الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولا يُصرَف في هذا الوقف، وهذا يجِبُ صرفه (25) إما في جهة المجاهدين او غيرهم من الجهات الثمانية، لأن جهة هذا المال قد عيَّنها الله تعالى كالخُمُس، فتَتعَيَّنُ المبادرة إلى صرْفه بحسبِ المصلحة. وأمّا ما يورَث عن الموْتى (26) من أموال بيت المال أو يُحازُ عن الغائب المنقطع خبرُه فهذا لا جهة له إلا ما يَعْرِضُ من المصالح.
المسألة السادسة: ما يُصرف للْقسام للْعقار بين الخصوم وغير ذلك مما يشبهه كالترجمان بين يدي الحاكم، كلها أرزاق لا إجارة، إذ تجْري عليها احْكام الارزاق لا أحْكامُ الاجارات.
القاعدة السابعة:
في الفرق بين تمليك الانتفاع وتمليك المنفعة
. (27)
فاعلم أن تمليك الانتفاع نريد به أن يباشِر هو بنفسه فقط، وتمليكُ المنفعة أعم وأشْمَلُ، فيباشِرُ بنفسه، ويمكن غيرَه من الانتفاع بعوض كالاجارة، وبغير عوض كالعارية.
مثال الأول سكنى المدارس والرُّبطِ (28) والحبُسِ والجوامع والأسواق ومواضع
النُّسُكِ كالمطاف والمسْعى ونحو ذلك، فهذه المواضع ينتفع بها المُمَلَّك بنفسه
فقط، وليس له أن يواجِر غيرَه أو يعاوِضه بطريق من طرق المعاوضة.
(25) كذا في نسخة ع. وهو ما عند القرافي. وفي نسختي ح، وت، وهذا يختص به، والأولى أظهر.
(26)
كذا في نسختي ع، وت. وهُوَ ما عند القرافي، وفي نسخة ح: وأما ما يورث عن الوالي، وما في النسخة الأولى وعند القرافي أظهر.
(27)
هي موضوع الفرق الثلاثين بين القاعدتين المذكورتين". جـ 1. ص 187.
قال عنه أبو القاسم ابن الشاط في أوله: ما قاله القرافي في هذا الفرق صحيح ظاهر.
(28)
الربط جمع رباط، ويراد بها هنا: الحصون والأماكن المخصصة لنزول الجيش. ورباطه فيها أثناء تحركه وتنقُله بين مدن واقاليم القطر والبلد، ويطْلَق ويراد به المَعاهِدُ المُعَدَّةُ للطلبة، والاماكنُ المعَدَّة لنزول الفقراء والضعفاء، واجتماعِهم على الذكر فيها مثل الزاوية.
ومثال الثاني كمن استاجر دارًا أو استعارها فله أن يُسكِنَها غيرَه بأي وجهٍ أراد، ويتصرف في هذه المنفعة تصرف المُلَّاك في أملاكهم، وهو تمليكٌ مطلَق، لكنه في زمن خاص، وتمليك هذه المنفعة كتمليك الرقاب.
وها هنا أربعُ مسائلَ:
المسألة الأولى: النكاح من باب تمليك الانتفاع لا تمليكِ المنفعة، إذْ ليسَ له أن يُمَكّن غيره من تلك المنفعة، ولا هو مالك لِلْمنفعة ولا البُضْع، ولكنه ملَك أن ينتفع خاصة.
المسألة الثانية: الوكالة بغيرِ عوض، من باب تمليك الانتفاع لا تمليك المنفعة، وأمّا الوكالة بعوض فيمْلِك بها المنفعةَ، إذ هي إجارةٌ، فلهُ بيْعُ ما ملك، ويمكِّنُ منه غيرَه ما لم يكن الموَكَّلُ عليه لا يَقبَل البدَل.
المسألة الثالثة: القِرَاضُ يقتضي عقدُهُ أنّ ربَّ المال مَلَك من العامل الانتفاع لا المنفعة، بدليل أنهُ ليس له إلا أن يقتصر على الانتفاع بنفسه على الوجه الذي اقتضاه عند القراض، وكذلك المُساقاة والمغَارسَة، وأمّا مِلْك العامل في القراض والمساقاة فهذا مِلْكُ عيْنٍ لا مِلْكُ منْفَعَة ولا انتفاع، وتلك العَيْنُ هي ما خرج من ثمرهِ أوْ ما يَحْصُلُ من رِبْح في القِراض.
المسألة الرابعة: إذا وقف وقْفًا على أن يُسْكَن أو على السُّكنى ولم يزد على ذلك، فظاهر اللفظ أن الواقف إنما ملَّكَ الموقوفَ عليه الانتفاعَ بالسكنى دون المنفعة، فليس له أن يُسكِنُه غيرَه بوجه من الوجوهِ، وهذا من حيث إنه إِذا صدَرَتْ صيغةٌ وشكَكْنا في مقتضاها هل هي تمليك الانتفاع أو المنفعةِ حملناها على أقل الرُّتَبِ (29) وذلك الانتفاعُ، وكان هذا من حيث إن الاصل بقاءُ الاملاك
(29) وذلك استصحابا لِلأصْل في الملك السابق، وعلى هذه القاعدة مسائل في المذهب كما قال القرافي رحمه الله.
على أربابها ولا تنتقل عنهم إلا ببيانٍ، لكنه إذا كانت هناك عادةٌ فيما فيه تمليكُ الانتفاع من حيث اللفظ، عمِلنا أيضا بحسب العادة، وهذا كالمدارس يجوز أن يُسْكِنَ المُمَلَّك إيّاهُ غيرَه المدةَ اليسيرة، ولا يجوز المدةَ الكثيرةَ، فالعادة جرَتْ أن الضيف يَرِدُ على الساكن بالمدرسة ويُنزله في بيت له فيها، وصاحب الوقف يعرف هذا، واستمرت به العادة، فكان ذلك دليلا على سمْح الواقف في مثل هذا لا في أزيَدَ منه، ومثْلُ هذا أن يختزن في البيتِ الشىِء اليسير لا الكثير.
ومِثْلُ هذا، الضيفُ، لَيْس له أن يعْطِىَ غيْرَهُ من ذلك الطعام إلّا ما جرت به العادة مثلُ السَنَّوْر. ومثل هذا حُصُرُ الوقف ليْس له أن يعطيها ولكن يفرشها، وكذلك زيتُ الوقيدِ ليس له أن ياكله، وهذا وإن كان قد مَلك عيْنه لا منفعتَه فهو من الشيء الذي قُصِرَ على شيء خاص، فلا يَخْرُجُ عن ذلك إلا بعادة كانت معروفةً إن كانت، والله أعلمُ.
قلت: ولْنذْكُرْ مسائل تليق بكتاب الاجارة وهي ثلاث (30):
المسألة الأولى. قال مالك: يجوز إجارة المدَبَّرِ ولا يجوز إجارة أم الولد، والكُّلُ ممنوع من بيعه، فلِمَ كان ذلك؟ .
فالجوابُ أنَّ عِتْق أم الولد أقوى ما بيّنّاه، ويكفى في ذلك أن البطْلان يتوجَّهُ إلى عتق المدَبَّر (31) دون أمِّ الولد، وأيضا فعتْقُ أمِّ الولد يتنجَّزُ على الحال، وإنما بقي
(30) هذه المسائل الثلاث هي مما أضافهُ الشيخ البقوري إلي كتاب شيخه القرافي رحمهما الله
(31)
كذا في نسخة ع، وفي ت: يتوجَّهُ نحوَ المُدَبَّر.
والعبْدُ المدَبَّرُ بفتح الدال والباء والمشددة، هو العبد الذي يقول له السيد في عقدٍ معه: أنت حرٌّ عن دُبُر منى (اي أنت حرٌّ عند إدباري عن الدنيا وإقبالي على الآخرة بالوفاة)، ونفس الشيء بالنسبة للمدبَّرة، ولذلك يكون العبد في هذه الحالة فيه شائبة حرية، فالتدبير عقد من العقود بين العبدِ وسيده، يجب الوفاء به كباقي العقود .. الخ
وأم الولد هي الأمَة يطأهَا سيدها بملك اليمين فَتَلِدُ معه، فيحرم عليه حينئذ بيعُها وهبتُها والمعاوَضَةُ على رقبتها أو على خدمتها، وتكون حرة بعد وفاة سيدها (مالِكِها). أنظر تفاصيل هذهِ الاحكام المتعلقة بالعتق في الكتب الفقهية، ومنها كتاب المقدمات لابن رشد الجد، فإنه اُبان تلك الاحكام بتدقيق وتفصيل، رحمه الله وجزاه خيرًا.
له فيها المنفعة، والمدَبَّر (32) خلاف ذلك، فحكمُه حكم الوصية في كثير من أحكامه.
المسألة الثانية: قال مالك: إذا أخطأ الدليلُ كان له أجرتُه، وإذا غَرِقت السفينة فلا أجرة، والمقصودُ في الجميع البلوغ، فلِمَ كان هذا الفرق؟ .
فالجواب أن أجرة الدليل إنما هي أجرة على اجتهاد موجود، والاجتهاد موجود في حال الخطأ كوجوده حالة الإِصابة، إذ ليس عليه أكثر من الاجتهاد، ولهذا كان المُصَلي لغير القِبْلة عن اجتهاد كالمصلي لها، (33)، وأما الأجرة في السفينة فهى على حصول المنفعة، فإذا بطلت المنفعة تعذر استحقاق الأجر، والله أعلم.
المسألة، الثالثة. قال مالك: لا بأس بجذاذ النخل على أن لِلعامل رُبعَ الثمرة أو جزءًا منها، قَلَّ أوْ كثُرَ، ولا يجوز ذلك في نفض الزيتون، وفي كلا الموضعيْن هي إجارةٌ بجزءٍ من الثمرة، فلم كان هذا؟
فالجواب أن ثمرة النخل معروفة، وما يُجَذُّ منها معلوم، فجازتْ الاجارة بجُزْءٍ منها، لأن الاجارة حينئذ تكون معلومة، وليس كذلك الزيتون، فإنه غير معلوم، فتكون الاجرة غير معلومة، فافترقا.
(33) أي فصلاتُهُ صحيحة، غير أنه إذا تبين له الخطأ في استقبال القبلة، ولم يخرج الوقت الضروري للصلاة بعد، تستحب له إعادتها، فإن تبين له الخطأ بعد خروج وقتها هذا لا تستحبّ له الاعادة. قال الشيخ خليل هنا رحمه الله: وإنَ تبَّين خطأ بصلاة، قطَعَ غيرُ أعمَى ومنحرف يسيرًا فيستقبلانها، وبَعْدَها أعاد في الوقت المختار".