الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُخُرِج تخريجَ الوكيلين على الموكِل والوكيل لَتعَذَّرَ عليه، وذلك أن الموكِل الأصالة، والوكيل إنما هو نائب وفرع.
القاعدة الثامنة عَشرة:
أقرر فيها الصريح من الطلاق وغير الصريح فأقول
(101):
المرادُ من الصريح، الخالصُ، ومنه قولهم: لبنٌ صريح، أيْ خالص لم يخالطه شيء.
وضابط مشهورِ كلام الأصحاب أن اللفظ إنْ دلَّ بالوضع اللغوي فهو صريحٌ، وهذا هو لفظ الطلاق.
= فرع لا أصالة له، فلا ينعقد عقد اللاحق فهما مطلقًا، اتصل به قبضٌ أوْ لا. ومهما وجدنَا معنى يمكن أن يلاحظه الإِمام (إمام المذهب) امتنع التخريج على محل ذلك الفارق، كما أن المجتهد إذَا وجد معنى يمكن أن يكون فارقا امتنع القياس، فالمقلد مع المجهد كالمتجهد مع الشارع.
فإن قلت: الوكيلان في النكاح فرعان لا متأصل فيهما، فيسقط ما ذكرتهُ من المناسبة.
قلت: ما ذكرتَه مسلَّم، غير أن المرأة يتعذر عليها الاستقلال فسقط اعتبار التأصل، وهاهنا يمكن الاستقلال فأمكن أن يكون إمكان الاستقلال، فرقا يلاحظه الإِمام، فيتعذر التخريج. والصواب عدم التخريج مطلقًا في الموكل والوكيل، والوكيلين أيضًا، والله أعلم.
(101)
هي موضوع الفرق الحادي والستين والمائة، بين قاعدة مَا هو صريح في الطلاق وبين قاعدة ما ليس بصريح فيه"، جـ 3. ص 152.
قال في أوله القرافي رحمه الله: "إعْلَمْ أن لفظ الصريح من قول العرب: لبَن صريح إذا لم يخالطه شيء، ونسبٌ صريح إذا. لم يكن فيه شائبة من غيره. فأما إذا كان اللفظ لا يحتمل غيره إلا على وجه البعد فهو صريح. وفي المقدمات للقاضي أبي الوليد: في الصريح ثلاثة أقوال: فعند القاضي عبد الوهاب لفظُ الطلاق وما تصرف منه، وقاله أبو حنيفة. وقال ابن القصار: الصريح: الطلاق وما اشتهر معه كالخَلِيَّة والبَريَّة ونحوهما. وقيل: ما ذكره الله في كتابه العزيز كالطلاق والسَّرَاح، لقوله تعالى: "فطلقوهن لعدتهن" وقول تعالى: "أو تسريح بإحسان" والفراق، لقوله تعالى: "وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته". وقاله الشافعي وابن حنبل: =
قال صاحب الجواهر: كيفَ تصرف هذه الصيغةُ فهي صريح، كقولك: أنتِ طالق، أو أنتِ مطلَّقة، أو قد طلقتكِ، أو أنا طالق منكِ.
والكنايةُ ما ليس موضوعًا له لغة، لكن يَحْسُن استعماله فيه مجازا، لوجود العلاقة القريبة بينهما. وما فيه علاقة بعيدة، أو لا علاقة فيه أصلا، لا بعيدةٌ، ولاقريبة، لا يسمى صريحا ولا كناية.
واختلف الأصحاب وغيرهم في لزوم الطلاق بمثل هذا اللفظ الذي ليس بصريح ولا كنايةٍ، فالمشهور عندنا لزوم الطلاق، والشافعي يقول: لا يَلزم به طلاق.
ثم إن أصحابنا، منهم من قال: هو طلاق بمجرد النية، لأن اللفظ لم يوضَعْ له، وقيل: بل هو باللفظ، وكأن المستعيلَ لَهُ وضعَه الآن له، وهو بعيد، لأن انشاء الوضع لا يخطر ببال الناس في العادة عند الاستعمال. ومن قال: لا يلزم، فلأنه يقول: الطلاق بمجرد النية لا يكون، ليس ها هنا إلا النيةُ، إذ اللفظُ لم يوضع لذلك لا مجازا ولا لغة. (102)
ثم هذا البحث يتوقف على معرفة اللغاتِ: هلْ هي توقيفيَّة أوْ اصطلاحية؟ فإن قلنا: توقيفية، فلا يجوز ذلك، وان قلنا اصطلاحية، جاز ذلك. والصحيحُ عدم الجزم بشيء من ذلك لا بالتوقف ولا بالاصطلاح،
= وقد علق الشيخ ابن الشاط رحمه الله على كلام الإِمام القرافي في اوله فقال: ما قاله هنا ذِكْرُ اشتقاق، وحكاية أقوال، وَلا كلام في ذلك. وما قاله صاحب الجواهر صحيح وهو الصريح، وما قاله شهاب الدين بعدُ، صحيح.
(102)
عبارة القرافي هنا هي قوله: "وبماذا يلزم؟ هل بالنية فقط؟ لمالكٍ، ويريد بالنية التطليق بالكلام النفساني، وقيل: باللفظ فقط، قال: وهو موجود في المدونة، وقيل: لابد من اجتماعهما. هذا في الفتيا. وأما في القضاء فيحكم عليه بصريح الطلاق وكناياته، ولا يصَدَّقُ اتفاقا، والكناية أصْلها ما فيه خفاء، ومنه كنيته أبا عبد الله، كأنك أخفيت الاسم بالكنية تعظيما له، ومنه الكِنّ لإخفائه الاجسام وما يوضع فيه، والكناية هي اللفظ المستعمل في غير موضوعه لغةً، وفي الصحاح: كنَيتُ وكَنوْتُ كنية بضم الكاف كسرها. =
فعلى هذا، اللفظُ يكون صريحا وكناية وعاريا عنهما (102 م).
ثم الكناية تنقسم إلى ما غلَب استعماله في العُرف في الطلاق فيُلْحَق بالصريح، لاستغنائه عن النية، قال في الكتاب: نحو الخلية والبريَّة (103)، وهذا لِلَحَاق العرف بالصريح، وما لم يغْلب استعماله في الكنايات فهو مجاز على أصْله، والمجاز يفتَقِرُ إلى النية الناقلة عن الحقيقة إليه، لأنها الأصل ولم ينسخها عرف.
ثم المنقولُ من الكنايات قد ينتقل لِأصْل الطلاق فقط، فيصير مثل أنت طالق في اللغة، يلزم به طلقةٌ رجعية، وقد ينتقل لأصل الطلاق والبينونة مع وصف العدد الثلاث، فيلزم به الطلاق الثلاث، ويصير النطق بذلك عرفا كالنطق بقوله أنت طالق ثلاثًا، لغة.
ثم إنّه قد يُستعمل في غير الثلاث غالبا، وفي الثلاث نادرا، فمن الناس من يقصد الاحتياط فيحمله على الثلاث، ومنهم من يحمله على الغالب فيلزم به طلقة واحدة، وهذا هو سبب الخلاف، ولهذا يرجع اختلافهم في مسألة الحرام.
فمن قائل: لم يحصل فيها نقْلُ البتةَ، فهي كذبٌ، فلا يلزم بها شيء إلا بالنية، ومِن قائلٍ: حصل النقل ولكن لأصل الطلاق، ومِن قائلٍ: النقل حصل للطلاق الثلاث، هذا تلخيص ما عليه الفقهاء.
= (102 م) وفي هذا الموضوع يقول العلامة الإِمام تاج الدين عبد الوهاب بن أبي الحسن السبكي الشافعي رحمه الله في كتابه الشهير: جمع الجوامع في أصول الفقه: (في الكتاب الأول من مؤلفه هذا حول الكتاب (أي القرآنِ) ومباحث الاقوال:
"مسألة" قال ابن فَوْرك والجمهور: اللغات توقيفيةٌ علّمَها الله تعالى بالوحْي وَخَلَق الاصوات أو العلم الضروري، وعُزِى (أي نُسِبَ هذا القولُ) إلى الإِمام الاشعري. وأكثر المعتزلة اصطلاحية (أي قالوا بأنها اصطلاحية) حصل عرفانها بالاشارة والقرينة كالطفل والاستاذ (أبو إسحاق الاسفرايني): القَدَّر المحتاج في التعريف توقيف، وغيرهُ محتمَلٌ، وقيل عَكْسُهُ، وتَوَقف كثير، والمختار الوقفُ عن القطع، وأن التوقيف مظنون. اهـ.
(103)
سبق في الجزء الأول ذكرٌ وبيانٌ لمعاني هذه الكلمات المستعمَلة في الطلاق بالكناية، كما شرحها القرافي، وأبان عن معناها والمرادِ بها في هذا الفرق أثناء كلامه عليها. وانظر المسألة الثالثة من المسائل التي ذكرها القرافي، والبقوري هنا في جـ 1 من هذا الترتيب، ص 288 فما بعدها
تنبيه:
الطلاق لإزالة مطلق القيد كما تقدم (104)، ومطلق القيد أعم من قيد النكاح، والقاعدة أن الدال على إزالة الأعَمِّ دالٌ على إزالة الأخصِّ بالالتزام لا باللفظ، فليس الطلاق موضوعا لإزالة خصوص قيد النكاح كما يُفهَم من كلامِ الفقهاء، بل التحقيق أن يقال: الطلاق موضوع لإزالة كل قيد حتى يندرج فيه قيد النكاح. وإذا كان كذلك فطالقٌ لا يدل على زوال العصمة مطابَقَةً ولا التزاما بحسب اللغة، والحقُّ أنه دل على ذلك عرفا لا لغة. والى هذا مال الشافعي رضى الله عنه، واستدل على هذا بورود ذلك في كتاب الله تعالى. واعترضه شهاب الدين هُنا بأن قال: الورودُ في الكلناب لا يكون دليلا على ذلك. (105)
قلت: مراد الشافعي أن استعمال هذا اللفظ في كتاب الله يَتعيَّنُ له بذلك حمله على الكلام الشرعى. على أن القاعدة أن الشارع إذا نطق بلفظ له معنى لغوى وله معنى شرعى ترجَّحَ حملُه على المعنى الشرعي وكان أرْجَحَ، فإذا كان مراد الشافعي هذا، فقوله صحيح، ولا اعتراض يَرِدُ عليه، والله أعلمُ.
قال شهاب الدين رحمه الله: فإذا فرَّعنا على العرف لا على اللغة فينبغي أن لا يكون الإِنطلاق صريحا وإن كان فيه الطاء واللام والقاف، وفيه معْنى إزالة
(104) قال ابن الشاط: ذلك غير صحيح، فإن الطلاق ليس في اللغة لإزالة مطلق القيد، بل لإزالة قيد العصمة خاصة. وما قاله القرافي من أنه يقال: لفظ مُطْلَقٌ، ووجْهٌ طلْقٌ، إشارة إلى الاشتقاق الكبير عند النحاة، وهو ضعيف عند محقيقهم، ومن ثَم لَا يصح اعتبار الكناية بِمُشْتَقَّةٍ من الكن، لأن الكناية آخر حروفها الثلاثة ياء أو واو، والكِنُّ آخر حروفه نون. انتهى بتصرف.
(105)
أي إنه لا يلزم من ورود شيء في كتاب الله تعالى أن يصير موضوعا لذلك المعنى في الشرع أو العرف، فإن الكتاب العزيز يَرِدُ بالكنايات القريبة والبعيدة كما يرد بالحقيقة، والمجاز كثير في كتاب الله تعالى جدا، ويُعتَمَدُ في حكمه على القرائن والتصريح بالمراد.
وقد عقب ابن الشاط على هذا بقوله: قلت: بل إذا ورد شيء في كتاب الله تعالى فإنه يُحمَل على أنه كذلك في الشرع أو العرف، لأن ذلك هو الأصل.
القيد، لأن المشتهِر هو الطلاق دون الانْطِلاق، وكذلك أطلَقْتُكِ وانطلقتُ منك، وانطلقِي منى وأنتِ مُنْطلقة. (106)
وخَالف أبو حَنيفَة وأحمدُ بن حنبل في أنا طالق منك، لأنه ليس محبوسا بالنِّكَاح، بل هي المحبوسة، وقياسًا على قوله: أنا طالق، ولو كان محلا للطلاق لوقع، ولأن الرجلَ لَا يوصفُ به. (107)
تنبيه:
ليس في أصل اللغة ما يقتضِي طلاق المرأة الْبتَّةَ ولا لفظةٌ واحِدَةٌ، وهذا شيء لَا يكاد يَخطر بالبال.
وبيانُه أنه إذا قال: أنتِ طالق ثلاثًا فهذا أعظم ما يُتوَهم أنه صريح لغة، وليس كذلك، بل هو لا يوجب طلاقا البتَّة، من حيث إن اللغة إنما تقتضي أن هذه الصيغة وضَعَهَا العرب للإِخبار، ومقتضَى ذلك أنه خبرٌ كذبٌ، فلا عِبْرَةَ به، ومن ها هنا افترق الناس فرقتين، ففِرقةٌ قالت: هي إخباراتٌ، لكن الشرع قدّر وقُوع مُخْبَرِها قبْلَ النطق بها بالزمن الفرد، لضرورة تصديقه، قال هذا الحنفيةُ، وهذا المعنى ارتكبوه في جميع صيغ العقود. والفريق الآخر - وهُمْ المالكية والشافعية - يقولون في هذه الصِيغُ انتقلت من الخبر إِلى الإِنشاء، نقَلَها العُرفُ،
(106) قال المحقق ابن الشاط رحمه الله: فيه إشارة إلى ذلك الاشتقاق، وقد تقدم رده.
وما قاله من أنه لا يكون صريحا ولا كناية، صحيح أيضًا، لأن الانطلاق ليس من الطلاق وإن كانا من مادة واحدة.
(107)
أجاب القرافي رحمه الله عن التعليلات والتوجههات التي اعتمدَها كل من الإمامين: أبي حنيفة وأحمد بن حنبل رحمهما الله في "أنا طالق منك" حيث لم يعتبرا هذه العبارة طلاقا صريحا.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على جواب القرافي، عن التعليل الأول الذي هو كونه ليس محبوسا بالنِّكَاح بكونه محبوسا عن عمتها وأختها والزيادة على الاربع، فقال ابن الشاط: ليس. معْنَى الطلاق معنى الانطلاق حتى يلزم ما جاوب به، بل الطلاق حلُّ العصمة فقط، وهو أمر يصدر من الرجل ويقع بالمرأة، فإذا قال: أنا طالق منك، فقد عكس المَعْنَى، فالظاهر أنْ يكون مجازًا، واللهُ أعلم.