الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القاعدة العاشرة:
نقرر فيها ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وما لا يُقَرُّ
. (39)
قال الشافعي وابن حنبل: عقودهم صحيحة. وقال ابن يونس: أنكحتهم عندنا فاسدة وإنما الاسلام يصححها. وقال صاحب الجواهر: لا نقرهم على ما هو فاسد عندهم إلا أن يكون صحيحًا عندنا، وما هو غير فاسد عندهم، وإن كان فاسدا عندنا، نقرهم عليه، ترغيبا في الاسلام.
قال شهاب الدين: وضابط مذهب مالك رحمه الله أن كل مفسدة تدوم كالجمع بيْن الأختين، أو لا تدوم لكن أدركه الاسلام كالزواج في العِدة فيُسْلِم فيها فهو يَبْطل، وإن عَرِي نكاحهم عن هذين القسمين صحّ بِالاسلام.
قال شهاب الدين: القوُل بأن أنكحتهم فاسدة، مشكل، فإنه إن كان لِلْولاية فولاية الكافر صحيحة، (40) وإن كان للشهادة فالشهادة ليست بشرط في الصحة، وإنما هي شرط في الدخول. ثمّ لو قلنا: إنها شرْط فأشهَدَ أهلُ الذمةِ المسلمين، فينبغي أن تصح (41)، وكذلك إن قلنا: التحريمُ للصداق حيث يكون خمرًا أو خنزيرا، فينبغي أن يصحّ، وإن لم يكن شيئا (42) مما يحْرُمُ فلا ينبغي الإِطلاق بفساد أنكحتهم.
(39) هي موضوع الفرق الثاني والخمسين والمائة بيْن قاعِدَة ما يُقَرُّ من أنكحة الكفار وقاعدة مالا يُقَرُّ منها". جـ 3. ص 132. وقد علق ابن الشاط على هذا الفرق بقوله في اول الفرق الخمسين والمائة: جميع ما قاله القرافي في الفروق السبعة بعد الفرق الواحد والخمسين والمائة صحيح.
(40)
عبارة القرافي اوضح، وهي:"فولاية الكافر للكافر صحيحة".
(41)
كذا في ح: تصح بالتاء، (اي الشهادة المفهومة من الفعل:"فأشْهَدَ"، وفي نسخة ع، ت: يصح بالياء (اي يصح ما ذكر من الإشهاد المفهوم من الفعل أشهد". فليتأمَّلْ ولْيُصَحَّحْ.
(42)
كذا في نسخة ع، وت:"إن لم يكن شيئا كما يحرم"، وفي نسخة ح:"وإن لم يكن"، بالواو، عطفا واستئنافا، وهي عبارة تبدو أظهر وأنسب لوجود جواب الشرط، ولِاستقامة الكلام ووضوح المعنى حينئذ بذكر تلك الواو، بينما يكون الكلام عند عدم ذكرها: مستقيمًا كذلك، على معنى آخر، وهو أن يكون الضميرُ في الفعل "أن يصح" يعود على النكاح لا على التحريم، فحينئذ يكون المعنى المراد: "فينبغي أن يصح نكاح أهل الكُفْر بينهم وفقا لشريعتهم، إن لم يكن فيه شيء مما يحرم في الاسلام، وينبنِي عليه أنه لا ينبغي القول بإطلاق فساد أنكحتهم، وهو ما يراه القرافي رحمه الله. وهو المسْتفَاد من ابن رشد الجَد في المقدِمات، ومن ابن رشد الحفيد في، البداية، ومن ابن جُزَي في القوانين الفقهية، على خلاف ما عند الشيخ خليل من القول بأن أنكحتهم فاسدة.
قلت: لا يَبْطُلُ القوُل بفسادها لأجل ما ذكِر، فلعلها كانت فاسدة من حيث إنها وقعت ممن لا تكون أفعاله يقصِدُ بها موافقةَ الشرع وامتثالَه.
ثم يؤيد القضاءَ بالفساد حديثُ غيلانَ، اذْ خُيِّرَ في أرْبع وأن يفارق سائر العَشْر، ولم يُذكَر له تفريق بين الأوائل والأوَاخر (43) - وعلى القول بالصحة كانَ يجب أن يُّسقِط الستّ الحاصلات بعْد الأربع، وأن يسقط البنت الجائية على الأم، والأم الجائية (44) على البنت، ولم يُفَصَّلْ له في هذا شيء، بل قيل له: إخْتَرْ أربعا، فكان ذلك مقوّيًا لمَا قلناه من الفساد.
لا يقال: نكاح غيلان كان في فور واحد، وكانَ لم يتزوج أمَّا وبنتا في ذلك، لأنا نقول: الاصل عدم عِلْم رسول الله صلى الله عليه وسلم بتفصيل الحال، وحيث أجاب على العَشْر بذلك دون استفسارٍ دلَّ على ما قلناه، وأنه الحكم الوارد على كل من أسلم على أكثرَ. مِن أربع كيف كُنَّ، فكان دالًّا على الفساد، والله أعلم.
ولما كان شهاب الدين رحمه الله يرى صحة أنكحتهم ويُضْعِف القوْل بفسادها، أجاب عمّا قلناه بأن قال: إطلاق الخِيارِ في الحديث يحتمل وجهين:
أحَدُهما أن تكون الأنكحة فاسدة كما قلتُ.
(43) كذا في نسختى ع، وح: وفي نسخة ق: "ولم يذكر له تفريقًا بين الأوائل والاواخر.
ونص حديث غيلان هذا رواه سالم عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن غيلان بن مسلمة أسلم، وله عشر نسوة، فأسلمْن معه، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخيَّر منهن أربعًا". رواه أئمة الحديث: أحمد بن حنبل، والترمذي، وصححه ابن حِبَّانَ والحاكم.
وغيلانُ هذا ممَن أسلم بعد فتح الطائف، ولم يهاجر، وهو من أعيان ثقيف، ومات في خلافة عمر، رضي الله عنهما.
(44)
كذا في نسختي ع: وح: الجائية بالجيم والهمزة والميم، من المجئ، أو الفعل جاء، وفي نسخة ت: الحادثة (بالحاء والدال والثاءِ المعجمة)، من الحدوث، وهو طرُوّ الثانية على الأولى بَعْدها.
الثاني أن تكون المفسدات الواقعة في الكفر لا تتعين (45)، كما تقدم في مذهبنا أنهم لو اعتقدوا غَصْب امرأة أوْ مجردَ رضاها بغير عقد ثم أسلموا على ذلك أقررناهم عليه، فهكذا كونها خامسةً ونحو ذلك، فاسد في الإسلام، وإذا فارق الكفرَ اعتبره (46) صاحبُ الشرع، ترغيبا في الإسلام. قال: وإذا احتمل الامرْين لَمْ يَلزَم ما ذكرته من فساد العقود بل ذلك يدل على التخيير فقط.
قلت: حديث غيلان يدل دلاة قوية على أن الانكحة في الكفر فاسدة ولابد، وما قاله تَكلُّف وشئٌ صعْب (47) وغير ظاهر، فالحقُّ ما عليه المذهب (48)، الله أعلم.
(45) كذا في جميع النسخ المعتمدة في التحقيق والتصحيح: "لا تتعَيَّنُ"، وعند القرافي:"لا تُعْتَبَرُ" أي لا يعتد بها، وهذِه الكلمة أنسبُ في المعنى وأظهرِ، والله أعلم، فليُتَأمَّل.
قلت: والقول بفساد أنكحة الكفار هُوَ ما ارتآه واختاره الشيخ البقوري، حيث قال في آخر الفقرة: فالحق ما عليه المذهب، وهو ما نجده للقاضي عبد الوهاب البغدادي حيث قال رحمه الله. في كتابه: الإشراف. جـ 2. ص 104.
مسألة: أن أنكِحة الكفار فاسدة، وإنما يصحح الإسلام ما لو ابتدأوه بعده جاز. وقال أبو حنيفة والشافعي: هي صحيحة.
ودليلنا أن صحة النكاح مفتقرة إلى شروط، منها وليُّ ورضا المرأة، وألا تكونَ في عدة، وأنكحتهم خالية من هذا، فوجب فسادها. ألا تَرى إن أنكحة المسلمين إذا عَرِيتْ منه (أي ممَّا ذُكِر من الشروط) كانت فاسدة، فأنكحة أَهْل الشِّرْكِ أوْلَى".
(46)
في نسخة ت: اغتفرَه. وعند القرافي: اعتبره، من الاعتبار، وهو ما في نسختي ع، وح.
(47)
كذا في كل من ع، وح: وفي نسخة ت: ضعيف، ولكل كلمة وجْهٌ تُحمل عليه وتفهَمُ عليه.
(48)
أقول: بغَضِّ النظر عما قاله الشيخ البقوري من أن الحق ما عليه المذهب من فساد أنكحة أهل الكفر، فإن استَنتاجه للدلالة القوية على فساد أنكحة الكفار من خلال حديث غيلان، كظهر استِنْتَاجًا غيرَ مُسَلَّم على إطلاقِهِ، بل الظاهر الذي يدل عليه الحديث والأحاديث الأخرى في الموضوع أن ما كان من تلك الانكحة في أساسه وشروطه، واستمراره موافقًا للتشريع الإسلامي وجوهره وروحه، فإن الإسلام يقره ويسمح ببقائه واستمراره. وما كان في أساسه وشروطه وواقعه مخالفًا لأحكام الشريعة لا يكون إقرار الكفار عليه، بل يجب فسخه والغاؤه، والبقاء على ما يُقِرُّهُ دين الإسلام. ويكون على وفق شرعه في الظاهر، بغض النظر عن وقوعه من الكافر، وكونه غير معتَبَر في الإسلام، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر غيلان حين إسلامه أن يفارق ما زادَ على الأربع، وأمر من أسلم وعنده أختانِ أن يفارق إحداهما ويحتفظ بالأخرى، لأن الإسلام حرّم الزواجَ بأكثر من أربع نسوة، وحرم الجمع بين الاختين في عصمة رجُل واحدٍ.
قال الإِمام محمد بن اسماعيل الصنعاني في شرح سبل الإسلام على بلوغ المرأة من أدلة الاحكام عند شرحه لحديث الضحاك ابن فيروز عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، إني أسلمتُ وتحتي أختان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طلق أيتَهُمَا شئتَ". رواه الإِمام أحمد وبعض أصحاب السنن، وغيرهم. قال الصنعاني هنا: "والحديث دليل على اعتبار أنكحة الكفار وإن خالفتْ نكاح الإسلام، وأنَّها لا تخرج المرأة من =