المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضى بالقضاء - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضى بالقضاء

ياخذ سلاحه للحرب، وأيضا فلله عادةْ أجراها في خلقه، فالأدب المُضي على تلك العوائد وهي الالتباس بالأسباب، والترْكُ لها سوءُ أدَبٍ.

ثم إن الخلائق انقسَمُوا في هذا المقام ثلاثةَ أقسام، فقِسْمٌ عاملو الله باعتماد قلوبهم على قدرته تعالى مع إهمال الأسباب، (183)، وقسم لَاحظوا الأسباب وانهمكوا فيها، وهؤلاء لا خير فيهم بالنسبة للآخَرين، وقِسْمٌ اعتبروا المسبَّب والاسباب، ولاحظوا البابيْن، وهولاء أفضلُ الناس، وهذا موطن الأنبياء عليهم السلام.

‌القاعدة الثالثة عشرة:

في الكلام على الرضَى بالقضاء

. (184)

إعْلَمْ أن شهاب الدين رحمه الله بيَّنَ الرضَى بالقضاء وبيَّن الرضا بالمقضي فقال:

(183) قال القرافي: "فلججُوا في البحار في زمن الهول، وسلَكُوا القفار العظيمة المهلكة بغير زاد، إلى غير ذلك من هذه التصرفات، فهؤلاء حصلَ لهم التوكل، وفاتهم الأدب مع الله تعالى، وهم جماعة العبَّاد، أحوالهم مسطورة في الكتب في الرقائق".

قلت: والرقائق: صح رقيقة، وهي كل كلمة وموعظةٍ ترفق القلْب وتُؤثُرُ فيه وتُلَينه لطاعة الله والاقبال عليه والخشية منه، وترشدُهُ لِعدم الركون والاطمئنان للدنيا بكيفية كلية، وذلك بسماع آية من كتاب الله العزيز، أو حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو موعظة من عانم وفقيه، وداع إلى الخير من أهل الفضل والصلاح، والورع والتقوى والفلاح، الذين ينفذ كلامهم الخالصُ لله إلى القلوب والنفوس. قال اللهُ تعالى:"الله نزَّل أحسن الحديثِ كتابا متشابها مثاني، تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد". سورة الزُّمَر، الآية 23. ولأهمية هذه الرقائق نجد جميع المؤلفين والمصنفين لكتب السنة النبوية الطاهرة، يفْردُونَ موضوع الزهد والرقائق بكتاب أو بابٍ خاص من مؤلفاتهم، ويوردون فيه الآيات القرآنية والآحاديثَ النبوية المتعلقة بهذا الجانب في حياة المسلمين، مصداقا لقول الله رب العالمين: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}. سورة يونس، 57 - 58.

(184)

هي موضوع الفرق الثاني والستين والمائتين بين قاعدة الرضى بالقضاء وعدم الرضى بالمقضي". جـ 4. ص 228.

ص: 450

والفرق بين القضاء والمقضِيّ أن الطبِيب إذا وصف للعليل دواءً مُرّا أو قطحَ يده المتآكلة، فإن قال المريض: بِيس ترتيبُ الطيب ومعالجتُهُ، وأيسَرُ من هذا يقوم مقام هذا، فهو سُخْط بقضاء الطيب، بحيث لو سمعه الطيب كره ذلك وشق عليه، ولو قال: هذا دواءٌ مرُّ قاسَيتُ منه شديدا، فهذا سخط بالمقضي الذي هو الدواء والقطْعُ، لا بالقضاء الذي هو ترتيب الطبيب، ولا يؤلمه إذا سمع ذلك، بل يقول له: صَدَقت، الأمر كذلك.

فعلى هذا، المريضُ إذا تألم في المرض بمقتضَى طبعه فهذا عدم رضى بالمقضِي لا بالقضاء، فلو قال: أيُّ شيء عملتُ حتى أصابني مثلُ هذا وما كنت أستاهل هذا فهذا عدم رضا بالقضاء، فنحن مامورون بالرضى بالقضاء، ولا نتعرض لربنا إلَّا بالاجلال والتعظيم، ونحْذَرُ أن نتعرض لربنا إلَّا بالإِجلال والتعظيم، ونَحْذَرُ أن نعترض عليه في ملكه، وما أمِرْنَا أن يطيب لنا البلاء، (185) فالرضى

= ومبحث القضاء والقدر من المباحث الدقيقة التي تناولها علماء التوحيد في الاسلام، وتوسعوا فيها، وبحثُوها بَحْثاً عميقا. والرضى بالقضاء والقدر من عناصر الايمان في الاسلام.

وقد علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذا الفرق فقال: ما قاله فيه صحيح، ما عدَا قولَه:"والرضى بالكفر كفْرٌ"، فإنه إنْ أرادء علمه بكفره فذلك لا يتأتى إلَّا مِنْ الكافر عِنادا، على القول بجواز ذلك عادة، وأما على القول بامتناع ذلك عادة فلا، وما عدا قولَه:"فمن قُضيَ عليه بالمعصية أو الكفر فالواجبُ عليه أن يلاحِظ جهة المعصية والكفر فيكرههما، وأما قدَرُ الله تعالى فيهما فالرضى به ليس إلَّا، ومتَى سخِطه وسفَّه الربوبية في ذلك كان ذلك معصية أو كُفراً منضَمّا إلى معصيته كفره على حسب حاله في ذلك، فتأمل هذه الفروق". فإن كراهة الكفر - يقول ابن الشاط، لا يتأزَّى إلاء الكفر عنادا، على أن ذلك من البعيد المشبَّه بالمحال، لأنه لا كفر عنادا إلا لحامل يحمله عليه ويرجحه عنده كالمتناقضين. وأما كراهية المعصية فهي ممكنة، لأن كل عاص، عالمٌ بعصيانه، والله أعلم".

(185)

عبارة القرافي هنا: "وأما أنَّا أُمرْنا بأن تطيب لنا البلايا والرزايا ومؤلمات الحوادث فليس كذلك، ولم تَرِدْ الشريعة بتكليف أحد بما ليس في طبعه، فلم يومَر الأرمدُ باستطابة الرمَد المؤلم ولا غيره من المرض (والرمَد مرض يصيب العين)، بل ذَمَّ الله قوما لا يتألمون ولا يجدون لِلْبَأسَاءِ وقعا، فذمَّهم بقوله تعالى في شأن الكافرين المكذبين بيوم الدين، المتنكبين عن الصراط المستقيم: "ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون". سورة المومنون الآية 76. فمن لم يستكن ويَدلّ للمؤلمات، ويُظْهرْ الجزعَ منها، ويسألْ ربَّه إقالة العثْرة منها فهو جبار عنيد، بعيد عن طرق الخير، فالمقضِيُّ والقدورُ أثر القضاء والقدر، فالواجبُ هو الرضَى بالقضاء فقط".

ص: 451

بالقضاء واجب. (186)

وأما المقضي فإن كان واجبا وجب الرضى به، وإن كان حراما حَرُمَ الرضي به، وإن كان مندوبا فهو مندوب، أو مكروها فمكروه، فالرضى بالكفر كُفْرٌ. فعلى هذا، العبدُ إذا قدر عليه بالكفر فهو غير راض بالكفر الذي هو المقضي، ولا يحل له الرضَى به، وواجب عليه الرضَى بقدر الله السابق عليه، ومتى سخِط كان ذنبه من جهة الكفر، ومن جهة السخط بالرضَى.

وعلى هذا الرضَى بالقضاء يحصل من كل مسلم، وليس ممّا يختص به الأولياءُ. (187). وَمَا سبب هذا إلا أنهم لا يفرقون بين الرضى بالقضاء وبين الرضى بالمقضى. ولاشك أن الرضَى بالمقضي الذي يخالف الطبعَ حتى لا يكون معه خير مِن ألمه، أمْرٌ عزيز، ويكاد أنه ما حصل للانبياء، فكيف يحصل لغيرهمْ، فالصواب التفريق، واللهُ أعلم (188).

(186) فالرضى بالقضاء والقدر من أسس وعناصر الايمان كما جاء في حديث جبريل عليه السلام. أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الايمان أن تومن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقضاء والقدَر: خيره وشر، حُلْوه ومُرّه".

وعن أنس رضي الله عن النبِي صلى الله عليه وسلم قال: ثلاثٌ من أصل الايمان: (1) الكفُّ عمن قال لا الاه إلا اللهُ، ولا نُكَفِرُهُ بذنْب، ولا نُخرجه من الاسلام بعمل، والجهادُ ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتِل آخرُ هذه الأمة الدجالَ، لا ببطله جوْرُ جائِرٍ، ولا عدْلُ عادلٍ، (3) والايمان بالأقدار". والأقدار جمع قدَر، وهو ما قدره الله وكتبه على الانسان في سابق العلم والازل). روى هذا الحديثَ أبو داود بسند حسن.

(187)

عبارة القرافي هنا أوسعُ وأوضحُ حيث قال: "وإذا وضَحَتْ لك هذه الفروق فاعْلَمْ أن كثيرا من الناس يعتقد أن الرضى بالقضاء إنما يحصل من الاولياء، وخاصة عُبَّاَد الله تعالى، لأنه من العزيز الوجود، وليس كذلك، بل أكثرُ العوام من الومنين إنما يتألمون من المقضى فقط، وأمَّا التوجُّهُ إلى جهة الربوبية بالتجوير والقضاء بغير العدل فهذا لا يكاد يوجد إلا نادرا من الفُجَّار والمرَدَة، وإنما يبعث هؤلاء على قولهم: "إن الرضى بالقضاءِ إنما يكون من جهة الأولياء خاصة"، أنهم يعتقدون أن الرضى بالقضاء هو الرضى بالقضى، وعلى هذا التفسير هو عزيز الوجود، بل هو كالمتعذر" اهـ.

(188)

قال القرافي هنا تكملةً للموضوع، وزيادةً في الايضاح والبيان: "فإنَّا نَجْزم بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تألم لقتل عمه حمزةَ، وموت ولده إبراهيم ورمْي عائشة بما رُمِيَتْ به، لأن ذلك كله من القضى، ونَجْزِم بأن الانبياء عليهم السلام تتألم طباعهم وتتوجع من المؤلات وتُسَرُّ بالسرات.

وإذا كان الرضَى بالقضيات غيرَ حاصل في طبائع الانبياء، فغيرهم بطريق الأولى.

فالرضى بهذا التفسير لا طمعَ فيه، وهذا التفسير غلطٌ، بل الحق ما تقدم، وهو متيسر على أكثرِ العوام من المومنين، فضلا عن الانبياء والصالحين، فاعلَمْ ذلك ".

ص: 452