الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منفوذة، أو جبت الملك، وإن لم يكن إلا خُصُّ القصب (134) لأحدهما، فالقصب والطوب سواء.
قال شهاب الدين: المُدْرَك في هذه الفتاوى كلها شواهد العادة، فمن ثبتَتْ عنده عادة، قضي بها. وعلى هذا إذا اختلفت العوائد في الأمصار والأعصار تختلف الاحكام، لاختلاف ما ثبتت عليه.
المسألة الثانية: قال بعض العلماء: إذا تنازعتما (135) حائطا مُبَيَّضاً، هل منعطِفٌ لدارك أو لداره، فأمَرَ الحاكم بكشف البياض، ليُنْظرَ (136)، إن جُعلت الأجرة عليك في الكشف فمشكل، لأن الحق قد يكون لخصْمِك، والأجرة ينبغي أن تكون على منْ يقع لَهُ العمل ونفعه، ولا يمكن أن تقع الإِجارة على من يثبت له المِلك، لأنكما جزمتما بالمِلْكية، فما وقعت الاجارة إلا جازِمةً. قال: ويمكن أن لِقال: يُلزِم الحاكمُ كلَّ واحد منهما باستئجاره، وتَلزمُ الأجرةُ في الآخِر من يَثبُتُ له ذلك الحق، كما يحلف في اللعان وغيره، وأحدُهما كاذب.
الحجة السابعة عشرة: اليَدُ، وهي ترجِّحُ لا أنَّها يُقضى بها. (137) فهذه هي الحجاج، وما عداها ليس كذلك.
القاعدة الثانية عشرة: في تقرير ما يقع به الترجيح في البينات عند التعارض
. (138)
(134) والخُصُّ بضم الخاء هو البيت من قصب أو شجر وجمعة أخصاص.
(135)
كذا في ع، وت. وفي ح: تنازعا بصيغة الغائب، وهو ما هنا عند القرافي رحمه الله.
(136)
كذا في ع، وح: وفي ت: ليُبْصِرَ، وكلاهما بمعنى واحد.
(137)
المراد وضعُ اليد على الشيء، وحيازته في يد المدّعى عليه.
وعبارة القرافي: لا، اليد، وهي يُرَجَّحُ بها، ويبقى المدعى به لصاحبها، ولا يُقْضَى له بملك، بل يُرجح التعدي فقط، وتُرجَّحُ إحدى البينتين وغيرهما من الحجاج، وهي للترجيح لا للملك، فهذه هي الحجاج التي يقضى بها الحاكم، وما عداها لا يجوز القضاء به في القضاء.
(138)
هي موضوع الفرق الثامن والعشرين والمائتين بين قاعدة ما يقع به الترجيح من البينات عند التعارض، وقاعدة ما لا يقع به الترجيح. جـ 4. ص 62 من الطبعة الأولى: 1346 هـ. لم يعلق عليه بشيء، العلامة أبو القاسم ابن الشاط رحمه الله.
إعلم أنه يقع الترجيح بأحد ثمانية أشياء، وقع منها في الجواهر أربعة، فقال: يقع الترجيح بزيادة العدالة، وقوة الحجة كالشاهدين يُقدَّمان على الشاهد واليمين، واليَدِ عند التعادل، وزيادةِ التاريخ، وقال ابن أبي زيد في النوادر: وتُرَجَّحُ البينة المفَصّلة على المجملة، والنظر في التفصيل والإِحمال مقدَّم على النظر في الأعْدلية، فإن استويا في التفصيل والإِجمال نُظِر في الأعْدَليَّة.
السادس، قال ابن أبي زيد: أن تختص إحداهما بمزيد اطِّلاع، كشهادة إحداهما بحَوْز الرهن والأخْرى بعدم الحوز، لأنها مثْبتة للحوْز، وهو زيادة اطِّلاع. قاله ابن القاسم وسحنون. (139) وقال محمد: يُقضَى به لمن هو في يده.
السابع استصحاب الحال والغالِبِ، ومنه شهادة إحداهما أنه أوصَى وهو صحيح، وشهِدت الاخرى أنه أَوصَى وهو مريض. قال ابن القاسم: تقدم بينة الصحة، لأنه الأصل والغالب.
وقال سحنون: إذا شهدتْ بأنه زَنَى عاقِلا، وشهدت الأخرى بأنه كان مجنونا، إنْ كان القيام عليه وهو عاقل قُدِمت بينة العقل، وإن كان القيام عليه وهو مجنون قُدِّمتْ بينة الجنون، وهو ترجيح شهادة الحال، وهو الثامن. وقال ابن اللَّبَّادِ: يعتبر وقت الرؤية لا وقتُ القيام، فلم يَعتبر ظاهر الحال. ونُقِل عن ابن القاسم في إثبات الزيادة: أذا شهدت إحداهما بالقتل أو السرقة أو الزنى، وشهدت الاخرى أنه كان بمكان يَعبُد الله قُدِمت بينة القتل ونحوه، لأنها مُثْبِتةٌ زيادةً، ولا يُدرأ عنه الحد. قال سحنون: إلا أن يشهد الجمع العظيم كالحجيج ونحوهم أنه وقف بهم أو صَلَّى بهم العِيدَ في ذلك اليوم فلا يُحَدُّ، لأن هؤلاء لا يشتبه عليهم أمْرُهُ، بخلاف الشاهدين (140).
(139) والقاعدة الفقهية تقول: "المثْبتُ مقدَّمٌ على النافي".
(140)
قال القرافي: فهذه الثمانيةُ الأوجُه هي ضابط قاعدة ترجيح البينات، وما خرج عن ذلك لا يقع به الترجيح.
ثم وقع الخلاف في هذه الترجيحات بين العلماء، فعندنا يقدَّم صاحب اليد عند التساوي، أو معَ البينة التي هي أعْدَلُ، كانت الدعوى أو الشهادة بمطلق المِلك أو يضاف إلى سبب، نحو ولدتْ الدابة عندي في مِلْكِي، كان السبب المضاف إليه المِلكُ يتكرر كغرس النخل أو لا. وقال الشافعي به.
وقال أبو حنيفة: تقدَّمُ بينة الخارج إن ادعى مطلق الملك، فإن كان مضافا إلى سبب يتكرر فادَّعاهُ كلٌّ منهما فكذلك، أو لا يتكرر كالولادة، وادَّعياه وشهدت البينة به، فقالت كلُّ بينة: ولِد عَلَى مِلكه، قدمت بينة صاحب الْيَد. وقال ابن حنبل: الخارج أولى، ولا تُقْبَلُ بينة صاحب اليد أصْلاً.
لَنا على أحمد ما رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه تحاكَمَ إليه رجُلَان في دابة، وأقام كل واحد منهما بينةً أنَّها لَه، فقضَى رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحب اليد، (140 م) ولأن اليد ترجحه كما لوْ لَمْ تكن بينة. ولنا على أَبي حنيفة ما تقدَّمَ، والقياسُ على المضاف إلى سبب لا يتكرر.
احتجوا بوجوه (141): الأول قوله عليه السلام: "البينة على من ادَّعى واليمين على من أنْكر". فالحديث جَعَل للمدَّعي الاحتجاج بالبينة، ولِلمدعَى عليه
(140 م) أورده السيد سابق في كتابه فقه السنة، عَنْ جابرٍ رضي الله عنه وقال: أخرجه البيهقي، ولم يضعِّفْ إسناده.
(141)
عدَّها القرافي أربعة، وأجاب عنها، واقتصر البقوري في هذا الترتيب والاختصار على الأول والثالث منها دون الإجابة عنها.
واستكمالا لذكر هذه الوجوه أذكر الثاني فها وهو: أنه لما تعارضت البينتان في سبب لا يتكرر كالولادة، شهدت هذه بالولادة والأخرى بالولادة تعيَّن كذبهما فسقطا، فبقيت اليد، فلم يحكم له بالبينة، فأما ما يتكرر ولم يتعيَّن الكذب فلم تفد بينته إلا ما أفادته يدُه فسقطت، لعدم الفائدة.
والوجه الرابع أنه إنما أعملنا يينته في صورة النتاج، لأن دعواه أفادت الولادة ولم تُفدها يده، وشهدت البينة بذلك، فأفادت البينة غير ما أفادت اليد فقُبِلتْ. وانظر أجوبتها عند القرافي.
بالإِنكار، ولأن صاحب اليد إذا لم يُقِم الطالبُ ببيِّنةً لا تُسمعُ بينته، وإذا لم تُسْمَعْ
بينته في هذه الحالة، وهي أحسن حالتيه، ففى الأخْرى أحْرَى وأوْلَى. (142).
وأما الأعدلية فمنع أبو حنيفة والشافعي وأحمد رضي الله عنهم الترجيحَ بها.
لنا أن البينة إِنما اعْتُبِرَت، لما تثيره من الظن، والظن في الأعْدَل أقوى، فيقدَّم كأخبار الآحاد إذا رجَح أحدهما، ولأن الاحتياط في الشهادة مطلوب أكثر مما هو في الرواية، فوجَبَ أن لا يُعْدل عن الأعْدلِ، قياسا على الخبر، وبطريق الأولى والأحْرى.
إحتجوا بأنّ الشهادة مُقَدَّرَةٌ في الشرع، فلا تختلف بالزيادة، كالدِّية لا تختلف بزيادة الماخوذ فيه، فَدِيَةُ الصغير والحقير كدِية الشريف العالم العظيم.
وثانيها أن الجَمْعَ العظيم من الفَسَقَة يُحَصِّل الظن أكثر من الشاهدين، وهو غير معتَبر، فَعُلِم أنها تَعَبُّدٌ لا يَدْخلها الاجتهاد.
وثالثها أنها لو اعْتُبِرَت زيادهَ العدالة لاعتُبِر زيادة العدد، وذلك باطل، فالآخَرُ مثلُه.
والجوابُ عن الأول أن وصْفَ العدالة مطلوبٌ في الشهادة، وهو موكولٌ إلى اجتهادنا، وهو يتزايد في نفسه، فما رجَّحْنا إلا في موطن اجتهاد لا موضعِ تقدير.
وعن الثاني أنَّا لا ندَّعي أن الظن كيف كان يُعتبر، بل نَدَّعي أن مزيد الظن بعد حصول أصْل معتبرِ، معْتَبرٌ، كما أن قرائنَ الأحوالِ لا تثْبُت بهَا الأحكام والفتاوَى، وإن حصَّلَتْ ظنا أكثر من البينات والأقيسة وأخبار الآحاد، لأن الشرع لم يجْعَلها مُدْرَكاً للفتيا والقضاء، ولمَّا جعل الأخبارَ والأقْيسة مدْرَكا
(142) عبارة القرافي: (وهو، أي حديث "البينةُ على المدعي واليمين على من أنكر")، يقتضي صنفين: مدعيا والبينة حجته، ومدّعى عليه واليمين حجته. فبينته غير مشروعة فلا تُسمع، كما أن اليمين في الجهة الاخرى لا تفيد شيئا.