الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثامنة عشرة
فيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:
(211)
يقال: تطيَّر وطيَّره، فالطِّيَرَة. الظن السيء الكامِنُ في القلب، والتَطُّير الفعل المرتَّبُ على سوء الظن من فرار أو غيره.
وأمّا الفالُ فهو ما يُظَنُّ عنده الخير، عكس الطِيَرة والتطير. غير أنه، تارةً يتعيَّن الخبر للخير، وتارة يكون مترددا بينهما. فالمتعين للخير مثل الكلمة يسمعها الرجل من غير قصد، نحو، يا مسعودُ، ومنه تسبية الولد أو الغلا، بالاسم الحسَن، حتى مه ى سُمِعَ استبشَر القلب، فهذا فالٌ حسن مباح، وعليهما قول عليه السلام:"كَان يحِبُّ الفال الحسن"(212).
وأما الفال الحرام فقال الطرطوشي في تعليقه: انَّ أخذ الفال في المصحف، وضَرْبَ الرمَّل والقرعة، والضرب بالشَّعير، حرامٌ جميعُ ذلك، لأنه من باب الاستقسام بالأزلام، فهو مثل الأعْواد التي كانت للجاهلية، مكتوبٌ على أحدها إفْعَلْ، وعلى الآخَر، لا تفعل، وعلى آخَر غفْل، فمتى خرج الذي غُفِلَ أعاد حتى
(211) هي موضوع الفرق السابع والستين والمائتين بين قاعدة الطّيَرَة، وقاعدة الفال الحلال المباح، والفالِ الحرام" جـ 4. ص 240، وهو من الفروق القصيرة عند الامام القرافي، ولم يعلق عليه بشيء الشيخ ابن الشاط، فرحمهما الله جميعا، ورحم كافة علماء المسلمين، وسائر المومنين والمومنات.
(212)
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طِيَرةَ، وخيْرُها الفالُ الحسن، قيل: يا رسولَ الله، وما الفال؟ قال: الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم، وفي رواية: لا طِيَرَةَ، ويعجبني الفالُ الصالح: الكلمة الحسنة، رواه الشيخان وأبو داود رحمهم الله.
وعنه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع كلمة فأعجبته، فقال: أخذْنا فالَك مِن فِيكَ". رواه أبو داود وأبو نُعيم رحمهما الله. وذُكرتْ الطّيَرَة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أحسَنُها الفال ولا تَرُدُّ مسلما (أيْ لا تردُّهُ عن قصده بدَعوى الطِيَرة، بلْ يمضي في أمره متوكلا على الله ربه)، فإذا رأى أحدكم ما يكْره فليقل:
اللهم لا ياتي بالحسنات إلا أنتَ، ولا يدفع السيئاتِ إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بك" رواه أبو داود والامام أحمد رحمهما الله.
وكذا من سمع ما يكره فليقل ذلك، ولْيَمْض في أمره متوكلا على الله ومعتمدا عليه سبحانه، عملا بقول الله تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ} .
يخرج الذي عليه افعَلْ، فيمتَثِل، أو لا تفعل، فيفعل على كراهية أو يترك، (213) فمثله مَنْ أخَذَ الفال في المصحف، وما حهي في ذلك خلافا، وهذا هو المتردِّد بين الخير والشر، والأول يتعين للخير، فالاْول يبعث على حسن الظن بالله، والثاني بصَدَد اْن يكتسب سوء الظن بالله.
والطِيَرة والتطير مكروهان: (214)
أما الطِيَرة فلأنها من باب سوء الظن بالله. ثمّ المتَطيِّرُ هذا لا يكاد يَسْلمُ مما يتطير منه إذا فعله، وغيرُهُ لا يصيبه شيء من ذلك، وهذا لأنه أساء الظن بالله، وغيرُهُ لم يكن له ذلك. وقال الله تعالى (أيْ في الحديث القدْسي):"أنا عند ظن عبدي بي فليظُنَّ بي ما شاء"، وفي بعض الطرق: فلْيظُنَّ بي خيرا. (215)
ثم ان هذا المَقام يحتاج إلى تفريق فيقال:
إذا ظن ذلك لغير سَبب يقتضيه عادة فحينئذ يكون الامر كذلك، وإلَّا فَمَنْ خاف مما جرت العادة بأنه مُؤذٍ كالسموم والسباع والولاء ومعاداة الناس، وما هو من هذا النوع لا يكون حراما، لأنه خوْف من سبب محقَّقٍ في مجرى العادة. وقد نقل صاحب القبس عن بعض العلماء أن قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا عَدْوى" ليْس
(213) هذا معنى الأزلام كما ذكر المؤلف، والتي هي عبارة عن أعواد تُكتَبُ عليها تلك الكلماتُ للتفاؤل أو التشاؤم والتطير فها. والاستقسام معناه طلب القَسْم، أي طلب ظهور ما فيه الخير فيتبعه المستقسِمُ، أو ما فيه الشر فيتركه، على زَعْم أهل الجاهلية قبل الاسلامِ. والاستقسامُ
كالأزلام، والنهيُ عنه، ورَدَ ذكره في قول الله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} . سورة المائدة. الآيات: 90، 91، 92.
(214)
هذه الفقرة هي بداية الكلام عند الفراق على الفرق السادس والستين والمائتين بين قاعدة التطيُّر وقاعدة الطِيَرة، وما يَحْرمُ منهما وما لا يَحْرُم". جـ 4. ص 238. ولم يعلق عليه بشيء، الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
(215)
أيْ في الحديث القدسي الذي يرويه النبي صلى الله عليه وسلم ويتحدث فيه عن ربه، أن الله تعالى يقول:"أنا عند ظن عبدي بي"، رواه الشيخان والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه. وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال:"حُسْن الظن من حسن العبادة". رواه أبو داود.
على إطلاقه في بعض الأمراض، لأجْل تحذيره من القُدوم على الوباء، (216) وهذا هو الشأن في مضي القلب على الحكم بمجْرَى العادات، ومن لم يمض على ذلك آل به الأمرُ إلى أن من لم يُقطع رأسه لا يموت، وما أشبه هذا، وذلك يجرُّ إلى الخروج عن نمط العقلاء، وهذا لأن الأكثريَّ كالمطرد الذي لا ينخرم، يتبعهما العقلاء، ولا مذمة تلحقهم على ذلك شرعا، بَلْ المذمَّة تَلحقهم لمخالفتها. وهذا القسم كشراء الصابون يوم السبت ونحو هذا من هذَيان العوام.
ومن الأشياء ما هو قريب من أحد القسمين ولم يتمحض، كالعدوَى في بعض الأمراض ونحوه، فالورَع ترْك الخوف منه حذراً من ألطِيرة.
ومن ذلك، الشؤمُ الوارد في الأحاديث، ففي الصحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الشؤم في ثلاث: في الدار والمرأة والفَرَس"(217)، وفي بعضها: "إن
(216) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عدْوَى، ولا طيَرَةَ، ولا هامةَ، ولا صفر، وفِرَّ من المجذوم كما تفِرُّ من الاسد". رواه البخاري في الجذام. وقال:"لا تُورِدُوا المُمْرِض على المُصِح" .. رواه الشيخان وأبو داود عن أبي هريرة.
وعنه ايضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عدوى ولا صفرَ ولا هامةَ، فقال أعرابي: يا رسول الله، فما بالُ الابل تكون في الرمل كأنها الظاء (أي الغزلانَ في سلامتها وخفة حركتها)، فيخالطها البعير الأجرب فيجربها كلها، قال صلى الله عليه وسلم: فَمَنْ أعدَى الأول؟ (أي من أنزل به ما نزل، ومن أصابه بما أصيب به من الجرب؟ ، فاراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينبه الاعرابي إلى أن ذلك قدَرٌ من الله، وانَّهُ لا يقعُ ولا يكون في مُلْكِه إلا ما أراده الله سبحانه.
والمراد بالعدوى: مريان المرض من المريض، وانتقالُه منه إلى غيره.
والهامة طائر من الطيور او طائر البُوم، إذا سقط في مكان أو سُمِع صوته تشاءم منه أهل ذلك المكان، أو غير ذلك من الدواب تصيح فيتشَآمُ الناس منها.
وصفر، وراد به شهر صفر، حيث كادْ أهل الجاهلية يُحفونه عاما، (فيبيحُون فيه القتال بينهم، ويحرمونه عاما، أي يعتبرونه أحد الاشهر الحرم الاربعة، فيجعلونه في محل رجب أو غيرها، فيحرمون فيه القتال ويمنعونه بينهم، فنفى صلى الله عليه وسلم تلك الاعتقادات الفاسدةَ، وأرشدَ الناسَ ودعاهم إلى حسن الظن بالله وإلى التوكل والاعتماد عليه سبحانه، وهو المدبّر للأمور، والمصَرِّف للأحوال، ولا تعارضَ بين هده الاحاديث، فلكل فها معنى توجيهٌ يجْعَلُهُ يلتقِي مع الآخر، فنَفْىُ العدوى يعنى أن المرض لا يُعْدِى بطبعه، وإنما يعدي بأمر الله وقدره، والأمر
بالفِرارِ من المريض مَرَضاً قد يتأذى منهُ الانسان، يعني الارشاد إلى الاحتياط، مع التوكل على الله والتحصن به سبحانه، فهو الحافظ اللطيف الخبيرُ. والفاعل لما يريد ويختار.
(217)
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا عَدْوَى ولا طِيرَة، إنما الشؤمُ في ثلاث: في الفَرَس، والمرأة والدَّار" متفق عليه بين البخاري ومسلم. وأخرجه كذلك أبو داود والترمذي، رحمهم الله جميعا.