الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الرابعة:
في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا
. (15)
إعْلَمْ أنهُ إذا استُحِقَّ بعضُ الشيء فله أحوال، لأنه إما أن يكون مِثْليَا أو مقوّماً، وإما أن يكون معَيَّناً أوْ شائعا.
أما المِثْلى فهُوَ المكيل والموزون. فإن استُحِقَّ قليلُه لزم الباقي، لأنَّ القليل لا يُخِلَّ بمقصود العقد، والأصلُ لزومُ العقد، بخلاف ما إذا استُحِق الأكثرُ، ولذلك يكون له الخيار بَيْن أن يَرُد، لذهاب مقصود العقد، أو يُمسك الباقي بحِصَّتِهِ من الثَّمَن.
وأمّا المتقَوَّم، فإن استُحق الأقلَّ فَكَما في الثاني، وإن استحِقَّ الاكثرُ - الذي هو وجْهُ الصفقة- اختلّ البيع وانتقض كله، لفوات مقصود البيع. ويَحْرُم التمسكُ بما بقى، ليس كما قلنا في المثلي، وهذا لأن حِصته لا تُعرَف حتي يُقَوَّم، وهذا مما يتعلق بالعين. وأما الشائع إذا استحق جزء منه وهو مما لا يَنقسم فيخَيَّرُ في التمسك بالباقي بحصته مِنْ الثمن، لأن حصته معلومة بغير تقويم.
القاعدة الخامسة (16) في حكم اللُّقَطَة (17)
قال اللخمي: قد يكون الالتقاط واجِباً ومستحَبا، أو مكروها ومحرَّما، ومباحا بحسب حال الملتقط وحالِ الزمن وأهلِه ومقدار اللّقَطَة. فإن كان الواجد
(15) هي موضوع الفرق الثامنَ عشَر والمائتين بين قاعدة ما يوجِبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكل، وبين قاعدة مالا يقتضي ذلك" جـ 4. ص. 32. وهو كذلك من أقصر الفروق عند شهاب الدين القرافي، ولم يعلق عليه بشئِ، العلامة ابن الشاط، رحمهما الله.
(16)
هي موضوع الفرق التاسعَ عشَر والمائتين بين قاعدة ما يجبُ التقاطُه، وبين قاعدة ما لا يجب التقاطه" جـ 4. ص 33، ولم يعلق عليه بشيء الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
(17)
اللقطة بضم اللام وفتح القاف والطاء، وهي في تعريفها المبَّسطِ: كل مال معصوم معَرَّض للضياع، لا يُعرَف مالِكه، وكثيرا وغالبا ما تُطلَقُ على الأشياء من غير الحيوان، كالمال والمتاع، والحوائج، وغير ذلك مما قد يجده الانسان ويعْثر عليه في طريقه. أما الحيوان فيقال له: ضالَّة "اي تالفة أو تائهة وغائبة عن صاحبها". وفي الحديث: الكلمةُ الحكمةُ ضالَّة المومن، فحيث وجدَها
مأموناً ولا يَخْشى السلطانَ إذا أشهرها، وهي بين قوم أمناءَ لا يُخشى عليها منهم ولها قدْرٌ، فأخْذُها وتعريفُها مستحَبُّ، وإن كانتْ بين قوم غيِر أمناء، والسلطانُ أمينٌ، وجب أخْذُها، وإن كان غيرَ أمين بيْن قوم أمناء، والسلطان غير أمين، حَرُم أخذها. وإن كانت قليلة كُرِه أخذها، لأن الغالبَ عدم المبالغة في تعريف الحقير، وذلك كالدِرْهم ونحوه.
وقال الشيخ أبو الوليد في المقدمات: في اللَّقَطَة ثلاثة أقوال:
الأفضل ترْكها من غير تفصيل، والأفضل أخذها، لأن فيه صونَ مالِ الغير، وأخْذُ الجليل أفضل، وترك الحقير أفضل. وهذا إذا كانت بيْن قوم مامونين، والإِمامُ عدْلٌ، أمّا بين الخَوَنة ولَا يُخشَى السلطان إذا عُرِّفَتْ فالأخذ واجب اتفاقا، وبين خَوَنة ويُخشى من الإِمام، يخَيَّرُ بيْن أخذها وترْكِها بحَسَبِ ما يَغلب على ظنه في أي الخَوْفَيْن أشدُّ.
ويُستثنَى لُقَطة الحاج، فلا يجرى هذا الخلاف فيها، فهي بالتّرْك أوْلى، لأن ملبتقطها يدخل قُطرَه وهو بعيد، فلا يحصل التعريف بها.
= فهو آحق بها"، والأصل في مشروعية اللقطة وبيان أحكامها ما أخرجه البخاري ورُوِيَ عن زيد بن خالد رضي الله عنه قال: "جاءَ رجل إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم، فسأله عن اللقَطة، فقال: إعْرف عِفَاصَها ووكاءها (اي وعاءَها وخَيْطَها الذي شُدَّت به)، ثم عرّفها سنة (إي أشْهِرْهَا)، فإن جاءَ صاحبها وإلا فشأنك بها، قال فضَالَّةُ: الغَنَم، (أي ما حكمُها)؟ ، قال: هي لك أو لأخيك أو للذئب (اي هي لك إن لم يظهر صاحبها)، بعد التعريف بها، أو لصاحبها إن ظهر)، وكِلَا الامرين خير من الذئب يجدها منفردةً عن القطيع وبعيدة عن الراعي وضالَّة عنه فيفترسها، قال:(أيْ الرجُل) فضَالةُ الابِل؟ أي ما حكْمُها؟ قال: مالَكَ ولها؟ ، معَها سِقاؤها وحِذاؤها. أي إنها تستطيع الصبرَ على العطَش بما تحمله معها من الماء في بطنها، وتستطيع الدفاع عن نفسها في مواجهة ومقاومة بعض الحيوانات المفترسة) إلى أن يجدها مالكها وتعود اليه وإلى رعايته.
ثم إذا قلنا بالفَرْضية من حيث القاعدةُ التي هي الأمر بحفظ الأموال، فذلك فرض الكفاية.
وذكر الشافعي أنها تكون واجبة مرّةً، وذلك عند خوْف الضياع، وقد يكون ذلك مندوبا، وكذلك جاء عن أبي حنيفة، وأما ابن حنبل فكَرِه لقْطَها، لما في الالتقاط من التعرضِ لأكْل الحرام، وذلك كتولّي مال اليتيم.
قال شهاب الدين: ولمْ أرَ أحداً فصَّل وقسَّم اللقطة إلى الأحكام الخمسة إلّا أصحابَنَا. (18)
(18) ذكر شهاب الدين القرافي رحمه الله في وسط هذا الفرق قاعدة تتعلق بالمقاصد الضرورية فِى الملل والأمم فقال:
(قاعدة): خمْسٌ اجتمعَتْ الأمَمُ مع الأمة المحمدية عليها وهي:
1 -
2) وجوبُ حِفظ النُّفُوس والعقول، فتَحْرُمُ المسْكِراتُ بإجماع الشرائع، وإنما اختلفتْ في شرب القدْر الذي لا يُسْكِر، فَحُرِّم في هذه الأمة تحريمَ الوسائلِ، وسَداً لذريعة تَناوُل القدْر المسكر، وأبيحَ في غَيْرها من الشرائع لعدم المفسدة.
3) وحفظ الأعراض، فيَحْرُم القذف وسائر السِّباب.
4) ويجب حفظ الأنساب، فيَحْرم الزِنى في جميع الشرائع.
5) والاموال يجب حفظها في جميع الشرائع، فتحْرُمُ السرقة ونحوها.
ويجب حفظ اللقطة عن الضياع لهذه القاعدة.
وقد تقدم بيان قاعدة فرض الكفاية وفرْض الأعيان والفرق بينهما بأن فرض الكفاية مالا تتكرر مصلحته بتكرره كإنقاذ الغريق، فتكرير فعل النزول بعد انتشاله لا تحصل به مصلحة بعد ذلك، وفَرض الأعيان هو ما تتكرر مصلحته بتكرره، كالصلوات الخمس، مصلحتها الإجلال والتعظيم لله تعالى، وهو يتكرر حصوله بتكررها، وحينئذ يظهر أن اللقطة من فروض الكفاية.
وقال الشافعي رحمه الله بالوجوب والندب كما قال بِهما مالكٌ رحمه الله، قياسا على الوديعة بجامع حفظ المال فيلزم النْدبُ، أوْ قياسا على إنقاذ المال الهالك فيلزم الوجوب. وقال أبو حنيفة: أخْذُها مندوب إلا عند خوف الضياع فيجب. وعند أحمد بن حنبل: الكراهة، لمَا في الالتقاط من تعريض نفسه لأكل الحرام، وتضييىع الواجب من التعريف، فكان تركه أولى كتولي مال اليتيم". أقول: وتجدر الاشاره والتنبية هنا إلى خطأ مطبعي في عبارة بالمقصد الأول من هذه القاعدة عند القرافي، وهي قوله:"وسد الذريعة يتناول القدْر المسكر".
والصَّوابُ فيما ظهر لِي بعد التأمل والامعان في العبارة، والله أعلم - أن تكون بصيغة المفعول لأجله هكذا:"وسداً لذريعة تناوُل القدر المسكر"، وبذلك يستقيم اللفظ والمعنى في هذه العبارة ويتناسقُ وينسجم مع ما قبله من الكلام، فياتي التعبير هكذا من أوله: "فحُرم في الأمَّة المحمدية