الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: المُسابَقةُ بين الخيل لا ياخذُ السابق ما جُعِل له، لأن السابق لَهُ اجرُ التَّسَبُّبِ للجهاد، فلو أخَذَهُ لأدى إلى اجتماع العوض والمعوض منه، وبسبب هذا المعنى اشترط العلماء الثالثَ، وهُو المحَلِّلُ لأخذِ العوض (8).
القاعدة الثانية:
أقرر فيها الفرق بين من مَلَك أن يَمْلِكَ، هلْ يُعَدُّ مالكا أم لا، وبيْن من انعقد له سبب مطالبةِ التمليك، هل يُعَدُّ مالِكاً أمْ لا (8 م)
؟ فأقول:
القاعدة الأولى يقول بها كثير من الفقهاء، ويُجْرُونَ عليها فروعا كثيرة، وهي باطلة لا تصح، إذْ تصْدق على منْ عنده مائة دينارٍ أن يكون ملَكَ أنْ يَملك العبْد الذي يساوي تِلك القيمة، فيقال: إنهُ ملَكه على قَوْل، وهكذا من ملك ثمن خادمٍ يَجْرِي الخلاف فيه، هَل عليه نفقتها قبل شرائها؟ ، لأنه ملَكَ أن يملكهإ، (9) وأشباه هذه الاشياء، وذلك شيء لا يقول به أحد، فكيف يصح أن تُجعَل هذه قاعدةً شرْعية، بل القاعدة التي يمكن جرْيُ الخلاف عليها في بعض
(8) قال الشيخ أبو محمد، عبدُ الله بن أبي زيد القيرواني رحمه الله في رسالته الفقهية:
"ولا بأس بالسبق بالخيل والإبل والسهام، وإن أخرجا شيئا جعَلَا بينهما مُحَلِلا ياخذُ المحلّلُ ذلك إن سَبق هو. وإن سبَق غيرُهُ لم يكن عليه شيء، هذا قول ابن القاسم، وقال مالك: إنما يجوز أن يُخْرِجَ الرجلُ سَبْقا، فإن سَبق غيرُهُ أخذَه، وإن سبق هو كان للذى يليه من المتسابقين، وإن لم يكن غيرُ جاعل السبق وآخَرُ فسَبَق جاعِلُ السبق أَكَلَهُ من حضر ذلك .. ، وانظر تحقيق ذلك في شروح الرسالة وغيرها من كتب الفقه.
(8 م) هي موضوع الفرق الواحد والعشرين والمائة بين القاعدتين المذكورتين. جـ 3. ص 20.
(9)
هكذا بالتأنيث في الضمائر التي تعود على الخادم بمعنى الخادمة، يقال للمذكر خادم، وللمؤنث: هي خادمٌ وخادمة.
فروعها لا في كُلها هي من جَرى لهُ سببٌ يقتضي المطالَبَة بالتمليك، هل يُعْطيَ حُكْمَ مَن مَلَك؟ ومالِكٌ قد يختلف في هذا الأصل بحسب بعض الفروع (10)
ولذلك مسائل:
المسألة الأولى:
إذا حيزت الغنيمة فقد انعقد للمجاهدين سبَبُ المطالَبة بالقسمة والتمليك، فهل يُعَدُّون مالكين لذلك أم لا؟ قولانِ: قيل: يَملِكون بذلك، وهو مذهب الشافعي، وقيل: لا يملكون بذلك، وهو مذهب مالك.
المسألة الثانية: العامل في القِراض (11)، إن وُجِدَ في حقه سببٌ يقتضي المطالَبة بالقِسمة، فهل يُعَدُّ مالكا بالظُّهور أوْلَا يملك إلا بالقِسمة، وهو المشهور -؟ قولان في المذهب.
(10) جاء في أول هذا الفرق عند القرافي قولُه: "إعلَمْ أن جماعة من مشايخ المذهب رضي الله عنهم أطلقوا عباراتهم بقولهم: "من مَلَك أن يَملِكَ هل يُعَد مالكا أم لا؟ قولان. ويُخَرِّجون على ذلك فروعا كثيرة في المذهب. منها: إذا وُهِبَ له الماءُ في التيمم هل يبطُلُ تيممُه، بناءٌ على انه يُعَد مالكاً، أو لا يبطل، بناء على أنه لا يُعد مالكا، ومن عنده ثمن رقبةٍ هل يجوز له الانتقال للصوم في كفارة الظهار أم لا؟ قولان مبنيان على الخلاف في القاعدة المذكورة.
وقد علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في أول هذا الفرق فقال: "ما نسبه إلى مشايخَ من أهل المذهب، واعتقدَه فيهم، من أنهم أرادوا مقتضَى عباراتهم المطلقة، ليس بصحيح. وما اختاره من عدم إرادة مقتضى الاطلاق هو الصحيح، والظن بهم أنهم أرادوا ذلك، والله أعلم.
(11)
القِراضِ، سياتي الكلام عليه، وهو عقد بين طرفين، يقوم على أن يدفع رجل مالاً لآخرَ ليتَّجِر فيه وليكونَ الفضلُ بينهما حسبما يتفقان عليه من الربع أو الثلث او النصف او غير ذلك، بعد إخراج راس المال، وهو جائز، ومستثنىً من الغرر والإِجارة المجهولة. وجوازُه يقوم على شروط منصوص عليها في كتب الفقه، ويسمَّى دافعُ المال صاحبَ المال، والطرَفُ الثاني العاملَ، كما يطلَقُ على هذا التعامل الذي هو القراض اسمُ المضاربَة، من الضَّرب في الارض والسَّيْر فيها للتجارة، أخذا من قول الله تعالى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} . سورة النساء: 101، وقوله سبحانه {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} . سورة المزمل الآية 20.
المسألة الثالثة: العامل في المساقاة (12) كذلك، قولان فى المذهب، والمشهور يَملك بالظُّهُور، عكس القراض.
المسألة الرابعة: الشريك فيما فيه الشفعة، إذا باع شريكُهُ تَحَقَّقَ له سبب يقتضى المطالبَة بأن يملك الشِقْص (13) المبيع بالشفعة، ولمْ أرَ خلافا في أنه غيرُ مالِكٍ.
المسألة الخامسة: الفقير وغيرُه من المسلمين له سبب يَتَقاضى (14) به المطالبة أن يملك من بيتِ المال ما يَستحقه بصفة فقره أو غيره من الصفات التي يُستَحَق بها شيءٌ من ذلك. فإذا سَرق هل يُعَدُّ مالكا فلَا يجبُ عليه الحد، لوجود سبب المطالبة بالتمليك، أو يجب عليه القطع، لأنه لا يُعَدُّ مالكا، وهو المشهور؟ ،
قولان.
ثم هذه القاعدة معَ هذا التقرير قد يُوجَدُ ما ينقصها. (15) وأمَّا القاعدة الأولى فلا ينبغي أن يُلتفَتَ إليْها. وما ذكروه من الخلاف في الفروع يمْشي على
(12) المساقاة سياتي الكلام عليها، وهي أَن يدفع الرجل شجرة لمن يخدمها بالسقي وغيره، وتكون غلتها بينهما. وأحكامها ومسائلها منصوص عليها كذلك في كتب الفقه بتفصيل.
(13)
الشقص بكسر السين العقار من الارض والدُّور.
(14)
كذا في جميع النسخ. وعند القرافي: يقتضي.
(15)
قلت: كلام القرافي في هذه القاعدة والمسألة يزيدها وضوحا وبيانا حيث قال رحمه الله: "فهذه القاعدة على ما فيها من القوة من جهة قولنا: جرى له سبب التمليك، في تمشيها عُسْرٌ، لأجْل كثرة النقوض عليها. أما هذا المفهومِ - وهو قولنا: مَن مَلَك أن يملك، مطلقا من غير جريان سبب يقتضي مطالبتَه بالتمليك ولا غَيْر ذلك من القيود، فهذا جعْلُه قاعدةً شرعية، ظاهرُ البطلان. لضعف المناسبة جداً، او لعدمها البتَّة. أما إِذا قلنا: إنعقد له سَبَبٌ يقتضي المطالبة بالتمليك فهو مناسِبٌ لأن يُعَدَّ مالكاً من حيث الجملة، تنزيلا لسبَب السبب منزلة السبب، وإقامةَ للسبب البعيد مُقام السببِ القريب، فهذا يمكن أن يُتخيَّل وقوعُه قاعدةً في الشريعة. أما مجرد ما ذكره فليس فيه إلا مجرد الامكان والقبول للملك، وذلك في غاية البعد عن المناسبة، فلا يمكن جعْله قاعدة. وتتخرج تلك الفروع بغير هذه القاعدة. ففي الثوب للسترة يلاحظ فيه قوة المالية فلا يلزمُه، أوْ أنه إعانة على دين الله عز جل، ليس من باب تحصيل الاموال فيلزمه، ويكافأ عنه إن شاء، وكذلك القول في الماء يوهب الخ.