الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أما ما تُفسده الجهالة فالبياعات وكثيرٌ من الاجارات، ومن الاجارة قسم لا يجوز تعَيُّن الزمان فيه، يل يُترَك مجهولا كخياطة، بأن يقول: اليوم، لأن ذلك موجِب للغرر، يل مصلحته أن يبقى مطلقا. وكذلك الجعالة لا يحوز أن يكون العمل فيها محدودا، لأن ذلك يوجب الغرر، كأنْ لا يجد الآبق في ذلك الوقت، فالجهالة في هذين القسمين شرط، وفي غيرهما هي مانع. وقد نبّهَنا على ما يقال له: جمعُ الفرق، وذلك أن يكون المعنى المناسِبُ يناسب النفىَ والإثبات، ويناسِبُ الضِدَّين فيترتبان عليه في الشريعه، وهو قليل في الفقه. (135)
القاعدة الخامسة والعشرون:
أقرر فيها ما يَثْبُتُ في الذمم وما لَا
، (136) فأقول:
إعلم أن المعَيَّنات المشخَّصاتِ في الخارج، المرئية ـ لا تثبُتُ في الذمم، وكذلك من اشترى سلعةً معه فاستُحِقَّت انفسخ العَقْدُ، ولو كانت متعلقة بالذمة ما انفسخ، وانما يثبت في الذمه الكُلِّيُّ، حتى يسقط بوجود شخص من ذلك الكلي، أن كان المطلوب ثبوتَه لا نفيه ولهذا كان متى استُحِق ذلك المعيَّنُ الذي دُفع فيمَا يتعلق بالذمة لا يُفْسَح العقد، بل يتَعيَّنُ عليه أن يعطي مثل ذلك (137).
(135) زاد القرافي هنا قوله للبيان: "فإن الوصف، إذا ناسَبَ حكما نافى ضدَّه، أما اقتضاؤه لهما فبعيد كما تقدم بيانه فى الجعالات والاجارات. ومن ذلك ايضا الحَجر، يقتضي رد التصرفات وإطلاق التصرفات فى حالة الحياة، صونًا لمال المحجور عليه على مصالحه، وتُنفَّذُ وصاياه" صونا لما لِهِ علَى مصالحه، لأنا لو رَددنا الوصايا لحصل المال لِلوارث ولم ينتفع به المحجور عليه، فصار صونُ المال على المصالح يقتضي تنفيذ التصرفات ورَدَّ التصرفات اهـ
(136)
هي موضوع الفرق السابع والثمانين بين قاعدة ما يثبُتُ في الذمم قاعدة مالا يثبت فيها، جـ 2. ص 133
(137)
- علق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على ما جاء في أول هذا الفرق عند القرافي رحمه الله، فقال: ما قاله لنا ذلك صحيح، غير قوله: بل يتعلق الحكم فيه بالامورالكلية والاجناس المشتركة، فإنه إن أراد أن الحكم يتعلق بالأمور الكلية من حيث هي كلية فليس بصحيح، وإن أراد أن الحكم يتعلق بالامور الكلية أيْ بواحدٍ غير معيَّنِ فذلك صحِيح، وقد سبق التنبيه على مثل = هذا.
غير أن المالكية خالفتْ هذا اللفظ في النقود فإنها لا تتعَيَّنُ وإن عينَت، وهي متعلقة بالذم، إلا أن يكون هناك ما يُعَينها كأن يكون حلالا طيبا لا يوجد مثلها، أوْ مِنْ سكَّةٍ طيبة لا يوجَدُ مثْلُها. وكذلك خالفت هذا إذا كان لأحدٍ دَيْنٌ على رجل فأخذ منه ما يتأخر قبضُه كدار يسكنها. قال ابن القاسم: لا يجوز ذلك لأنه فسخ دَين في دَين، وشهاب الدين رحمه الله ذكر فرقا بين الفسخ والانفساخ فقال: الفسخ قلبُ كل واحدٍ من العوضين لصاحبه، والانفساخ انقلاب كل واحد من العوضين لصاحبه، فالأول فعل المتعاقدين أو الحكَّام، والثاني صفة العوض. (138)
- قلت: ولْنَذْكُرْ مسائلَ هي مشكلة من كتاب البيوع، تكملةً لهذه القواعد (139):
= ثم قال القرافي بعد ذلك: وهذا الفرق بين هاتين القاعدتين يظهر أثره في المعاملات والصلوات والزكوات، فلا ينتقل الأداء إلى الذمة إلا إذا خرج وت، لأنه معَّينٌ بوقته، والقضاء ليس له وقت معيَّن يتعيّن حده بخروجه، فهو في الذمة. والقاعدةُ أن من شرط الانتقال إلى الذمة تعَذُّرَ المعين، كالزكاة مثَلا، ما دامتْ معينة بوجود نصابها لا تكون في الذمة، فإذا تلف النصاب بعذر لا يضمن نصيبَ الفقراء ولا ينتقل الواجبُ إلى الذمة، وكذا الصلاة، إذا تَعذر فيها الأداء بخروج وقتيْها:(الاختياري والضَروري) لعذر، لا يجب القضاء، وإن خرج لغير عذر ترتبتْ في الذمة ووجب القضاء، ولا يُعتَبَرُ في القضاء التمكنُ من الايقاع أولَ الوقت، خلافا للشافعي رحمه الله، كما لا يعْتَبُر في ضمان الزكاة تأخر الجائحة عنْ الزرع أو الثمرة بعدَ زمن الوجوب.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي بقوله: ما قاله هنا ليس بصحيح، فإنه لا فرق بين الأداءِ والقضاء في كون كل فهما في الذمة، فإن الافعال لا تتعيَّن إلا بالوقوع، وكلُّ فعْل لم يقَعْ لا يصح أنْ يكونَ معيَّنًا. وما قاله من أن الفعل الموقَّت تتعيَّنٌ بوقته لا يفيدُ المقصود، فإنه وإن كان معيَّنًا بوقته، (أي وقتهُ معيَّن) فهو غيرُ معيَّن بمكانه وسائر أحواله.
ثم قال ابن الشاط: وتسويته بين الصلاة والزكاة ليست بصحيحة، فإن الزكاة حق واجب في المال المعين، فالحق متعين، بمعنى أنه جزء لِمُعَين، وأما الصلاة فليست كذلك فإنها فعل، والأفعال لا تعيُّنَ لها ما لم تقع.
(138)
عبارة القرافي: وهذا الفرق قد خالفْناه أيها المالكية في صورتين: فذكر صورة النَّقدين، وصورة الدَّين كما لخصهما البقوري هنا رحمه الله:
(139)
هذه المسائل هي مما اضافه الشيخ البقوري إلى كتاب شيخه القرافي في الفروق، رحمهما الله.
المسألة الأولى. قال مالك: لا يجور بيْع الآبق والجمَل الشارد، ويجوز بيْعُ مِلْك الغير، ويُوقَفُ على إجازة ربِّه، وفي كلا الموضِعَيْن الغَررُ، فلم كان ذلك؟
فالجوابُ أن الآبِق والجمَلَ الشارد غيرُ مقطوع على وجودهما حال العقد، ولا مقدورٍ على تسليمها، فلم يَجُزْ بيعهما، وليس كذلك بيْعُ ملك الغير، لأنه موجود حال العقد، ووقوفُ نفوذ البيع على إجازة ربه لا يمنع جوازه، لأنه كالخيار الذي لا يمنع صحة البيْع، هذا قاله بعض أصحابنا.
قلت: هذا ضعيف، لأنَّ قوله في ملك الغير إنه موجود، إنْ أراد أنه موجود في نفسه فكذلك الآبقُ، هو موجود نفسه، وليس لهذا الوجود اعتبار، وإنما الاعتبار لوجود ذلك بِيَدِ البائع، وذلك مقصود فى الوجهين فلا فارقَ:
وقال بعض الفقهاء: الأجْوَدُ أن يقال إن بيع الآبق والجمل الشارد إنما لم يَجُزْ، لأنه على مِلِّكِ ربه فى حكم التلف، وما هذا سبيلُه فلا يصح بيعُه، وليس كذلك بيع ملك الغير، لأن هذا المعنى غيرُ موجود فيه.
المسألة الثانية: قال الفقهاء: الأمُر ببيع سلعة من السلع هو أمرٌ بقيضِ ثمنها مع بيعها، وقالوا في المرأة تأذَن لوليها في التزويج: ليس ذلك إذْنًا في قبض صداقها، وكلاهما عقدُ معاوضة، فَلِم كان هذا؟
فالجواب أن عقد البيع مفتقِر إلى ذكر الثمن، فكانَ الْإذن بالبيع إذنا له بالقبض.
قلت: وهذا الفرق ليس بظاهرٍ عندي، بل الأوْلى أن يقال:
عقدة (140) النكاح تتوقف على الزوج والزوجة والولى، ولم يُجعل الولىُّ نائبا
(140) يقال: عقد النكاح، وعقدة النكاح: ومنه قوله تعالى فى النهي عن عقد النكاح على المرأة المعتدة من طلاق أو وفاة حتى تنتهى العدة: {وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} سورة البقرة. الآيه 235.
عنها مطلقا حتى لا يحتاج إليها كما الأمر في الوكيل في البيع، فكأنها لذلك ما جعَلَتْ، إلا الإِعطاءَ فقط دون القَبْضِ.
المسألة الثالثة: قال مالك: إذا بيع مِلْك الغير وقف البيع على إجازة ربه، فإن مات ربُّه فانتقل المبيعُ إلى البائع كان له من الرد والإِمضاء ما كان لمالكه. وإذا باع العبد شيئًا مما يملكه وُقفَ البيعُ على إجازة سيده، فإن أعتقه قيل علمه بذلك لزمه البيع ولم يكن له الخيار، وفي كلا الموضعْين، العقد موقوف على الإِجازة، فلِمَ كان ذلك؟ ،
فالجواب أن العبد إنما مُنِع من إمضاء اليبع لِحَقِّ السيد، فإذا أعتِق زال حقه فزال المنْعُ بزواله، وليس كذلك ملك الغير، لأنه موقوف على إذنه، فإذا مات انتقل الإذن إلى مستحق المييع، فيُثبُتُ له من ذلك ما كان ثابتا لمالكه، فكان له أن يجيز أو يرُدَّ، لأنه غير مالكٍ له أولًا، بخلاف العبد، فافترقا.
المسألة الرابعة: قال ابن عبد الحكم: من أمَرَ رجلا يقضي عنه نصف دينار لغريم فقضى عنه دراهم كان أمرُه بالخِيار، ان شاءَ دفع اليه نصفَ دينار، وإن شاء دفع اليه دراهمَ، ولو دفع عرضا في نصف الدينار كان على الآمر أن يدفع اليه نصف الدينار، وفي كلا الموضعين قد دفع ما أمر به، فلِمَ كان الفرق؟ .
فالجواب أن الدراهم والدنانير ينوب بعضها عن بعض، لأنها قِيَمُ المُتلَفات وأروش الجنايات، فكان مخيَّرًا في الدراهم، لأن أحدهما كالآخر، وليس كذلك في العروض، لآنها لا تنوب عن الذهب ولا تقوم مَقامه، فإذا دفع عنه سلعة فكأنه باعه إيَّاها ينصف الدينار الذي أمَرَه بدفعه، فلهذا لم يكن مخَيَّرًا، والله أعلم.
المسألة الخامسة قال مالِك: إذا اشترى أحدٌ شِقصًا بعبدٍ فهلَكَ العبدُ ثم قام الشفيع يطلب الشفعة فالقول قول المشتري في قيمة العبد، واذا غاب الرهن الذي يُغابُ عليه عند المرتهن، فاختلف الراهن والمرتهِن في صفته، فإذا وصفه
حلف على تلك الصِفَة ثم لزمه قيمتُها، وفي كِلا الموضعين، المستَحق قيمةٌ. فلِمَ كان ذلك؟ .
الجواب أن الشفيع مُدعٍ على المشترى، فكان القول قولَ المشترى في قيمة العبد، فإن شاء الشفيع أخذ، وإن شاء تَرَك، وليس كذلك الرهن، لأن القيمة إنما تجب عند ثبوت صفته، لِأن الاختلاف إنما هو في الصفة، فلهذا لم يكن بُدٌّ من وصْفه.
المسألة السادسة: إذا وَضع العبد الماذون له في التجارة من الثمن جاز إذا قصد بذلك وجْه التجارة، وكذلك الوكيل المفوّض اليه، وإذا باع الوكيل غيرُ المفوض اليه فوَضع من الثمن لم يَجُزْ، والإذن في البيع موجود في الجميع، فلم كان الفرق؟
فالجواب أن العَبْدَ الماذون له، والمفوَّضَ اليه، مفوَّضن اليهما التدبير، فكل ما رَأياهُ وجْهَ التدبير جازَ، وليس كذلك غيرُ المفوَّض اليه، لأنه لم يفوَّض إليه التدبيرُ، فَلَمْ يجزْ وضْعُهُ من الثمن.
فإن قيل: فقد فوض اليه المصلحة في بيع هذه السلعة، فكل ما رآه وجها للبيع والمصلجة فيجب أن يَجُوزَ، قيل لهُ: ما ذكرته غير لازم، لأنه وإن كان مفوَّضًا اليه التدبيرُ في هذه السلعة فليس منها الوضع في الثمن، لأنه لا يرجو بذلك شيئا، وليس كذلك الماذون والمفوَّض اليه، لأنهما يرقبَانِ بالوضع المصلحةَ فيما بعْدُ.
المسألة السابعة: قال مالك: تجوز البرآة في الرقيق دون غيره، والجميع برَآة من عيب، فلِمَ كانتْ التفرقة؟ .
فالجواب أن البرآة إنما جازتْ في الرقيق لأجل الضرورة، وهي أن العيوب في الرقيق تخفَى، وفي غيره لا تخفَى، فلم تكن ضرورة في بيعه بالبرآة.
المسأله الثامنة: روى ابن القاسم عن مالك أن الولد أذا حدَثَ في أيام الخيار كان للمشتري إذا اختار الإمضاء وأذا وهب لها أوْ جُرِحتْ فأخذ عوضا لذلك الجرح لم يكن له إذا اختار الإمضاء، والجميع فيما وُجِدَ في أيام الخِيار، فلم كان ذلك؟ .
فالجواب أن الولد وقع عليه البيع، فكان له أذا اختار الامضاء، لأنه كعضو منها، ألا ترى أنه لعصى لعتقها، وغيرُ الولد يقع عليه عقد البيع، لأنه منفصل منها.
المسأله التاسعة: قال: لا يجوز الخيار في النكاح، ويجوز في البيع، وكلاهما عقد معاوضة، فلِمَ كان هذا الفرق؟
فالجواب أن الخيار في البيع إنما جُعل لِيُختَبَرَ المبيع، وهذا المعنى غير موجود في النكاح، لأنَّ الاختيار لا يوجد فيه، وذلك لأنه لا يوجَدُ إلا مع رفع الخيار، ولأنَّ البيع مبني على المكايَسة، فيحصل الخيار فيه، لئَلا يدخل الغبن علي أحد المتبايعين، والنكاحُ مبني على الوصلة فلم يُحتَجْ فيه للخيار.
المسألة العاشرة: قال مالك: إذا ادَّعى أحد متبايعين في الخيار الإمضاء وإدعَى الآخَر الردَّ كان القول قوْلَ مدَّعي الرَّد، واذا ادَّعى أحدُ المتبايعيْن فساد البيع وادَّعَى الآخَرُ الصحةَ كان القول قولَ مدعي الصحة منهما، وفي الجميع كلُّ واحدٍ مدِّع تقضَ البيع، فلمَ كان ذلك؟
فالجواب أن في الخيار مدعي الإلزام مدعٍ على مدّعِي الرد، فكان القول قول الذي ادعى الرَّد لأن الأصل برَآة ذمته، ومدّعي الفساد للبيع مدَّع لبراءة ذمته، ولاصل شغْلُها، فلم يكن القولُ قولَه، وكان القول قولَ مدّعي الصحة، لأنهُ مدّعى عليه.
المسأله الحادية عشرة: قال مالك فيمن باع دابة واستثنى ركوبها: إن كان يسيرا مثل اليوم واليومين جاز، وإن كان كثيرا لم يَجُز، ولوْ اشترط المشتري ركوبها
جاز، قليلا كان أو كثيرا، وفي كلا الموضعين فهو ركوبٌ مُنْضَمٌّ إلى البيع، فلِمَ كان ذلك؟ .
فالجواب أنه إذا اشتثنى الركوبَ وكان كثيرا دخل البيعَ الغَرَرُ، لأن المشترى لا يُسَلَّمُ الدابةَ إلا بعْدَ أن تنقضي مدة الركوب فيها فيدخلها التغير، وهي باقية على مِلكه، وليس كذلك إذا اشترط الركوب، لأن المشتري يتسلم الدابة، وانما يجعل ذلك إجارة وبيْعًا، والإجارةُ والبيعُ يجوز اجتماعهما، لأنهما عقدانِ غيرُ متنافييْن.
المسألة الثانية عشرة: قال مالك: يجوز ببع الشاة، واستثناءُ أطْرافِها في السفر، ولا يجوز ذلك في الحضَر، وفي كلا الموضعيْن قد وجِدَ الاستثناءُ للأطرف، فلِمَ كان هذا؟ .
فالجواب أن السفر لا قيمةَ للأطرافِ فيه، فيحصل، كالذى لا حكْم له، وفي الحضر لها قيمةٌ وبَالٌ، فيدخُلُ ذلك المخاطَرَةُ.
المسألة الثالثة عشرة: قال مالك: إذا أقرَضَ طعاما أو غيْرَهُ الي أجَلٍ من الآجالِ، فأُتي به قبْل محل الآجال لزِمه أخْذُهُ، ولا يَلْزَمه في السَّلَمِ قبل محل الآجال، وفي كلا الموضعين فالذِّمة تبرأ مما كانتْ مُشْغَلة بِهِ، فلِم كان ذلك؟ .
فالجواب أن الأجل في القرض حق للمستقرِض دونَ المقْرضِ، فإذا قدّم ذلك قبل مَحَلِّ الأجل فقد رضي بإسقاط حقه، فلزم ربَّ المال أخْذُهُ، لأنه لاحقَّ له في الأجَل، والأجَلُ في السَّلَم حقٌّ للجميع، المسلِم والمسلَمِ إليه، فإذا اختار أحدُهما اسقاط حقه لم يَلزمَ للآخَرِ اسقاطُ حقه، هذا قوْل بعض شيوخِنَا.
فان قيل: ومنْ أين كان الأجل في المرض للمُقْرَضِ دون المقْرِض، وفي السَّلَم حق للجميع؟ قيل: لأن المنفعة للمقرَض دون المقرِضِ، ألا تَرَى أنه متى حصَلتْ فيه المنفعة للمقْرِض لم يَجُزْ، فلهذا كان الأجل حقا له، والمنفعة في السَّلَم للجميع، لأنه إنما يُسْلِمُ اليه لِمَا يَرْجُوهُ من نَفَاقِ تلك السلعة عند تغيُّر الأسْواق، وينتفعُ المسلِمُ بتقديم المسْلَمِ إليه، للثَّمَن، فكل واحد منهما له منفعة.
وأيضا فإنما قدَّم الثمنَ ليسترخِص تلك السلعةَ إذا أتته عند محل الأجل، فإذا قُدمَتْ قبلَه بطَل هذا الغَرَضُ.
المسألة الرابعة عشرة: إذا أقْرض منه شيئا فرد إلَيه أفضلَ منه جَازَ، وإن ردَّ أزيَدَ منه لمْ يَجُزْ، وفي كِلا الموضعيْن فقد وجِدَ الفضلُ، فلِمَ كان ذلك؟
فالجواب أن الزيادة في المثل تخْرجُ عن حدِّ المثل، وليس كذلك تغيُّرُ الصفة، لأن المماثَلة حاصلة معه، وفَرَّقَ بعض أصحابنا بما رُوِي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أقْرِضَ بَكْرًا فرَدَّ جَمَلًا رباعيا أفضلَ مما أخذَ، وفي هذا الفَرق نظرٌ، من حيث إنه دليل على المِثلِية دون الفرق، وانما الفرق ما ذَكَرْنا، وهذا دليل عاضِدٌ لما ذكرناه، وأيضا فإن التهمة تَقْوَى في الزيادة في المثْلِ دون الصفة، والله أعلم.
المسألة الخامسة عشرة: قال مالك: يجوز بيْعُ تراب المعدنِ، ولا يجوز بيْع تراب الصاغة، وفي كلا الموضعيْن فالعين المشتَرَاةُ مرْئِية، فلِمَ كان هذا؟ .
فالجواب أن تراب المعدن إنَّما جاز بيعه، لأن ما فيه من الذهب والفضة معروفٌ، (أي عند اهل البَصَرِ)، وتراب الصاغة لا يُعْلمُ ما فيه.
وفرق بعضُ أصحابنا بأن قال: ترابُ المعدِن لا يَدْخله غِش، لأنه صنعة الخالق تعالى، وتراب الصاغة يدخله الغش لأنه صنعةُ خلوق، وفيه نَظرٌ.
المسألة السادسة عشرة: قال مالك: يجوز بيع تراب المعدنِ ولا يجوز بيع الضريية، وهو بْيع ما يُخْرَجُ من المعدن في اليوم، وفي كلا الموضعين هو تراب معدن، فلِم كان هذا؟
فالجواب أن. الضَّريية مجهولة غيرُ معروفة، لأنه لا يُعْلَمُ ما يخرج في ذلك اليوم، ليس الامر كذلك في التراب لأنه معلوم غير مجهول.
المسألة السابعة عشرة: قال مالك رحمه الله: من دفع إلى مالك غَزْلا، وقال: أنسجْهُ ثوْبا ولك نصْفُ الثوب لم يَجُز، وإن قال له: أنسجه ولك نصف الغزْلِ جاز، وفي كلا الموضعيْن فهو إجارة بنصف ما وقعَ، فلِمَ كان ذلك؟ .
فالجواب أنهُ إذا جعل نصْفَ الثوب أجْرَةً لعمله حصلت الإِجارة بأجرة مجهولة، لأن الثوب في الحال غيرُ معلوم، واذا استاجرَه بنصف الغزْل، حصلَتْ الإِجارة معلومةً.