الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الخامسة: في القصاص
(38)
إعْلَمْ أن القصاص أصلُهُ من الْقَص الذي هو المساواة، فهو شرط، إلَّا أن يؤدي إلى تعطيل القصاص قطعا أو غالبا، ولهُ مثُلٌ:
أحدُها: التساوي في أجزاء الأعضاء، وسَمْكِ اللَّحم في الجاني، لو اشتُرط لما حَصَل إلا نادراً، بخلاف الجراحات في الجسد.
وثانيها: تَسَاوي منافع الأعضاء
وثالثها: العقول.
الرابع: الحواس.
الخامس: قتْلُ الجماعة بالواحِدِ، وقطحُ الأيَدي باليد، لو اشتُرِطَ الواحد لتساعَدَ الأعداء (39) وسقط القِصاص.
السادس: الحياة، كالشيخ الكبيرء الشاب، ومنْفوذِ المقاتل (40) على الخلاف.
(38) هي موضوع الفرق الثامن والأربعين والمائتين بين قاعدة ما خرج عن المساواة والمماثلة في القصاص، وبين قاعدة ما بقي على المساوة، جـ 4. ص. 189. ولم بعلق عليه بشيء، الشيخ ابن الشاط رحمه الله ورحم الشيخ القرافي، ورحم كافة المسلمين، آمين.
وأصْلُ مشروعيته في القرآن الكريم قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178]. وكذا قوله تعالى في نفس هذه السورة: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} . الآية 179. وكان العرب يقولون في ذلك قبل الاسلام: "القَتل أنفَى للقتل"، ولكن أين كلمتُهم هذه من الآية الكريمة وما فيها من إعجاز كبير، باعتبارها وَحْياً وقرآنا من رب العالمين، كما ذكر ذلك علماء التفسير رحمهم الله. بينوا وجوه الفرق بين الآية القرآنية والعبارة والمقولة العربية من عدة وجوه
(39)
كذا في نسخة ع، وفي نسخة ت:"لو اشترِط الواحدُ ما عُدَّ إلا عَدْلاً"وعند القرافي. لو اشتُرِطَت الواحدُ لَتساوىَ الأعداء ببعضهم وسقَط القصاص، وهي عبارة ظاهرة الصواب واضحة المعنى فليتأمل وليصحح، والله أعلم.
(40)
المقاتل بفتح الميم على وزن مفاعل، جمع مقتَل، يفتح الميم والتاء قياسا، وهو المكان أو لعضو الذي إذا أصيب فيه الانسان أو الحيوان من جسمه وبدنه لم تسلم حياته بعد ذلك، وكان عُرْضَة للموت المحقّق =.
السابع تفاوت الصنائع والمهارة فيها، وهاهنا ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: قَتْلُ الجماعة بالواحد إذا قتلوه عمدا، أو تعاونوا على قتله عمداً بالِحرابَةِ (41). وغيرها حتى يُقْتَل، عندنا الناطوَر (42) وغيره، ووافقَنَا الشافعي وأبُو حنيفة في أحد المشهورْين من قوله من حيث الجملة أنه تقتَلُ الجماعة بالواحد. وعند أحمد وجماعة من التابعين والصحابة أن عليهم الدية، وعن الزهري وجماعة أنه يُقتَل منهم واحدٌ، وعلى الباقي حصصهم من الدية، لقوله تعالى:
= ويقال: أنفِذت مَقاتِلُهُ، أو أصييت مقاتله، أي ضُرب فيها وأصيب إصابة لا يمكن سلامته وبقاؤُة معها في الحياة.
وفي باب التنبيه على العلم وعدم التجرؤ على الفتوى فيه بغير علم قيل: "من كَرِهَ لا أدرى أصيبت مَقاتله، أي إنَ من تجرأ على الافتاء والإجابة في المسائل والاحكام الشرعية دون التثبت فيها ودون التأكد منها ولا يرضى أن يقول أمام الناس لا أدري، حتى يطلع على المسألة ويبحث عنها، عرض نفسه لِلاثم والوِزْر والهلاك في الدنيا والآخرة. وفي الحديث: "من أفتي بغير علم كان إثمُهُ على من أفتاه"، ولذلكم كان السلف الصالح من أئمة العلم ومذاهبه الفقهية يتحروْن في الفتوى والإجابة عن الأسئلة الدينية، حتى يتأكدوا ويتثبتوا من حكم الشرع في المسألة النازلة. فرحمهم الله، ورحم كافة المسلمين.
وقد جاءت هذه الكلمة في بيتين لأبي بكر محمد بن دُريْد، صاحب كتاب الجمهرة في اللغة، نقلها الإِمام على أبو الحسن الماوردي في كتابه الشهير:(أدب الدنيا والدين)، قال فيها:
جَهِلتَ فعاديت العلومَ وأهلها
…
كذلك يعادى العلمَ من هو جاهل
ومن كان يهوى أن يُرى متصدرا
…
ويَكْره لا أدرى، أصيبتْ مَقاتله
أي عرض نفسه للخطأ والزلل والهلاك، ويقال: من جَهِلَ شيئا عاداه.
كما قيل أيضا:
إذا لم تستطع شيئا فدَعْه
…
وجاوِزْهُ إلى ما تستطيع
(41)
كذا في نسخة ت: وفي ع، وح، وبالحراسة، وعند القرافي بالحرابة، وهي أظهر في الموضوع.
(42)
الناظور والناظر بالظاء المشالة، وبالطاء المهملة، هو سيد القوم، المنظور إليه منهم، وطلق على حارس الزرع والكرم وحافظِهِ وراعيه، والعبارة هكذا في جميع النسخ المعتمدة في التحقيق. وفي هذا الفرق عند القرافي قولُه:"حتى يقتل عندنا الناظور"، دون ذكر لكلمة غير، ولعل في الكلام نقصا يحتاج إلى تقدير، بحيث يحتاج تمام المعنى ووضوحُه إلى تقدير كلمة أخرى، وهي كلمة سواء، ويكون المعنى: عندنا الناظور وغيره سواء، أي في قتل الجماعة يقتل الواحده خلافا للقول بالدية في هذه الحالة. فليُتأمَّل في ذلك وليصحَّح والله أعلم.
"النفس بالنفس"(43)، ولأن تفاوت الأوصاف كالحر والعبد يمنع من القصاص، فالعدَدُ أوْلي بالمنع.
لنا إجماع الصحابة رضي الله عنهم أجمعين - على قتل عمر رضي الله عنه سبعةً من أهل صنعاء برجُل واحد، وقال:"لو تمالَأ عليه أهل صنعاءَ لَقتلتهم"، وقَتَلَ عليٌّ رضي الله عنه ثلاثة ولا يُعرَفُ له مخالِف في ذلك الوقت.
المسألة الثانية: وافَقَنَا الشافعي وأحمد بن حنبل افي أنه لا يُقتلُ مسلم بذمى، وقال أبو حنيفة: يُقتل المُسْلِمُ بالذمى.
لنا ما في البخاري: "لا يُقتَلُ مسلم بكافر".
احتجوا بقوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} ، (44) وبقوله تعالى:"النفسُ بالنفس". وجوابنا أن دليلنا خاص ودليلهم عالم، فيقدَّم الحاص على العمومات ويخصَّصُ به، جمعاً بين الأدلة.
المسألة الثالثة: خَالَفَنَا الشافعي وأبو حنيفة في قتل الممسك وقالا: يُقتل القاتلُ وحده.
لنا ما تقدم من قضاء عمر وعلي، وقال عمر رضي الله عنه: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتُهُم، وأيضا فهو مقيس على المُمسك للصيْد المحرَّم، فإن عليه الجزاءَ.
ولنَذكرْ ها هنا خصوصيةَ العينين (45)
(43) وأولها قول الحق سبحانه: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا (أي كتبنا على بني إسرائيل في التوراة) أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: الآية 45].
ومن المعلوم المقرر في علم أصول الفقه أن شرع من تبلنا شرُع لنا ما لم يرد فيه نسخ أو نص بحلافة.
(44)
وتمامها: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: الآية 33].
(45)
هذه المسائل هنا هي موضوع الفرق التاسع والأربعين بين قاعدة العين، وقاعدة كل اثنين من الجسد فيهما دية واحدة، كالأذنين، ونحوهما، جـ 4. ص 191، ولم يعلق عليه بشيء الشيخ ابن الشاط، كما هو شأنه ودأبه في التعليق على أغلب الفروق، رحمه الله.