المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

. (290)

إعلَمْ أنَّ الاستغفار طلبُ المغفرة، وهذَا إنما يحسُنُ من أسباب العقوبات كترك الواجبات وفِعل المحرمات، أما المكروهات والمندوبات فلا يحسُنُ الاستغفار فيها، لعدم العقوبات في فعلها وترْكها، وهذا أمر ظاهر لاخفاء به، غيرَ أنه وقع لمالك رضي الله عنه فيمن ترك الإقامةَ أنه يستغفر الله تعالى.

ووجْهُ ذلك أن الله تعالى يُعاقِب المذنِبْ بأحدِ ثلاثة أشياءَ:

أحدها: المؤلمات كالنار وغيرها. (291)

وثانيها تيسير المعصية في شيءٍ آخَر. (292)

= الإمامة على الوجْه الشرعي، فلما لم يساعَدُوا على ذلك طلبوا الشركة، طمعا في تحصيل بعض تلك الاجور، إذْ تَعذْر جميعها، هذا هو الائق، لا ما ذكره من إيثار الرئاسة الدنيوية التي لا تناسِبُ أحوالهم في بذلهم في ذات الله تعالى أنفسَهم واموالَهم، والله أعلم.

قلت: ولهذا يجبُ الامساك عما شجر بينهم في هذا الامر حين دراسة تلك الفترة من حياة الصحابة رضوان الله عليهم، والتعرض لها بالشرح والتحليل وأخْذ العبرة والفائدة منها، والتماسُ أسْلمِ الوجُوهِ وأحسن المخارج والتاويلات لما وقع بينهم في ذلك، كما قال علماؤنا رحمهم الله كابن أبي زيد القيراني رحمه الله، ، إذ الصحابة كلهم رضوان الله عليهم كان مجتهدا في رأيه، مستهدفا ومتوخيا المصلحة العليا لأمته ودينه، فإن كان مصيبا في علم الله فله أجران، وان كان مخطئا في علم الله فله أجر واحد، فكلهم اجتهد في المسألة، كلهم في مقام الصحبة التي شرفَهم الله بِها، وقال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: واللهِ لو أنفَقَ أحدكمً ملْءَ الأرض ذهبا ما بلَغ مُدَّ أحدِهم ولا نصِيفه، إلى غير ذلك من فضائلهم رضوان الله عليهم أجمعين.

(290)

هي موضوع الفرق الثاني والتسعين بين قاعدة الاستغفار من الذنوب المحرمات وبين قاعدة الاستغفار من تزكِ المندوبات". جـ 2. ص. 146.

وقد علّق عليه الشيخ ابن الشاط رحمه الله تعالى بقوله: ما قاله القرافي في هذا الفرق صحيح.

(291)

زاد الامام القرافي هنا رحمه الله قوله: وهذا هو الامر الغالبُ في ذلك.

(292)

قال القرافي موضحا ذلك: فيجتمع على العاصي عقوبتانِ: الأولى والثانية، كقوله تعالى:{وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} سورة الليل، الآيات: 8 - 9 - 10، فجَعَل العُسْرى مسبَّبَةً عن المعاصي المتقدمة

الخ.

ص: 512

(293) وتمَامُها قول الله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} سورة الأعراف. الآية 146

ثم قال القرافي هنا رحمه الله: وبهذه المباحث أيضا يظهر ما قاله العلماء أن الإِمام إذا وجدَ في هِو أصْلحُ للقضاء ممن هو مُتَوَلٍّ الآن، عَزَلَ الاول وولى الثاني، وكان ذلك واجبا عليه، لئلا يُفَوَّت على المسلمين مصلحة الافضل منْهُما

الخ.

وقد عقَّبَ ابن الشاط على هذا الكلام بقوله: ما حكاه القرافي عن العلماء من أن الامام إذا وجد من هو أصلح للقضاء عزل المتولي، ينبغي حملُهُ على أن المتولي مُقَصَّرٌ عن الاهلية. ودليلُ ذلك أن المصلحة المقصودة من القضاء تحصل من المفضول المتصف بالأهلية، كما تحصُل من الفاضل المتصِف بها فلا وجْه لعزله، وقياسُهُ على الوصى فيه نظر، واستدلاله بقوله صلى الله عليه وسلم:"من وليَ من أمور أمتى شيئا ثم لم يجهد لهم ولم ينصَحْ فالجنة عليه حرام"، نقول بموجبه، ولا يتناول محل النزاع، فإن الكلام ليس فيمن لم يجهد ولم ينْصَحَ، وإنما الكلام فيمن يجهد وينصَحُ وهو أهل لذلك، غير أن غيره أمسُّ بالاهلية منه، انتهى كلام ابن الشاط رحمه الله.

قلت: وقد تناول علماؤنا رحمهم الله الكلام على موضوع الخلافة الكبرى والإمامة العظمى، وضرورتها للامة، وشروطها، والولايات والخطط التي تندرج تحتها وتخضع لها، وبَسَطُوا ذلك بسطا شرعيا ما عليه من مَزيدٍ، وفي مقدمتهم الامام العلامة ابو الحسن الماوردي، وابو يعلى الفَرَّاء، وابن تيمية، وابن خلدون رحمهم الله، وغيرهم، في كتب الاحكام السلطانية، والسياسة الشرعية في الاسلام، فكان من ذلك ما قاله الماوردي في هذا الموضوع:

"الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا، وِعقدُها لمن يقوم بها في الامة واجب بالإجماع، واختُلِفَ هل هي واجبة بالعقل وٍ هو قول طائفةٍ من أهل العلم، لأنه لولا الولاية العظمى لكان الناس فوضى مهْمَلين، وهمجاً مضاعين، كما قال الشاعر الجاهلي الأفوه الأوْدِي:

لا يَصْلُحُ الناس فوْضَى لا سَراةَ لهم

ولا سَراة إذا جهالهم سادوا

والسّراة بفتح السين جمع سَرِى وهو السيد في القوم لمكانته وعلمه ونسبه وغير ذلك.

وقالت طائفة أخرى: الإمامة واجبة بالشّرع. قال الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} ، ففرضَ علينا الحق سبحانه طاعةَ اولي الامر فينا، وهم الحلفاء والائمة المتأمرون علينا". وتعرَّض العلماء لشروط الإمامة العظمى، وهي العدالة، والعلم المؤدى إلى الاجتهاد، وسلامةُ الحواس، وسلامةُ الاعضاء. وحسْن الرأي، والشجاعةُ، والنجدة، والنسبُ، والمرادُ به أن يكون الخليفة من قريش، لورود النصٌ به، وانعقادِ الاجماع عليه، لأن أبا بكر رضي الله عنه احتج به يوم السقيفة على الانصار في دفعهم عَن الخلافة لما بايعوا سعد بن عبادة، بِقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأئمة من قريْش"، ، فأقلعوا عن =

ص: 513

وكما يعاقب الله تعالى بأحد ثلاثة أشياء يثيب بأحد ثلاثة أشياء:

أحَدُها الأمور المستلَذَة. (294)

وثانيها تيسيرُ الطاعة. (295)

وثالثها تعْسير المعاصي عليه.

إذا تقررت هذه القاعدة، فإذا نسيِ قوله الانسان الإِقامة وغيرها من المندوبات دلَّ هذا الحرمان على أنه مسبَّبٌ عن معاصِ سابقةٍ. (296)

وإذا كان ترْك الطاعة مسبَّباً عن المعاصي المتقدمة، فحينئذ إذا رأى المكلَّفُ ذلك سأل الله المغفرة من تلك المعاصي المتقدمة حتى لا يتكرَّر عليه مثلُ تلك المعصية، فالاستغفار على ترك الإِقامة لأجل غيْرها، لا أنه لها. (297)

= التقرب بها، ورجعوا عن المشاركة فيها، ورضوا بقوله:"نحنُ الامراء وأنتم الوزراء"، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: قَدِّمُوا قريشاً ولا تَقَدَّمُوهم"، وليس مع هذا النص المسلم به شبهةً لمنازع ولا قول لمخالف لَهُ، وبوجوب الإمامة بالشرع، قال العلامة بُرهان الدين إبراهيم بن هارون اللقافى (ت 1041 هـ) منظومته جوهرة التوحيد:

وواجبٌ نصبُ إمام عدْلٍ

بالشرع فاعلَمْ لا بِحكم العقْل

(294)

كما في الجنّاتِ من الماكول والمشروب وغيرهما.

(295)

أقوله فيجتمع للعبد مثوبتان، لقوْله تعالى: " {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} [الليل: 5 - 7] فجعل اليسرى (وهي فعل الخير) مسببة عن الاعطاء وما مَعَه.

(296)

أي لقوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (30)} [الشورى: 30]. قال القرافي: وفوات الطَاعة، مصيبتُها أعظم المصائب، فإن كلمات الأذان طيبة مشتملة على الثناء على الله تعالى، توجِبُ لقائِلِها ثوابا سرمديا خيراً من الدنيا وما فيها

الخ.

(297)

وحُكْم الإقامة للصلاة معروف، وهو السنية مثلُ الأذان، وفضْلُهُما وثوابهما عند الله تعالى كبير وعظيم. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الشيطان إذا سمعَ بالصلاة ذهبَ حتَّى يكون مكانَ الرَّوْحاءِ". وهو مكان على بعْدِ أرْبعين ميلا من المدينة تقريبا، رواه الامام مسلم رحمه الله.

وعن عبد الله بن عبد الرحمان بن أبي صعصعة أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه قال له: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتِك فأذَّنتَ بالصلاة فارفعْ صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدَى صوتِ المؤذِن جن ولا إنس إلا شهِد له يوم القيامة". رواه الامام احمد، والامام مسلم رحمهما الله. =

ص: 514

وكذلك سائرُ المندوبات إذا فاتت يتعين على الانسان الاستغفار لأجْل ما دل عليه الترك من ذنوب سابقة، فهذا وجْهُ أمر مالِكٍ بالاستغفار في ترك المندوبات، لا أنه يعتقد أن الاستغفار مشروع في ترْك المندوبات، ولا إشكالَ على هذا، واللهُ أعلم (298)

= وفي بيان حكم الأذان والإقامة، وهو السنية كما سبق ذكره والإشارة إليه، يقول الشيخ خليل بن اسحاق المالكي رحمه الله في مختصرة الفقهي المشهور:"سُنَّ الأذان لجماعة طلبتْ غيْرها في فرض وقتي ولوْ جُمعةً، وهو مُثنّى "ولو الصلاةُ خيرٌ من النوم"، (أي في أذان الفجر خاصة)، مرجع الشهادتين بأرفع من صوته أولا، مجزوم، بلا فضل ولو بإشارة الكلام

". وقد جمع ذلك الشيخُ الإِمام العلامة أبو محمد عبد الواحد بن عاشر رحمه الله في بيت من منظومته الفقهية الشهيرة والمسمَّاةِ بالمرشد المعين علِى الضوري من علوم الدين فقال:

سُنَّ الأذَانُ لجماعةٍ اتُتْ

فرضاً بوقْتِه وغَيْراً طَلَبَتْ

ثِم قال الشيخ خليل في سُنِّية الإقامة للصلاة. "وتُسَن إقامة منفردة، وثُنِّيَ تكبيرها لفرض وإنْ قضَاءً، وصحَّتْ (الصلاة) ولَوْ تُرِكَتْ (الإقامة) عمداً، وإن اقامتْ المرأة فحسنٌ".

(298)

قال القرافي رحمه الله في ختام هذا، مبينا الغاية منه:

"فقد ظهر الفرق بين قاعدة الاستغفار من الذنوب المحرَّمات، وبين قاعدة الاستغفار من ترك المندوبات، وأنَّهُ في فعل المحرمات وتركِ الواجبات، لأجْلِها مطابَقة، وفي تَرْك المندوبات لأجْل ما دلَّتْ عليه بطريق الالتزام، لا أنهُ لها مطابقة.

وبهذا التقرير تُحَلَّ مواضع كثيرة مما وقع للعلماء من ذكر الاستغفار عن ترك المندوبات، فيُشكِل ذلك على كثير من الناس، وليس فيه كبير إشكال، بسبب ما تقدَّم من الفرق والبيان".

قلت: وبقطع النظر عن موقع الاستغفار ومكانه المناسب، وسببه الموجب له كما رأيناه لِائَمتنا وفقهائنا الأعلام، وكما ذكروه رضي الله عنهم ورحمهم اجمعين، فإن ذلكْ لا يتنافى ولا يتعارض مع كون الاستغفار مطوباً من المسلم والمسلمة في كل آن، مستحَبا منه على آية حال كان، من الطاعة والذكر وصالح الأعمال، لنيل فضله وثوابه، وتحصيل أجره وخيره، وادراك المغفرة والرحمة به من الله تعالى، مصداقا لقوله سبحانه:{وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ..

ومما يدل على ذلك ويرشد إِليه ما جاء في فضل الاستغفار، وذكَرهُ حجة الإسلام أبو حامد الغزالى رحمه الله حيث جاء في كتابه الإِحياء قوله: قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} . وقال عبدٌ الله بن مسعود رضي الله عنه: في كتاب الله عز وجل آيتان، ما أذنبَ عبدٌ ذنبا فقرأهما واستغفر الله عز وجل إِلا غفر الله له: الأولى هي الآية السابعة من سورة آل عمران: 135، والثانية قوله عز وجل:{وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: 110]، وقال سبحانه:{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3] وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر مِن قوله: سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي، إنك أنت التواب

ص: 515