الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ككلب الصيد (19) وإجارة الارض (20)، وما سلِمَ من هذه الأشياء فهو كالقابِلِ للمِلك والتصَرُّفِ بأسباب المِلك على اختلافها.
القاعدة الخامسة:
أقرر فيها ما يجوز بيعه وما لا يجوز
، (21) فأقول:
ما يجوز بيعه هو ما اجتمعت فيه شروط خمسة، والشروط الخمسة هي:
(19) فالكلب مطلقاً نهى عن بيعه والانتفاع بثمنه، كما جاء في الحديث الصحيح عن جابر رضي الله عنه قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب والسِّنَّور". وهو بكسر السين وفتح النون: الهزُّ، وأجاز المالكية والحنفية بيع كلب الصيد وحراسة الماشية والانتفاع به، استثناءً من ذلك النهي، ورعْياً للحاجة والضرورة التي تدعو اليه. قال ابن ابي زيد القيرواني رحمه الله مشيرا إلى ما سبق: "ونُهِىَ عن بيع الكلاب، . واختُلِف فيما أُذِن في اتخاذه منها" وقال الفقيه محمد بن عاصم في منظومته الفقهية المشهورة باسم تحفة الحكام في نُكت العقود والأحكام (فقه القضاء):
"واتفقوا أن كِلابَ الماشية
…
يجوز بيعها ككلب البادية"
وعندهم قولان في ابتياع (شراء)
…
كلاب الاصطياد والسباع
(20)
المراد بإجارة الارض كراؤها لمن يزرعها ويحرثها على أن يكون له نصيب مما يخرج منها حسب الاتفاق بين صاحب الارض والعامل فيها بالزرع والخدمة أو بين الشريكين فيها إن كانا يملكانها معا، وهو المعبر عنه في الفقه بالمزارعة. كما سياتي، وهي أمر معروف ومشهور، عمل بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك صحابته الكرام من بعده. فقد رَوَى الشيخان: البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من زرع وتمر. وقد ترجم لها وأبان أحكامها شراح الحديث، والفقهاءُ في مؤلفاتهم القيمة، وتوسعوا في موضوعها وأحكامها وشروط صحتها، ولخصها ابن جُزَيّ رحمه الله، في فقرة من كتابه القوانين الفقهية.
(21)
هي موضوع الفرق الخامس والثمانين والمائة (185) بين القاعدتين المذكورتين جـ 3. ص 239. وقد علق عليه الشيخ ابن الشاط في أول هذا الفرق، وسلَّمه فقال: ما قاله في ذلك صحيح. وقد جمع الشيخ خليل بن اسحاق المالكي رحمه الله هذه الشروط في مختصره الفقهي في باب البيع، فقال:"وشُرِطَ للمعقودِ عليه طهارةٌ لا كزِبل وزيتٍ تنجَّس، وانتفاعٌ لا كمُحَرَّم أشْرَفَ (أي على الهلاك والموت كبغل مثلا)، وعَدَمُ نهي لا ككلب صيد، وجاز هرٌّ وسَبعٌ للجلد، وقدْرةٌ عليه، لا كآبق وإبلٍ أهُملتْ، وعدمُ حِرمةٍ ولو لبعضه، وعدمُ جهل بمثمُونٍ وثمن ولو تفصيلا"، (اى ولو جُهِلَ المعقود عليه تفصيلا وعُلِمَتْ جملته أي فإن ذلك الجهل يُعتبر، ولا يصح التعاقد على أساس العلم بجملته فقط، بل لابد من العلم بالمعقود عليه تفصيلا. وانظر شراحه وكذا شراح التحفة في هذه الشروط وما يتعلق بها.
1) - الطهارة، لقوله عليه الصلاة والسلام في الصحيحين:"إن الله ورسولَه حرّم بيع الخمر والميتة والأصنام"(21 م)
2) - الثاني أن يكون منتفَعا به، لتصح مقابَلَةُ الثمَن به.
3) - الثالث أن يكون مقدورا على تسليمه، لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع الغرر.
4) - الرابع ان يكون معلوما للمتعاقدَيْن، لنهيه عليه الصلاة والسلام عن أكل المال بالباطل.
5) الخامس أن يكون الثمَنُ والمبيع مملوكيْن للعَاقد والمعقود له، أو من أقيمَ مقامهما، فهذه شروط في جواز البصح دون الصحة، لأن بيع الفُضُولي وشراءه يحرم على قول، وسياتي.
وهنا مسألتان:
المسألة الأولى هي بحسب الشرط الثاني. قال صاحب الجواهر:
هي أصلُ المنفعة وإن قَلّتْ وقَلّتْ قيمتها، فيصح بيع التراب والماءِ ولبَن الأدميات. وقاله الشافعي وابن حنبل، قياسا على لَبَن الغَنَم. وقال أبو حنيفةَ: لا يجوزُ أكْلُهُ ولا بيعُه، لأنه جزء حيَوانٍ، منفصلٌ عنه في حياته، فحرُمَ أكله، ويمتنع لذلك بيعُه، ويقول: أَستُثْنِي منه الرضاعُ لِلضرورة، وكان غيرُهُ من الحيوانِ ليس كذلك، اتِّباعا للحومها. وأيضا فذلك تشريف لابن آدم. وقد رُدَّ عليه ما ذُكر
(21 م) نص الحديث: عن جابر رضي الله عنه أنه صح رسول الله لله يقول عام الفتح وهو بمكة: إنَّ الله حرم بيع الحُمُر والميتة والخنزير والأصنام، فقيل: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنه يُطلى بها السفن، ويُدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس، فقال: لا، هو حرام. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاتَلَ الله الله اليهود (أي أهلكهم، فهو دعاء عليهم بالهلاك). إن الله عز وجل لما حرم علهم شحومها أجملوه (أي أذابوا الشحم)، ثم باعوه وأكلوا ثمنه". اهـ
من الاستثناء بإرضاع عائشةَ كبيرا فَحَرُمَ عليها وما أنكرَ عليها أحدٌ ذلك، ولو كان حراما مَا فعَلَتْهُ. (22)
(22) إشارة إلى حديث الشيخين وأبى داود عن عائشة رضي الله عنها قالتْ: دخل عليَّ النبيُّ وعندي رجل قاعدٌ، فاشتد ذلك عليه ورأيت الغضب في وجهه، وقلتُ: يا رسولَ الله، إنه لَأخي من الرضاعة، فقال: أَنْظُرن إخوتكُنَّ من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة"، أي تأكدن وتحققن ممن ثبت رضاعُه الشرعي الذي تثبت به الحِرمة بين المرضِع والرضيع، وهو الرضاع الذي يكون من المجاعة، أي يكون حالة احتياج الطفل اليه، وهو ما يكون داخل العامين من ولادته، قبل استغنائه عن الرضاع بتناول الطعام المناسب بعْدَ اكتمال الحولين وحصول الفطام، لقول الله تعالى: "والوالداتُ يرضعن أولادهن حوليْن كامليْن، لمن أراد أن يتم الرضاعة" (سوة البقرة. 233) ولحديث أبي داود:"لَا رضاعَ إلا ما شدَّ العظم وأنبتَ اللحم"، ولحديث الدارقطني:"لارضَاع إلَّا ما فتَقَ الامعاء وكان قبل الحولين".
وقد علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة فقال: ما قاله من أن فرق الحنفية يندفع بما رُويَ عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيرا فَحَرُمَ عليها، لِقائلٍ أن يقول: لا يندفعُ بذلك، لجعْل رضاع الكبير لقصْد ثبوت التحريم داخلا فيما استُثْنِيَ للضرورة.
قلت: وفي هذا السياق والمعنى عقب الشيخ البقوري على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة، فقال في آخرها:"لا دليل في هذا (أيْ في إرضاع عائشة للكبير فحرُم عليها) وإنما الدليل في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإرضاع سالم، والضرورة مفقودة هناك (في موضوع إرضاع عائشة للكبير)، إذ كان كبيراً. والبقوري رحمه الله يشير في هذا التعقيب إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة في شأن سالم مولاهم: "أرضعيه تحْرُمي عليه"، وكان كبيرا، فهو خاص بها، كما أخبرتْ بذلك أمهات المؤمنين، إلا عائشة، رضي الله عنهن جميعا.
- والحديث رواه الإِمام مالكٌ رحمه الله في الموطأ عن عُروةَ بن الزبير أن أبا حُذَيفة رضي الله عنه تبنَّى سالما (وكان مولى لامرأة من الأنصار) كما تبنَّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم زيدَ بن حارثة، وكان مَن تَبَنَّى رجلا في الجاهلية دعاه الناس ابنه، وورث من ميراثه، فلمَّا أنزل الله عز وجل، "أدعوهم لآبائهِم هو أقسط عند الله، فإن لم تعلموا آباءهُمْ فإخوانكم في الدين ومواليكم"، رُدُّوا إلى آبائهم، فمَن لم يُعْلَم له أبٌ فمولى وأخٌ في الدين، فجاءت سهلة بنت سُهيل، وهي امرأة أبي حُذيفة، فقالت، يا رسول الله، كنَّا نرى سالما ولداً، وكان يدخُلُ عليَّ وأنا فُضُلٌ (بضم الفاء والضاد) أي متبذلة في ثوب واحد، (وفي ثوب المهنة والعمل بالمنزل)، وليس لنا إلا بيت واحد، فماذا ترى في شأنه؟ (وقد أنزلَ اللهُ فيهم ما علِمتَ؟ ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أرضعيه خمس رضعات تحرمي عليه"، وكانت تراه ابناً من الرضاعة، فأخذت بذلك عائشةُ أمُّ المومنين رضي الله عنها، فيمَنْ كانت تحب أن يدخل عليها من الرجال، فكانت تامرُ أختها أم كلثوم بنت أبي بكر الصديق وبنات أخيها أن تُرضع من أحبَّت أن يدخل عليها من الرجال. وأبَي سائرُ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس، وقُلْن: لا، والله ما نرى الذي أمرَ به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم سهلة بنت سُهَيل إلَّا رخصةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم في رضاعة سالم وحده، والله لا يدخل =
قلت: لا دليل في هذا، وإنما الدليل في أمر النبي عليه السلام بإرضاع سالمٍ، والضرورةُ مفقودة هناك، إذْ كانَ كبِيراً.
= علينا بهذه الرضاعة آحد، فعلى هذا كان أزواجُ النبي صلى الله عليه وسلم في رضاعة الكبير (أي إنها لا تؤثر في تحريم الرضيع واعتباره من المحارم الذين يجوز لهم الدخول على المرأة في منزلها.
قال الشيخ الزرقاني رحمه الله في شرحه على الموطأ: زاد في مسلم: فقالت (سهلة بنت سهيل زوجة أبي حديفة): كيف أرضعه يارسول الله، (وهو أي سالم) رجُلٌ كبير، فتبسَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: قد عِلمتُ أنه رجل كبير، وكان قد شهِد بدْرا، أرْضعيه تَحرُمي عليه، ويذهب الذي في نفس أبي حذيفة (اي الوهْم والوسواس الذي يكون في نفسه)، فرجعتْ إِليه فقالت: إني أرضعتُهُ فذهب الذي في نفس أبي حذيفة.
قال الحافظ أبو عمر يوسف ابن عبد البر: "صفة رضاع الكبير أن يُحْلبَ له اللبنُ ويُسقَاه، فأمّا أن تُلْقِمه المرأة ثديها فلا ينبغي (اي لا يجوز) عند أحد من العلماء. وقال عياض: "وسهلة حلبتْ لبنَها فشربه (سالم) من غير ان يمس ثديها، ولا التقتْ بَشَرَتَاهما، إذ لا يجوز رؤية الثدْي ولا مَسُّهُ ببعض الاعضاء، قال النووي: وهو حسَن.
ويحتمِل أَنه عُفِيَ عن مسه (أي سالم) للحاجة، كما خُصَّ بالرضاعة معَ الكِبَر، وأيَّدَهُ بعضهم بأن ظاهر الحديث انه رضع من ثديها، لانه صلى الله عليه وسلم تبسَّمَ، وقال ذلك لِما تقرر في نفسهما انه ابنُهَا وهي أمه، فهو خاص بهما لهذا المعنى، وكأنهم (أيْ العلماءَ المحققين، لم يقفوا في ذلك على شيء، يقع الجزم به في هذا الامر، هل وقع الرضاع من الثدى مباشرةً أو حلبتْ له في إناء فشرب منه). وقد روى ابن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله بن اخي الزهري عن ابيه قال: كانتْ سهلة تحْلُبُ في مسْعَطِ (أي إناءِ) قدْر رضْعته، فيشربها سالم في كل يوم حتى مضت خمسة أيام، فكان بعد ذلك يدخل عليها وهي حاسِرٌ (أي كاشفة الرأس ليس عليه خمار وغطاء)، رخصةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت تراه ابنا من الرضاعة، لقوله صلى الله عليه وسلم:"أرضعيه تَحْرُمي عليه". اهـ.
قال الإِمام الزرقاني رحمه الله، وفي صحيح الإِمام مسلم رحمه الله عن ابن أبي مُلَيكة أنه سمع هذا الحديث من قاسم عن عائشة، قال: فمكثثُ سنة أو قريبا منها، لا أحدث به رهبةً، ثم لَقيتُ القاسم فأخبرته، قال: حدّثْه عني أنَّ عائشة أخْبرتْنِيه، قال أبو عُمر (الحافظ ابن عبد البر رحمه الله:"هذا حديث تُرِك قديما، ولمْ يعْمل به ولا تلقَّاه الجمهور بالقبول على عمومه، بل تَلقَّوْه على انه خصوص"، وقال ابن المنذر: لا يِبْعُدُ أن يكون حديثُ سهلة منسوخا .. ، لما رُوي في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة عن أمها أم سلمة أنها قالت لعائشة: إنه يدخل عليك الغلام الأيْفَعُ الذي ما أحِبُّ أن يدخل عَلَيَّ، فقالت عائشة: أمَالَكِ في رسول الله إسوة، فذكرتْ الحديث بنحوه، وفي بعض طرقه ورواياته أن أم سلَمَة قالت لعائشة: أبَي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يدخل عليهن أحد بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: واللهِ ما نرى هذا إلَّا رخصةً". وكان أبو موسى الأْشعري قد أفتى رجلا مصَّ من ثدْى امراته لبنا بأنها حرمت عليه، لِظاهِرِ تظاهر الآية "وأمهاتكِم اللائن أرضعتكم"، فقال له عبد الله بن مسعود: أنظر ماذا تُفتي به الرجل، =
المسألة الثانية: بيعُ الفضولي (23).
قال صاحب الجواهر: مقتضَى ما حكاه الشيخ أبو إسحاق أن هذا
الشرط. شرط في الصحة، وقاله الشافعي وابن حنبل، وقال أبو حنيفة: هو شرط في الشراء دون البيع. وقال ابن يونس: يُمنَعُ أن يشتريَ من رجُل سِلعةً ليستْ في مِلكه ويوجب على نفسه تحْصيلَ ثَمَنِها، لأنهُ غَرَرٌ. وقال سحنون: إن قول ذلك يُلزمهما إمضاءَ البيع، كمن غصَبَ سِلعة والمشتري يَعْلمُ بالغَصْب، ومنعَ أشهبُ
ذلك مِنْ الغاصب للدخول على الفسَاد والغرر.
= فلا رضاعة إلّا ما كان في الحولين، فقال أبو موسى: لا تسألوني عن شيء ما كان هذا الحبْرُ (بفتح الحاء)(أي العالمُ) بين أظهركم (أي ما دام حياً موجودا بينكم".
قال شراح الموطأ: لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} ، فجعل إتمامها حوليْن كامليْن يمنع الحكم بعْدهما كحكمهما، فتنفي (الرضاعةُ في الحولين) رضاعة الكبير، وفي الصحيحين مرفوعا - (كما سبق ذكرِه):"إنَّما الرضاعة من المجاعة"، وفي الحديث:"لا رضاعةَ إلَّا ما شدَّ وأنبتَ اللحم، أو قال: أنشزَ العظْم"، رواه عن ابن مسعود موقوفا، ومرفوعاً ابو عمر، رفعه، وفي الترمذي: وقال: حسنٌ، مرفوعا: لا رضاعة الَّا ما فَتَقَ الأمعاء (أي فتحها) وكان قبلَ الحولين، كلُّ ذلك ينفي رضاعةَ الكبير، لِأن رضاعه لا ينفي جوعه، ولا يَفْتِق أمعاءه، ولا يشُدُّ عظْمه.
ثم قال الزرقاني على الموطأ في خلاصة وختام كلامه عن هذه الاحاديث: "وأتى الامام (مالك في الموطأ) بهذين الاثرين بعد حديث سهلة، للإِشارة إلى العمل على خلافه، فهو خصوصية لها أو منسوخ، وهذا مذهب الجمهور، بل ادَّعى الباجي الاجماع عليه بعد الخلاف".
وقد رأيت أن أنقل هذا الموضوع على طوله، لا فيه من الاحاديث وأقوال العلماء وتحَرِّيهم فيه، وخروجهم منه بأن الرضاع المعتمد هو الذي يكون داخل الحولين لا خارجهما فلا يكون معتبرا، ولا تصبح به المرضع أماً، فرحمهم الله جميعا.
(23)
هذه المسالة في بيع الفضولي تعود إلى الشرط الخامس المطلوبِ فيما يجوز بيعُه، وهو كون المبيع مملوكا للعاقد، وكون الثمن مملوكا للمعقود له أَوْ مَن أُقِيما مَقامهما.
وبيْعُ الفضولي كما يذكره الفقهاء ويعرفون هو بيعٌ الشخص ما ليس في مِلْكه دون إذن مالك الشيء وموافقته، أو شراءُ شيء لشخص دون اذنه وموافقته كذلك. وهو بيع ينعقد ابتداء ويتوقف على إذن وموافقةِ صاحب الشيء المبيع أو الشيء المشترَى. وقال الشافعي: لا ينعقد.
وقد علَّق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه المسألة الثانية فقال: ما قاله في هذه المسألة إلى آخر الفرق حكاية أقوال، وتوجيهٌ وترجيح لا كلام فيه معَه". اهـ،
قال شهاب الدينِ: وظاهر النقل يقتضِي أن إطلاق الأصحاب محمولٌ على ما إذا كان المشتري غَيرَ عالِم بعَدَم المِلك، فالمشهور حينئذ أن لهُ الإِمضاء، أمَّا إذا علِمَ فلا. وتمسَّك الشافعي بقوله عليه السلام:"لا بيعَ ولا طلاقَ ولا عتاق فيما لا يملك ابنُ آدم". (23 م) ونحن نحمِلهُ على ما قبلَ الإِجازة، لأن العامَّ في الأشخاص، مطْلق في الأحْوال.
وأيضا فهو معارَضٌ بأنه عليه الصلاة والسلام دَفَع لعروة البازقي ديناراً ليشتريَ له به أضحيته، فاشترى به أَضْحيتَيْن، ثم باع إحْداهما بدينارٍ، وجاء بأضحيةٍ ودينارِ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: باركَ الله لك في صفقة يمينِكَ، فكانَ إذا اشترىَ الترابَ ربح فيه. (24).
فرع: إذا قلنا: إنَّ بَيْعَ الفضولي يصح، ويوقَف على الإجازة، هل يجوز الإِقدام عليه ابتداءً؟ ، قال أبو الفضل عياض في التنبيهات: إنه حرامٌ، لِعَدِّهِ إيّاه معَ ما يقتضي الفساد. وظاهر كلام صاحبِ الطراز، الجواز، لقوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (25).
(23 م) رواه أبو داود، والترمذي بسند حسن عن عَمْرو بن شعيْب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم.
(24)
هذه رواية الامام البخاري. اما رواية أبي داود والترمذي عن حَكيم بن حِزام فهي أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ليشتريَ لهُ أضحية بدينار، فاشترى أضحية، فأربحَ فيها دينارا، فباعها بدينارين، ثم اشترى شاة أخرى مكانها بدينار، فجاء بها وبالدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: بارك الله لك في صفقتك". ففي الحديثين -يقول بعض الشراح- دلالةٌ على جوَاز وصحة التصرف في ملك الغير، بما يكون فيه نفع ومصلحة لفائدة المالك من بيع أو شراء، ويبقى التنفيذ متوقِّفا على إجازتهِ وقبوله لذلك التصرف الذي وقع في مِلكه من طرف الغير. وهو ما اصطلح الفقهاء على تسميته بيع الفضولي، وبينوا أحكامه في مؤلفاتهم الفقهية بتفصيل.
(25)
سورة المائدة: الآية (2).
أقول: واستناد القول بالجواز لهذه الآية الكريمة استناد ليس بالقوي فيما يظهر، وتحميلٌ للآية ما يَبْعُدُ أن يكون مستفادا من عمومها. وأيضا فإن مالك الشيء قد يكون له في إبقائه والحفاظِ عليه مصلحة أُخرى تخفى على البائع الفضولي، ولذلك يتوقف جوازه على إذن المالِكِ وموافقِته له على ذلك، والله أعلم.