الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: لقائل أن يقول: للنكاح مقاصِدُ أوائل وثواني، فإن كانت المقاصد الاوائل قد عُدمت في نكاح التعليق فالثواني لم تُعدم. ومنها أيضا تَصير بذلك النكاج شهرةٌ للولد والوالد، وحيث يَثبتُ له مقصدٌ مَّا، ليس لأنه عَرَضَ بعد ذلك، بل بنفس العقد حصل هذا، فشَرْعِيَّتُهُ صحيحة، لثبوت حِكْمته، ولا يلزَم ما قاله من أن الطلاق لا يلزم، والله أعلم.
القاعدة الحادية والعشرون
(119)
إعْلم أن المطلَّقة يمضي - قبل علمها بالطلاق - أمدُ العدة، لا يلزمُها استئنافها، ويكتفى في العدة بما تقدم. والمُرْتابَةُ يتأخَّرُ حيضها ولا تَعلَم له سببا، تمكث عند مالك، رحمه الله تسعة أشهر، غالب مدة الحمل، استبراءً، فإن حاضت في خلالها اعتبَرتُ ذلك قُرْءا، ثم كذلك تتظر الحيض أو تسعة أشهر، فإن لم تَحِضَ وانقرضت تسعةُ أشهر إعتدّت بذلك ثلاثةَ أشهر، لأنه طُهْرٌ يأتيها بالتسعة، فإن حاضت في الاشهر الثلاثة ولو قبل تمام السنَة بلحظة، فإنْ لم تر حيضا حتَّى تمَّت السنةُ تمَّتْ عِدتُها.
والأصل في ذلك لمالك قول عمر رضي الله عنه: أيُّمَا امرأةٍ طُلِّقت فحاضتُ حيضة أو حيضتين ثم رُفعتُ عنها حيضتها فإنها تنتظر تسعةَ أشهر، فإن بانَ بها حمْل فذلك وإلَّا اعتدَّتْ بعد التسعة بثلاثة أشهر، ولأنهن بعد التسعة ييأسْنَ من المحيض، إذ لو كان لظهر غالبا. وقال الشافعي وأبو حنيفة: تنتظر الحيض إلى سنّ اليائسة.
فإذا تقرر هذا فيقال: ما الفرق بين المعتدة يمضي لَها تِسعةُ أشهر؟ ، يُقَالُ: قد انقضت عِدتها، وتُعتبَرُ الثلاثة بِمُضي التسعة، والمُرتابة في الاستبراء
(119) هي موضوع الفرق الرابع والسبعين والمائة بين قاعدة المطلقات يُقضَى قبل علمهن بالطلاق وأمَدِ العدة فلا يلزمهن استئنافها، ويكتفين بما تقدم قبل علمهن، وبين قاعدة المرتابات يتأخر الحيض، ولا يُعلم لتأَخره سبب" جـ 3 ص 200، ولم يعلق عليه بشيءٍ، الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
تمضي لها تسعة أشهر لا يُعتبر لها ثلاثةُ أشهر في تلك التسعة، بل تُؤْمَرُ باستئناف ثلاثة أشهرٍ، تكملةَ السنة. فالجواب أن العِدَّة مُرتَّبَةٌ على سببها، وذلك الوفاة أوْ الطلاق لا على العلم بها، فلا يُحتاجُ إلى استئناف عِدة، بل تكون عدَّتها من حين الوفاة أو الطلاق وإن لم تعلم بها، لأن من شرط المسبَّب أن يتأخر عن سببه وقد حصل.
وأما مسألة الاستيراء فالعدة بالأشهر التي ارتابت، ما كان ذلك لها إلا بسبب اليَأس، ولم يحصل اليأس إلا بعدّ تسعةِ أشهر، فلأجْل ذلك استانفت ثلاثة أشهر. إذ سببُ العِدة بالأشهر اليأسُ، وهو لم يحْصلُ قَبْل تسعة أشهر. وإنما حصل بعد تمامِها. واللهُ أعلم، فظهر الفرق بينهما.
القاعدة الثانية والعشرون:
في الفرقِ بين العدة والاستياء حتَّى كانت العدة تجب وإنْ عُلِمَ برآةُ رحِمِهَا، والاستبراءُ لا يجب إذا عُلِمَ برآة رحمها، (120) فنقول:
كان ذلك من حيث إن الاستيراء معقُول المعنَى، ما شُرع إلا ليحصُل تحقق برآةِ الرحم، فإذا حصل فأيُّ حاجة فيه؟ وأما العِدَّة فَفِيها معْني تعبُّديٌّ، فالمرأة المعتدة، وان علمتُ برآة رحمها، لابُدَّ لها من العدة، للمعنى التعبدي الذي فيها، وإن كانت من حيث الجملة شُرِعتْ لبرآة الرحم وعدم اختلاط الأنساب، فهي من هذا الوجه كالاستبراء، ولكنها ما خَلتْ عن شائِبةِ التعبد، فلذلك كان هذا الفرق بينهما، والله أعلم.
(120) هي موضوع الفرق السادس والسبعين والمائة بين قاعدة العِدَد وقاعدة الاستبراء. جـ 3. ص 202. لم يعلق عليه بشيء، الفقيه المحقق ابن الشاط رحمه الله.
قال في أولِهِ القرافي رحمه الله: "إنْ العدة تجب وإن عُلمَتُ برآة الرحم، كمن طلقها زوجها غائبا عنها بعدَ عشر سنين، وكذلك إذا توفي عنها، والاستبراءُ ليس كذلك".
قلت: وذلك يُظهِر بجلاء وضوحٍ الجانب التعبدي الملحوظ في العدة.