المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعة من قبول الشهادة من التي ليست كذلك - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعة من قبول الشهادة من التي ليست كذلك

المسألة الأولى:

أن الخُلطة حيث اشتُرِطت فهي تَثبُت بإقرار الخصم، والشاهديْن، والشاهد واليمين، لأنها أسبَابُ الأموال، فتُلحَقُ بها. (في الحِجَاج). وقال ابن لُبابة: تَثْبُتُ بشهادة رجل واحد وامرأة، وجَعَله من باب الخبَر، وروي عن ابن القاسم.

المسألة الثانية:

إذا دَفع الدعوى بعداوة، المشهور أنه لا يحلف، لأن العدواة مقتضاها الِإضرار بالتحليف، وقيل: يحلف، لظاهر الخبَر.

المسألة الثالثِة:

قال أبو عمران: خمسة مواطن لا تعتبر فيها الخلطة، الصانع، والمتهمَ بالسرقة، والقائل عند موته: لي عند فلان دَيْن، والضيفُ عند الرجل فيدَّعِي عليه، والعاريةُ والوديعة.

‌القاعدة الثامنة

في تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

. (51)

إعْلَم أن إمام الحَرَمَيْن منع من اطلاق صغيرة على شيء من معاصي الله تعالى، وكذلك قال جماعة من العلماء. وقال غيرُهم: يجوز ذلك. واتفقوا أن العاصى تختلف بالقدْح في العدالة، وأنه ليس كلّ معصية يَسقط بها العدْل عن مرتبة العدالة، فالخلاف على هذا إنما هو في الاطلاق فقط، وقد ورد إلكتاب العزيز بالاشارة إلى الفرق في قوله تعالى:{وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} (52)،

(51) هي موضوع الفرق التاسع والعشرين والمائتين بين القاعدتين المذكورتين. جـ 4. ص 65.

(52)

سورة الحُجُرات: الآية 7. وأوَّلها: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} ومن الفسق والعصيان الوشايةُ بالناس، ونقلُ الأخبار الكاذبة عنهم، وذلك منهي عنه ومن الانصياع له بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} الآية 6 من نفسِ السورة.

ص: 238

فجعل للمعْصية رُتَباً: كُفْراً، وفُسوقا وهو الكبيرة، وعصيانا وهو الصغيرة. ولو كان المعنى واحداً لكان اللفظ في الآية متكررا، وهو خلاف الأصل.

إذا تقرر هذا فنقول: الصغيرة والكبيرة في المعاصي ليس من جهة من عصَى، بل من جهة المفْسَدة الكائنة في ذلك الفعل. فالكبيرة ما عظُمَتْ مفسدتها، والصَّغيرة ما قلّتْ مَفْسدَتها، ورُتَبُ المفاسد مختلفة، وأدنى رُتبها يترتب عليها الكراهية، ثم تترقى حتى تكونَ أعظم رَتب الكراهَة دون الأدْنى من رتب المحرَّمات، ثم تترقى حتى تكون أعلى رتَب الكبائر، يليها الكفر.

إذا تقرر هذا فالكبيرة تُرَدُّ بها الشهادةُ، وهي ما ثَبت أنها كبيرة بالكتاب أو السُّنة أو بالإِجماع، أو كان قد رُبِط بها حدّ من الحدود، كقطع السرقَة وجَلْد الشرُّب ونحوِهما، أو ما كان فيه وعيد صريح من الكتاب أوْ السنة، فإذا كان (53) هكذا نَنْظر ما ليس فيه هذا، فإن تساوى أدناه (مفسدةً) ورجح عليه في المفْسدة ألحقناه به ورددْنا به الشهادة، وما وجدناه قاصراً عن أدنى الكبائر جعلناه صغيرة لا تَقْدَح. (54) في العدالة، ولا تُوجب فسوقا إلا أن يُصِرّ عليها فتكون كبيرة.

وهناَ أربعُ مسائل (55):

(53) هكذا في ع. وفي ت: فما كان. وفي ح: نُظِرَ ما ليس فيه هذا.

(54)

كذا في ع. وفي ح، وت: لا يقدح، ومرجع الضمير في كلا العبارتين واضح.

(55)

علق ابن الشاط على كلام القرافي هنا فقال: ما قاله في أول الفرق إلى هذه المسائل، ونقله فيه صحيح، إلا ما قاله في ضبط الكبائر والصغائر باننظر إلى مقادير المفاسد فإنه أصل لا يصح، لأنه بناء على قواعد المعتزلة، وعلى تقدير ألا يكون بنى على ذلك بل على أن الشرع فهمنا منه مراعاة المصالح تفضُّلاً، فلا يصح أيضا الفرق بالنظر إلى مقادير المفاسد، لجَهْلنا بذلك وعدم وصولنا إلى العلم بحقيقته. وإنما الضابط لما تُرَدُّ له الشهادة مادل على الجرأة على مخالفته الشارع في أوامره ونواهيه، أو احتمل الجرأة. فمن دلّتْ قرائن حاله على الجرأة رُدَّتْ شهادتُه كمرتكب الكبيرة، المعلوم من دلائل الشرع أنها كبيرة، أو المصرُّ على الصغيرة إصرارا يؤذن بالجرأة.

ومن احتمل حالُهُ أنه إن فعل ما فعلَ من ذلك - جُرْأة أو فلتة - توقف عن قبول شهادته، ومن دَلتْ دلائل حاله أنه فعل ما فعله من ذلك - أعني ما ليس بكبيرة معلومة الكِبَر من الشرع - فلتةً غير متصف بالجرأة قُبلتْ شهادته، والله تعالى أعلم، لأن السبب في رد الشهادة ليس إلا التهمة بالاجتراء على ما ارتَكبه من المخالفة، فإذا عَري من الاتصاف بالجرأة واحتمال الاتصاف بها بظاهر حاله سقطت التهمة، والله تعالى أعلم.

ص: 239

المسألة الأولى.

ما هو الإِصرار الذي يُصَيُرُ الصغيرةَ كبيرةً؟ فقال بعض الناس: هو أن يتكرر الذنبُ منه، كأنَ يَعزم على العَود أم لا؟ وقال بعضهم: إنْ تَكَررَ من غير عزم لم يكن إصرإراً، وإنما يكون إصرارا إذا فعَل الذنب وهو عازم على معاودته، فيقال: فُلَان مُصِرٌّ على العدواة، أي مصمم عليها بقلبه، وعلى مصاحبتها ومداومتها، وهذا هو المفهوم من عُرف الاستعمال، وهو الأرجَحُ. (56)

المسألة الثانية: ما ضابط التكرار في الإصرإر الذي ما يُصَيِّر الصغيرةَ كبيرةً؟

قال بعض العلماء: يُنظَر إلى ما يحصل من ملابسة أدنى الكبائر من عدم الؤثوق بملابستها في أداء الشهادة، والوقوفِ عند حدود الله تعالى، ثم يُنظَرُ لذلك التكرار في الصغيرة، فإن حصل في النفس من عدم الوثوق به ما حصل من أدنى الكبائر كان هذا الِإصرارُ كبيَرةَ تُخِل بالعدالة، (57) وهذا يؤكد أنه لابد فيه من العزم. (58).

(56) كلام القرافي هنا يزيد هذه العبارة بيانا ووضوحا حيث قال: "ولا يُفهَم في عرف الاستعمال من الإصرار إلا العزمُ والتصميمُ على الشيء، والأصل عدم النقل والتغيير، فوجب أن يكون ذلك معناه لغة وشرعا، هذا هو الذي ترجح عندي".

وقد عقب العلامة ابن الشاط على ما جاء عند الإِمام القرافي في هذه المسألة الأولى فقال: "الإصرار- لغةً- المقام على الشيء، والمعاودة له. سواءٌ أكان ذلك فعلا أو غيره، لا ما قاله المؤلف من انه العزم والتصميم على الشيء، وعلى ذلك، فالإصرار المَصَيِّرُ للصغيرة كبيرةً مانعةً من قبول الشهادة إنما هو المعاودة لها معاودةً تُشعِر بالجرأة على المخالفة، لا المعاودةُ المقترِنة بالعزم عليها، لأن العزم مما لا يتوصَّل إليه، لأنه أمرٌ باطن.

فإن قيل: الجرأة أمرٌ باطن، قلت: لم أشترط الجرأة بنفسها، وإنما اشترطت الإشعار بها، وهو ما يُدْركه من يتأمل أحوال الْمُواقع للمخالفة، والله أعلم.

(57)

قال ابن الشاط: ما قاله هذا العالم هو الذي أشرت إليه من الإشعار بالجرأة، وهذا كلام صحيح لا ريب فيه.

(58)

عقب ابن الشاط على قول القرافي هنا: "وهذا يؤكد أن الإِصرار لابد فيه من العزم، فإن الفلتات من غير أن تستمر لا تكاد تخل بالوثوق"، قال: إن اراد انه لابد من معرفتنا بعزمه فذلك غير صحيح، وكذلك إن أراد أن الحالة الشعرة بالجرأة، وكذلك إن اراد أن الحالة المشعرة بالجرأة لا تخلو عن الإِشعار بالعزم، لأنه ربَّما عاود المخالفة من غير عزم للمعاودة، وتكون حاله هذه مشعرة بجرأته على المخالفة، فالعزم لا حاجة إلى اشتراطه بوجه، والله أعلم.

ص: 240

وبهذا الضابط أيضا، يُعْلَمُ المباح المُخِلُّ بقبول الشهادة، كالأكل في الأسواق، بِأنْ يَصْدُرَ منه صدوراً (59) يوجب عدم الوثوق به في حدود الله تعالى، كان ذلك مُخِلاً. (60) وذلك يختلف بحسب الأحوال المقترنة وصورة الفاعل وهيئة الفعل، والمعتَمَدُ في ذلك على ما يوجَد في القلب السالم عن الأهواء، المعتدِل المزاج والعقل والديانة، العارف بالأوضاع الشرعية، فهذا هو المعنى لوَزْنِ هذه الأمور. (61) ومتى تخللت التوبةُ الصَّغَائرَ فلا خلافَ أنها لا تقدحَ في العدالة، وكذلك ينبغى إذا كانت من أنواع مختلفة، وإنما يحصل اللَّبْس إذا كانت متكررة من نوع

واحد.

(59) في ع: بأن تصْدُر منه صُور توجب عدم الوثوق به، وفي ح: بان تصدر منه صورة (بالإفراد)، وفي ت: فإنه تصدر منه صور، وفي نسخة رابعة:"بأنْ يَصْدُرَ منه صدوراً"، وعند القَرافي:"فإن يصْدُر منه صدورا"، وعبارة القرافي أظهر وأوضح، لأن الكلام يكون فيه شرط وجواب، أحدهما فعل مضارع، والثاني فعل ماض، وينطبق عليه قول ابن مالك.

وماضِيَيْنِ أو مضارعيْن

تُلفيهما أو متخالفيْنِ.

(60)

عقب ابن الشاط على هذا الكلام عند القراقي فقال: ما قاله هنا ليس بصحيح، وإن المباح المخل بقبول الشهادة ربَّما لا يُخِل بها من الوجه الذي تُخل به المخالفة، فإن إخلال المخالفة إنما هو بالعدالة التي أحد ركني قَبول الشهادة، فكيف يكون ضابط الأمرين ضابطا واحدا؟ هذا لا يصح، بل الضابط أن: مخالفة العادة الجارية من الشاهد في أموره المباحة ربما أشعرت بخلل في عقله فيتطرق الخلل إِلى ضبطه، وربَّمال تُشْعِرْ، وذلك بحسب قرائن الأحوال، فإن أشعرت بذلك أو احتملت رُدت شهادته في قبولها، أو توقفت، والله أعلم.

(61)

قال ابن الشاط: ما قاله القرافي هنا إلى آخر هذه المسألة الثانية صحيح، وما قاله في المسألتين: الثالثة والرابعة، نقلٌ توجيه، ولا كلام فيه.

قلت: وتحْضُرني هنا الأبيات المتعلقة بعدالة الشاهد، والتي جاءت في منظومة تحفة الحكام للفقيه الورع الحجة الإِمام في فقه القضاء، أبي بكر محمد بن عاصم رحمه الله حيث قال:

والعدْل من يجتنب الكبائر

ويتقى في الغائب الصغائر

وما ابيح وهو في العيان

يقدح في مروءة الإنسان

وقال:

وفلْتةٌ من ذي مروءة عثر

في جانب الشاهد مما يغتَفَرْ

وهو لذلك يذكر بالحديث النبوي الشريف القائل: "أقيلوا ذي المروءة عثراتهم".

ص: 241

المسألة الثالثة.

المشهور عندنا قَبول شهادة القاذف قبْل الجَلْد وإن كان القذف كبيرة باتفاق، وقال به أبو حنيفة، وردَّها عبد الملك ومطرِّف والشافعي وابن حنبل رضي الله عنهم.

لنَا أنه قبل الجَلْد غيرُ فاسق، لأنه ما لم يُفْرَغْ من جَلْده يجوز رجوع البيِّنة، أو تصديقُ المقذوف له، فلا يتحَقق الفِسقُ، إلّا بعْدَ الجَلْد. والأصل استصحاب العدالة، إذ هي الحالة السابقة.

احتجوا بوجوهٍ:

الأول، أن الآية اقتضت ترتيب الفسق على القذف، وقد يتحقق القذف فيتحقق الفسق بتحققه، سواءٌ جُلِد أوْ لا.

الثاني، أن الجَلْدَ فرع ثبوت الفسق، فلو قلنا: الفسق يتوقف على الجلد لَزِمَ الدَّوْر. (62)

الثالث، أن الأصل عدم قبول الشهادة إلا حيث تيقَّنَّا العدالة، ولم تُتَيقن، فَتُرَدُّ.

والجواب أن الآية اقتضت صحة ما ذكرنا لا ما ذكرتم، لأن الله تعالى قال: " {فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (62 م) فرَتَّب الشهادة والقَبول على الجلد.

قلت: هذا بعيد، وليس في الآية ما يدل عليه، بل رتب الجَلْد وعدمَ قبول الشهادة، والفسقَ على القذف، فانه قال:{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ} ، كذا كذا، وهذا لا خفاءَ به.

(62) الدَّور بفتح الدال أن يكون الشيء متقدما ومتأخرا في نفس الوقت، بحيث يتوقف على ما قبله ويتوقف ما قبله عليه، وهو محال، كان يتوقف الفسق على الجَلدِ، ويتوقف الجَلْد على الفسق مثلا، وهو من المستحيلات العقلية، مثل التسلسل إلى ما نهاية له، كما يذكره علماء التوحيد والمنطق في الأدلة النظرية والمنطقية.

(62 م) أولها: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً

}، سورة النور، الآية 4.

ص: 242

قال شهاب الدين: وعن الثاني أن الجَلدَ فرع ترتيب الفسوق، ظاهرٌ ظهوراً ضعيفاً، (63) لجواز رجوع البينة أو تصديق المقذوف، فإذا أقيم الجلد قوِي الظهور، وحينئذ نقول: إنّ مُدْرَكَ رَدِّ الشهادات إنما هو الظهور القوي لأنه المُجْمَعُ عليه، والأصل بقاء العدالة السابقة.

قلت: الحق أن الجَلْد والفسق ليس أحدهما فرعاً للآخَر، ولا الآخرُ أصْلاً له، بل هما فرعانِ للقذف ولَازِمانِ له، وكذا اقتضت الآية كما تقدم.

المسألة الرابعة.

قال الباجى. قال القاضى أبو إسحاق والشافعي: لابُدّ في توبة القاذف من تكذيبه لنفسه، لأنَّا قضينا بتكذيبه في الظاهر لَمَّا فسَّقْنَاه، فلو لم يُكَذب نفْسه لكان مُصِراً على الكذب الذي فسَّقناه لأجْله.

وعليه إشْكالان: أحدهما أنه قد يكون صادقا في قذفه، فتكذيبه لنفسه كذِبٌ، فكيف يُشترَطُ المعصية في التوبة؟ وثانيهما أنه إنا كان كاذبا في قذفه فهو فاسق، أو صادقا فهو عاص، لأن تعيير الزاني بزناه معصية، فكيف ينفعه تكذيبُهُ نفسَه مع كونه عاصياً بكل حال؟ .

والجواب عن الأول أن الكذِبَ للحاجة جائز، ككذِب الرجل لإصلاحه بين الناس، (64) وهذا التكذيب فيه مصلحة السَّترِ على المقذوف، وتقليلُ الأذِيَّة، ورفْعُ الفضيحة، وقَبولُ شهادته في نفسه، وعَوْدُه إلى حالة الكمال.

(63) كذا في ع وح. وفي ت: وعن الثاني أنْ الجَلْد فرع، فَتَرْتيب الفسق ظاهر ظهورا ضعيفا، وهذه عبارة أكثر سلامة ووضوحا في الذهن والمعنى، وعند القرافي "أن الجلد فرع ثبوت الفسقِ ظاهر ظهورا ضعيفا، وتعقيب الشيخ البقوري على شيخه القرافي أوضح هذه المسألة، وزادَها بياناً ووضوحاً، فليتأمل، والله أعلم.

(64)

من أم كلثوم بنتِ عُقْبة رضي الله عنها قالت: ما سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يرخِص في شيء من الكذب إلا في ثلاث، كان يقول: لا أعُدُّه كاذبا. الرَّجلُ يصلح بين الناس، يقول القوْلَ ولا يُريد به إلا الإِصلاح، والرَّجل يقول في الحرب، والرَّجل يُحَدَّثُ امرأته والمرأة تحدث زوْجَها". رواه أبو داود وغيره من ائمة الحديث رحمهم الله.

ص: 243