والمشمومات والمبصَرات والملموسات والمسموعات. وقد يكون لذلك وجُود يخلقه الله اذ ذاك، وقد يكون لا حقيقة له بل هي تخيُّلاتٌ.

والهيمياءُ (130)، امتيازها عن السيمياء بأن الآثار الصادرة عنها تضاف للآثار السماوية من الاتصالات الفلكية وغيرها من أحوال الأفلاك، فيَحْدُثُ جميع ماتقدم ذكره، فخصَّصوا الواحد بالسيمياء والآخرَ بالهيمياء من حيث هذا الاختلاف.

والخواصُّ للحيوانات وغيرها، ذلك كثير:(131)

فذكروا أنه يوخذ سبعةُ أحجار ويُرْجم. بها كلْبٌ، شأنه إذا رُمي بحجر عضه، فإذا رُمي بسبعة أحجار وعضَّها كلها لُقِطتْ بعد ذلك وطُرحتْ في ماءٍ، فمن شرب منه ظهرت فيه آثار عجيبة خاصة نصَّ عليها السَّحَرة، (ونحو هذا النوع من الخواص المغَيِرة لأحوال النفوس)، فهذا يُنسَبُ للسحر، وليس ما يذكره الأطباء من الخواص للنباتات وغيرها من هذا القبيل. (132)

(130) هي النوع الثاني من أنواع السحر، . كما سبقت الاشارة إليه من كونه ثلاثةَ أنواع.

(131)

هذا هو النوع الثالث من أنواع السحر، كما قسمه القرافي إلى ذلك.

(132)

عبارة القرافي هنا أوسع واوضح، وهي: وأما خواص الحقائق المختصة بانفعالات الامزجة، صحةً أو سُقْماً نحو الأدوية والأغذية من الجماد والنبات والحيَوَانِ، المسطورة في كتب الأطباء والعشابين والطبائعيين، فليس من هذا النوع، بل من علم الطب لا من علم السحر، ويختصُّ بالسحر ما كان سلطانه على النفوس خاصة.

وقد علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي من الكلام على هذه الأنواع الثلاثة للسحر فقال: ذلك نقل لا كلام فيه، إلا أن السحر على الجملة، منه ما هو خارق للعادة، ومنه غير ذلك، وجميعه من جملة أفعال الله تعالى، الجائزةِ عقلا الخ

قلت: وهذه الجملة والعبارة الاخيرة عند ابن الشاط لا تُعْجِبُ ولا تناسب المقام عند التأمل، فراراً من نسبة فعل الشِّر إلى الله تعالى، تأدبا معه سبحانه. واهتداءً بقوله تعالى {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}. فلو قال: ويظهر أثر ذلك من خرق العوائد وغيره، بإرادة الله وقدرته سبحانه، لكان أنسب وأسلم في التعبير، وإن كان

ص: 423

ولاشك في الخواص في هذا العالَم، فمنها ما يُعلَم كاختصاص الماء بالرى والنار بالإحراق، ومنها ما لا يُعلمُ مطلقا، ومنها ما يَعلَمه الأفراد من الناس كالحجر المكرئم وما يُصْنع منه الكيمياء ونحو ذلك، كما يقال: إن في الهند شجراً إذا عُمل منه دهن ودُهِن به انسان لا يقطع فيه الحديد، وفيه شجر آخَرُ، إذا استُخرِج منه دهن وشُرِبَ على صورة خاصة مذكورة عندهم في العمليات، استُغْنِي عن الغذاء أوْ أمِنَ من الامراض والأسقام، ولا يموتُ بشيء من ذلك، وطالت حياته أبدا حتى يأتي من يقتله، أمّا موته بالاسباب العادية فلا. (133)

مساق العبارة ومعناها منكشفا عِند التأمل والتمعن. إذ من المسلم به اعتقادا جازما في قلب كل مسلم أن الافعال البشرية من هذا النوع الذي هو السحر والطلسمات التي ذمها القرآن لا يكون لها أي أثر أو تأثير خارجي فيما عُمِلَتْ لأجله، أو في خرق عادة من العادات، إلا بارادة الله وقدرته، وإذنه ومشيئته، كما حكاه الله تعالى عمن تعلموا السحر من الشياطين في عهد سليمان عليه السلام، ومن الملَكَين ببابلَ هاروت وماروت، فقال سبحانه في شأن أهل الكتاب الذيز، كفروا بدين الإسلام وتنكرُوا لرسالته الحق:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (أي من نصيب)، وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} سورة البقرة: الآية 102.

وقديما قال علماؤنا رحمهم الله، كما جاء في باب الاعتقاد من رسالة ابن ابي زيد القيرواني رحمه الله."تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد، أو يكون لأحد عنه غَنَى، أو يكُونَ خالق لشئ، الا هو ربُّ العباد وربُّ أعمالهم، والمقدِّر لحركاتهم وآجالهم، الباعث الرسلَ اليهم لِإقامة الحجة عليهم، ثم ختم الرسالة والنبوة والنذارة بمحمد نبيه صلى الله عليه وسلم، فجعله آخر المرسلين بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيراً".

(133)

هذه الفقرة هي موضوع الحقيقة السابعة عند القرافي، المتعلقة بالخواص المنسولة إلى الحقائق. وقد علق ابن الشاط على كلام القرافي في هذه الحقيقة السابعة فقال: ما قاله فيها صحيح، إلا ما قاله من تعيين الآثار التي ذكرها، ونسبَهُ إلى بعض الاحجار فذلك شيء سمعناه ولا نعلم صحته من سقمه.

ص: 424

وخواص النفوس لا شك فيها (134)، فليس كل أحدٍ يوذِي بالعين، والذين يوذون بها تختلف أحوالهم في ذلك، فمنهم من يعيد بالعين الطير من الهواء، ويُقْلِع الشجر العظيم من الثَّرَى، وآخَرُ إنما يصل للتمريض الضعيف اللطيف. ومن الناس من طبع على صحة الحَزْر (135) ولا يخطئ في الغالب، ثم نجد واحِداً له خاصة في علم الكشف، وآخرُ في الرمل، وَآخَرُ في النجْم.

ومن خواص النفوس ما يقتُلُ. في الهند جماعة إذا ركبوا نفوسهم لقتل شخص مات، ثم إنْ شُقَّ صدره في الوقت لا يُوجَدْ، بل انتزعوه من صدره بالهمة والعزم وقرة النفس، ويجرِّبُون بالرُّمان فيجمعون عليه همتهم فلا توجدُ فيه حبة، وخواصُّ النفوس كثيرة. (136)

(134) هي موضوع الحقيقة الثامنة عند القرافي بالنسبة للامور التي يلتبس بها السحر، قال فيها: وخواص النفوس هي نوع خاص من الخواص المودَعة في العالم، فطبيعة الحيوانات طبائع مختلفة حتى لا تكاد تتفق، بل نقطع أنه لا يستوى اثنان من الاناسي في مزاج واحد. ويدل على ذلك أنك لا تجد أحدا يشبه أحدا من حميع الوجوه ولو عظُمَ الشبَه، لابد من فرق بينهما. ومعلوم أن صفات الصور في الوجود وغيرها تابعة للامزجة، فلما حصل التباين في الصفات على الاطلاق وجب التباين في الامزجة على الاطلاق، فنفس طُبعَتْ على الشجاعة إلى الغاية، وأخرى على الجبن إلى الغاية، وأخرى على الخير إلى الغاية، وأخرى على الشر إلى الغاية، وأخرى أي شيء عظمَتْهُ هلَك، وهذا هو المسمى بالعين

قلت: والإذاية بالعين واقعية ثابتة، كما نصت عليه الاحاديث النبوية الصحيحة.

فمن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم "العين حق، ولو كان شئً سابق القدرَ لسبقتْه العين"، "وإذا استُغسِلم فاغسلوا". رواه الشيخان، وأبو داود الترمذي رحمهم الله، وقالت عائشة رضى. الله عنها: كان يومَرُ العائن فيتوضأ، ثم يغتسل منه المعين" رواه أبو داود رحمه الله.

(135)

الحزرُ مصدر قياسي للفعل الثلاثي حَزَر الشيء يحزِزه بضم الزاي كسرها في المضارع (إذا قدره بالحدس) أي بالخرْص والتخمين، قال ابن مالك في ألفيتيهِ عن مصدر. الفعل الثلاثي المتعدي

فَعْل قياسُ مصَدر المعَدَّى

من ذى ثلاثة كرد رداً

(136)

علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه الحقيقة الثامنة المتعلقة بخواص النفوس فقال: في كلامه ذلك تسامح في إطلاق لفظ الخاص، وهو يريد مقتضَى الامزجة والطبائع. ولفظ الخواص لا يطلقه أهل علم الخواص -وهم الطبيعيون- على ذلك مطلقا، بل على أمر لا ينسبونه إلى الامزجة والطبائع. وما حكاه عن الهند لا أدرى صحتة من سقمه، وما قاله من أن في الحديث الذي ذَكَرَ، إشارة إلى تبين الأخلاق والخُلُقِ والسجايا، هو الظاهر، ويحتمل غير ذلك، والله أعلم. =

ص: 425

والطلسمات نفس أسماءٍ، خاصة، لها تعلّق بالافلاك والكواكب على رغم أهل هذا العلم في أجسام من المعادنِ وغيرها، فلا بدَّ في الطلسم مِنْ هذه الاسماءِ الخصوصة، وتعلقِها ببعض أجزاء الفلك، وجَعْلِها في جسم من الاجسمام. ولابد مع ذلك من قوة نفس صالحة لهذه الاعمال، فليس كل النفوس مجبولة على ذلك. (137)

قلت: والحديث الذي أشار إليه ابن الشاط في هذا التعليق ذكره القرافي هنا، واختصره البقوري مع ما يتصل به من بعض الكلام، فلم يورده بتمامه، اختصارا، وهو: قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الاسلام إذا فَقهُوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكرَ منها اختلف". رواه الامام البخاري في بدء الخلق، والامام: محمد بن عبد الباقي الزرقاني في كتابه: (مختصر القاصد الحسنة في بيان كثير من الاحاديث المشتهرة على الاسنة). حيث قال: وكلمة وارد يستعملها الحافظ السخاوي في كتابه: (المقاصد الحسنة) في مقابِل لم يَرِدْ، ويريد بذلك أن الحديث ورد في كتاب من كتب الحديث لكنه (اي السخاوي) لم يصل فيه إلى حكم (اي بالصحة أو الحسْنِ والضعف أوْ غيرها).

على أن تخريج الشيخين له مع أبي داود كاف في الدلالة على صحته والاطمئنان إليه وإلى حسنه.

وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرجل على دِين خليله، فلينظُر من يخالل". رواه أبو داود والترمذي رحمهما الله.

وعَن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنما مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كحَامِلِ السك ونافخ الكير، (وهو الحدَّاد الذْي ينفخ على النار بِالكِير لصنع ما يصنعه من الحديد)، فحامل المسك إما أن يحذِيَكَ (أي يعطيك) وإمَّا أن تبتاع منه (أي تشتري منه.)، وإما أن تجد منه رائحة طيبة. ونافخ الكر إما أن يحرق ثيابك، وإما إن تجد منه ريحاً خبيثة". أخرجه الشيخان وأبو داود رحمهم الله. فالناس تختلف طبائعهم وشِيَمُهُمْ وأخلاقهم اختلافَ معادن الارض من ذهب وفضة ونحاس وغيرها، وأرواحُهم أنواع مختلفة، إذا اتفقت صفاتُها وتشابهتْ، اخلاقها ومكارمها ائتلفتْ، وما لم تتفق تناءت وتباعدت، ويقال في المَثَلِ: إن الطيورَ على أشكالها تقع.

والانسان يتأثر بطبع صاحبه وسلوك رفيقه، فينبغى أن يختار من يصاحب ويُخالل في الحياة الدنيا، فإن الطباع، تسرق الطباع ولذلك قيل:

عن المرءِ لا تسأل واسأل عن قرينه

فكل قرين إلى المقارن يُنسَبُ

(137)

الكلام على الطلسمات هو موضوع الحقيقة الخامسة عن استعراض هذه الحقائق وترتيبها عند القرافي رحمه الله، وقد علق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على ما جاء فيها عند القرافي فقال: ذكَر أوصاف الطلسمات ورسْمَها ولم يذكر حكمها، وهي ممنوعة شرعا، ثم من اعتقد لها فعلا وتأثيرا فذلك كفر، وإلا فعلمها معصية غير كفر، إما مطلقا وإما يؤدي منها إلى مضرة دون ما يؤدي إلى منفعة، والله اعلم.

ص: 426

والأوفاق ترجع إلى مناسبات الأعداد وجعْلها على شكل مخصوص، وهذا كأن يكون شكل من تسع بيوت يبلغ العددُ في كل جهة خمسة عشر، وهو لتيسير العسير وإخراج المسجون ووضع الجنين وكل ما هو من هذا المعنى.

وضابطه: (ب. ط. د)(ز. هـ. جـ)، (و. ا. ح). فكل حرف منها، له عدد، إذا جمع ثلاثة منها كان مثل عدد الثلاثة، فالباء باثنين، والطاء بتسعة، والدال بأربعة، صار الجميع خمسة عشر. وكذا تقول: الباء باثنين، والزاي بسبعة، والواو بستة، صار الجمبع خمسة عشر، وكذلكم القُطْرُ من الركن إلى الركن: الباء باثنين، والهاء بخمسة، والحاء بثمانية، الجميع خمسة عشر، وهذه صورته: وكان الغزالي رحمه الله يعتني به كثيرا حتي إنه لينسَبُ إليه. (138)

ب ط د

ز هـ جـ

وا حـ

والرُّقَى ألفاظ خاصة يَحْدُثُ عندها الشفاء من الأسقام والأدواء والأسباب المهلكة، ولا يقال لفظ الرقى على ما يُحدِث ضررا، بل ذلك يقال له السحر. وهذه الالفاظ (أيْ الرقَى)، منها مشروع كالفاتحة والمعوِّذتين، ومنها غير مشروع

(138) الاوفاق هي موضوع الحقيقة السادسة عند القرافي في استعراضه لهذه الحقائق المتعلقة بالسحر وما يلتبس به من امور مماثلة وحقائق أخرى ينبغي التفريق بينها، ومعرفة مدلول وغاية كل واحد منها.

وقد علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء فيها بقوله: ما قاله القرافي صحيح، مع أنه تسامح في قوله: إنها ترجع إلى مناسبات الأعداد، فإنها ليست كذلك، بل هي راجعة إلى المساواة بحسب جمْع ما في كل سطر من بيوت مربعات وجميع ما في البيوت الواقعة على القُطْر.

ص: 427

كرقَى الجاهلية والهند وغيرهم، وربَّما كان كفرا، ولذلك نهى مالك رحمه الله عن الرقى بالعجمية. (139)

والعزائم كلمات يزعم أهل هذا العلم أن سليمان عليه السلام، لَمَّا أعطاه الله المُلْكَ وجَدَ الجان يعبثون بالناس في الأسواق ويخطفونهم في الطرقات، فسأل الله تعالى أن يُوَلي على كل قبيل من الجق مَلِكأ يضبطهم عن الفساد، فولَّى الله تعالى الملائكة على قبائل الجان، فمنعوهم من الفساد ومخالطةِ الناس، وألزمهم سليمان عليه السلام سكنى القفار والخراب من الارض دون العامر ليسلَمَ الناسُ

(139) الكلام على الرُّقَى هو موضوع الحقيقة التاسعة بين الحقائق العشرة التي تناولها الفراقي في الفرق الثاني والاربعين والمائتين، وأدرجها البقوري في مبحث ضمن القاعدة العاشرة عن الباب الاخير في كتابه، وهو بابُ الجامع، او قواعد الجامع.

قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في الحقيقة التاسعة (المتعلقة بالرقَى) صحيح، والله أعلم. والرُّقَى بضم الراء وفتح القاف، جمع رُقية، بضم الراء وسكون القاف من الفعل رقَى يرْقي كرَمى يرمي، ما يُقرَأ على المصاب بألم أو مرض من آيات من كتاب الله تعالى رجاء الشفاء والتخفيف من الألم ببركة القرآن العظيم، وجمع فُعلةٍ على فُعَل، وكذا فُعْلَى هو جمع تكِسير قياسي، كما قال ابن مالك رحمه الله في ألْفيَّتهِ النحوية:

وفعَلْ جمعاً لفُعْلَه عُرِف

ونحو كُبْرَى، ولفِعلة فِعَل: وقد يجئ جمعُه على فُعَل.

قلت: وأصْل مشروعية الرُّقَى ثابت بأحاديث نبوية صحيحة: من ذلك ما رواه عوف بن مالك رضي الله عنه قال: كنا نَرْقِي مع في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف ترى في ذلك؟ فقال: إعرضوا عليَّ رُقاكم، لا باس بالرقى ما لم يكن فيها شِرْك" (اى ما لم يكن فيها تعَؤُذٌ بؤَثنِ او اسمِ جن أو شيطانٍ ونحو ذلك، فتكون حينئذ محرمة)، أخرجه مسلم وأبو داود رحمهما الله.

وعن جابر رضي الله عنه قال: لدَغَتْ مِنا رجلاً عقرَبٌ، ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رجل: يا رسول الله، أأرقي؟ قال:"من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل". رواه الامام مسلم.

ص: 428

من شرهم (140). فإذا عثا (141) بعضُهُمْ وأفسد، ذكَر المعَزِّم كلماتٍ تعظمها الملائكة، ونرعمون أن لكل نوع من الملائكة أسماءَ أمرت بتعظيمها، ومتى أقسم

(140) ومعلوم أن الله سبحانه وتعالى أعطى لنبيه سليمان عليه السلام مُلكا كبيرا واسعا حين دعا اللهَ بذلك، كما حكاه الله عنه في قوله الكريم:{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} سورة ص، الآيات: 35 - 39، وقال سبحانه:{وَحُشِرَ (أي جُمِعَ) لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [النمل: الآية 17].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعود بعض أهله، يمسح بيده اليمنى (أي على المريض لتناله بركتها)، ويقول: اللهم ربَّ الناس، أذهِب البأس، واشفِ، أنت الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يُغادر سقما. رواه الشيخان: البخاري ومسلم، رحمهما الله.

وعنها أيضا قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مرِض أحد من أهله. نَفَثَ بالمعوذات". رواه الائمة: الشيخان وأبو داود رحمهم الله.

وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعَوذُ من الجانِ وعيْنِ الانسان حتى نزلت المعوذتان (أي سورة قل أعوذ برب الفلق)، وسورة:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} ." فلما نزلتا أخذَ بهما وترك ما سواهما. رواه الامام الترمذي رحمه الله بسند حسن.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يعَوذ الحسَن والحسين، يقول: أعُوذُ كما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامًة، ومن كل عين لامَّة، ثم يقول: كان أبوكم (إبراهيم يعوذ بهما ابنيه: اسماعيلَ وإسحاق عليهم السلام" رواه أبو داود والترمذي بسند حسن. والْهَامَّةُ هي كل ذات سُم من الحيوان. والعينُ الامَّة هي كل عين ذاتِ لَمم وذَنْب بحَسَدِها، والعياذ بالله من ذلك.

فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ على المريض المعوذتين، ويأذن بقرآتهما وبقرآة الفاتحة، وينفخُ على المريض بقليل من ريقه الشريف، ويمُرُّ بيده اليمني المباركة على المريض، رجآء البركة والاستشفاء بالقرآن العظيم كلام رب العالمين، الحق المبين، الذي جعله شفاءً ورحمة لعباده المومنين، مصداقا لقوله تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} ، فهو شفاء للأبدان من الأسقام كما هو شفاء للصدور والنفوس والقلوب من الذنوب والآثام، وهادٍ لها إلى التي هي أقوم. الايمان واليقين وصالح الاعمال، والطاعة بها لله رب العالمين.

(141)

الفعل عثا بالتاء المثلثة مثلث الاستعمال: يقال فيه: عَثَا يعْثو، كدعا يدعو، وعثى يعثي كقضى يقضى، وعثى يعثي، كفَنِيَ يَفْت مع، بمعنى بالغ في الكفر والكِبْر والفساد.

ومن الصيغة الاخيرة قول الله تعالى في أصحاب لَيْكةَ: قوم شعيب عليه السلام. {أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ} سورة الشعراء، الآيات: 184 - 181. ويقال: عتا يعتو، وعتِي يَعتى بالتَّاء المَثَنَّاة، عُتُوا وعُتيا، ومنه قول الله تعالى. =

ص: 429

عليها اطاعت وأجابت، وفعلت ما طُلِب منها. فالمعزم بتلك الاسماء على ذلك القبيل من الجان الذي طلبه او الشخص منهم يحكم بينهم بما يريد، ويزعمون أن هذا الباب إنما دخله الحلل من جهة عدم ضبط تلك الاسماء فإنها عجمية لا يُدْرَى هل هي مضمومة أو مفتوحة أو مكسورة، وربَّما أسقط النساخ بعض حروفه من غير علم فيختل العمل، فإن المقسَمَ به لفظ آخرُ لا يعظمه ذلك المَلَكُ، فلا يجيبُ ولا يحصُلُ مقصودُ المعزِّم. (142)

والاستخدامات قسمان: الكواكب، والجَانُّ، فيزعمون أن للكواكب إدراكات، فإذا قوبلت الكواكب ببخور خاص ولباس خاص على الذي يباشر البخور، وربّما تقدمت منه أفعال خاصة، منها ما هو محرَّم في الشرع كاللواط، ومنها ما هو كفر صريح، يناديه بلفظ الالاهية ونحو ذلك، ومنها ما هو غير محرم. فإذا حصلت تلك الكلماتء البخور مع الهيآت المشروطة كانت روحانية ذلك الكوكب مطيعة له، متى أراد شيئا فعلته له على زعمهم، وكذلك القول في ملوك الجآن على زعمهم إذا عمِلوا لهم تلك الاعمال الخاصة، فهذا هو الاستخدام على زعمهم، والغالب على الَمشتغل بهذا، الكُفرُ، ولا يشتغل بهذا مفْلح ولا مسدَّد النظر وافِرُ العقل. (143)

= في ثمودَ قوم صالح عليه السلام حينْ نهاهم عن المساس بناقة صالح فلم ينتهوا، قال تعالى فيهم:{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (77) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (78) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} سورة الاعراف الآية 77 - 79. وقال سبحانه في الكافرين المكذبين بيوم الدين: {وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (21) يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (22) وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23) أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} سورة الفرقان: الآيات: 21 - 24.

(142)

العزائم هي موضوع الحقيقة العاشرة عند القرافي، ولم يعلق عليها بشيء الشيخ ابن الشاط، رحمه الله.

(143)

هي موضوع الحقيقة الحاديَة عشرة عند القرافي رحمه الله. وقد علق عنيها الشيخ ابن الشاط رحمه الله بقوله: لا كلام فى ذلك فإنه حكاية، وقد ذكر حكمها.

ص: 430

قال شهاب الدين: وها هنا اربع مسائل:

المسألة الاولى. قال الامام فخر الدين في كتاب الملخص. السحر والعين لا يكونان في فاضلٍ، لأن من شروط السحر الجزَم بصدور الأثر، وكذلك اكثر الاعمال من شرطها الجزم، والفاضل الممتلئ علما يرى وقوع ذلك في الممكنات التي يجوز أن توجد وأن لا توجد، فلا يصح له عمل أصْلا.

وأمَّا العيْنُ فلابد فيها من شرط التعظيم للمرْمي. والنفس الفاضلة لا تصل في تعظيم ما تَراه إلى هذه الغاية، فلذلك لا يصح السحر إلا من العجائز والتركمان والسودان، ويجوز ذلك من أرباب النفوس الجاهلة. (144)

المسألة الثانية السحر، له حقيقة، وقد يموت المسحور أو يتغير طبعه وإن لم يباشره، وقاله الشافعي وابن حنبل، وقالت الحنفية: إن وصل إلى بدنه كالدُّخان ونحوه جاز أن يؤثر وإلا فلا، وقالت القدَرية: لا حقيقة للسحر، وهذا لا يصح، فإن ما لا حقيقة له لا يؤثر. وقد سُحِر النبيّ صلى الله عليه وسلم:(145) وقد سحَرتْ عائشة رضي الله عنها جارية اشترتها، وأطبقت الصحابة على صحة ذلك.

(144) قال ابن الشاط عن هذه المسألة الأولى: لا كلام معه (أي مع القرافي) في ذلك، لأنه نقل، وما قاله الفخر يتوقف على الاختبار والتجربة، ولا يُعلَمُ صحة ذلك من سُقْمه.

(145)

عن عائشَة رضي الله عنها قالت: "سَحَرَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يهودي من يهود بني زُريق يقال له لَبيد بن الأعصم، حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيَّلُ إليه أنه يَفعل الشيءَ وما يفعله

، وكان قد سُحِرَ في مُشْطٍ ومُشاطة وجُفِّ طلعَةِ ذكر، ورُمىَ بذلك في بئر ذي أروان، فأخبِرَ صلى الله عليه وسلم بذلك عن طريق الوحى والْإلهام، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ناس من أصحابه، فأخرَجَ ما فيها من تلك الأشياءِ التي سُحِرَ بها، وأمرَ بها فدُفِنَت)، . رواه الشيخان. انتهى بتصرف واختصار. وانظر الحديث بتمامه في أحد الصحيحين، قال بعض العلماء: جمهور الأمة على أن السحر ثابت، وله حقيقة كغيره من الأشياء، وحَسْبُنَا فيه القرآن والحديثُ الصحيح. اهـ.

ص: 431

ومن حجتهم قولُه تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} ، (146) ولأنه لو كانت له حقيقةُ لأمكن الساحِرَ أن يدعي النبوة، فإنه ياتي بالخوارق على اختلافها.

والجواب أن السحر أنواع: فبعضه هو تخييل، وعن الثاني أن إضلال الخلق ممكن، ولكن الله تعالى أجرى العادة بضبط مصالحهم، فما يسَّر ذلك على الساحر. وكم من ممكن يمنعه الله من الدخول في العالم، لأنواع من الحِكَم، مع أنَّا سنبين الفرق دين السحر والمعحزة من وجوه فلا يحصل اللبسُ.

المسألة الثالثة، قال الطرطوشي: قال مالك وأصحابه: الساحر كافر فيُقتَل ولا يستتاب، سَحَر مسلما أو ذمّيا، كالزنديق (147).

قال محمد: إن أظهره قُبِلت توبته، قال أصبغ، إن أظهره ولم يتُبْ فقتل، فماله لبيت المال، وان استتر فلورثته من المسلمين، ولا آمرهُم بالصلاة عليه، فإن فعلوا فهم أعلم. قال: ومن قولِ علمائنا القدماء: لا يُقتَل حتى مع يَثْبُتَ أنه من السحر الذي وصفه الله تعالى بأنه كُفْرٌ. قال أصبغ: يكشف عن ذلك من يعرف حقيقته، ولا يلي قتلَهُ إلأ السلطانُ، ولا يُقتل الذميُّ الا أن يَضر المسلمَ بسحره فيكون نقْضاً فيُقتَل،

(146) أي من حجة القدَرية النافين لحقيقة السحر، هذه الآية الكريمة، وهي جآتْ في معرض حوار موسى مع سَحرة فوعون حين دعاهم ليقابلوا سِحْرَهم بمعجزة موسى، فبطل سحرهم ومَا كانوا يعملون، وغُلِبُوا هنالك وانقلبوا صاغرين، وآمنوا بالله رب موسى وهارون، وعلموا أن الأمر هو محجزة من الله رب العالمين، كما حكى الله ذلك عنهم في كتابه العزيز. {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} سورة طه، الايات 63 - 90.

(147)

عن جُندُبِ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "حَدُّ الساحر ضَرْبُهُ بالسيف".

رواه الإِمامان الترمذي والحاكم، وصحَّحه، رحمهما الله. قال بعض شراح الحديث: فمن سحَر فإنه يُقتل بالسيف، وعليه بعض الصحْب والتابعين ومالكٌ وأحمد، بل قال مالك: إنه كافر بالسحر، فيُقتل، ولا يُستتاب، فإنَّ توبته لا تُقبل، وقال الشافعي: لا يُقتل إلا إذا عمِل في سحره ما ييلغ الكفر، وإلا فلا، وهذا كله إذا لم يَقتُلْ بسحره، وإلا قُتِل بلا خلافٍ، والله أعلم.

ص: 432

ولا يُقبل منه الاسلام، وإن سحر أهل ملته أدّب، إلا أن يقتُلَ أَحداً فيقتل به، وقال سحنون: يُقتل، إلا أن يسلم، وهو خلاف قول مالك. (148)

ويؤدَّبَ من تردد إلى السَحرة إذا لم يباشر سحْراً ولا عَمله، لأنه لم يكفر ولكن ركنَ للكفَرة. قال: وتعلّمه وتعليمه عند مالك كُفْرٌ. وقال الحنفية: إن اعتقد أن الشياطين تفعل به ما يشاء فهو كافر، وإن إعتقد أنه تخيُّلٌ وتمويه لم يكفر. وقال الشافعية: يصفه، فإن وجدنا ما فيه كفراً كالتقرب للكواكب ويعتقد أنها تفعل ما يُلتمَسُ منها فهو كفر، وان لم نجد فيه كفراً، فان إعتقد إباحته فهو كفر، قال الطرطوشي: وهذا متفق عليه، لأن القرآن نطق بتحريمه.

واحتجّ من لا يقول بأن تعلمه كفر أن تعلم الكفر ليس بكفر، فإن الأصولي يتعلم جميع أنواع الكفر ليحذر منه ويقدح في شبهاته ومآخذه، فالسحر أوْلى أن لا يكون كفْراً.

قال شهاب الدين: هذه المسألة في غاية الإِشكال على أصولنا، فإن السحرة يعتمدون أشياء تأبى قواعد الشريعة أن. تكفرهم بها كفعل الحجارة المتقدم ذكرها قبل هذه المسألة، وكذلك يجمعون عقاقير ويجعلونها في الأَنهار والآبار، أو في قبور الموتى أو في باب يفتح إلى المشرق، ويعتقدون أن تلك الآثار تَحدُث عند تلك الامور بخواص نفوسهم التي طبعها الله تعالى على الربط بينها وبين تلك الآثار عند صدق العزم، فلا يمكن تكفيرهم بجمع العقاقير ولا بوضعها في الآبار ولا باعتقادهم حصول تلك الآثار عند ذلك الفعل، لأنهم جربوا ذلك فوجدوه لا ينخرم عليهم لأجل خواصّ نفوسهم، فصار ذلك الاعتقاد كاعتقاد

(148) قال ابن الشاط هنا: ذلك كله نقْل لا كلام فيه. وإضرارْ الذمي بسحره للمسلم يُعْتبَرُ نقضا لعهده الذي أُخذَ عليهِ ألا يضر بأحدٍ من المسلمين، مقابلَ استئمانه من طرف الدولة المسلمة على نفسه وأمواله، وشؤون حياته التي لا يصل منها ضرر للمسلمين، ولا يكون فيها مساس بمعتقداتهم الدينية ولا نيْلٌ من أحكامهم الشرعية وأخلاقهم الاسلامية.

ص: 433

الأطباء حصول الآثار عند شرب الأدوية. (149) وخواصُّ النفوس لا يمكن التكفير بها لأنها ليست من كسبهم، ولا كفرَ بغير مُكْتَسَب.

وأما اعتقادهم أن الكواكب تفعل ذلك بقدرة الله تعالى فهذا خطأ، لأنها لا تفعل ذلك، وإنما جآت الآثار من خواص نفوسهم التي ربط الله بها تلك الآثار عند ذلك الاعتقاد، فيكون ذلِك الاعتقاد (150) في الكواكب، كما إذا اعتقد طبيب أن الله تعالى أودَع في الصِّبْر والسقمونيا عقل البطن وقطْع الإِسهال، وأما تكفيره بذلك فلا. (151) وإن اعتقدوا أن الكواكب تفعل ذلك والشياطينَ بقدَرها لا بقدرة الله تعالى فقد قال بعض علماء الشافعية: هذا مذهب المعتزلة من استقلال الحيوانات بقدرها دون قدرة. الله تعالى، فكما لا نكفر المعتزلة بذلك لا نكفر هؤلاء. (152).

ومنهم من فرَّق بأن الكواكب مَظِنة العبادة، فاذا انضَم إلى ذلك اعتقاد القدرة والتأثير كان كفرا. (153)

وأجيب بأن هذا الفرق بأن تاثير الحيوان في القتل والضرر والنفع في مجرى العادة مشاهَدٌ من السباع والآدميين وغيرهم. (154)

(149) قال ابن الشاط: ما قاله القرافي من أنه لا يمكن التكفير بجمع العقاقير وغير ذلك من الأفعال، صحيح إذا كان الجمع وسائر تلك الأفعال غيرَ مقصود يه اجتلابُ الآثار المطلولة من ذلك، وأما إذا كان مقصودا بها ذلك فهو السحر الذي هو كُفْرٌ بنفسه، لتضمنه اعتقاد تأثير هذه الأمور، أو دليل الكفر على مذهب المالكية، والله تعالى أعلم.

(150)

قال ابن الشاط هنا: لا أعْرِف صحة ما قالوه من ربط تِلك الآثارِ بخواص النفوس.

(151)

قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في ذلك صحيح.

(152)

علق ابن الشاط على هذه الفقرة بقوله: إن كان المراد أنها تفعل بقدَرها مباشرة مع تعلق قدرة الله تعالى بقَدَرها فهو مذهب المعتزلة.

(153)

قال ابن الشاط هنا: إن كان ذلك لاعتقاد أن الكواكب مستغنية بقدرتها عنْ قدرة الله تعالى فذلك كفر صريح.

(154)

قال ابن الشاط: ليس تأثيرُ الحيوان بمشاهَدِ، وإنما التأثير لَا غَيرُ.

ص: 434

وأما كون المشتري أو زُحَلٍ يوجب شقاوة أو سعادة فإنما هو حَزْرٌ وتخمين للمنجّمين لا حجة في ذلك (155). وقد عُبِدت البقر والشجرُ، فصار هذا الشيء مشترَكا بين الكواكب وغيرها. (156)

والذي لا مِرْيةَ فيه أنه كفر إن اعتقد أنها مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى الله تعالى، فهذا مذهبُ الصابِئَةِ، وهو كفْرٌ صراح، لا سيما إن صرح بنفي ما عداها. (157)

وأما قول الأصحاب: إنه علامة الكفر فمشكل، لأنا نتكلم في هذه المسألة باعتبار الفتيا، ونحن نعلم أن حال الانسان في تصديقه لله تعالى ورسله بعد عمل هذه العقاقير كحاله قبل ذلك. (158)

وإذا أرادوا الخاتمة فمشكل، لأنا لا نكَفر في الحال بكفرٍ واقع في المَآل (159). والذي يستقيم في هذه المسألة ما حكاهُ الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكفره حتى يَثْبُتَ أنه من السحر الذي كفَّر اللهُ به، أوْ يكونَ

(155) قال ابن الشاط: ذلك صحيح.

(156)

زاد القرافي هنا عبارة هي قوله: فهو موضع نظَر، وعلق عليه ابن الشاط بقوله: هو كما قال، موضحُ نظر ..

(157)

قال ابن الشاط: ما قاله القرافي في ذلك صحيح.

(158)

زاد القرافي هنا قوله: والشرع لا يخبر على خِلاف الواقع.

وعلق ابن الشاط على هذه الفقرة عند القرافي بقوله: إذا ثبت دليل شرعي على أن السحر كفر، وأنه علامة الكفر فلا إشكال، لأنه يكون حينئذ من شرط المومن ألا يعمل سحرا، وعند ذلك يصح إيمانُهُ امَا ظاهراً وباطناً إن كان السحر بنفسه كفراً، وإما ظاهرا إن كان علامةَ الكفر بحسب الظاهر.

(159)

زاد القرافي هنا كلاما توضيحيا اختصره البقوري، وينبني عليه تعليق ابن الشاط، فقال: "كما أنا لا نجعلُهُ مومنا في الحال بإيمان واقع في المآل، وهو يعبُدُ الاصنام الآن، بل الأحكام الشرعية تتبع أسبابها وتحققاتِها لا توَقعَهَا وان قطعْنا بوقوعها، كما أنا لا نقْطَع بغروب الشمس وغير ذلك، ولا نُرَتبُ مسبباتها قبلَهَا.

ثم قال القرافي: وأما قول أصحابنا في التردد إلى الكنائس وفي أكل الخنزير وغيره، فإنما قضينا بكفره (أي المتردد إليها وآكل الخنزير) في القضاء لا في الفتيا، فقد يكون فيما بينه وبين الله مومنا. فالذي يستقيم في هذه المسألة ما حكاه الطرطوشي عن قدماء أصحابنا أنا لا نكَفّره

)، إلى آخر ما قاله القرافي وذكره البقوري في هذه الفقرة.

وقد علق العلامة المحقق ابن الشاط على الفقرة الأولى من هذا الكلام بقوله: إنْ أرادوا ذلك فمشكل كما قاله، وذلك صحيح.

ص: 435

سحراً مشتملا على كفر كما قاله الشافعي. وقولُ مالك إنَّ تعلمه وتعليمه كفر، في غاية الإِشكال، (160) إذ هو خلاف القواعد (161).

(160) كما علّق ابن الشاط على ما حكاه القرافي من قول مالك في كفر متعلم السحر ومعلّمه: ليس الأمر كما قال القرافي، فإن قوله مستنِدٌ إلى ظاهر الآية. (والمرادُ بها قول الله تعالى عن أهل الكتاب من بني اسرائيل الذين تنكروا لنبوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وبرسالته الاسلامية الخاتمة:{وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} [سورة البقرة، الآية 102] فقد قال القرافي عنها: إن قوله تعالى: {يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} ، ليس تفسيراً لقوله:{كَفَرُوا} . بل هو اخبار عن حالهم بعد تقرر الكفر بغيْر السِّحر.

قلت: وهذا يفيدُ أن الجملة الفعلية من المضارع في محل نصب على الحال، وهو الأظهر، ويحتمل أن تكون الجملة في محل رفع على أنها خبر بعد خبر، إذ يجوز تعدَده كما في قوله تعالى في سورة البروج، {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ

}، وكما قال ابن مالك في منظومته النحوية:

وأخْبَرُواَ باثنين أو بأكثرا

عن واحدٍ كهُمْ سَرَاةٌ شُعَرَا

والسرإة بفتح السين جمع سَرِيّ، وهو السَّيّدُ في القوم.

(161)

قلت: إختصرَ الشيخ البقوري هنا كلاما هاما للقرافي، نوردُ بعضه ليزداد الموضوع بيانا ووضوحا في هذا المبحث الدقيق:

قال القرافي: فقد قال الطرطوشي -وهو من سادات العلماء-: إنه إذا وقف من أراد تعلم السحر لبرج الأسد وحكى القضية إلى آخرها، فإن هذا سحر. (والقضية المشار اليها هنا، كما سبق ذكرها عند القرافي، هي قيام متعلم السحر، إذا أراذ سحر سلطان، لبرج الأسد قائلا، خاضعا متقربا، ويناديه، يا سيداه، يا عظيماه، أنت الذي إليك تَدين الملوك والجبابرة والأسودُ، أسألك أن تذَلل لي قلب فلان الجبار)، قال القرافي: فقد تصوره (أي الطرطوشي) وحكم عليه بأنه سحر، فهذا هو تعلَّمُه، فكيف يَتصور شيئا لم يعْلَمْه ..

قال القرافي: وأما قوله (أي الطرطوشي): لا يُتَصور التعلم إلا بالمباشرة كضرب العود فليس كذلك، بل هو كتعلم أنواع الكفر الذي لا يكفُرُ به الانسان كما نقول: إن النصارى يعتقدون في عيسى مع عليه السلام كذا، والصابئة يعتقدون في النجوم كذا، ونتعلم مذاهبهم وما هم عليه على وجهه حتي نرد عليهم ذلك، فهو قربة لا كُفْرْ، وقد قال بعض العلما: إن كان (أي المتعلم للسحر) تعَلمَه ليفرق بينه وبين المعجزات كان ذلك قُرَبة (أيْ طاعةً)، وكذلك نقول: إن عمِل السحرَ بأمْرا مباح ليفرّق بين المجتمعين على الزنا أو قطع الطريق بالبغضاءٍ والشحناء، أو يفعَل ذلك بجيش الكفر، فيقْتُلون به مَلِكَهم، فهذا كله قربة، أو يصنعه محبةً بين الزوجين، أو الملِك مع جيش الاسلام، فتأمل هذه المباحث، فالموضع مشكل جداً

)، ثم أخذ القرافي يعقب على كلام الطرطوشي ويجيب عن أقواله وأقوال المالكية في الموضوع. فليرجع اليها من أراد التوسع في ذلك عند الإِمام القرافي رحمه الله.

ص: 436

المسألة الرابعة في الفرق بين المعجزاتِ للأنبياء وبين السِحر للسحَرة، وغيره مما يُتَوهَّمُ أنه خارق للعادة. (162)

هذه مسألة عظيمة الوقع في الدّين، وأشكَلَتْ على جماعة من الأصوليين. (163).

(162) قال ابن الشاط: إن كان القرافي يريد أن جميع ما يحدث عن السحر فهو معتادٌ ولس فيه ما هو خارق فليس ذلك بصحيح، وأكثرُ الاشعرية أو جميعُهم يجوزون خرق العوائد على يد الساحر، الا أن يقول بالجواز وعدم الوقوع فلا أدرى من يَعْلم ذلك.

(163)

زاد القرافي هنا قوله: "والتبَسَتْ على كثير من الفضلاء المحَصِّلين"، وهي عبارة تُوحِي بأهمية المسألة، ودقة الفروق المتعلقة بها وضرورة استحضارها.

قلت: وممن تناول الكلام على موضوع السحر والطلسمات وعلومها وأصنافها وحقائقها، وبَسطها بشيء من البيان والتفصيل، المؤرخُ الاجتماعي الكبير، والفقيه المحقق الجليل العلامة الشهير عبد الرحمان بن خمد بن خلدون الحضرمي رحمه الله، ولك في الفصل الثاني والعشرين من كتابه الذائع الصيت: المقدمة، فقد جاء في أول هذا الفصل قوله عن السحر والطلسمات ما يلي:

"وهي علوم بكيفية استعدادات تقتدر النفوس البشرية بها على التأثيرات في عالم العناصر، إما بغير مُعِين أو بمعِين من الأمور السماوية، والأول هو السحر، والثاني هو الطلسمات. ولما كانتْ هذه العلوم مهجورة عند الشرائع لِمَا فيها من الضرر، ولِما يُشترط فيها من الوجهة إلى غير الله من كوكب أؤ غيره كانت كتبها كالمفقودة بين الناس، الا ما وجد في كتب الامم الاقدمين فيما قبل نبوة موسى عليه السلام، مثل النبط والكلدانيين، فإن جميع من تقدمه من الانبياء لم يشرعوا الشرائع ولا جاءوا بالأحكام، إنما كانت كتبهم مواعظ وتوحيدا لله وتذكيرا بالجنة والنار، وكانت هذه العلوم في أهل بابل من السريانِن والكلدانِيين، وفي أهل مصر من القِبط غيرهم، كان لهم فيها التآليف والآثار، ولم يترجَمْ لنا من كتبهم الا القليلُ مثل الفلاحة النبطية من أوضاع أهل ابابل، فأخذ الناسُ منها هذا العلم وتفننوا فيه، ووضعت بحد ذلك الأوضاعُ، مثل مصاحف الكواكب السبعة، وكتاب طمطم الهندي في صور الدَّرج والكواكب وغيرها.

ثم ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة، فتصفح كتب القوم واستخرج الصناعة، وغاص في زبدتها واستخرَجها، ووضع فيها غير من التأليف، أكثر الكلام فيها وفي صناعة السيمياء لأنها من توابعها، لأن إحالة الاجسام النوعية من صورة إلى أخرى إنما يكون بالقوة النفسية لا بالصناعة العملية، فهو من قبيل السحر كما نذكره في موضعه.

ثم جاء مسلمةُ بن احمد المجريطي إمام أهل الاندلس في التعاليم والسحريات، فلخص جميع تلك الكتب، وهذبها وجمع طرقها في كتابه الذي سماه غاية الحكيم، ولم يكتب أحد في هذا العلم بعده".

وكان من جملة ما ذكره ابن خلدون في هذا الفصل ما يتعلق بالفرق بين المعْجزة والسحر، فقال: =

ص: 437

والفرق بينهما من ثلاثة أوجُه: فرْقٌ في نفس الأمر، وفرقان باعتبار الظاهر.

أما الفرق الواقع في نفس الأمر فهُوَ إن السحر والطلسمات والسيمياء وجميعَ هذه الأمور ليس فيها شيء خارق للعادة، بل هي عادة جرَتْ من الله بِترتب مسبباتٍ على أسبابها، غيرَ أنَّ تلك الاسبابَ لم تحصل لِلْكثير من الناس، بل لِلقليل منهم، كالعقاقير التي تُعْمَلُ منها الكيمياء، والحشائش التي يُستعمل منها النفط الذي يُحرق الحصون، والدهن الذي مَنْ دَهَنَ به لم يقطع فيه حديد، والسمندل الحيوان الذي يأوى إلى النار ولا تعدو عليه، فهذه كلها في العالم أمور غريبة قليلة الوقوع، وإذا وجِدت أسبابها جرتْ على العادة فيها، وكذلك أسْبَابُ

= "والفرق عندهم (أي عند الفلاسفة والحكماء المسلمين) بين المعجزة والسحر أن المعجزة قوة إلهيةْ تبعث النفس على ذلك التاثير، فهو مؤيَّدٌ بِرَوحِ الله على فعل ذلك، والساحر إنما يفعل ذلك من لدن نفسه وبقوته النفسانية، وبإمداد الشياطين في بعض الاحوال، فبينهما الفرق في العقولية والحقيقة والذات في نفس الامر".

وانما نستدل نحن على التفرقة بالعلَامات الظاهرة، وهي وجود المعجزة لصاحب الخير وفي مقاصد الخير، وللنفوس المتمحصة للخير والتحدي بها على دعوى النبوة، والسحر إنما يوجد لصاحب الشر وفي أفعال الشر في الغالب من التفريق بين الزوجين وضرر الأعداء وأمثال ذلك، وللنفوس المتمحصة للشر، هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء الآلهيين.

وقد يوجد لبعض المتصوفة وأصحاب الكرامات تاثيرٌ أيضا في أحوال العالم وليس معبودا من جنس السحر، وانما هو بالإمداد الالاهي، لأن طريقتهم ونِحْلتَهم بن آثار النبوة ؤلوابعها، ولهم من المدَد الالاهي حفظ على قدر حالهم وأيمانهم وِتمسكهم بكلمة الله، واذا اقتدر أحد منهم على أفعال الشر لا ياتيها، لأنه متقيد فيما ياتيه ويذرُه بالأمر الالاهى، فما لا يقع لهم فيه الإذن لا ياتونَه بوجه، ومن أتاه منهم فقد عدَل عن طريق الحق، وربَّما سُلِب حاله.

ولما كانت المعجزة بإمداد رُوح الله والقُوَى الالاهية، فلذلك لا يعارضها شيء من السحر. وانظر شأن سحرة فرعون مع موسى في معجزة العصا كيف تلقفت ما كانوا به يافِكون، وذهب سحرهم واضمحَل كأنْ لم يكن، وكذلك لما أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم في المعَوذتين:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} ، قالت عائشة رضي الله عنا، فكان لا يقرأها على عقدة من العُقَد التي سُحِر فيها الا انحلت، فالسِحرُ لا يَثبتُ مع اسم الله وذكره .. " اهـ.

هذا، وقد رأيت أن أنقل هذا الكلام من هذا الفصْلِ الطويل عند العلامة ابن خلدون في مقدمته، وذلك لأهميته، ولما يفيده من توضيح لبعض الامور التي وردت عند القرافي في هذا الشأن، فليمح اليه من اردا التوسع في ذلك، والاستيعابَ لما جاء فيه، فرحمهم الله جميعا، وجزاهم عما قدموا من علم وخَيْر للمسلمين في شؤون دينهم ودنياهم.

ص: 438

السِّحر إذا وُجِدَتْ حصلَ، وكذلك السيمياء وغيرها، كلها جارية على أسبابها العادية، غيرَ أن الذي يعرف تلك الأسباب قليل في الناس.

وأما المعجزات فليس لها سببٌ في العادة أصْلا، فلم يجعل الله في العالَم عَقاراً يَفلِق الْبَحْرَ أو يُسَيِّر الجبَل ونحو ذلك، فنريد بالمعجزة ما خلقه الله في العالم تحَدِّيًا للانبياء عليهم السلام على هذا الوجه، وهذا فرق غظيم.

غيرَ أن الجاهل بالأمرين يقول: وما يُدْريني أن هذا له سببٌ والآخَرُ لا سببَ له، فيُذْكَرُ له الفرقان الآخَران:

أحدهما أن السِحر وما يجري مجراه يختص بمن عُمِلَ له، حتَّى إن أهل هذه الحِرف إذا استدعاهم الملوك ليضعوا لهم هذه الامور يطلبون منهم أن تُكتَبَ أسماء كل من يحضر ذلك المجلس، فيضعون صنعتهم لمن سمِّيَ لهم، فإن حضر غيرهم لا سَرى شيئا ممّا رآهُ الذين سُمُّوا.

قال العلماءُ: وإليه الاشارة بقوله تعالى: {وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} (164)، أي لكل ناظر ينظُر اليها، ففارقت بذلك السحرَ والسيمياء.

(164) الآية الكريمة تتحدث عن نبي الله موسى عليه السلام، وعن بعض معجزاته التي أعطاه الله اياها، وأظهرها على يديه، كالعصا التي تصير ثُعبانا، وكإخراج يده من ثوبه ومن جيبه بيضاء من غير سوء وعلى غير حالها التي كانت علها، تتلألأ كالشمس الساطعة، ولك ما يدل عليه قول الله تعالى في الآية الآتية:{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (32) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ} الآيات 23 - 33 سورة الشعراء، وبعدها آيات أخرى تدل على تغلّب العصا معجزة موسى على حِبال وعصى وسحرة فرعون، وانتهاءِ ذلك بهم إلى الايمان، كما حكاه الله عنهم فط هذه السورة الكريمة بقوله تعالى:{فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (45) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ (46) قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (47) رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} . الآيات 48 - 43 من نفس سورة الشعراء.

ص: 439

وهذا فرق عظيم (165).

الفرق الثاني في قرائِنِ الأحوال المفيدة للعلم القطعى الضروري، المحْتَفَّة بالانبياء عليهم السلام، المفقودة فى حق غيرهم، فنجد النبي عليه الصلاة والسلام أفضلَ الناس نسباً وموْلدا وشرفا، وخَلْقا وخُلقا، وصدْقا وأدبا، وأمانةً وزهادة واشفاقا ورِفقا، . وبُعْداً عن الدناءة والكذب والتمويه. {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} . (166)

ثم أصحابه يكونون في غاية العنم والنور والبركة والتقوى والديانة، فأصحابُ رَسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا بحراً فى العلوم على اختلاف أنواعها من الشرعيات والعقليات والجنايات والسياسات والعلوم الباطنة والظاهرة، حتى إنَّهُ رُوِيَ أن عليا جَلَسَ ابن عباس رضي الله عنهم في الباء من بسم الله، من العشاء إلى أن طلع الفجر، مع أنهم لم يدرسوا ورقةً ولا قرأوا كتابا ولا تفرغوا من الجهاد (167).

ولقد قال بعض الأصوليين: لو لم يكن شاهدٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أصحابُهُ لكَفَوْا في إثبات نبوته، وكذلك أيضا ما عُلم مِنْ فَرْطِ صدقه حتى يقال: محمد الْأمّي.

(165) قال ابن الشاط: إنما يظهر ذلك لِمَنْ جرَّبه وتكررتْ منه التجربة وقَلَّ مَن يجرّبُهُ.

(166)

سورة الأنعام: الآية 124، وأولُها، وهي تتحدث عن المشركين:{وَإِذَا جَاءَتْهُمْ آيَةٌ قَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُوا يَمْكُرُونَ (124) فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (125) وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (126) لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الآيات 124 - 127.

(167)

كيف لا، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما هو حَبْر هذه الامة وترجمانها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وبعد مماته، وقد دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالفقه في الدين ومعرفة التاويل، فقال: اللهم فقه في الدين، وعلمهُ التاويل، ورواية البخاري عنه قال: ضمَّني النبي صلى الله عليه وسلم إلى صدره، وقال: اللهم علمه الحكمة"، وهي السنة.

ص: 440