الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعروف، إذ لو كان القصد هو المعاوضَةَ لما جاز ذلك، للجهل بالمرأة ومُدِّةِ الانتفاع، فإنما وضيع للاباحة، فهو - إذن - لا يتقررُ لا عنل الدخول أو الموت.
قلت: لقائل أن يقول: هب أنه (أي اشتراط الصداق) للاباحة، فمن أين يلزم أن الاباحة لا تثبتُ إلا بالدخول، بل بنفس العقد حصلتْ الإِباحة، وكونُهُ لا يطأ في الوقت ليس لأنها لم يُستبحْ وطؤها كما هي إذا دخل بها، فإن أرْخى السِّتْرَ ولم يَقْرَبْها فالإباحة محقَّقة مع عدم الوطاء، فلذلك هي بنفس العقد، وعلى هذا يصير قول من قال: الصَّداق عِوَضٌ، أو شرط الإباحة، على السواء، أنه يجب بالعقد من حيث إن العقد سبب، والأصل ترتُّبُ المسبَّبَات على أسبابها.
القاعدة السادسة عشرة:
أقرر فيها الفرق بين المتداعيين شيئًا، لا يقدّمُ أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة وبين المتداعيين من الزوجين في متاع البيت يقدّمُ كل واحد منهما فيما يُشبِهُ أن يكون له
(75).
قال مالك: إذا اختلقا في شيء قُضِي للرجل بما شأنُهُ أن يكون للرجال، وللمرأة بما شأنُهُ أن يكون للنساء، سواءٌ كانا حُرَّيْن، أو عبدّين، أو كافريْن، أو مسلمين، أو أحدُهما يخالف الآخر في وصف من الأوصاف المذكورة، وبهذا قال أبو حنيفة. وقال الشافعي: لا يُقَدَّم أحدُهما على الآخر إلا بحجة ظاهرة كسائر المدَّعين. والقاعدة لا تتقرر على مذهب الشافعي. وقال ابن القاسم: ما كان للصِّنْفيْن معًا قُسِم بينهما - بعدَ أيمانهما لاشتراكهاما في الْيَدِ. ثم اليَمينُ اخْتِلف فيه (76).
(75) هي موضوع الفرق الستين والمائة بين القاعدتين المذكورتين هنا. جـ 3. ص 148
(76)
تُستعمل كلمة اليمين بمعنى الحلف على أنها مؤنث، فيعاد الضمير عليها كذلك، فيقال مثلا: وجبت اليمينُ عليه وترتبت عليه، ولعل إعادة الضمير عليها هنا بصيغة التذكير يعود إلى تأويل كَلِمة اليمين بمعنى القسمَ والحَلِف، وهو لفظ مذكر، فصح أن يقال: اليمين اختلف فيه. فَليُحَقَّقْ ذلك.
فقال ابن يونس: يَحلِفُ من قُضي له به، وقال سحنون: ما يُعْرَف (77) لاحدهما لا يَحلف، ولكن اليمين على الرجل فيما يَصلح لهما، وقاله ابن القاسم في غير المدونة، وهو ظاهر قول مالك. وقال ابن سحنون، لا يُقضَى لواحدٍ منهما بشيء إلا بعد يمينه، ثم إن اختلفا في البيت نفسه فهو للرجل، لأنه مِلْكُهُ في غالب العادة. (78). قلت: العادة قد تختلف، فالغالب الآن في زماننا أن المسكن للمرأة لا للرجل. (79)
قال شهاب الدين: فَوجْهُ الفرْقِ أن نقول: قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} (80)، فكلُّ ما شهِدت به العادة قضِي به، لِظاهِر هذه الآية، إلا أن يكون هناك بينةُ.
قلت: الاستدلال بالآية ليس بِقَوِيٍّ (90) من حيث إن العرف ينازع الخصمُ في تفسيره، ويقول: ليس المرادُ به ما ذكرتَهُ أيها المستدِلُّ.
قال شهاب الدين: والشافعي قاس أمر الزوجين على الصَّبَّاغ والعطَّار، ونحن نقول: الفرق أن الإشهاد بلان الزوجين متعذر، لأنهما لو اعتمدا ذلك، وأن من كان له شيء أشهدّ عليه، أدى ذلك إلى المنافَرَة وعدم الوداد بينهما، وربّما
(77) كذا في نسخة ع، وفي كل من نسخة ح، وفي ت، عرف بصيغة الماضي. مبنيًا للمجهول.
(78)
علق الفقيه المحقق الشيخ المدقق أبو القاسم ابن الشاط رحمه الله على ما جاء في هذا الفرق عند الإِمام القرافي، ولخصه هنا الشيخ البقوري رحمه الله، فقال ابن الشاط: قوله: (الفرق الستون والمائة بين قاعدة المتداعيين (غير الزوجين)، وقاعدة المتداعِيَيْن الزوجين إلى قوله:"هذا تقرير المنقولات): لا كلام في ذلك. وأمّا قوله: "ووجْه الجواب والفرق فنقول: لنا قوله تعالى: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} إلى آخر ما قاله في هذا الفرق، ففي ذلك نظر، وتَمسُّكُ الشافعي بالحديث ظاهر، وجواب المالكية بتفسير المدعي والمدّعى عليه بما فسَّرُوا، لا بأس به. وجعْلُ المالكية اليدُ لهما (اي للزوجين) مع قولهم: إن الرجل حائز للمرأة، فيه درك لا يخفي، وبالجملة، المسألة محل نظر. اهـ.
(79)
يريد الشيخ البقوري ويقصد زمانه في أواخر القرن السابع، ولغاية العقد الأول من القرن الثامن الهجري، فإنه توفي مراكش رحمه الله عام 707 هـ.
(80)
سورة الاعراف، الآية 199.
(80 م) في نسخة ت: ليس بالقوي، بالتعريف.
أفضى ذلك إلى الطلاق والقطيعة، فهما معذوران في عدم الإِشهاد ومُلْجآن إلى ذلك. ولمّا ألجِيئا لعدم الإِشهاد قضينا بينهما بالعادة، وَلوْ لم يكن ذلك لانْسَدّ الباب عليهما، بخلاف العطّار والصباغ إذا كانا في حانوت واحد لا ضرورة تدعوهما لعدم الإِشهاد، فإنهما أجنبيان لا يتَألمَان من ضبط أمْوالهما بذلك.
وإن كانَا في حانوتين أو تداعيا شيئًا في يد ثالث فنقول: الفرق أن الضرورة تدعو للملابسة في حق الزوجين، فنَسْلُك (81) بهما أقرب الطرق في إثبات أموالهما، ولا ضرورة تدعو لملابسة العطار والصَّبَّاغ، فَجَريَا على قاعدة الدعاوى.
واستدل الشافعي أيضًا بقوله عليه السلام: "البينة على ما ادّعى واليمين على من أنكر"(81 م)، فكلُّ من ادعى من الزوجين شيئًا كان عليه البينة، لظاهر الحديث.
وجوابه أن قاعدة المدعي هو كل من كان قوله على خلاف أصلٍ أو عُرْفٍ، والمدّعي بالدَّين على خلاف الأصل، لأن الأصل براءة الذمة، والمطلوبُ، المُنْكِرُ على خلاف الأصل.
وإذا كان هذا ضابط المدعي والمدعى عليه، فإذا ادعت المرأة مِقنعَةً (82) وشبههَا كان قولُها على وفق الظاهر، وقولُ الزوج على خلاف الأصل. فالزوج
(81) في نسخة ح: فيسلك بالياء مبنيا للمجهول.
(81 م) أورده الإِمام الحافظ جلال الدين السيوطي في كتابه الجامع الصغير، ناقِلًا له عن الإمامين: البيهقي في السنن، وابن عساكر، من رواية ابن عمر رضي الله عنهما، وهو حديث اعتمده الفقهاء وعلماء الإسلام، واتخذوه قاعدة شرعية متأصلة وثابتة في إثبات الحقوق والفصل بين الناس في الخصومات، وقد جاء في حديث صحيح أخرجه الشيخان، والإمام أحمد عن ابن عباس، قوله صلى الله عليه وسلم:"لو يُعْطى الناسُ بدعواهم لادَّعى ناسٌ دماءَ رجالٍ وأموالهم، ولكن اليمينُ على المدعَى عليه". وهو الذي ينكر المدعي، كما في الرواية الاخرى:"البينة على المدعي، واليمينُ على من انْكَرَ".
(82)
المِقْنَعة والمقنع بكسر الميم فيهما، ما تُغَطَّي المرأة رأسها به، وهي بمعنى القِناع بكسر الميم، وأصغُر منه.
مدّعٍ فعليه البينَة، وهي مدّعىً عليها فالقول قولها (83)، فنحن نقول بموجب الحديث، لا أنه حُجِّةٌ علينا.
واحتجوا أيضًا بأن كل موضع لو كان المتداعيان امرأتين، أو رجلين لم يقدّم أحدهما على الآخر، وكذلك إذا كانا رجلا وامرأةً لم يقدّم أحدهما بالصلاحية بالقياسِ على ما إذا كان في يد ثالث، ويُؤْيِّدُ أن حُكُم اليْدِ لا يَسقُط بالصلاحية أن من كان بيدو خلخال فادّعته امرأة أجنبية فالقول قوله، وإن كان الخلخال لا يصلح من لباسه، لأجِّل أن يده عليه، فكذلك ها هنا.
والجوابُ أنه لا فرق عندنا بين المرأة والرجل، وبين الرجُلين والمرأتين، وبين اليد الحُكمية والشاهدة. فلو تعلق رجل وامرأة بخلخال، وأيديهما جميعا عليه يتجاذبانه، قضينا به للمرأة مع يمينها، لأجل ظاهر الحال من جهة الصلاحية، ولو تجاذبا سيفًا كان للرجل مع يمينه. وأما إذا كان بيد ثالث فليس لاحدهما عليه يد، خلاف مسألتنا فإن المستند عندنا اليمينُ مع الصلاحية.
فإن قالوا: ما ذكرتموه يَبْطُل بأن ما يصلحُ لهما يكون للزوج، مع أنه لا ظاهر يشهد له، ويَدُ كُلَّ واحد منهما عليه، فقد رجحتم من غير مرجِح. قلنا: بَلْ يد الزوج
(83) وقد تعرض الشيخ خليل في مختصره الفقهي المالكي لمسألة تنازع الزوجين في متاع البيت فقال، عاطفا على التنازع بين الزوجين في الزوجية، وفي الصداق وقدره أو صفته وجنسه ما نصه:"وفي متاع البيت، فللمرأة المعتادُ للنساء فقط بيمين، وإلا فله يمين، قال: "وإن أقام الرجل بينة على شراء مالها (كحلي النساء مثلًا) حلَفَ وقُضي له به كالعكس، وفي حلفها تأويلان".
وهذا ما جاء أيضًا في الفصل التاسع والثلاثين من مدونة الأحوال الشخصية المغربية، طبعة مكتبة الوحدة العربية (سنة 1993) ما نصه:
إذا اختلف الزوجان في متاع البيت، ولا بيّنةَ لهما، فالقول للزوج بيمينه في المعتاد للرجال، وللزوجة بيمينها في المعتاد للنساء، وإن كان من البضائع التجارية فهو لمن يتعاطى التجارة منهما ببيِّنَة، أمَّا في المعتاد للرجال والنساء معا فيحلف كل منهما ويقتسمانه.
وفي الفصل الاربعين ما نصه: إذا مات أحد الزوجين ووقع النزاع في متاع البيت بين الحي وورثة الميت كان حكم الوارث حُكم الموروث في الفصل السابق.