الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة السادسة:
في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ
، (26) فأقول:
جاء عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر وعن بيع المجهول، فاختلف العلماء بعد ذلك، فمنهم من حمَل النهي على التصرفات كلِّها، وهو الشافعي، ومنهم من فصَّل، وهو مالك. وقاعدةُ ما يُجتَنَبُ فيه الغرر والجهالة عنده هو باب المماكسات (27) والتصرفات الموجبة لتنمية الأموال. وقاعدة ما لا يُجتَنَبُ فيه عنده مما لا يُقصد لذلك.
ثم التصرفات عنده ثلاثة أقسام: طَرَفانِ، وواسطةٌ. فالطرفان أحدهما معاوَضَةٌ صِرْفَةٌ، فَيُجْتَنَبُ فيه ذلك إلا ما دَعتْ الضرورة إليه. وثانيهما إحسانٌ صِرْفٌ كالصدقة، فالجهالةُ هنا والغررُ لا تاثير لهما، ولا يَمنَعان من شيء. والثالث الوسَط، النكاحُ. فمن جهةِ أن المال ليس مقصوداً وإنما المقصود المودة والألْفة، يقتضي جواز الجهالة والغرر مطلقا. ومن جهة أن صاحبَ الشرع اشترط فيه المال، لقوله تعالى:{أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ} (28)، يقتضي امتناع الجهالة والغرر فيه. ولوجود الشَّبَهيْن فيه توسَّطَ مالك رحمه الله، وقالَ: يجوز الغرَرُ والجهالة فيه، لكن القليلُ دون الكثير، نحو عبد من غير تعْيين، وشَوْرة بيت، (29)، والله تعالى أعلم، وبه التوفيق.
(26) هي موضوع الفرق الرابع والعشرين بين قاعدة ما تؤثر فيه الجهالات والغرر وقاعدة ما لا يؤثر فيه ذلك من التصرفات". جـ 1 ص 150.
وقد علق عليه الشيخ ابن الشاط في أوله فقال: ما قاله القرافي في هذا الفرق صحيح ظاهر.
(27)
كذا في نسختي ع، وت. وفي نسخة ح: المملّكات، وهو خطآ نَسخِي، والكلمة الأولى أظهرُ وأصْوَبُ في الموضوع، يقال مَا كَسَهُ مِكَاسا ومما كسةً، إذا استنقصه الثمنَ واستحطَّهُ إياه وما كسَه بمعنى شاكسَهُ إذا خَالَفهُ وأعْسرَه في أمْرِ من الامور.
(28)
وأولها بعد ذكر المحَرَّمات من النساء بالنْسَب أو المصاهَرة أو الرضاع: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} . سورة النساء. الآية 24.
(29)
شوْرة البيت بفتح الشين وضمها، ويقال: شارة البيت: متَاعُه المستحسَن، ومن معانيها اللباس والزينة به.
القاعدة السابعة:
نقرر فيها ما يجوز بيعه جزافا مِما لا يجوز، (30) فنقول:
ما يجوز بيعه جزافا (31) هو ما اجتمع فيه شرائط ستةٌ:
الأول: أن يكون معَيَّنا للحِسِّ حتى يُستَدَّل بظاهره على باطنه.
الشرط الثاني: أن يكون البائع والمشتري جاهلين بالكَيْل، خلافا للشافعي وأبي حنيفة، وهذا لقوله عليه السلام:"مَن علِم كَيْل طعام فلا يبِعْهُ جزافا حتى يُبَيِّنةُ". (31 م)
الثالث، أن يكونا اعتادا الحزْر، فإن لم يعتادا ذلك ولا أحدُهما فلا يجوز، خلافا للشافعي في اكتفائه بالرؤية. وجوابُه أن الرؤية لا تنفي الغرر من المقدار.
الرابع أن يكون المبيع مما يكال أو يوزَّن، ولا يجوز في المعْدود إلَّا صِغارُ الحيتان والعصافير، فإن مالكا أجاز بيعَها جزافا، وما يُقْصَد آحادُ جِنسِهِ لا يجوز بيع ذلك جزافا، كالثياب.
الخامس ما يُتوقع معه الربا، فلا يباع أحد النقدين جزافا، ولا طعامٌ بطعام من جِنْسِه جزافا.
(30) هي موضوع الفرق السادس والثمانين والمائة بين القاعدتين المذكورتين. جـ 3 ص 245. ولم يعلق عليه بشيء الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
(31)
الجزاف مثلث الجيم، مصدر جازف يجازف إِذا باع أو اشترى شيئا بالجملة دون وزن أو كيل، كَصُبْرَةِ الطعام من القمح أَو الشعير او الذُّرَةِ أْو حبوب الزيت وغيرها مما يكال أو يوزَنُ، بحيث يكون المبيعُ غيرَ معلوم القدْر والوزن على التفصيل. وهو نوع من البيع كان متعارفًا عليه بين الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مستثنىً من شرطِ العِلم في الثمن والمثمون في البيع.
(31 م) أَورده وذكره العلامة علاء الدين في كتابه: كنز العمال في سَنَنِ الاقوال والاعمال.