المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلمه من النجوم مما لا يجب - ترتيب الفروق واختصارها - جـ ٢

[البقوري]

فهرس الكتاب

- ‌النكاح والطلاق

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها الفرق بين أنكحة الصبيان وطلاقهم

- ‌القاعدة الثانيةأقرِّرُ فيها الفرقَ بين ذوِى الأرحام والعَصَبة حتى كان للعَصَبة الولايةُ في النكاح ولم يكن ذلك لِمَن يُدْلي بجهة الأمّ

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها لِمَ كان الإِخوة في النكاح وميراثِ الولاء وصلاةِ الجنازة يُقَدَّمون على الأجداد، ولِمَ كانوا على السواء في الميراث

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها أن تحريم المصاهَرَة ليس رُتْبةً واحدة، بل هو رُتَبٌ

- ‌القاعدة السابعة

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرِر فها الفرق بين ما يَحْرُم الجمعُ بينهن من النساء وبين ما يجوز الجمعُ بينهن

- ‌القاعدة العاشرة:نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ

- ‌القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن

- ‌القاعدة الثانية عشرة:لِمَ وقع الحَجْرُ على النِّساء في الأبضاع ولم يقع الحَجْرُ عليهن في الأموال

- ‌القاعدة الثالثة عشرةأقرر فيها ما به ينعقد النكاح، وأنه يخالف البيع فيما يُشترط فيه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:لِمَ كان الثمنُ في البيع يتقرَّر بالعقد، والصَّداقُ في النكاح لا يتقرر بالعقد؟ ، هذا على قول، فإنه قد قيل: يتقرر بالعقد، وقيل أيضًا: يتقرّر النصف بالعقد

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له

- ‌القاعدة السابعة عشرة:أقرر فيها الفرق بين الوكالة والولاية في النكاح

- ‌القاعدة الثامنة عَشرة:أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول

- ‌القاعدة التاسعة عشرة:أُقرر فيها ما يُشترَط في الطلاق من النية وما لا يُشْترَط

- ‌القاعدة العشرون:في الفرق بين قاعدة التصرفِ في المعدوم الذي يمكن أن يتقرر في الذمة وبين ما لا يمكن أن يتقرر في الذمة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون:لِمَ كان قرْءٌ واحد يكفي في الاستبراء، وشهر واحد لمن لا تحيض لا يكفي في الاستبراء فلابد من ثلاثة أشهر، وثلاثةُ أشهر إنما جُعِلَتْ مكانَ ثلاثة قروءٍ

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرر فيه الفرق بين خيار التمليك في الزوجات وتخيير الإِمَاء في العتق حتى كان يَلزم في الزوجات ولا يَلزم في الإماء

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:في الفرق بين التخْيير والتمليك

- ‌النفقة

- ‌قواعد البيوع

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها أين يصح اجتماع العوضين لشخص واحدٍ، وأيْن لا يصح

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها الفرق بين النقل والإِسقاط

- ‌القاعدة الرابعة:أقرر فيها بيان ما يَقبل المِلك من الأعيان والمنافع مما لا يقبله

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة:في بيانِ ما تُؤَثِّر فيه الجهالةُ والغرَرُ مما لا تؤَثِّرُ

- ‌القاعدة الثامنة:أبين فيها ما يجوز بيعه على الصفة وما لا يجوز

- ‌القاعدة التاسعة:أقَرر فيها ما به يجوز بيع الربوي بجنسه وما به لا يجوز

- ‌القاعدة العاشرة:أقرر فيها ما يدخله ربا الفضل وما لا يدخله

- ‌القاعدة الحادية عشرة:أقرّرُ فيها معنى الجهل ومعنى الغرر حتى يظهر بذلك اختلافهما

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:نُقَرر فيها ما يجوز اجتماعه مع البيع وما لا يجوز

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:أقررُ فيها ما يتعين من الأَشياءوما ل يتعين في البيع ونحوه

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:أقرر فيها ما يجوز بيعه قبل قبضه وما لا يجوز

- ‌القاعدة السادسة عشرة:أقرر فيها ما يتْبَعُ العقدَ عُرفا ومالَا

- ‌القاعدة السابعةَ عشْرةَ:أقرر فيها ما يجوز به السَّلَمُ ويصح

- ‌القاعدة الثامنة عشرة في الصلح

- ‌القاعدة التاسِعة عشرة:في تقرير حكم الأهوية وتقرير حكم ما تحت الأبنيَّة

- ‌القاعدة العشرون:أقرر فيها ما معنى الذمة وما معْنَى أهلية المعاملة

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:أقرر فيها ما معنى المِلْكِ وما معْنَى التصرف

- ‌القاعدة الثالثة: والعشرون:أقرر فيها ما مصلحته من العقود في اللزوم وما مصلحته عدم اللزوم

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:أقرِر فيها ما يُمنَع فيه الجهالةُ وما يُشترَطُ فيه الجهالة بحيث لو فقِدت فَسَد

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون:أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا

- ‌الإِجارة

- ‌القاعدة الأولى:أقرر فيها ما يملك من المنفعة بالاجارة وبيْن (1) ما لا يُملَكُ منها بالإِجارة

- ‌القاعدة الثانية:أقرر فيها ما للمستاجِر أخْذُهُ من ماله بعد انقضاء الإجارة مِمّا ليس له أخْذُه

- ‌القاعدة الثالثة:أقرر فيها ما يضمنه الأُجَرَاءُ عند الهلاك مما لا يضمنونه

- ‌القاعدة الخامسة:أقرر فيها ما يُضمَن بالطرح من السفن وما لا يُضْمَن

- ‌القاعدة السادسة:في الفرق بين الإِجارة والرزق، (14 م)

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة

- ‌الضمان

- ‌القاعدة الأولى:نقرر فيها ما بِهِ يكون الضمان

- ‌القاعدة الثانية: فيما يتعلق بالصائِل

- ‌القاعدة الثانية: ما يجوز التوكيل فيه مما لا يجوز

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بين الأملاك الناشئة عن الإِحياء وبين الاملاك الناشئة عن غَير الإِحياء

- ‌القاعدة الرابعة:في تقرير ما يوجبُ استحقاقُ بعضه إبطالَ العقد في الكُلِّ ممّا لَا

- ‌القاعدة السادسة: لِتمييز ما يُرَدُّ من القراض الفاسد إلى أجْرة المثل ممّا يُرَد إلى قراض المثل

- ‌القاعدة السابعة:في تقرير ما يُرَدُّ إلى مساقاة المثل ممّا يُرَدُّ إلى أجرة المِثْلِ منها

- ‌القاعدة الثامنة: في تقرير الإِقرار الذي يَقبَل الرجوعَ عنه وتمييزِه عما لا يَقبَل الرجوعَ عنه

- ‌الدعاوى والشهادات

- ‌القاعدة الأولى: في تمييز الدعوى الصحيحة من الدعوى الباطلة

- ‌القاعدة الثانية:في تمييز المدَّعي من المدعَى عليه

- ‌القاعدة الثالثة: في الفرق بيْن ما يحتاج للدعوى وبين ما لا يحتاج إليها

- ‌القاعدة الرابعة: في تقرير اليد المعتبَرة المرجِّحة لقول صاحبها

- ‌القاعدة الخامسة: في تقرير ما تجب إجابة الحاكم فيه إذا دُعِي إليه ممّالا تجب

- ‌القاعدة السادسة: في الفرق بين قاعدة ما يُشْرَع فيه الحَبْسُ وبين قاعدة ما لا يُشَرع

- ‌القاعدة السابعة: في تقرير من يَلْزَمه الحلف

- ‌القاعدة الثامنةفي تمييز المعصية التي هي كبيرة مانعةٌ من قَبول الشهادة من التي ليست كذلك

- ‌القاعدة التاسعة: في تقرير التهمة التي ترَدُّ بها الشهادة بعد العدالة من التيلا تُرَد بها الشهادة

- ‌القاعدة العاشرة: في ذِكر ما يَصْلُحُ أن يكون مستنَداً للشهادات

- ‌القاعدة الحادية عشرة: في تقرير ما هو حُجَّةٌ عند الحكام

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في تقرير ما اعتُبر من الغالبِ وما أُلغي من الغالب

- ‌القاعدة الرابعة عشرة:في تمييز ما يصح الإِقراع فيه ممّا لا

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في كيفِيةِ أداء الشاهِدِ شهادتَه عند القاضي

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في الفرق بين الفتوى والحكم

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفي تمييز ما تُشترَطُ فيه العدالة مِمَّا لا تُشترَط فيه

- ‌القاعدة التاسعة عشرة: في ضَمِّ الشهادات

- ‌كتاب الحدود وما في معناها

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير (*) ما هو شُبْهةٌ يُدْرَأُ بهَا الحدُّ ممَّا لا

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين القذف يقع بين الزوجين، وبين الأجانب

- ‌القاعدة الثالثة:أقرَرُ فيها الفرقَ بين الحدِّ والتعزيز

- ‌القاعدة الرابعة:في الفرق بين الحصانة لا تعود بالعدالة، والفسوقِ يعود بالجناية

- ‌القاعدة الخامسة: في القصاص

- ‌القاعدة السادسة:نقرْ الفرق بين المسكرات والمفسدات والمرقِّدات (46 م)، فنقول:

- ‌الفرائض

- ‌القاعدة الأولىفي تقرير ما ينتقل إلى الأقارب من الأحكام

- ‌القاعدة الثانيةفي تقرير الفرق بين أسباب التوارث وأجزاء أسبابها العامة والخاصة

- ‌القاعدة الثالثةفي تقرير أسباب التوارث وشروطِهِ وموانعه

- ‌الجامع

- ‌القاعدة الأولى:في تقرير ما يحرم من البِدع ويُنْهَى عنها ممَّا ليس كذلك

- ‌القاعدة الثانية:في الفرق بين ما هو من الدعاء كُفْرٌ وبين ما ليس بكفر

- ‌القاعدة الثالثة:في انقسام مَا ليس بكفر من الدَّعاءِ إلى مُحرَّم وغيرِ مُحرَّم

- ‌القاعدة الرابعة:في تمييز ما يُكْره من الدعاء مما ليس بمكروه

- ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

- ‌القاعدة السابعة:في الفرق بين الحسد والغبطة

- ‌القاعدة الثامنة:في الفرق بين التكبر والتجمل بالملابس، وبين الكِبْر والعُجْب

- ‌القاعدة التاسعةفي تقرير المداهنة الجائزة وتمييزِها عن التي لا تجوز

- ‌القاعدة العاشرة:في تمييزِ المعصية التي هي كفر عن المعصية التي ليست كفْراً

- ‌القاعدة الحاديةَ عشرةَ:في تقرير معْنَى الزهد

- ‌القاعدة الثانية عشرة: في التوكل

- ‌القاعدة الثالثة عشرة:في الكلام على الرضَى بالقضاء

- ‌القاعدة الرابعة عشرةفي تمييز المكَفِّرات عن أسباب المثوبات

- ‌القاعدة الخامسة عشرة:في تمييز الخوف من غير الله الذي لا يحْرُم من الذي يحرم منه

- ‌القاعدة السادسة عشرة:في تقرير ما يَلزَم الكفار إذا أسلم وما لا يَلزمه

- ‌القاعدة السابعة عشرة:في الكذِب وفي الوعد وفي خُلْف الوعْد

- ‌القاعدة الثامنة عشرةفيما يتعلق بالطِيَرة والفال، فأقول:

- ‌القاعدة التاسعة عشرةفي الرؤيا التي تُعْبَرُ من التي لا تُعْبر

- ‌القاعدة العشرون:في تقرير ما يباح من عِشْرة الناس من المكارمة وما يُنهَى عنه مِنْ ذلك

- ‌القاعدة الحادية والعشرون:في بيان ما يجب النهي عنه من المفاسد وما يَحرُمُ وما يُندَبُ

- ‌القاعدة الثانية والعشرونفى الفرق بين الرياء في العبادات وبين التشريك فيها

- ‌القاعدة الثالثة والعشرون: فِيما به يكون التفضيل

- ‌القاعدة الرابعة والعشرون:فِيمن يُقَدّم للولاية ومن يتأخر عنها:

- ‌القاعدة الخامسة والعشرون في الاستغفار

- ‌القاعدة السادسة والعشرون: في معنى الأفضلية والمزية

- ‌القاعدة السابعة والعشرونفي تمييز حقوق الله تعالى عن حقوق العباد

- ‌القاعدة الثامنة والعشرونفي تمييز حقوق الوالدين عن الأجانب

- ‌القاعدة التاسعة والعشرونفيما يُترَكُ من الجهل ولا يواخذُ عليه ممَّا لا

- ‌فهرس المصادر والمراجع

- ‌جدول بتصويب بعض الأخطاء المطبعية التي وقعت في الجزء الأول من هذا الكتاب

- ‌ترجمة محمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن محمد القوري

- ‌خاتمة

الفصل: ‌القاعدة الخامسة:في تمييز ما يجب تعلمه من النجوم مما لا يجب

الدعاء فلا يُكرَه، ويصِيرُ مستعمَلا لغير الدعاء، وهذا كقوله عليه السلام:"تربَتْ يداكِ"، (80) ولقوله:"والله يُغفرُ لك"، كما جاء في حديث جابر عند تبايُعَه في الجمل الذي اشتراه منه عليه السلام. وفي الحديث:"وهي كلمة كانوا يقولون".

‌القاعدة الخامسة:

في تمييز ما يجب تعلُّمُه من النجوم ممَّا لا يجب

. (81)

ظاهر كلام أَصحابنا أن التوجّه للكعبة لا يسوغ فيه التقليد مع القدرة على الاجتهاد، ونَصّوا على أن القادر على التعلّم يجب عليه التعلم. ومعْظَم أدلة

= وهذه العبارة والفقرة آخر جملة وعبارة استكمل بها الامام شهاب الدين القرافي رحمه الله كتابه الفروق، وختمه بقوله:"وهاهنا انتهى ما جُمع من القواعد والفروق، والله أعلم بالصواب".

(80)

وردت هذه الكلمة في موضوعين وحديثين فيما يحضرني من الاحاديث النبوية، أشار إلى مضمونهما باختصار شهاب الدين القرافي في هذا المقام:

1) الاول: عن أم سلمة رضي الله، عنها قالت: جاَت أمُّ سُليم، (هي والدةُ أنس بن مالك رضي الله عنه، خادِمِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم) إلى النبي صلى الله عليه وسلم: فقالت: يا رسولَ الله، إن الله لا يستحْيي من الحق، فهل على المرأة من غسل إذا احتلَمتْ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعَمْ، إذا رأت الماء، فقالت أم سلمة: يا رسولَ الله، وتحتلم المرأة؟ فقال: تَرِبَتْ يداكِ، فبِم يشبهها ولدها"؟ رواهُ الشيخان: البخاري ومسلم، وأبو داود رحمهم الله.

الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تُنكَح المرأةُ لأربع: لمالها، ولحسَبها، ولجمالها، ولديها، فاظفَرْ بذات الدِين، تربَتْ يداكِ" رواه الشيخان، وأصحاب السنن: أبو داود والترمذي والنسائي رحمهم الله.

والمعنى الاجمالي. لهذا الحديث أن الباعث الذي يَيْعَثُ الرجل على التزوج بامرأة مَّا، ويُرَغّبُهُ في ذلك أحدُ أمور أربعة: إما المالُ، أو الحسَبُ (وهو الفعل الجميل والخصال الحميدة والسمعة الطيبة لِأسرتها)، وإما الجمالُ، وإما الدِين، وقد يكون هذا الباعث الأخيرُ آخرَ ما يفكر فيه الراغب في الزواج، فأمرَهُ صلى الله عليه وسلم وأرشده إلى أن يجعله في المرتبة الاولى قبْلَ غيره من الاعتبارات الاخرى، ولذلكم ختم صلى الله عليه وسلم حديثه بالأمر والإِرشاد إلى الظفَر بذات الدين، فإنَّ مَن لم يظفر بها تربت يداه، أي التصقت بالتراب. والعبارةُ كناية عن المآلِ والمصير إلى افتقار مَنْ لم يظفر بذات الدِين، وعن احتياجه في الحياة. والكلمةُ خرجتْ مَخرج الغالب فيما تَعوَّده العربُ من مثل هذه الكلمات في المخاطَبَات، لا أنه قصَد بها الدعاءَ هنا كما جاء في حديث آخرَ صحيحِ:

"الدنيا كلَّها متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة".

(81)

هي موضوع الفرق الواحد والسبعين بين القاعدتين المذكورتين. جـ 4. ص 258.

ص: 399

القبلة في الكواكب يجب تعلّم ما تُعْلَمُ به القِبلة، كالفرقدَيْن والجَدْي (82) وما يجري مجراهما في معرفة القِبلة. وظاهر كلامهم أن تَعلّم هذا فرض عَيْنٍ على كل أحد.

وقال صَاحب المقدّمات: يتَعَلّم من أحْكام النجوم ما يَستَدِل به على القِبلة وأجزاء الليل وما مضى منه وما يهتَدي به في ظلمات البَرّ والبحر، فيعَرِف مواضعها من الفلك، وأوقات طلوعها وغروبها، وهو مستحَبٌّ، لقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} . (83)

(82) الفرقدان: تثنية فرقد، وهو نجم قريب من القطب الشمالي (في الكرة الارضية) يُهتدَى به، وبجانبه نجم آخر أخْفَى منه، فهُما لذلك فرقدان.

والجدْي اسم لأحد الابراج السماوية الفلكية الأثنى عشر، وهي الجوزاء - السرطان - الاسد، السنبلة، الميزان - العقرب، القوس - الجدْي، الدَّلو، الحوت، الحمَل، الثَّور. ولكل برج وجْهُ تسميته، كما أن للمنازل الفلكية اسماءها ووجه تسميتها، وهي مباحث ومعلومات يرجع فيها إلى علم الفلك والتوقيت وعلمائه المتخصصين فيه، رحمهم الله.

(83)

وتمامها قول الله سبحانه {قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} . سورة الأنعام. الآية 97.

(83 م) صاحب الطراز هو - كما جاَء في الديباج المذهب لابن فرحون: ابو على، سندٌ بن عِنان بن ابراهيم الازدي، سمع من شيخه أبي بكر الطرطوشي، وجلس لإلقاء الدرس بعده، وكان من الفقهاء، وانتفع الناس به، وألَف كتابا حسنا في الفقه سماه "الطراز، شرح به المدونة في ثلاثين سِفْراً، وتوفي قبل إكماله، وله تآليف في الجدَل وغيْره، توفي بالاسكندرية سنة إحدى واربعين وخمسمائة هجرية (541 هـ)، ودفن بجبانة باب الاخضر.

إءْ يذكر صاحبُ كشف الظنون، ولا ايضاح المكنون كتاب الطراز هذا لسندين عنان. وذكر له صاحب الديياج بيتيْن لطفين في محاورة له ى شعرةٍ شيبة ظهرتْ في لمَّته ولحيته، فبادرها بالنتف خوفا من انتشار الشيب فيها واقتراب اجله، فهدَّدتْهُ بجبش الشعرات البيضاء الأخرى الاتية بعدها، فقال في ذلك:

وزائرَةٍ للشيب حلّتْ بمفرفى

فبادرتها بالنتْف خوفاً من الحتف

فقالت: على ضَعْفى استطلت ووَحْدتي

رُوَيْدك للجيش الذي جاء من خلفي

ومن خلال هذه الترجمة يظهر أن المراد بصاحب الطراز عند القرافي هو سند بن عنان لا كما ذكزته في تعليق سابق رقم 24، من الجزء الاول من هذا الترتيب، صفحة 128، حيث ذكرت ان صاحب الطراز هو: محب الدين، الشيخ احمد بن عبد الله الطبري الشافعي المتوفى سنة ستمائة واربع وتسعين هجرية (694 هـ)، واسم كتابه "الطراز الذهب في تلخيص المذْهب"، كما جاء ذلك في كتاب كشف الظنون لحاجي خليفة، وهو معاصر للقرافي المتوفي قبله بنحو عشر سنوات (اي سنة 684 ص). رحم الله الجميع،

ص: 400

يجوز التقليد في أوقات الصلوات إلا الزوالَ، لِأنه ضروري يُستغنَى فيه عن التقليد، ومن جهة أن معرفة الأوقات واجبة يكون ما تعرَفُ به الأوقات فرضَ كفاية، ويَكُونُ قؤاطنُ الاستحباب هو ماِ يُعِين على الأسفار ويُنجي من ظلمات البر والبحر.

وقال صاحب المقدّمات: وأما ما يُفْضي إِلى معرفة نقصان الشهر ووقت رؤية الهلال فمكروه، لأنه لا يعتمَد عليه في الشرع، وهو اشتغال بما لا فائدة فيه: قال: وكذلك ما يُعْلَمُ به الكسوفات، (84) لأنه لا يغني شيئا، ويُوهِم العامة

= وهكذا، يبدو أن الصواب في المراد بصاحب الطرِاز الذي ينقل عنه الامام القرافي في الفروق هو سند بن عنان، لكونه ما لكونا مصريا، ومتقدماً عليه في السن والتاريخ بنحو قرن من الزمان، خاصة ومثل هذه الكتب القديمة من التراث الفقهي تكون ما زالت في عَالم المخطوطات فليصحح ذلك، وليحقق، والله اعلم بالصواب. ورحم الله الجميع.

(84)

جمع المؤلف الكسوفات باعتبار وقوعها في سنواتٍ: خلفة، أو باعتبار شمولها لخسوف القمر، فإنه يقال: كسفت الشمس وخسف القمر، ومن ذلك قوله تعالى:{فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ (7) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (8) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (9) يَقُولُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (10) كَلَّا لَا وَزَرَ (11) إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (12) يُنَبَّأُ الْإِنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} سورة القيامة، آلَايات: 7 - 12: كما يقال أيضا: انكسفت الشمس والقمر، وانخسفت الشمس والقمر، ومنه الحديث الصحيح الآتي:

عن المغيرة رضي الله عنه قال: "انكسفت الشمس يوم ماتَ ابراهيم (ابنُ النبي صلى الله عليه وسلم من مارية القبطية، وذلك بالمدينة المنورة في رمضان من السنة العاشرة للهجرة)، فقال الناس: انكسفت لموت ابراهيم، ففال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت احد

ولا لحياته، فاذا رأيتموها فادعو الله حتى تنجلى".

وفي رواية، إن اهل الجاهلية كانوا يقوإون: إن الشمس والقمر لا ينخسفان إلّا لموتِ عظيم عن عظماء اهل الارض، وإنهما لا ينخسفان لوت احد ولا لحياته، ولكنهما خليقتان من خلْق الله، يُحْدِثُ الله في خلقه ما يشاء، فأيهما انخسف فصَلَّوا حتى ينجلي".

وهكذا نجد استعمال كل من الكلمتين فيما يقع للشمس من كسوف وللقمر من خسوف، وأن كلا منهما في وجوده وحركته، وفي دورانه وَسبْحه في فلَكه، في تغيره حال كسوفه أو خسوفه، آيةٌ من آيات الله كما قال صلى الله عليه وسلم. وقد كشف علم الفلك والتوقيت وأبان أن الكسوف للشمس يقع ويحدث حينما يكون القمر حائلا بين الشمس والارض فيغطي جزءا منها ويحجب جزءا من نورها، فلا يصل ضؤوها إلى الارض، بينما الخسوف للقمر يقع حين تكون الارض بين الشمس والقمر وحول دون وصول جزء من نورها إليه. قال تعالى:{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [يونس: 5] وقال سبحانه: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} [يس: 40].

وانظر شرح الزرقاني على الموطأ في ترجمة صلاة الكسوف.

ص: 401

أنه يعلم الغيب بالحساب، فيُزْجَر عن الإِخبار بذلك ويؤدَّبُ عليه. (84 م).

وأما ما يُخْبِرُ به المنجم من الغيب كنزول الأمطار أو غيْر ذلك، فقيل: ذلك كفْرٌ، يُقْتَلُ بغير استتابة، لقوله عليه السلام:"أصبَحَ من عبادي"

الحديث، (85) وقيل: يستتاب، فإن تاب وإلّا قُتِل، قاله أشهب. وقيل: يُزْجَرُ عن

(84 م) قلت: يظهر ان هذا العلم مفيد في حد ذاته وغايته، ومفيد في اشتغال بعض اهل العلم والفقه به، وإلَّا لَمَا اهتم به العلماء المسلمون، ويحثوا فيه، وألْفُوا فيه قديما وحديثا مؤلفات علمية، ونظموا فيه منظومات رجزية للتعرف عليه والتعريف به، وضبط قواعده وأنواع حسابه وتعليمها للناس. ومما يرشد إلى جواز ذلك واباحته وإلى ما فيه من نفع وفائدة للخاص والعام، قول الله تعالى:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (164)} [البقرة: 164]. وقوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام: 97].

وخاصة في هذا العصر الذي تقدمت فيه علوم الفلك، والتوقيت والأرصاد الجوية، وعلوم البحار، وأصبح هذا العلم ضروريا أكثر من أي وقت مضى، ومفيدا اكثر بالنسبة للملاحة البحرية والجوية، وغيرها من حساب الاهلة والمواقيت الزمانية، وكما أصبح يصل اليه هذا العلم من دقة في محرفة حركة الكواكب وحساب الشهور والأهلة، ورصد الاجرام السماوية، واكتشاف المجرات السماوية. على أن ذلك كله يبقى داخلا في نطاق ما علمه الله للناس، وسخره لهم وأرشدهم إلى معرفة قوانينهِ، ليزدادوا إيماناً ويقينا بِريهم وبقدرة الله وعظمته وجلاله، ولا ينبغي اعتباره من باب العلم بالغيب بحال من الأحوال، فإن ذلك مستحيل في حق الانسانْ، وهو ممَّا استأثر الله وحده به، بقدر ما ينبغي اعتبارُهُ من بابِ تعلم العلوم والاستئناس بها، والاهتداء للتوقعات المنتظرة من خلال معرفة تلك العلوم، فإن علم الله تعالى محيط بكل شيء وهو أزلي قديم قدم ذاته سبحانه، وهو العليم بما

كان وما سيكون قبل خلق الاكوان. وعلِم البشر حادث ومحدود، لا يعلم الا ما علمه الله، ولا يستطيع خرْق حجب الغيب مهما بلغ من المعرفة ووسائلها المادية، مصداقا لقوله تعالى:{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 85].

(85)

هذا الحديث القدس أررده الإِمام القرافي رحمه الله، وها أنا أذكر لك نصه بتمامه.

عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه أنه قال: صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليلِ (أي على إثر مطر نزل في الليل)، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم أقبل على الناس فقال: هل تدْرون ماذا قال ربكم؟ ، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال، قال: أصبح من عبادي مومن بكافر، فأما من قال: مُطِرنا بفضل الله ورحمته فذلك مومن بى، كافر بالكواكب، وأما من قال: بِنَوْءِ كذا وكذا (أي بِنَجْمِ كذا وكذا)، فذلك كافر بي، مومن بالكواكب". حديث صحيح متفق عليه بين إمامي الحديث: البخاري ومسلم رحمهما الله =

ص: 402

ذلك ويؤدَّب، وليس اختلافا في قول، بل هو اختلاف في حال، (86). فإن قال بأن الكواكب مستقلة بالتاثير قُتل ولم يُستَتَبْ إن كان يسِره لأنه زنديق، وإن أظهره فهو مرتد، يستتاب. وإن اعتقَدَ أن الله تعالى هو الفاعل عندها زُجرَ عن الاعتقاد الكاذب، لأنه بدعة تُسقِط العدالة، فلا يحل للمسلِمِ تصديقُهُ. (87) قال: والذي

= والمعنى الاجمالي لهذا الحديث بايجاز واختصار، هو أن من اعتقد أن المطر ينزل بأمر الله وارادته، وقُدْرته، وفضله ورحمته بعباده في الوقت الذي يشاء سبحانه، إنه لا أثر ولا تأثير لشيء من الكواكب والنجوم والتكهنات بها وبحركاتها في نزول المطر أو عدمه، فذلك هو المومن بالله، ومن اعتقد أن لتلك النجوم او الكواكب اثرا وتاثير في نزول المطر وانحباسه فذلكِ كافر بالله، مومن بالكواكب.

ومما يدل على بطلان قول المنجِّمين والعرَّافين والكاهنين، ويحَذرُ المسلمَ عن الذهاب. اليهم والاخذ بأقوالهم ما أخرجه الامام مسلم عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، أمهات المومنين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أتى عرافا فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاته أربعين ليلة"، وفي رواية إلامام احمد بن حنبل من مسنده:"من أتى عرَّافا أو كاهنا فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزِل على محمد" لأن مما أنزل عليه صلى الله عليه وسلم أن الغيب لا يعلمه إلا اللهُ، فعمَلُ المنجمين والعرافين والكُهَّان يعتمد على الرجم بالغيب وعلى الخيال والاوهام، ويهدف إلى تضليل السذج من الناس وضِعاف الإِيمان والعقول، فهو عمل حرام. أعاذنا الله من ذلك، وحفظنا منه، وهدى الناس للتمسك باعتقادهم الصحيح فِى الله سبحانه وتعالى.

ومن هنا يظهر الفرق بين عمل علماء الفلك والتوقيت، حيث ينبني على علم دقيق بالحساب ومعرفة علمية وحركات الافلاك، ويتلقاه الناس خلفا عن سلف، وبين عمل المنجمين، القائم على الاوهاء والخيال والضلال المبين، أعاذنا الله من ذلك ووقانا من شره وإثمه، وحفظنا في اخلاص توحيد الله سبحانه وعبادته، فهو سبحانه العليم وحده بالغيب كله، الفاعل لما ويد في كونه وبعباده، إذا اردا شيئا قال له كن فيكون، مصداقا لقول الله تعالى:{وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)} [الأنعام: 59]، وبقوله سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28].

(86)

الاختلاف في حال، هو مصطلح فقهي يراد به أن القائل بقول لو نظر إلى أساس قول خالفه وإلى أصله ردليله ووجهة نظره لقال بقوله ولم يخالفه فيه، الطرف الآخر كذلك.

(87)

السلف الصالح من علماء السنة، ومنهم الاشاعرة في مباحث علم التوحيد، لا يقبلون بالقوْل بتأثير الأشياء بنفسها وذاتها، ولا بطعِها ولا بِعِلتها، ولا بقوة مودَعة فيها، فالنارُ مثلا تحرق وتؤثر بقدرة الله وبأمره، ولذلك لم تحرق نبي الله ابراهيم عليه السلام، وذلك معجزة له وكرامة له أظهرها الله له، وردَّ لها كيد أعدائه حين قال الحق سبحانه:{قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: 69] والطعام يُشبعُ، والماءُ يُرْوي ويزيل الظمأ والعطش بإذن الله وأمره، وإرادته وقدرته، لا بذات الطعاء والماء نفسه، ولذلك قال صاحب منظومة الخريدة البهية في العقائد التوحيدية لناظمها أبي البركات أحمد بن محمد الدّرْدير رحمه الله حين نظم هذه الحقيقة بقوله:

ص: 403

ينبغي أن يُعتَقَدَ فِيمَا يُصيبُونَ فيه أن ذلك على وجه الغالب، لقوله عليه السلام:"إذا نشأتْ بحْرِيَّةٌ ثم تشآمت فتلك عينٌ غَدِيقة"، (88) فهذا يبين ما يجب ويَحرُمُ مِن تَعَلَّمِ أحكامِ النجوم.

القاعدة السادسة

في تمييز الغيبَة التي لا تَحرُمُ من التي تحرم (89)، فأقول أولاً:

الغيبَةُ أن يُذكَر المرءُ بما يَكْره أن يسمعه، قاله عليه السلام، فقيل له: يا رسولَ الله، وإن كان حقاً، قال:"إن قلتَ باطلا فذلِك البتهان". (90) وأعطانا

= ومن يقل بالطبْع أو بالعِلّة

فذلك كفر عند أهل الملة

ومن يقل بالقوة المودَعة

فذاك بدْعِيٌ فلا تلتفِتِ

(88)

أخرجه الامام مالك رحمه الله في الموطأ في ترجمة الاستمطار بالنجوم. ونقَل فيه الشيخ محمد بن عبد الباقي الزرقاني شارحُ الموطأ رحمه الله قول الحافظ ابن عبد البر رحمه الله، حيث قال: لا أعرف هذا الحديث بوجه في غير الموطأ، إلا ما ذكره الشافعي في كتابه (الأمّ) عن محمد بن ابراهيم بن ابي يحيي عن اسحاق بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا نشأت بحرية (اي سحابة بحرية) ثم استحالت شامية فهو امطرُ لها". قال: وابن أبي يحيى وإسحاق ضعيفان لا يُحتج بهما.

ومعنى تشآمت في رواية الموطأ أخَذَتْ نحو الشام واتجهت إليه كما في رواية الامام الشافعي. والشام من المدينة في ناحية الشمال، أي إذا مالت السحابة من جهة الغرب إلى الشمال دلَّتْ على المطر الغزير. ومعنى كلمة غُديقة بالتصغير كثيرة الماء، ومنه الآية الكريمة في قول الله تعالى من سورة الجن، 16:{وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} وقيل: غديقة بفتح الغين على أصلها

كلمة مكبَّرة.

(89)

هي موضوع الفرق الثالث والخمسين والمائتين بين قاعدة الغِيبة المحرمة، وقاعدة الغِيبة التي لا تَحْرُمُ". جـ 4. ص 205. هـ.

(90)

وأصل النهي عنها في القرآن الكريم قولُه تعالى في سورة الحُجُرات، 12:{وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا} ، وهذا الحديث الذي أورده الشيخ البقوري هنا نقلا عن كتاب القرافي، ونَصُّهُ بتمامه هو ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتَدْرون ما الغِيبة؟ قالوا: اللهُ ورسوله أعلم، قال: ذِكْرُكَ أخاك بما يَكرَه، قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبتَه، وإن لم بكن فيه فقد بهتَه". أخرجه الائمة مسلم وأبو داود الترمذي. وعنه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ من اكبر الكبائر استطالةَ الرجل في عِرض رجل مسلم بغير حق، ومن الكبائر السَّبَّتانِ بالسَّبَّة". وما قيل في الرجل يقال في المرأة، فإن النِساء شقائق الرجال في الأحكام.

وعن عبد الله (ابن مسعود) رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يبلغْنِي أحد مِنْ أصحابي عن أحدِ شيئا، فإني احب إن اخرج إليكم وأنا سليم الصدر". رواه أبو داود والترمذي رحمهما الله.

ص: 404

هذا أنه لا يكون ذلك غِيبة إلا إذا كان غائبا، لقوله أنْ يسمعه، فدَلّ على أنه ليس بحاضر.

واستُثتى من الغِيبةِ ستُّ صُورٍ:

الأولى النصيحة، لقوله عليه السلام لفاطمة بنتِ قِيس: "أما معاويةُ فصعلوك لا مالَ له، وأمّا أبو جَهْم فهو لا يضعُ عصاهُ عن عاتقه. (91)

ويُشترَط في هذا القسم أن تكون الحاجة الخاصة ماسة لذلك، وأن يقتصر الناصح من العيوب على ما يُخِل بتلْكَ الصلحة خاصة، التي حصلت المشاورة بها، أو التي يعتقد الناصح. أن المنصوح شَرع فها أو هو على عزم ذلك، فينصحه وإن لم يستشرْه، فإنَّ حفْظ مال الانسان وعرضه ودمِه عليك واجب، وإن لَمْ يَعرض لك بذلك. (91 م)

(91) عن فاطمة بنت قيس رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: أنكحي أسامةَ". رواه الامام مسلم. وفاطمة بنت قيس قرشية فهرية، أخت الضحاك بن قيس، وهي من المهاجرات الأول، وكانت ذات جمالٍ وفضل وكمال.

والحديث فيه أنها جآت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن طلقها زوجها أبو عمْرو بنُ حفص بن المغيرة، طلاقا ثلاثا، وانقضت عدتها منه، فأخبرته أن معاوية بن أبي سفيان وأبا جَهْم خطباها، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمَّا أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه (أي مَنْكِبه)، وذلك كناية عن كونه كثير الإذاية والضرب لنسائه)، كما جاء في رواية أخرى: وأما معاوية فصعلوك لا مال له" (أيْ فقير)، فكلمَة لا مال له، صفة كاشفة ومُبَيِّنَة لمعنى كونه صعلوكا.

وفقهُ الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرَ فاطمة بنتَ قيس بعد بينونتها بينونة كبرى من زوجها وانتهاءِ عدتها منه أن تتزوج أسامة بن زيد، وهو مولاه ابنُ مولاه (أي ابنُ عتيقه زيد بن حارثة)، وهي قرشية، وقدَّمه على أكفائها ممن ذُكِر، ولا يُعلَمُ أنه طلبَ من أحد أوليائها إسقاطَ حقه في الولاية عنها حتى تتزوج بغير كفئها.

(91 م) كذا عند القرافي في هذا الفرق: "وفي نسخة خ. ع. "فإن حفظ مَالِ الإنسان وعرضِهِ ودمه عليه واجبٌ حِفظُهُ، وإن لم يتعرض بذلك، وفي ت: فإن حفْظ مال الانسان واجِبٌ، ودَمُهُ وعرْضُه عليه حرام وفي نسخة ت: فإن حفظ حال الانسان واجب، ودَمه وعرضه عليه حرام وإن لم يُعَرض بذلك. وفي نسخة ح: فإن حال الانسان وعرَضُه ودَمه عليه حرام، وواجب حفظه وإن لم يعرض بذلك. وإذا كانت عبارة القرافي أوضح وأسلم، فإن المعنى المقصود من مختلف هذه العبارات هو أن هذه الأمور واجبة الحفظ من الِإنسان تجاه نفسه وتجاه غيره.

ص: 405

الثانية: الجرح والتعديل في الشهود عند الحكام، وأمّا عند غيْر الحكَّام فيحْرُمُ، وكذلك رُواة الحديث يجوز وضع الكتب في ذلك، والإخبارُ به.

ويشترط في هذين القسمين أن تكون النية خالصة لله تعالى في نصيحة المسلمين وعند حكامهم وفي ضبط شرائعهم، وأمّا إذا كان للهوى فذلك حرام، وإن حصلت به المصالح عند الحكام وللرّواة.

واشتُرِط أيضا في هذا القسم الاقتصارُ على القوادح المخلة بالشهادة أو الرواية، فلا يقول: هو ابن زِنىً، ولا غيرُ ذلك من المؤلمات التي لا تَعَلَّقَ لها بالشهادة والرواية.

الثالثة: المُعْلِن بالفسوق كقول امرئ القيس:

فمثلَكِ حُبْلى قد طرَقتُ ومرضعاً، (92) .................

فلا يضر أن يحكى ذلك عنه، لأنه لا يتآلم إِذا سمعه، كذا من أعلن بالمَكْس، وهكذا كلّ من لا يتألم بمعصية.

(92) هذا شطر بيت من قصيدة المعلقة للشاعر الجاهلي المذكور، وهو

فمِثلك حبلى قد طرقتُ ومرضعٍ

فألهيتها عن ذي تمائم مُحْولِ

ومعلوم أن امرأ القيس فاحش الغزل في شعره ومكشوف فيه، كما هو واضح من قراءة الابيات الأوَلى الغزلية من قصيدته هذه، فهو ليس بالشاعز الغزلي العفيف، كما نراه عند بعض الشعراء منهم في قصائد المعلقات وغيرها من قصائدهم الأخرى.

ووجه نصب كلمة "ومرضعا" على ما هنا عند الشيخ البقوري انها تكون معطوفة على كلمة: "فمثلك"، المنصوبة بالفعل طرقتُ، على أن الرواية المحفوظةكما هي في شرح الاديب المحقق ابي عبد الله الزوزني هي أن الكلمتين مجرورتان: الأولى: "فمثلك" بحرف الجر رُبَّ المقدَّر، والثانية "ومرضع" معطوفة عليها، أي فرَبَّ مثلِكِ حبلى قد طرقت ومرضع"، وهي الرواية الموجودة عند القرافي في هذا الفرق. ومعلومٌ في علم النحو أن المجرور بحرف رب هو مجرور لفظا، مرفوع تقديرا على أنه مبتدأ، وما بعده من مفرد مرفوع أو جملة تتم بها الفائدة هو الخبر، على حد قول صاحب الالفية النحوية:

"والخبرُ: الجزء المتم الفائدة

كـ اللهُ بَرٌّ والايادي شاهدة،

ومفرداً ياتي وياتي جملة

حاوية معنى الذي سِبقت له

وإن تكن إياهُ معنى اكتفَى

بها، كنطِقي، اللهُ حسبي وكَفَى

(92 م) في نسخة ت: ويُنْهَى الناسُ عنها"، وكان مقتضَى انسجام العبارة مع سِياقِ ما قَبْلَهاَ أن يقال: وينفِرُوا" بالجمع، والامر سهل ما دام المعنى واضحا.

ولا يردُ على هذا الوجه أن حرف الجر رُبّ يدخل على النكرة دون المعرفة، فإِن كلمة مثل، موغلة في التنكير، مثل شيء، فلا تستفيد تعريفا من الإضافة إلى الضمير.

ص: 406

الرابعة: أرْبَاب البدع والتصانيف المضِلة ينبغي أن يُشهَر في انناسِ فسادها وعيبها، وانهم على غير الصواب ليحذرها الضعفاءُ وينفرَ (92 م) عن تلك المفاسد التي فيها، بشرط أن لا يتعدّى فيها الصدقَ ولا يفتري على أهلها من الفسوق ما لم يفعلوه، بل يقتصر على ما فيهم من المنفرات خاصة، فلا يقال عن المبتدع: إنه يشرب الخمر ولا إنه زنى، ولا غيرُ ذلك مما ليس فيه.

ومن مات من أهل الضلال ولم يتْرُك شيعة ولا كتباً، وستَره الله يُسْتَرُ عليه فيتْرَكُ ذِكرُهُ، ولا يذكَرُ لهُ عيبٌ البتَّة. وقد قال عليه السلام:"لا تذْكُرُوا أمواتكم إلّا بخير". (93).

الخامسة: إذا كنتَ أنت والمغتابُ عنده قد سبق لكما العلم بالمغتاب فيه، فإن ذِكْرَه بعد ذلك لا يحُط قدْرَ المغتاب عند المغتاب عنده، لتقدم علمه بذلك.

السادسة: الدعوى عند وُلَاة الامور، يجوز أن فلاناً أخذ مالي وغصَبَني إلى غير ذلك من القوادح، لضرورة دفع الظلم.

قلت: نَقَصَه أن يكون معروفا بذكر اسم يُكْرَهُ، كالأعمش، والأعرج، ونقَصَه الاستعانة على تغيير المنكر. وحديثُ "لا غِيبةَ في فاسقٍ".

(93) ورد معنى هذا الحديث بلفظ آخر عن أم سلمة رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرا، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون. (أي يقولون: آمين). قالت أمُّ سلَمة، فلما مات أبو سلمة أتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله، إن أبا سلمة قد مات، قال: قُولي: اللهم اغفر لي وله، وأعقِبني منه عُقْبَى حسنة، فقلت ذلك، فأعقبني الله مَن هو خير (أيْ محمدا صلى الله عليه وسلم)(أيْ تزوجَها رسول الله صلى الله عليه وسلم) وكانت بذلك إحدى أمهات المومنين، رضي الله عنهن جميعا. رواه ائمة الحديث: مسلم واصحاب السنن: أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة، ونقله عنهم الحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري في كتابه:"الترغيب والترهيب".

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أذْكروا محاسن موتاكم، وكُفوّا عن مساويهم" رواه الائمة: أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه. فرحم الله ائمة الحديث والسنة، وسائر علماء الامة، وألحقنا بهم مسلمين مومنين، بفضله وكرمه وجوده العميم.

ص: 407