المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يحرم وما يندب - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يحرم وما يندب

المسألة الرابعة: اختلَف العلماء في قوله تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} . قال ابن عَطية في تفسيره: قيلَ إنَّ أو للتنويع لا للتخيير، وقيل: للتخيير، ومعناه أنَّ الانسان مخيَّرٌ في أن يَرُدَّ أحسنَ أو يقتصر على لفظ المبتدئ إن كان قد وقف دون البركات، وإلا بطل التخيير، لِتَعَيُّن المساواة. وقيل: لابد من الانتهاء إلى لفظ البركات مطلقا، وحينئذ يتعين تنويع الردّ إلى المثل إن كان المبتدئ انتهى للبركات، وإلى الأحسن إن كان المبتدئ اقتصر دون البركات، فهذا معنى التخيير والتنويع.

‌القاعدة الحادية والعشرون:

في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

. (250)

قال صلى الله عليه وسلم: "لَتامُرُنَّ بالمعروف ولَتَنْهَوُنَّ عن المنكر أو ليوشكَنَّ أن يبعث الله عقابا منه ثم تدْعونه فلا يستجابُ لكم"(251).

= النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تمشُوا ببريء إلى ذي سلطان ليقتله، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا ئقْذفوا: محصنةً، ولا توَلَّوا الفرار يوم الزحف، وعليكم - خاصَّةَ اليهود - ألَّا تَعْلُو في السبت". قال: فقبَّلا (اليهُوديان) يده ورجله، وقالا: نشهد أنك نبي

إلخ وعن أمّ أبَانٍ، بنْت الوازع بن زارع عن جدها زارع رضي الله عنهم، وكان في وفد عبد القيس (الذين وفَدُوا على النبي صلى الله عليه وسلم، وكانوا أربعة عشر رجلا، قال (أي زارع): لمّا قدِمْنا المدينةَ، فجعلنا نتبادر من رواحلنا (أي نَنزل عنها مسرعين)، فنقَبِّل يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجْله، وانتظَرَ المنذِرُ الأشجُّ حتَّى أتَى مَجْيتَه (أيْ وِعاءَ ومكانَ الملابس)، ولبسَ ثوبيه، ثمّ أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فقال له صلى الله عليه وسلم: إن فيك خَلَّتين يحبهما الله: الحِلْمَ والأناة، قَال: يا رسول الله، أنا أتخلَّقُ بهمِا أم جبلني الله عليهما؟ قال: بل الله جبلك عليهما، قال: الحمد لله الذي جبلني على خَلَّتيْن يحبهما الله ورسوله". رواه أبو داود، والترمذي بسند حسن. ففي كل هذا دلالة على جواز تقبيل اليد والرجل لمن كان أهْلا لذلك، لكونه أباً أو أماً، أو شيخاً في العلم، أو لفضله وعلمه، ومكانته ومسؤويته التي وضعه الله فيها. والمقام الذي جعله الله فيه، علما وصلاحا، وورعاً وتقوى.

(250)

هي موضوع الفرق السبعين والمائتين بين قاعدة ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحْرُمُ وما يُندَب". جـ 4. ص.255.

(251)

رواه الطبراني، والترمذي بسند حسن. وفي أوله: "والذي نفسي بيده، لَتأمُرنَّ بالمعروف ولَتنْهَوُن عن المنكر

الخ."

ص: 486

ثم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر شروط:

الأول: أن يَعلَم (الامر والناهي) ما يامُرُ به وينهَى عنه، فالجاهل بالحكم لا يحِل له النهي عمّا يرَاه ولا الأمر به.

الشرط الثاني: أن يأمَنَ من أن يؤَدي إنكارُهُ إلى منكَر أكثرَ منه، مثل أنْ ينهى عن شرب الخمر فيؤولَ نهيه عنه إلى قتل النفس أو نحوه.

الشرط الثالث: أن يغلب على ظنه أن إنكاره المنكَرَ مُزِيل له، وأن أمْرَه بالمعروف مؤثِر في تحصيله. فعَدَمُ أحدِ الشرطين الأوليْن يوجب التحريم، وعدم الشرط الثالث يُسقِط الوجوبَ وهي الجواز والندب.

ثم مراتب الإِنكار ثلاثة:

أقواها أن يغير بيده، وهو واجب عَيناً مع القدرة، فإن لم يَقدر على ذلك انتقل للتعبير بالقول وهي المرتبة الثانية، وليَكُنْ ذلك برفق، لقوله تعالى:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا} (252)، فإن عجز عن القول انتقل للمرتبة الثالثة وهي الإِنكار بالقلب، وهي أضعفُها. قال صلى الله عليه وسلم:"من رأى منكم منكراً فلْيُغيره بيده، فإن لم يستطيع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإِيمان". (253) الحديث

الخ.

(252) الخطاب في هذه الآية الكريمة لنبي الله ورسوله سيدنا موسى عليه السلام مع أخيه هارون حين أرسلهما الله تعالى إلى فرعون، لدعوته إلى الإيمان بالله وتوحيده، فقال تعالى:{اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42) اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} سورة طه، الآيتان: 43 - 44.

قال القرافي: ومن ذلك قول الله عز وجل: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} ، سورة العنكبوت، الآية 46.

(253)

حديث صحيح أخرجه الأئمة: مسلم، وأبو داود، والترمذي والنسائي، عن أبي سعيد الخدْري رضي الله عنه.

وفي معناه ما رواه أبو داود عن جرير رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من رجُلٍ يكون في قوم يُعْمَل فيهم بالمعاصي، يقْدِرون أن يُغَيِرُوا عليه فلا يُغَيروا، إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا".

وفي معناه أيضا من حديث أبي داود عن العِرْسِ الكندي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا عُمِلَتْ الخطيئةُ في الأرض كان مَن شهِدها فكرِهها كمن غاب عنها، ومن غَابَ عنها فرضِيها كان كمن شهِدَها".

ص: 487

وقال شهاب الدين: قوله عليه السلام: "ليس وراءَ ذلك من الايمان حبَّةُ خردل"(254)، مراده الايمان الفعلي الوارد في قوله تعالى:{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (255)، فأقوَى الايمان الفعلي ما كان باليد، وبعده ما كان بالقول، وأضعَفُهُ ما كان بالقلب، ولم يتعرض للايمان المطلق.

وهنا ست مسائل:

المسألة الأولى: الوالدان يُومَرَانِ بالمعروف ويُنهَيَانِ عن المنكر، ويُخفَضُ لهما جناحُ الذل من الرحمة (256).

(254) إشارة إلى حديث صحيح أخرجه الإِمام مسلم في كتاب الإيمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبى بعثه الله في أمّةٍ قَبلي إلا كان له من أمته حواريون (أي أنصار يومنون به ويدافعون عنه، ويناصرونه في دعوته ورسالته)، وأصحاب ياخنون بسنته، ويقتدون بأمره.- ثم إنها (أي الحال التي تأتي بعدهم) ئخْلُفُ من بعدهم خُلُوفْ يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يومَرون، فمن جاهدهم بيده فهو مومن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مومن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مومن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبًةُ خَرْدلٍ ". أي ليس وراء ذلك شيء من الإِيمان.

وقد وردت هذه الكلمة في قول الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} . سورة الأنبياء، الآية 47.

(255)

المراد بالإيمان في الآية الصلاةُ، ذلك أنه لما نزل قولُ الله تعالى من أول هذه الآية:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} . سورة البقرة، الآية 143.

لما نزلت هنه الآية تسَاَءلَ بعض المسلمين عن إخوانهم الذين ماتوا قبل خويل القبلة بالتوجه في الصلاة إلى الكعبة المشرَّفة، وعن مصير الصلاة التي كانوا يصلونها نحو بيت المقدس، فأنزل الله سبحانه هذه الآية الممريمة تُطَمئْنهم على قَبولها وثُبوت أجرها وثوابها عند الله تعالى، وهو سبحانه ذو الفضل العظيم.

(256)

إشارة إلى قوله تعالى إلى الإحسان إلى الوالدين والتواضع لهما: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} . الآيتان 23، 24. من سورة الاسْرَاء.

وكذلك قوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة لقمان. الآية 13.

ص: 488

المسألة الثانية: قال بعض العلماء: لا يشترط في النهي عن المنكَرِ أن يكون ملابِساً معصيةً، بل يُشتَرَطُ أن يكون ملابِسا لمفسدة واجبة الدفع، أو تاركا لمصلحةٍ واجبة الحصول، وله أمثلة:

أحدُهَا: أمْرُ الجاهلِ بمعروف لا يعرفه، ونهْيُهُ عن منكر لا يعرف أنه منكر كنهْي الانبياء عليهم السلام أمَمَهُم أوّلَ بعثتهم.

وثانيها: قِتال البغاة وهم على تأويل. (257).

وثالثها: ضرب الصبيان (258) على ملابَسة الفواحش، ومنه ضرب البهائم للتعليم والرياضة.

المسألة الثالثة: قال العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعا، فمن أمكنه أن يامُر بمعروف وجب عليه.

المسألة الرابعة: إذا رأينا مَنَ فعَلَ شيئا مختلَفا في تحريمه وتحليله وهو يعتقد تحريمه أنْكرنا عليه، وإن اعتقد تحليله لم يُنكَر عليه، إلا أن يكون مُدْرَك التحليل

(257) وأساسه قول الله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33].

(258)

وأساس ضرب الصبيان، الحديثُ النبوى الشريف الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم:"مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعَشْر، وفرقوا بينهم في المضاجع".

والمراد به ضرب غيرُ مبرح لا يكسر عظما، ولا يَهْشِمُ لحْما، وهو الضرب الخفيف الذي يبعث فيهم شيئا من الخوف، ويحملهم على التزام أحكام الإسلام وآدابه، وأخلاقه وفضائله، حتي ينشأوا عليها وتَرْسخَ فيهم منذ الصغر رسوخا يُلازمهم وينتفعون به في الكِبَر، فإن من نشأ وشَبَّ على شيء شابَ عليه.

والأمر كذلك في ضرب الحيوان، وراد به الضرب الخفيف، فإن الرفق به مطلوب شرعا كما هو مستفاد من كثير من الأحاديث النبوية، التي تدل على ذلك، وتفيد حصول الثواب والأجر لمن ترّفقَ بالحيوانات، فيطعمها أو يسمها، عند احتياجها لذلك، ففي كل ذِى كبدٍ رطبة أجر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

ص: 489

ضعيفا جدا يُنفَض قضاءُ القاضي بمثله، لبطلانه في الشرْع، كوطء الجارية بالِإباحة، معتقِداً لِمَذْهب عطاء (259).

المسألة الخامسة: المندوبات والمكروهات يدخلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سبيل الارشاد للورع ولِما هو أوْلى، من غير تعنيف ولا توبيخ، بل يكون ذلك من باب التعاون على البِّرِ والتقوى (260).

المسألة السادسة: قولُنَا في شروط الامر بالمعروف والنهي عن المنكر: ما لَمْ يُؤدّ إلى مفسدة هي أعظم، هذِه المفسدة قسمان:

تارة تكون إذا نَهَاهُ عن منكَر، فَعَلَ ما هو أعظَمُ منه في غير الناهى، وتارة بفعله في الناهى، بأن ينهاه عن الزنى فيقتله، أعْني، الناهي يقتله الملابس للمنكَر.

والقسم الأول اتفق الناس عليه، وأنه يحرم النهي عنه حينئذ. والقسم الثاني اختلفوا فيه، فمنهم من سَوَّى بينهما، ومنهُمْ من فَرَّق وقال: هذا لا يمنع، والتغرير بالنفوس مشروع في طاعة الله، قال صلى الله عليه وسلم:"أفضل الجهاد كلمةُ حق عند سلطان جائر"(261)، ومعلوم أنه عرّض نفسه للقتل بمجرد هذه الكلمة.

(259) زاد القرافي قوله: "وكشارب النبيذ معتقِدا مذهبَ أبي حنيفة. وإن لم يكن معتقدا تحريما ولا تحليلا، والمدارك في التحريم والتحليل متقاربة، أُرْشِدَ للتَّرْك برفق من غير إنكار وتوبيخ، لأنه من باب الورع المندوب، والامر بالمندوبات، والنهْي عن المنكرات هكذا، شأنهما الإرشادُ من غير توبيخ ولا إيلَامٍ بالتقريع والتأنيب، وإنما هو الحكمة الحسنة والموعظة الحسنةَ المؤثرة.

وقد تقدم في الفرق الثالث والعشرين والمائتين عند القرافي، وجاء فيه أن الحكم الذي يُنقَضُ لفسَاد المدْرَك (أي العلة) التي انبنى عليها) لا لعدم الولاية فيه، هو الحكم الذي خالف أحد أربعة أمور: إذا حكم القاضي على خلاف الإجماع يُنقَضُ قضاؤه، أو خلافِ النص السالم عن المعارض، أو القياس الجَلِيّ السالم عن المُعارِض، أو قاعدة من القواعد السالمة عن المعارض

إلخ.

(260)

وهو شيء مأمور به في قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} سورة المائدة، الآية (2)، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم: المومن للمومن كالبنيان يشد بعضه بعضا، وقوله: الله في عون العبد مادام العبدُ في عون أخيه.

(261)

أخرجه أصحاب السنن: أبو داود، والترمذي والنسائي وابن ماجة رحمهم الله. وعن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه: =

ص: 490