الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كِتَاب الْمُقَدِّمَةِ] [
بَاب اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم]
بسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ كِتَاب الْمُقَدِّمَةِ بَاب اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
1 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا»
ــ
قَوْلُهُ: (بَابُ اتِّبَاعِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ وَهِيَ الْكِتَابُ) يَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ مَا هُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَالْقِيَاسُ وَالسُّنَّةُ بِهَذَا الْمَعْنَى تَشْمَلُ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم الْأَدِلَّةُ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا الْأَحْكَامُ الشَّرْعِيَّةُ وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ اتِّبَاعُهَا وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْأَخْذُ بِمُقْتَضَاهَا فِي تَمَامِ الْأَحْكَامِ الدِّينِيَّةِ مِنَ الْإِبَاحَةِ وَالْوُجُوبِ وَالْحُرْمَةِ وَالنَّدْبِ وَالْكَرَاهَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالسُّنَّةِ الطَّرِيقَةَ الْمَسْلُوكَةَ لَهُ صلى الله عليه وسلم أَوْ بِالسُّنَّةِ، وَاتِّبَاعُ السُّنَّةِ بِهَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْأَخْذُ بِهَا، وَالسُّنَّةُ بِالْمَعْنَى الْأَوَّلِ مِنْ أَقْسَامِ الدَّلِيلِ وَبِالْمَعْنَى الثَّانِي هُوَ الْمَدْلُولُ، وَأَحَادِيثُ الْبَابِ تُنَاسِبُ الْمَعْنَيَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ وَبَعْضُهَا أَنْسَبُ بِالْمَعْنَى الْأَخِيرِ كَالْحَدِيثِ الْآخَرِ فَإِنَّ قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ أَرْفَقُ بِتَمَامِ الدِّينِ الْمَتِينِ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم تَلَا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ جَلَّ شَأْنُهُ:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا} [الأنعام: 153] الْآيَةَ وَعَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَقَدْ أَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَجَادَ حَيْثُ بَدَأَ هَذَا الْكِتَابَ الْمَوْضُوعَ لِتَحْقِيقِ السُّنَنِ السُّنِّيَّةِ بِهَذَا الْبَابِ فَإِنَّ الْأَخْذَ بِهَا مَدَارُهُ عَلَى وُجُوبِ اتِّبَاعِ السُّنَّةِ السُّنِّيَّةِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ مَا هُوَ أَحَدُ الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ أَوْ تَمَامُ الدِّينْ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَلِأَنَّ الدِّينَ سَوَاءٌ كَانَ ثَابِتًا بِالْكِتَابِ أَوْ بِالسُّنَّةِ يَحْتَاجُ طَالِبُهُ إِلَى السُّنَّةِ فَإِنَّ الْكِتَابَ بَيَانُهُ بِالسُّنَّةِ لِقَوْلِهِ: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44] وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَبِدَّ بِالْكِتَابِ عَنْهَا، وَلِذَلِكَ تَرَاهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يَأْتِيهِ الْأَمْرُ مِنْ أَمْرِي مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ أَوْ نَهَيْتُ
عَنْهُ فَيَقُولُ: لَا نَدْرِي مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ وَيَقُولُ: أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهَ مَعَهُ أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ يَسْتَنِدُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ» قَالَ الْفَاضِلُ الطِّيبِيُّ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ: وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ تَوْبِيخٌ وَتَقْرِيعٌ نَشَأَ مِنْ تَعْظِيمِ عَظِيمٍ عَلَى تَرْكِ السُّنَّةِ وَالْعَمَلِ بِالْحَدِيثِ اسْتِغْنَاءً عَنْهَا بِالْكِتَابِ هَذَا مَعَ الْكِتَابِ فَكَيْفَ بِمَنْ رَجَّحَ الرَّأْيَ عَلَى الْحَدِيثِ وَإِذَا سَمِعَ حَدِيثًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ: لَا عَلَيَّ بِأَنْ أَعْمَلَ بِهَا فَإِنَّ لِي مَذْهَبًا أَتَّبِعُهُ انْتَهَى.
وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مِثْلَ هَذَا السِّبَابِ الْمُكَنَّى عَنْهُ لِلْأَغْبِيَاءِ وَالْجَهَلَةِ الَّذِينَ لَا يَصْلُحُونَ لِلِاجْتِهَادِ أَصْلًا وَقَطْعًا فَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ لَيْسَا فِي ذَمِّ الْمُجْتَهِدِ الَّذِي يَرُدُّ الْحَدِيثَ إِذَا صَحَّ عِنْدَهُ وَحَاشَا أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدٌ كَذَلِكَ بَلْ فِي ذَمِّ الْمُقَلِّدِ إِذَا خَالَفَ قَوْلُ إِمَامِهِ الْحَدِيثَ فَيَرُدُّهُ وَيَعْتَذِرُ لِإِمَامِهِ بِأَنَّهُ قَدِ اسْتَغْنَى بِالْكِتَابِ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَبِهَذَا ظَهَرَ أَنَّ اتِّبَاعَ السُّنَّةِ يَعُمُّ تَمَامَ الْأُمَّةِ وَلَا يَخْتَصُّ بِالْمُجْتَهِدِ عَنِ الْمُقَلِّدِ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَخُذُوهُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7] وَمَا فِي الْمَوْضِعَيْنِ شَرْطِيَّةٌ كَمَا ذَكَرَ السُّيُوطِيُّ هَذَا الِاحْتِمَالَ لِأَنَّ الشَّرْطِيَّةَ أَظْهَرُ مَعْنًى وَفِي الْمَوْصُولَةِ يَلْزَمُ وُقُوعُ الْجُمْلَةِ الْإِنْشَائِيَّةِ خَبَرًا وَهُوَ مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِتَأْوِيلٍ بِخِلَافِ الشَّرْطِيَّةِ فَإِنَّ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى أَنَّ خَبَرَهَا جُمْلَةُ الشَّرْطِ لَا الْجَزَاءِ ثُمَّ قَوْلُهُ: مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ يَعُمُّ أَمْرَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَقَوْلُهُ: فَخُذُوهُ أَيْ تَمَسَّكُوا بِهِ لِمُطْلَقِ الطَّلَبِ الشَّامِلِ لِلْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ فَيَنْطَبِقُ عَلَى الْقِسْمَيْنِ وَقِيلَ: هَذَا مَخْصُوصٌ بِأَمْرِ الْوُجُوبِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَمَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ يَعُمُّ نَهْيَ تَحْرِيمٍ وَتَنْزِيهٍ وَكَذَا الطَّلَبُ فِي قَوْلِهِ: فَانْتَهُوا يَعُمُّ الْقِسْمَيْنِ وَيَحْتَمِلُ الْخُصُوصَ بِنَهْيِ التَّحْرِيمِ، وَالْخِطَابُ وَإِنْ كَانَ لِلْحَاضِرِينَ وَضْعًا لَكِنَّ الْحُكْمَ يَعُمُّ الْمُغَيَّبِينِ اتِّفَاقًا وَفِي شُمُولِ الْخِطَابِ لَهُمْ قَوْلَانِ وَعَلَى التَّقْدِيرِ فَإِطْلَاقُهُ يَشْمَلُ الْمُجْتَهِدَ وَالْمُقَلِّدَ.
2 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ أَنْبَأَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِسُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَخُذُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَانْتَهُوا»
ــ
قَوْلُهُ: (ذَرُونِي) أَيِ اتْرُكُونِي مِنَ السُّؤَالِ عَنِ الْقُيُودِ فِي الْمُطْلَقَاتِ قَوْلُهُ: (مَا تَرَكْتُكُمْ)
مَا مَصْدَرِيَّةٌ ظَرْفِيَّةٌ أَيْ مُدَّةَ مَا تَرَكْتُكُمْ عَنِ التَّكْلِيفِ بِالْقُيُودِ فِيهَا وَلَيْسَ الْمُرَادُ لَا تَطْلُبُوا مِنِّي الْعِلْمَ مَا دَامَ إِلَّا أَنْ أُبَيِّنَ لَكُمْ بِنَفْسِي وَيَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وُرُودُهُ لِمَنْ قَالَ: هَلِ الْحَجُّ كُلَّ عَامٍ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ إِلَى آخِرِهِ يُرِيدُ أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ لَا يَقْتَضِي دَوَامَ الْفِعْلِ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي حُسْنَ الْمَأْمُورِ بِهِ وَأَنَّهُ طَاعَةٌ مَطْلُوبَةٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْهُ قَدْرَ طَاقَتِهِ وَأَمَّا النَّهْيُ فَيَقْتَضِي دَوَامَ التَّرْكِ.
3 -
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ»
ــ
قَوْلُهُ: (مَنْ أَطَاعَنِي) يُرِيدُ أَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنِ اللَّهِ فَمَنْ أَطَاعَهُ فِيمَا بَلَّغَ فَقَدْ أَطَاعَ الْآمِرَ الْحَقِيقِيَّ وَمِثْلُهُ الْمَعْصِيَةُ وَهَذَا مَضْمُونُ قَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} [النساء: 80] لَكِنَّ سَوْقَ الْآيَةِ فِي نَسَقِ الْمَعْصِيَةِ لِإِفَادَةِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى الرَّسُولِ وَبَالُ مَعْصِيَتِهِ إِذْ لَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْبَلَاغُ لَا الْحِفْظُ فَوَبَالُ الْمَعْصِيَةِ عَلَى ذَلِكَ الْعَاصِي.
4 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ عَدِيٍّ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُوقَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثًا لَمْ يَعْدُهُ وَلَمْ يُقَصِّرْ دُونَهُ
ــ
قَوْلُهُ: (لَمْ يَعْدُهُ) بِسُكُونِ الْعَيْنِ أَيْ لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قَدْرِ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَالْإِفْرَاطِ فِيهِ وَلَمْ يُقَصِّرْ فِي التَّقْصِيرِ دُونَهُ قَدَّرَ اللَّهُ قَبْلَ الْوُصُولِ إِلَيْهِ بِأَنْ لَا يَعْمَلَ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ أَصْلًا أَوْ يَأْتِيَ بِأَقَلَّ مِنَ الْقَدْرِ الْوَارِدِ وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ كَانَ وَاقِفًا عِنْدَ الْحَدِّ الْوَارِدِ فِي الْحَدِيثِ وَلَمْ يَأْتِ بِإِفْرَاطٍ فِيهِ وَلَا تَفْرِيطٍ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَفَرَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ بِشِدَّةِ اتِّبَاعِهِ الْحَدِيثَ مَعْرُوفًا وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنِ التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَقَالَ: حَلَالٌ فَقَالَ الشَّامِيُّ: إِنَّ أَبَاكَ قَدْ نَهَى عَنْهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ كَانْ أَبِي نَهَى عَنْهَا وَصَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمْرُ أَبِي يُتَّبَعُ أَمْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ الرَّجُلُ: بَلْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ
تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: لَقَدْ صَنَعَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» - قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَانْظُرْ إِلَى ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَيْفَ خَالَفَ أَبَاهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ أَبَاهُ قَدْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَأَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ عِنْدَهُ وَمَعَ ذَلِكَ أَفْتَى بِخِلَافِ قَوْلِ أَبِيهِ وَقَالَ: إِنَّ قَوْلَ أَبِيهِ لَا يَلِيقُ أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ وَقَدْ عَمِلَ بِمِثْلِ هَذَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي الطِّيبِ قُبَيْلَ الْإِحْرَامِ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ تَرَكَ قَوْلَ أَبِيهِ وَجَدِّهِ وَقَالَ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَقُّ أَنْ تُتَّبَعَ وَغَالِبُ أَهْلِ الزَّمَانِ عَلَى خِلَافَاتِهِمْ إِذَا جَاءَهُمْ حَدِيثٌ يُخَالِفُ قَوْلَ إِمَامِهِمْ يَقُولُونَ: لَعَلَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ بَلَغَ الْإِمَامَ وَخَالَفَهُ بِمَا هُوَ أَقْوَى عِنْدَهُ مِنْهُ وَرَوَى ابْنُ عُمَرَ حَدِيثَ «لَا تَمْنَعُوا إِمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ» فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَوْلَادِهِ نَحْنُ نَمْنَعُ، فَسَبَّهُ سَبًّا مَا سُمِعَ سَبٌّ مِثْلُهُ قَطُّ وَقَطَعَ الْكَلَامَ مَعَهُ إِلَى الْمَوْتِ وَلَهُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي مُرَاعَاةِ دَقَائِقِ السُّنَنْ أَحْوَالٌ مُدَوَّنَةٌ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ مَشْهُورَةٌ بَيْنَ أَهْلِهِ ذَكَرَ شَيْئًا مِنْهَا السُّيُوطِيُّ فِي حَاشِيَةِ الْكِتَابِ.
5 -
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ الدِّمَشْقِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ سُمَيْعٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْأَفْطَسُ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُرَشِيِّ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَذْكُرُ الْفَقْرَ وَنَتَخَوَّفُهُ فَقَالَ أَلْفَقْرَ تَخَافُونَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُصَبَّنَّ عَلَيْكُمْ الدُّنْيَا صَبًّا حَتَّى لَا يُزِيغَ قَلْبَ أَحَدِكُمْ إِزَاغَةً إِلَّا هِيهْ وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ» قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ صَدَقَ وَاللَّهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَنَا وَاللَّهِ عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا وَنَهَارُهَا سَوَاءٌ
ــ
قَوْلُهُ: (وَنَتَخَوَّفُهُ) أَيْ نُظْهِرُ الْخَوْفَ مِنْ لُحُوقِهِ بِنَا آلْفَقْرَ بِمَدِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الِاسْتِفْهَامِ وَهُوَ مَفْعُولٌ مُقَدَّمٌ لِتُصِيبَّنَّ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَالنُّونِ الثَّقِيلَةِ قَوْلُهُ: (لَا يُزِيغُ) مِنَ الْإِزَاغَةِ بِمَعْنَى الْإِمَالَةِ عَنِ الْحَقِّ قَوْلُهُ: (قَلْبَ أَحَدِكُمْ) بِالنَّصْبِ مَفْعُولٌ بِهِ (إِلَّا هِيَهْ) هِيَ ضَمِيرُ الدُّنْيَا وَالْهَاءُ فِي آخِرِهِ لِلسَّكْتِ وَهُوَ فَاعِلُ يُزِيغُ قَوْلُهُ: (لَقَدْ تَرَكْتُكُمْ) أَيْ مَا فَارَقْتُكُمْ بِالْمَوْتِ فَصِيغَةُ الْمَاضِي بِمَعْنَى الِاسْتِقْبَالِ أَوْ قَدِ اجْتَهَدْتُ فِي إِصْلَاحِ حَالِكُمْ حَتَّى صِرْتُمْ عَلَى هَذَا الْحَالِ تَرَكْتُكُمْ عَلَيْهَا وَاشْتَغَلْتُ عَنْهَا بِأُمُورٍ أُخَرَ كَالْعِبَادَةِ فَصِيغَةُ الْمَاضِي عَلَى مَعْنَاهَا قَوْلُهُ: (عَلَى مِثْلِ الْبَيْضَاءِ) ظَاهِرُ السَّوْقِ أَنَّ هَذَا بَيَانٌ لِحَالِ الْقُلُوبِ لَا لِحَالَةِ الْمِلَّةِ وَالْمَعْنَى عَلَى قُلُوبٍ هِيَ مِثْلُ الْأَرْضِ الْبَيْضَاءِ لَيْلًا وَنَهَارًا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الْمِثْلِ مُقْحَمًا وَالْمَعْنَى عَلَى قُلُوبٍ بَيْضَاءَ نَقِيَّةٍ عَنِ الْمَيْلِ إِلَى الْبَاطِلِ لَا يُمِيلُهَا عَنِ الْإِقْبَالِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى السَّرَّاءُ وَالضَّرَّاءُ فَلْيُفْهَمْ ثُمَّ الْحَدِيثُ مِمَّا انْفَرَدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى.
6 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»
ــ
قَوْلُهُ: (لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ) الطَّائِفَةُ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ وَالتَّنْكِيرُ لِلتَّقْلِيلِ أَوِ التَّعْظِيمِ لِعِظَمِ قَدْرِهِمْ وَوُفُورِ فَضْلِهِمْ وَيَحْتَمِلُ التَّكْثِيرُ أَيْضًا فَإِنَّهُمْ وَإِنْ قَلُّوا فَهُمُ الْكَثِيرُونَ فَإِنَّ الْوَاحِدَ لَا يُسَاوِيهِ الْأَلْفُ بَلْ هُمُ النَّاسُ كُلُّهُمْ قَوْلُهُ: (مَنْصُورِينَ) أَيْ بِالْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينْ أَوْ بِالسُّيُوفِ وَالْأَسِنَّةِ فَعَلَى الْأَوَّلِ هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ وَعَلَى الثَّانِي الْغُزَاةُ وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْمُصَنِّفُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فِي هَذَا الْبَابِ فَإِنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلَ فِي هَذِهِ الطَّائِفَةِ إِنْ لَمْ يَكُونُوا هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ فَلَا أَدْرِي مَنْ هُمْ أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ فِي عُلُومِ الْحَدِيثِ قَالَ عِيَاضٌ: وَإِنَّمَا أَرَادَ أَهْلَ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَمَنْ يَعْتَقِدُ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ: هُمْ أَهْلُ الْعِلْمِ قَالَ السُّيُوطِيُّ بَعْدَ نَقْلِهِ أَيِ الْمُجْتَهِدُونَ لِأَنَّ الْمُقَلِّدَ لَا يُسَمَّى عَالِمًا وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى اسْتِمْرَارِ الِاجْتِهَادِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ أَوْ مَجِيءِ أَشْرَاطِهَا الْكُبْرَى انْتَهَى.
قُلْتُ: كَأَنَّ السُّيُوطِيَّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَصَدَ بِذَلِكَ التَّنْبِيهَ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ فَإِنَّهُ رحمه الله كَانَ يَدَّعِي الِاجْتِهَادَ الْمُطْلَقَ وَأَهْلُ عَصْرِهِ أَنْكَرُوا لَكِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُ سَلَّمَ لَهُ بِذَلِكَ قَالَ النَّوَوِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الطَّائِفَةُ مُفَرَّقَةً فِي أَنْوَاعِ الْمُؤْمِنِينَ مِمَّنْ يَقُومُ لِلَّهِ مِنَ الْمُجَاهِدِينَ وَفَقِيهٍ وَمُحَدِّثٍ وَزَاهِدٍ وَآمِرٍ بِالْمَعْرُوفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ وَلَا يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمْ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونُوا مُفْتَرِقِينَ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ قَوْلُهُ: (مَنْ خَذَلَهُمْ) أَيْ لَمْ يُعَاوِنْهُمْ وَلَمْ يَنْصُرْهُمْ مِنَ الْخَلْقِ فَإِنَّهُمْ مَنْصُورُونَ بِاللَّهِ لِمَا فِيهِمْ مِنَ الْخَيْرِ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: 128] أَيْ فَلَا يَضُرُّهُمْ عَدَمُ نَصْرِ الْغَيْرِ قَوْلُهُ: (حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ) أَيْ سَاعَةُ مَوْتِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَجِيءِ الرِّيحِ الَّتِي تَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَهِيَ السَّاعَةُ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ وَإِلَّا فَالسَّاعَةُ لَا تَقُومُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ خَلْقِ اللَّهِ.
7 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَلْقَمَةَ نَصْرُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ عُمَيْرِ بْنِ الْأَسْوَدِ وَكَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهَا مَنْ خَالَفَهَا»
ــ
قَوْلُهُ: (قَوَّامَةً عَلَى أَمْرِ اللَّهِ) أَيْ بِأَمْرِهِ أَيْ بِشَرِيعَتِهِ وَدِينِهِ وَتَرْوِيجِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ أَوْ بِالْجِهَادِ مَعَ الْكُفَّارِ.
8 -
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ زُرْعَةَ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيَّ وَكَانَ قَدْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ»
ــ
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا زُرْعَةُ) قَالَ السُّيُوطِيُّ هُوَ خَوْلَانِيٌّ شَامِيٌّ
لَيْسَ لَهُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَ بَقِيَّةِ السِّتَّةِ شَيْءٌ سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ النُّونِ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ وَقِيلَ: عُمَارَةُ وَأَنْكَرَ قَوْمٌ صُحْبَتَهُ وَعَدُّوهُ فِي كِبَارِ التَّابِعِينَ وَقَالَ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ: كَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ أَسْلَمَ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيٌّ قَوْلُهُ: (يَغْرِسُ) كَـ يَضْرِبُ أَوْ مِنْ أَغَرَسَ يُقَالُ: غَرَسَ الشَّجَرَ وَأَغْرَسَهُ إِذَا أَثْبَتَهُ فِي الْأَرْضِ وَالْمُرَادُ يُوجَدُ فِي أَهْلِ هَذِهِ الدِّينِ وَلِذَا يُسْتَعْمَلُ أَهْلُ الدِّينِ فِي طَاعَتِهِ وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ الْمُجَدِّدُ لِلدِّينِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَعَمُّ فَيَشْمَلُ كُلَّ مَنْ يَدْعُو النَّاسَ إِلَى إِقَامَةِ دِينِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَغَرْسًا بِمَعْنَى مَغْرُوسًا
9 -
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قَامَ مُعَاوِيَةُ خَطِيبًا فَقَالَ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا وَطَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ لَا يُبَالُونَ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلَا مَنْ نَصَرَهُمْ»
ــ
قَوْلُهُ: (أَيْنَ عُلَمَاؤُكُمْ؟) أَيْ لِيُصَدِّقُونِي فِيمَا أَقُولُ قَوْلُهُ: (ظَاهِرُونَ) غَالِبُونَ.
10 -
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ مَنْصُورِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ عز وجل»
11 -
حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الْأَحْمَرُ قَالَ سَمِعْتُ مُجَالِدًا يَذْكُرُ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَخَطَّ خَطًّا وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَسَارِهِ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الْأَوْسَطِ فَقَالَ هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] »
ــ
قَوْلُهُ: (هَذَا سَبِيلُ اللَّهِ) أَيْ مِثْلُ سَبِيلِهِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ الْمُقَرِّبَةِ السَّالِكِ فِيهَا الْمُرَادُ بِهَا الدِّينُ الْقَوِيمُ وَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَبِتِلَاوَةِ الْآيَةِ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ بَاقِيَ الْخُطُوطِ مَثَلٌ لِلسَّبِيلِ الْمُعَوِّقَةِ عَنْهُ وَالْمَطْلُوبُ بِالتَّمْثِيلِ تَوْضِيحُ حَالِ الدِّينِ وَحَالِ السَّالِكِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَدْنَى مَيْلٍ عَنْهُ فَإِنَّهُ بِأَدْنَى مَيْلٍ يَقَعُ فِي سَبِيلِ الضَّلَالِ لِقُرْبِهَا وَاشْتِبَاهِهَا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.