الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَرْكُ التَّكَبُّرِ وَالْتِزَامُ التَّوَاضُعِ فَيَكُونُ كَالْجَمَلِ الْأَنِفِ كَكَنِفٍ أَيْ بِلَا مَدٍّ وَكَصَاحِبٍ أَيْ بِالْمَدِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَفْصَحُ أَيِ الَّذِي جُعِلَ الزِّمَامُ فِي أَنْفِهِ فَيَجُرُّهُ مَنْ يَشَاءُ مِنْ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ حَيْثُمَا قِيدَ أَيْ سِيقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَاب اجْتِنَابِ الْبِدَعِ وَالْجَدَلِ]
45 -
حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيُّ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلَا صَوْتُهُ وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ صَبَّحَكُمْ مَسَّاكُمْ وَيَقُولُ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ وَيَقْرِنُ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَيَقُولُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ كِتَابُ اللَّهِ وَخَيْرُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكَانَ يَقُولُ مَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِأَهْلِهِ وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ»
ــ
قَوْلُهُ: (إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ إِلَخْ) يَفْعَلُ ذَلِكَ لِإِزَالَةِ الْغَفْلَةِ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ لِيَتَمَكَّنَ فِيهَا كَلَامُهُ صلى الله عليه وسلم فَضْلَ تَمَكُّنٍ، أَوْ لِأَنَّهُ يَتَوَجَّهُ فِكْرُهُ إِلَى الْمَوْعِظَةِ؛ فَيَظْهَرُ عَلَيْهِ آثَارُ الْهَيْبَةِ الْإِلَهِيَّةِ قَوْلُهُ:(كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ) هُوَ الَّذِي يَجِيءُ مُخْبِرًا لِلْقَوْمِ بِمَا قَدْ دَهَمَهُمْ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ غَيْرِهِ قَوْلُهُ: (يَقُولُ) ضَمِيرُهُ عَائِدٌ لِلْمُنْذِرِ وَالْجُمْلَةُ صِفَتُهُ قَوْلُهُ: (صَبَّحَكُمْ) بِتَشْدِيدِ الْبَاءِ أَيْ نَزَلَ بِكُمُ الْعَدُوُّ صَبَاحًا، وَالْمُرَادُ سَيَنْزِلُ وَصِيغَةُ الْمَاضِي لِلتَّحَقُّقِ قَوْلُهُ:(مَسَّاكُمْ) بِتَشْدِيدِ السِّينِ، مِثْلُ صَبَّحَكُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ ضَمِيرَ يَقُولُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْجُمْلَةُ حَالٌ، وَضَمِيرُ صَبَّحَكُمْ لِلْعَذَابِ، وَالْمُرَادُ بِهِ قَرُبَ مِنْكُمْ إِنْ لَمْ تُطِيعُونِي قَوْلُهُ:(بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ: لَا يَجُوزُ فِيهِ إِلَّا النَّصَبَ وَالْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى مَعَ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمُقَارَبَةُ وَلَوْ رُفِعَ لَفَسَدَ الْمَعْنَى إِذْ لَا يُقَالُ بُعِثْتُ وَالسَّاعَةُ، وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ» انْتَهَى
يُرِيدُ أَنَّ رِوَايَةَ تَرْكِ تَأْكِيدِ الْمَرْفُوعِ الْمُتَّصِلِ بِالْمُنْفَصِلِ يُرِيدُ النَّصْبَ عَلَى الْمَعِيَّةِ إِذْ لَا يَجُوزُ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ الْعَطْفُ عِنْدَ كَثِيرِينَ مِنَ النُّحَاةِ، وَالْمَشْهُورُ جَوَازُ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ بَلْ قَالَ الْقَاضِي: الْمَشْهُورُ الرَّفْعُ وَكَأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ إِقَامَةَ السَّاعَةِ اعْتُبِرَ بَعْثًا لَهَا وَيَلْزَمُ مِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي بُعِثْتُ وَقَدْ جَوَّزَهُ قَوْمٌ فَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ: (كَهَاتَيْنِ) حَالٌ أَيْ مُقْتَرِنِينَ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَنَا مِنْ نَبِيٍّ فَوَجْهُ الشَّبَهِ هُوَ الِانْضِمَامُ أَوِ الْمُدَّةُ الَّتِي هِيَ بَيْنَنَا قَلِيلَةٌ فَوَجْهُ الشَّبَهِ قِلَّةُ مَا بَيْنَ رَأْسَيِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى مِنَ التَّفَاوُتِ قَوْلُهُ: (فَإِنَّ خَيْرَ الْأُمُورِ) أَيْ خَيْرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُ أَوْ خَيْرَ الْأُمُورِ الْمَوْجُودَةِ بَيْنَكُمْ وَخَيْرُ الْهَدْيِ بِفَتْحِ هَاءٍ وَسُكُونِ دَالٍ هِيَ الطَّرِيقَةُ وَالسِّيرَةُ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ أَوْ بِضَمِّ هَاءٍ وَفَتْحِ دَالٍ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ خَيْرَ الْأَدْيَانِ دِينُهُ
قَوْلُهُ: (وَشَرَّ الْأُمُورِ) بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى لَفْظِ اسْمِ إِنَّ وَبِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الْمَحَلِّ وَالْمُرَادُ مِنْ شَرِّ الْأُمُورِ وَإِلَّا فَبَعْضُ الْأُمُورِ السَّابِقَةِ مِثْلُ الشِّرْكِ شَرٌّ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمُحْدَثَاتِ إِلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْمُحْدَثَاتِ مَا أَحَدَثَ النَّاسُ عَلَى مُقْتَضَى الْهَوَى مُطْلَقًا لَا مَا أَحْدَثُوهُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَدْخُلُ فِيهَا الْقَبَائِحُ قَوْلُهُ: (مُحْدَثَاتُهَا) بِفَتْحِ الدَّالِ وَالْمُرَادُ بِهَا مَا لَا أَصْلَ لَهُ فِي الدِّينِ مِمَّا أُحْدِثَ بَعْدَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (أَوْ ضَيَاعًا) بِفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْعِيَالُ وَأَصْلُهُ مَصْدَرٌ أَوْ بِكَسْرِهَا جَمْعُ ضَائِعٍ كَجِيَاعٍ جَمْعُ جَائِعٍ قَوْلُهُ: (فَعَلَيَّ وَإِلَيَّ) قَالَ السُّيُوطِيُّ فِيهِ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ فَعَلَيَّ رَاجِعٌ إِلَى الدَّيْنِ وَإِلَيَّ رَاجِعٌ إِلَى الضَّيَاعِ.
46 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ مَيْمُونٍ الْمَدَنِيُّ أَبُو عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَقَ عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ الْكَلَامُ وَالْهَدْيُ فَأَحْسَنُ الْكَلَامِ كَلَامُ اللَّهِ وَأَحْسَنُ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدِثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ أَلَا لَا يَطُولَنَّ عَلَيْكُمْ الْأَمَدُ فَتَقْسُوَ قُلُوبُكُمْ أَلَا إِنَّ مَا هُوَ آتٍ قَرِيبٌ وَإِنَّمَا الْبَعِيدُ مَا لَيْسَ بِآتٍ أَلَا إِنَّمَا الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ أَلَا إِنَّ قِتَالَ الْمُؤْمِنِ كُفْرٌ وَسِبَابُهُ فُسُوقٌ وَلَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَلَا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ لَا يَصْلُحُ بِالْجِدِّ وَلَا بِالْهَزْلِ وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ لَا يَفِي لَهُ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارَ وَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّهُ يُقَالُ لِلصَّادِقِ صَدَقَ وَبَرَّ وَيُقَالُ لِلْكَاذِبِ كَذَبَ وَفَجَرَ أَلَا وَإِنَّ الْعَبْدَ يَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا»
ــ
قَوْلُهُ: (إِنَّمَا هُمَا اثْنَتَانِ) ضَمِيرُهُمَا مِنْهُمْ مُفَسَّرٌ بِالْكِلَامِ وَالْهَدْيِ أَيْ إِنَّمَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ اللَّذَيْنِ وَقَعَ التَّكْلِيفُ بِهِمَا اثْنَتَانِ لَا ثَالِثَ مَعَهُمَا حَتَّى يَثْقُلَ عَلَيْكُمُ الْأَمْرُ وَيَتَفَرَّقَ، وَفَائِدَةُ الْإِخْبَارِ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمَا ثَالِثٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ النَّهْيَ عَنْ ضَمِّ الْمُحْدَثَاتِ إِلَيْهِمَا كَأَنَّهُ قِيلَ: الْمَقْصُودُ بَقَاؤُهُمَا اثْنَتَانِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ضَمِيرُهُمَا لِمَا وَقَعَ بِهِ التَّكْلِيفُ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنِ الْعَدَدِ، وَإِنَّمَا ثَنَّى نَظَرًا إِلَى كَوْنِ ذَلِكَ فِي الْوَاقِعِ ثِنْتَيْنِ فَحَصَلَ الْفَائِدَةُ فِي الْإِخْبَارِ بِاسْمِ الْعَدَدِ وَهَذَا مِثْلُ مَا قَالُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ اثْنَتَانِ تَمْهِيدًا لِمَا هُوَ الْخَبَرُ وَالْخَبَرُ فِي الْوَاقِعِ مَا هُوَ الْمُبْدَلُ مِنِ اثْنَتَانِ وَهُمَا الْكَلَامُ وَالْهَدْيُ وَعَلَى الْوُجُوهِ تَأْنِيثُ اثْنَتَانِ نَظَرًا إِلَى أَنَّهُمَا حُجَّتَانِ قَوْلُهُ: (الْأَمَدُ) أَيِ الْأَجَلُ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْأَمَلُ وَطُولُهُ تَابِعٌ لِطُولِ الْأَجَلِ وَفِي طُولِهِمَا وَنِسْيَانُ الْمَوْتِ تَأْثِيرٌ يَتْبَعُ فِي قَسْوَةِ الْقُلُوبِ وَقَوْلُهُ: فَتَقْسُوا قُلُوبُكُمْ بِالنَّصْبِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ النَّهْيِ أَلَا
مَا هُوَ آتٍ إِلَخْ تَعْلِيمٌ وَإِرْشَادٌ لِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ طُولُ الْأَمَدِ قَوْلُهُ: (أَلَا إِنَّمَا الشَّقِيُّ إِلَخْ) أَيْ فَعَلَيْكُمْ بِالتَّفَكُّرِ فِي ذَلِكَ وَالْبُكَاءِ لَهُ وَكَيْفَ الْقَسْوَةُ وَالضَّحِكُ مَعَ سَبْقِ التَّقْدِيرِ فِي النِّهَايَةِ الْمَعْنَى إِنَّ مَا قَدَّرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي أَصْلِ خِلْقَتِهِ أَنْ يَكُونَ شَقِيًّا فَهُوَ الشَّقِيُّ فِي الْحَقِيقَةِ لَا مَنْ عَرَضَ لَهُ الشَّقَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى شَقَاءِ الْآخِرَةِ لَا شَقَاءِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ: (مَنْ وُعِظَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ أَيْ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِلِاتِّعَاظِ فَرَأَى مَا جَرَى عَلَى غَيْرِهِ بِالْمَعَاصِي مِنَ الْعُقُوبَةِ فَتَرَكَهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنَالَهُ مِثْلُ مَا نَالَ غَيْرَهُ قَوْلُهُ: (كُفْرٌ) أَيْ مِنْ شَأْنِ الْكُفْرِ وَسِبَابُهُ هُوَ كَالْقِتَالِ فِي الْوَزْنِ فُسُوقٌ أَيْ مِنْ شَأْنِ الْفَسَقَةِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْقِتَالِ كَافِرٌ وَمُرْتَكِبَ السِّبَابِ فَاسِقٌ وَقِيلَ فِي التَّأْوِيلِ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: (أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ) يُفْهَمُ مِنْهُ إِبَاحَةُ الْهَجْرِ إِلَى ثَلَاثٍ وَهُوَ رُخْصَةٌ لِأَنَّ طَبْعَ الْآدَمِيِّ عَلَى عَدَمِ تَحَمُّلِ الْمَكْرُوهِ ثُمَّ الْمُرَادُ حُرْمَةُ الْهِجْرَانِ إِذَا كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ وُقُوعُ تَقْصِيرٍ فِي حُقُوقِ الصُّحْبَةِ وَالْأُخُوَّةِ وَآدَابِ الْعِشْرَةِ وَذَلِكَ أَيْضًا بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَأَمَّا بَيْنَ الْأَهْلِ فَيَجُوزُ إِلَى أَكْثَرَ لِلتَّأْدِيبِ فَقَدْ هَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نِسَاءَهُ شَهْرًا وَكَذَا إِذَا كَانَ الْبَاعِثُ أَمْرًا دِينِيًّا فَلْيَهْجُرْهُ حَتَّى يَنْزِعَ مِنْ فِعْلِهِ وَعَقْدِهِ ذَلِكَ فَقَدْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي هِجْرَانِ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ تَخَلَّفُوا خَمْسِينَ لَيْلَةً حَتَّى صَحَّتْ تَوْبَتُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، قَالُوا وَإِذَا خَافَ مِنْ مُكَالَمَةِ أَحَدٍ وَمُوَاصَلَتِهِ مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ دِينَهُ أَوْ يُدْخِلُ عَلَيْهِ مَضَرَّةً فِي دُنْيَاهُ يَجُوزُ لَهُ مُجَانَبَتُهُ وَالْحَذَرُ مِنْهُ فَرُبَّ هَجْرٍ جَمِيلٍ خَيْرٌ مِنْ مُخَالَطَةٍ مُؤْذِيَةٍ قَوْلُهُ:(لَا يَصْلُحُ) لَا يَحِلُّ أَوْ لَا يُوَافِقُ شَأْنَ الْمُؤْمِنِ بِالْجِدِّ أَيْ بِطَرِيقِ الْجِدِّ قَوْلُهُ: (وَلَا يَعِدُ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ) أَيْ صَغِيرَهُ قَوْلُهُ: (ثُمَّ لَا يَفِي لَهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى لَا يَعِدُ وَهُوَ نَفْيٌ بِمَعْنَى النَّهْيِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَهْيٌ، وَلَا يَفِيَ بِالنَّصْبِ إِجْرَاءًا ثُمَّ مَجْرَى الْوَاوِ وَيَحْتَمِلُ الرَّفْعَ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ قَوْلُهُ:(يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ) مِنَ الْهِدَايَةِ قِيلَ: لَعَلَّ الْكَذِبَ بِخَاصِّيَّتِهِ يُفْضِي بِالْإِنْسَانِ إِلَى الْقَبَائِحِ، وَالصِّدْقُ بِخِلَافِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفُجُورِ هُوَ نَفْسُ ذَلِكَ الْكَذِبِ
وَكَذَلِكَ الْبِرُّ نَفْسُ ذَلِكَ الصِّدْقِ وَالْهِدَايَةُ إِلَيْهِ بِاعْتِبَارِ الْمُغَايَرَةِ الِاعْتِبَارِيَّةِ فِي الْمَفْهُومِ وَالْعِنْوَانِ كَمَا يُقَالُ: الْعِلْمُ يُؤَدِّي إِلَى الْكَمَالِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ آخِرُ الْحَدِيثِ وَالْبِرُّ قِيلَ: هُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ وَقِيلَ: هُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ الْخَالِصُ مِنْ كُلِّ مَذْمُومٍ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: إِذَا تَحَرَّى الصِّدْقَ لَمْ يَعْصِ اللَّهَ، لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا مِنَ الْمَعَاصِي خَافَ أَنْ يُقَالَ: أَفَعَلْتَ كَذَا فَإِنْ سَكَتَ لَمْ يَأْمَنِ الرِّيبَةَ وَإِنْ قَالَ: لَا كَذَبَ وَإِنْ قَالَ: نَعَمْ فَسَقَ وَسَقَطَتْ مَنْزِلَتُهُ وَانْتُهِكَتْ حُرْمَتُهُ قَوْلُهُ: (حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ) الظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ كِتَابَتُهُ فِي دِيوَانِ الْأَعْمَالِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ إِظْهَارُهُ بَيْنَ النَّاسِ بِوَصْفِ الْكَذِبِ.
47 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ بْنِ خِدَاشٍ حَدَّثَنَا إِسْمَعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ ثَابِتٍ الْجَحْدَرِيُّ وَيَحْيَى بْنُ حَكِيمٍ قَالَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةَ {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ إِلَى قَوْلِهِ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إِذَا رَأَيْتُمْ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيهِ فَهُمْ الَّذِينَ عَنَاهُمْ اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ»
ــ
قَوْلُهُ: (يَا عَائِشَةُ إِذَا رَأَيْتُمْ) نَادَى عَائِشَةَ لِحُضُورِهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَدَلَ فِي ضَمِيرِ الْخِطَابِ إِلَى الْجَمْعِ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذَا لَا يَخْتَصُّ بِعَائِشَةَ بَلْ يَعُمُّهَا وَغَيْرُهَا، وَخَاطَبَ الْغَائِبِينَ وَذَكَرَ الضَّمِيرَ لِلتَّغْلِيبِ فَفِيهِ تَغْلِيبَانِ مُتَعَاكِسَانِ فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ:(يُجَادِلُونَ فِيهِ) أَيْ فِي الْقُرْآنِ بِدَفْعِ الْمُحْكَمَاتِ بِالْمُتَشَابِهَاتِ قَوْلُهُ: (عَنَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى) أَيْ أَرَادَهُمْ بِقَوْلِهِ {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: 7] إِلَخْ قَوْلُهُ: (فَاحْذَرُوهُمْ) أَيْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَلَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تُكَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الْبِدْعَةِ فَيَحِقُّ لَهُمُ الْإِهَانَةُ وَاحْتِرَازًا عَنِ الْوُقُوعِ فِي عَقِيدَتِهِمْ
48 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ ح وَحَدَّثَنَا حَوْثَرَةُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ قَالَا حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ دِينَارٍ عَنْ أَبِي غَالِبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف: 58] الْآيَةَ»
ــ
قَوْلُهُ: (إِلَّا أُوتُوا الْجَدَلَ) هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ بِتَقْدِيرِ قَدْ وَذُو الْحَالِ فَاعِلُ مَا ضَلَّ لَا الضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ الَّذِي فِي خَبَرِ كَانَ كَمَا تَوَهَّمَهُ الطِّيبِيُّ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ مَعْنًى وَإِنْ كَانَ الضَّمِيرُ الْمَذْكُورُ رَاجِعًا إِلَى فَاعِلِ مَا ضَلَّ فَلْيُفْهَمْ
وَالْمُرَادُ بِالْجِدَالِ الْخِصَامُ بِالْبَاطِلِ وَضَرْبُ الْحَقِّ بِهِ وَضَرْبُ الْحَقِّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ بِإِبْدَاءِ التَّعَارُضِ وَالتَّدَافُعِ
وَالتَّنَافِي بَيْنَهُمَا لَا الْمُنَاظَرَةُ لِطَلَبِ الثَّوَابِ مَعَ تَفْوِيضٍ إِلَى اللَّهِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَةِ الْكُنْهِ ثُمَّ تَلَا أَيْ تَوْضِيحًا لِمَا ذَكَرَ بِذِكْرِ مِثَالٍ لَهُ لَا لِلِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى الْخَصْمِ الْمَذْكُورِ فَإِنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ قُلْتَ: قُرَيْشٌ مَا كَانُوا عَلَى الْهُدَى فَلَا يَصْلُحُ ذِكْرُهُمْ مِثَالًا قُلْتُ: نَزَلَ تَمَكُّنُهُمْ مِنْهُ بِوَاسِطَةِ الْبَرَاهِينِ السَّاطِعَةِ مَنْزِلَةَ كَوْنِهِمْ عَلَيْهِ فَحَيْثُ دَفَعُوا بَعْدَ ذَلِكَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَقَرَّرُوا الْبَاطِلَ بِقَوْلِهِمْ: آلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ يُرِيدُونْ أَنَّهُمْ يَعْبُدُونَ الْمَلَائِكَةَ وَهُمْ خَيْرٌ مِنْ عِيسَى وَقَدْ عَبَدَهُ النَّصَارَى فَحَيْثُ صَحَّ لَهُمْ عِبَادَتُهُ صَحَّ لَنَا عِبَادَتُهُمْ بِالْأَوْلَى فَصَارُوا مِثَالًا لِمَا فِيهِ الْكَلَامُ.
49 -
حَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْعَسْكَرِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَبُو هَاشِمِ بْنِ أَبِي خِدَاشٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِحْصَنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لِصَاحِبِ بِدْعَةٍ صَوْمًا وَلَا صَلَاةً وَلَا صَدَقَةً وَلَا حَجًّا وَلَا عُمْرَةً وَلَا جِهَادًا وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا يَخْرُجُ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا تَخْرُجُ الشَّعَرَةُ مِنْ الْعَجِينِ»
ــ
قَوْلُهُ: (وَلَا صَرْفًا وَلَا عَدْلًا) قِيلَ: هُمَا التَّوْبَةُ وَالْفِدْيَةُ وَكَأَنَّ الْمُرَادَ التَّوْبَةُ مِنْ غَيْرِ الْبِدْعَةِ مِنَ الْإِسْلَامِ أَيْ مِنْ كَمَالِهِ.
50 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ الْحَنَّاطُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْمُغِيرَةِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَى اللَّهُ أَنْ يَقْبَلَ عَمَلَ صَاحِبِ بِدْعَةٍ حَتَّى يَدَعَ بِدْعَتَهُ»
ــ
قَوْلُهُ: (أَبَى اللَّهُ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَقْبَلُ صَالِحَ عَمَلِهِمْ وَلَوْ شَفَعَ لَهُمْ شَفِيعٌ فِي قَوْلِهِمْ فَرْضًا وَلِإِفَادَةِ هَذَا الْمَعْنَى قِيلَ: أَبَى اللَّهُ وَإِلَّا فَلَوْ قِيلَ: لَا يَقْبَلُ اللَّهُ لَكَفَى قَوْلُهُ: (حَتَّى يَدَعَ) غَايَةٌ لِعَدَمِ الْقَبُولِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَابَ عَنْ بِدْعَتِهِ يُقْبَلُ عَمَلُهُ الَّذِي فَعَلَهُ حَالَ الْبِدْعَةِ وَلَوْ جُعِلَ غَايَةً لِلْعَمَلِ لَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ عَمَلُهُ الَّذِي عَمِلَهُ حَالَ الْبِدْعَةِ وَإِنْ تَابَ وَهُوَ بَعِيدٌ لَفْظًا وَمَعْنًى وَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِالْبِدْعَةِ الِاعْتِقَادُ الْفَاسِدُ دُونَ الْعَمَلِ الْفَاسِدِ كَمَا عَلَيْهِ الِاصْطِلَاحُ الْيَوْمَ فَإِنَّ صَاحِبَ الِاعْتِقَادِ الْفَاسِدِ يُقَالُ لَهُ: مُبْتَدِعٌ وَصَاحِبُ الْعَمَلِ الْفَاسِدِ يُقَالُ لَهُ: فَاسِقٌ اصْطِلَاحًا وَفِي الزَّوَائِدِ رِجَالُ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ كُلُّهُمْ مَجْهُولُونَ قَالَهُ الذَّهَبِيُّ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا أَعْرِفُ أَبَا زَيْدٍ وَلَا أَبَا الْمُغِيرَةِ.
51 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدِّمَشْقِيُّ وَهَارُونُ بْنُ إِسْحَقَ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ بُنِيَ لَهُ قَصْرٌ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ وَمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَهُوَ مُحِقٌّ بُنِيَ لَهُ فِي وَسَطِهَا وَمَنْ حَسَّنَ خُلُقَةُ بُنِيَ لَهُ فِي أَعْلَاهَا»
ــ
قَوْلُهُ: (مَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَهُوَ بَاطِلٌ) احْتَمَلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَذِبِ الْمِرَاءُ بِالْبَاطِلِ وَجُمْلَةُ وَهُوَ بَاطِلٌ بِتَقْدِيرِ ذُو بَاطِلٍ حَالٌ مِنْ