الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الثانية:
في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب
. (10)
قال مالك وأبو حنيفة: إذا وقع القذف من الزوج للزوجات فاللعان يتعدد بتعددهن، كان ذلك في مجلس واحد أو مجلسيْن، وإذا وقع من أجنب فحَدٌّ واحدٌ يُسقِط كلَّ قذف قبله.
وقال الشافعي: إنْ عَدَّدهُن بكلمات مفترقات فعليه لكل واحدة حدٌّ. وقال ابن حنبل، وبكلمة واحدةٍ، للشافعي فيها قولان. وكذلك لأحمد.
فالحَنَفِيَّة قالوا: هو حقٌّ لله تعالى، فتداخل. والشافعية قالوا: هو حقٌّ لآدَمي فيتعدَّد. وَيلزَمنا أن يكون عندنا قولان، بناءً على أن حدَّ القذف لله تعالى أو للادمي، لأن لنا في هذه القاعدة قوْليْن. (11).
ودليلُنا أن هلال ابن أميَّة رمى امرأته بشَريك، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"حَدٌّ في ظهرك أو تَلْتعن"(12)، ولم يَقُل: حَدَّانِ.
وأيضا فإن عمر جلَد شهود الغيرة الذين شهِدوا عليه بالزني حداً واحداً لا حدَّيْن.
وأيضا، فحَدَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم القاذفين لعائشة حداً واحداً، (13) ولمْ يحُدَّهم حدَّين، الواحدُ لعائشة، والآخَرُ لصفوانَ.
(10) هي موضوع الفرق الخامس والآربعين والمائتين بين قاعدة القذْف إذا وقع من الأزواج للزوجات، فإن اللعان يتعدد بتعددهن إذا قَذَفَ الزوجُ زوجاتِه في مجلس أو مجلسيْن، وبين قاعدة الجماعة يقذفهم الواحد فإن الحد يَتَّحِدُ عندنا". جـ 4. ص. 175. ولم يعلق عليه بشيء الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
(11)
حكاهما اللخمي والعبدي وغيرهما من العلماء المالكية.
(12)
أخرجه كل من الإِمامين: البخاري والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما، وانظر الحديث بطوله وتمامه في كتابيهما. وفي بابه.
(13)
عن عائشة رضي الله عنها، قالت، وقد نزلت آياتُ الإفك من سورة النور تُبَرّئها وتبريء ساحتها مما اتُّهِمت به وخاضَ فيه الخائضون الأفاكون:"لمَّا نزل عُذْري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فذكر ذلك (أي تَلا تلك الاياتِ) وتَلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضُربُوا حدَّهُم".
احتجوا بالقياس علي الزوجات الأربع، فإنه يحتاج لِلعانات أربعٍ.
الجواب أنها أَيمان، والأَيمان لا تتداخل، بخلاف الحدود، فلوْ وَجَبَ عليه أيْمانٌ لجماعة، لم تتداخَلْ.
قلت: ظاهر هذا الجواب يخالف ما قرره أولا من الخلاف، إذ يقتضي هذا أنه لا تداخلَ في الأيمان عند أحدٍ، والتداخل فِى الحدودِ عند كل أحد، سواء كان الحدُّ لله او للآدمي، وقد قال: الخلاف فِى ذلك ينبني على أنه حق لله أو حق للآدمي، وقد كان ينبغي أن يكون الخلاف عندنا في المسألة، لأن الخلاف عندنا في القاعدة هذه.
ثم إنه يقال: إمّا أن يكون اختلاف اللعان يوجب اختلاف الحدود أو لا، فإن لم يوجبه فذِكْرُهُ الفرقَ بين اللعان يتكرر ولا يتداخل، وبين الحدِّ يتداخل، عَيٌّ، فإن الفرق ثانٍ عن الجمع، وحيث لا جمع فلا فرقَ، وإن أوجب ذلك اختلاف الحدود صحَّ قياسُهُم، والله أعلم.
قال شهاب الدين رحمه الله: تَخَيَّلَ بعض أصحابنا وجماعةٌ من الفقهاء أن قوله تعالى: " {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ}
…
الآية، دلَّ على أن القاذف لجماعة يُحَدُّ حدًّا واحدا، قال: وليس كذلك، لأن مقابَلَةَ الجمع بالجمع، تارة تتوزع الأفرادَ على الأفراد، كقوله تعالى:{وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} . (14)
= رواه الترمذي بسند حسن. قال بعض شراح الحديث: والرجلان هما حسان بن ثابت، ومسطح بن أثاثة، وهو ابن خالة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان معه ينفق عليه لقرابته منه ولفقره، والمرأة هي حمنة بنت جحش، وكانوا كلهم تكلموا في عائشة بالإِفك (أي الكذب والإثم)، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإقامة حد القذف عليهم، فتابوا وكانوا من أحسن المسلمين قولا وعملا، رضي الله عنهم اجمعين، وألحقنا بهم مومنين مخلصين.
وصفوان هو الصحابي الجليل الذي رافق سيدتنا عائشةَ رضي الله عنها من المكان الذي تركها فيه الجيش، وهي تبحث عن عِقْدها الذي سقط لها، إلى أن وجدتْهُ، وَسارَ أمامها إلى أن أوصلها وهي راكبة على ناقة إلى المكان الذي يوجد فيه النبي صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام في طريقهم إلى المدينة، بعد رحيلهم وعودتهم من غزوة بني المصطلق. أنظر قصة حديث الإفك بتمامها في كتب التفسير والحديث والسيرة النبوية.
(14)
سورة البقرة: الآية 283. وأولها: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}.