الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة الحاديةَ عشْرةَ:
لِمِ كان للرجل أن يتزوج الإماء التي لغيره عند شرط ذلك، ولم يكن للمرأة الحرّة أن يتزوجها عبد لغيرها، ولا للرجل أن يتزوج إماءه، ولا للنساء أن يتزوجن عبيدهن
(49)، فأقول:
قال شهاب الدين: الفرق ينبني على قواعد:
القاعدة الأولى أنَّ كل تصرف لا يترتب عليه مقصودُه لا يُشْرَع، ولذلك لا يُحَد المجنون بسببط الجناية في الصحة. ولا يُشْرَع الِّلعَانُ لنفي النسب في حق المجبوب، ونظائر هذا كثير، فلهذه القاعدة لا يُشرَع نكاح الرجل أمتَه، لأن مقاصد النكاح حاصلة قبل العقد بالمِلك، ولم يُحَصِّلْ العقدُ شيئا" فلم يُشرع العقد له في أمَته ..
قلت: القاعدة صدَقتْ على المجنون أنه لا يحدُّ من حيث إن القصد بالحد الزجرُ، والزجر في حق المجنون لا يصح، ليس كذلك.
المثال الآخرُ وقع لنفي النسب، ونفْيُ النَّسَب معلوم أنه للمجبوب، فلا فائدة في شرع اللعان، وإنما هو من طريق آخر، وهو أشبه بمسألتنا من حيث إن
عصمه الزوج إلا بطلاق بعد الإسلام، وأنه يبقى بعد الإسلام بلا تجديد عقد، وهذا مذهب الأئمة: مالك، أحمد، والشافعي، وداود. وعند الحنفية أنه لا يُقَر منه إلا ما وافق الإسلام، وتأولوا الحديث السابق بأن المراد بالطلاق الاعتزال، وإمساكُ الأخت الأخرى التي بقيت عنده بعقد جديد. قال الصنعاني: "ولا يخفي أنه تأويل متعسف، كيف يخاطِب النبي صلى الله عليه وسلم من دخل في الإسلام - ولم يعرف الأحكام - بمثل هذا.
ويؤيد اعتبار تلك الانكحة حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رد ابنته زينبَ على أبي العاص بْنِ الربيع، بعد ست سنين، بالنِّكَاح الأول، ولم يُحْدِث نكاحًا وعَقدًا جديدًا.
واعتبارُ صحة أنكحة الكفار هو ما أتى إليه القرافي بعد أن أطال في هذا الموضوع وناقشَه بأدلته وأجوبته، فقال:"وإذا ظهر هذا الجواب ظهر أن الحق الأبلج القضاءُ على عقودهم بالصحة حتى يُعلَم فسادها، كالمسلمين، فإنه لم يَدُلُّ دليل على أن الكفر مانع من عقد النكاح، وقادح في صحته" فليتأمل، والله أعلم، وقد سبقت الإشارة إلى أقوال بعض الفقهاء المالكية في ذلك ص 43.
(49)
هي موضوع "الفرق الثالث والخمسين والمائة بين قاعدة زواج الإماء في ملك غير الزوج وبين قاعدة زواج الانسان لإمائه المملوكات، والمرأة لعبدها أو في غير مِلكها، فإن الأول يصح بشرطه، والثاني باطل، والفرق مبني على قواعد" جـ 3. ص 135.
نفي النسب هو المقصود باللِّعان وقد حصل، كما أن الوطء هو المقصود بالنِّكَاح وقد كان حاصلا بِالملْك، بخلاف المثال الأول فإن الزجر هو المقصود بالحد، وهو لا يحصل من المجنون فلم يُشرعْ الحد.
ثم إن مسألتنا إنما هي من باب اجتماع معَرِّفات على معرَّف واحد، وذلك جائز، وهذا كالبول والغائط والرج، وغيرِ ذإلث، فيجب لها الوضوء. فكما جاز اجتماع مُعَرِّفات في باب الوضوء، فَلِمَ لم يَجُزْ في باب المِلك، فليس المانع ما ذَكَر، وإنما امتنع الرجل أنْ يتزوج أمَتَه لغير هذه العلة، وليس على المعترِضِ إبداؤها.
غاية ما يقال: فمسألتنا كمسألة المَجْبُوب، فيقال: ولا هي مثلُها، لأن انتفاء النسب عن المجبوب عُرِف بدليل عقلي، وما كان يوصل إلي معرفته بالعقل لا يَحتاج الشارع إلى تعريفه.
قال شهاب الدين:
القاعدة الثانية: من مقتضى الزوجية قيامُ الرجُل على المرأة بالحِفظ والصَّوْن والتأديب لإصلاح الأخلاق، لقوله تعالى:{الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} " (50) والاسترقاق يقتضي قهر الساداتِ للرقيق على الأعمال، والاستيلاءَ عليهم بالاستهانة، فيتعذر لذلك أن تكون الأمَة زوجة، وأن يكون عبد المرأة زوجَها، لِتَنَاقُضِ آثار الحقوق.
قلت: التناقض إنما يلزم في تزوج المرأة عبدَها لا في تزوج الرجُل أمَته، وأيضا فاختلاف الجهات كاختلاف الذات.
قلت: القاعدة الثالثة، كل أمْرين لا يجتمعان يقدِّم الشارع أقواهما على أضعفهما، وكذلك يقتضى العقلُ والعرفُ، ثم إن الرق أقوى من النكاح لأنه سبب لاباحة الوطء والاستخدامِ ولِملْك الرقبة، والنِّكَاحُ لا يَقوَى على هذا كلِه.
(50) سورة النساء. الآية: 34.