الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلَمَّا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ أُمُورٌ خَمْسَةٌ: مَنْعُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ، وَحُلُولٌ لِلْمُؤَجَّلِ عَلَيْهِ، وَبَيْعُ مَا مَعَهُ مِنْ الْعُرُوضِ بِحَضْرَتِهِ، وَحَبْسُهُ، وَرُجُوعُ الْإِنْسَانِ فِي عَيْنِ شَيْئِهِ، أَشَارَ لَهَا بِقَوْلِهِ:
(فَمُنِعَ مِنْ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ) كَبَيْعٍ وَشِرَاءِ وَكِرَاءٍ وَاكْتِرَاءٍ. وَالْمُعْتَمَدُ مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ: أَنَّ التَّصَرُّفَ الْمَالِيَّ يُمْنَعُ مِنْهُ حَتَّى فِي الْأَعَمِّ كَتَبَرُّعَاتِهِ، (إلَّا) أَنْ يَتَصَرَّفَ بِشَيْءٍ (فِي ذِمَّتِهِ) لِغَيْرِ أَرْبَابِ الدَّيْنِ عَلَى أَنْ يُوَفِّيَهُ مِنْ مَالٍ يَطْرَأُ لَهُ لَا مِمَّا بِيَدِهِ كَأَنْ يَتَسَلَّفَ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ، أَوْ يَشْتَرِيَ أَوْ يَكْتَرِيَ فَلَا يُمْنَعُ. وَشَبَّهَ فِي عَدَمِ الْمَنْعِ قَوْلَهُ:(كَخُلْعٍ) لِزَوْجَتِهِ فَيَجُوزُ، لِأَنَّهُ قَدْ يَأْخُذُ مِنْهَا مَالًا أَوْ يَحُطُّ عَنْهُ دَيْنَ مَهْرِهَا أَوْ غَيْرِهَا. وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُفْلِسَةُ فَلَيْسَ لَهَا الْخُلْعُ لِزَوْجِهَا إلَّا فِي ذِمَّتِهَا مِنْ شَيْءٍ يَطْرَأُ لَهَا غَيْرُ مَا فَلِسَتْ فِيهِ كَمَا يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ إلَّا فِي ذِمَّتِهِ (وَطَلَاقٍ) لِزَوْجَتِهِ
ــ
[حاشية الصاوي]
لِأَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَحْكُمُ إلَّا عَلَى الْآبِي. وَأَمَّا الْمَعْنَى الْأَعَمُّ: وَهُوَ قِيَامُ الْغُرَمَاءِ فَهُوَ حَاصِلٌ.
[مَا يَتَرَتَّب عَلَى الْحَجَر عَلَى الْمُفْلِس]
[فَائِدَة ادِّعَاء الْمُفْلِس الْإِيلَاد]
قَوْلُهُ: [وَلَمَّا كَانَ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ أُمُورٌ] إلَخْ: اسْمُ كَانَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهَا وَ " أُمُورٌ " فَاعِلُ يَتَرَتَّبُ.
قَوْلُهُ: [مَنَعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ] : أَيْ بِعِوَضٍ أَوْ بِغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: [وَحُلُولُ الْمُؤَجَّلِ عَلَيْهِ] : أَيْ وَأَمَّا الْمُؤَجَّلُ لَهُ فَلَا يَحِلُّ إلَّا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: [كَانَ يَتَسَلَّفُ شَيْئًا فِي ذِمَّتِهِ] إلَخْ: أَمْثِلَةٌ لِلتَّصَرُّفِ فِي الذِّمَّةِ.
قَوْلُهُ: [فَلَا يُمْنَعُ] : أَيْ فَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَإِنْ تَحَصَّلَ شَيْءٌ فِي تَصَرُّفِ ذِمَّتِهِ وَدَيْنُهُمْ بَاقٍ عَلَيْهِ فَلَهُمْ مَنْعُهُ مِمَّا بَقِيَ بَعْدَ وَفَاءِ الدَّيْنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ حَتَّى يُوَفِّيَهُمْ دَيْنَهُمْ.
قَوْلُهُ: [أَوْ غَيْرِهَا] : مَعْطُوفٌ عَلَى مَهْرٍ مُسَلَّطٍ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَأَنْ يَكُونَ لِأَخِيهَا مَثَلًا عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيَحُطَّهُ عَنْهُ فِي نَظِيرِ الْخُلْعِ وَلَوْ قَالَ أَوْ غَيْرِهِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى أَوْ تَحُطُّ عَنْهُ دَيْنَ مَهْرِهَا أَوْ دَيْنَ غَيْرِهِ لَكَانَ أَوْضَحَ.
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُفْلِسَةُ] إلَخْ: هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ مَا تَقَدَّمَ لَك مِنْ جَوَازِ الْمُخَالَعَةِ مَفْرُوضٌ فِي فَلَسِ الرَّجُلُ الْمُخَالَعِ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ إلَخْ.
قَوْلُهُ: [فَلَيْسَ لَهَا الْخُلْعُ] : أَيْ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مَالِيٌّ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْهُ.
لِأَنَّ لَهَا الْمُحَاصَصَةَ بِمَهْرِهَا طَلَّقَ أَمْ لَا (وَقِصَاصٍ) وَجَبَ لَهُ عَلَى جَانٍ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ (وَعَفْوٍ) عَنْ قِصَاصٍ لَا مَالَ فِيهِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ أَوْ مَا فِيهِ مَالٌ (وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدٍ) فَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ (وَتَبِعَهَا مَالُهَا وَإِنْ كَثُرَ) إذْ لَا يَلْزَمُ بِانْتِزَاعِ مَالِ رَقِيقِهِ، قَوْلُ الشَّيْخِ:" إنْ قَلَّ " ضَعِيفٌ.
(وَحَلَّ بِهِ) : أَيْ بِالتَّفْلِيسِ الْأَخَصِّ (وَبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ) مِنْ الدَّيْنِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [لِأَنَّ لَهَا الْمُحَاصَصَةَ بِمَهْرِهَا] : أَيْ لِحُلُولِ الْمُؤَجَّلِ وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ وَأَيْضًا يُخَفَّفُ عَنْهُ أَمْرُ النَّفَقَةِ.
قَوْلُهُ: [وَلَا يَلْزَمُهُ الْعَفْوُ عَلَى مَالٍ] : أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إمَّا الْقِصَاصُ أَوْ الْعَفْوُ مَجَّانًا وَلَيْسَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ عَاقِلَتِهِ إلْزَامُ الْجَانِي بِالدِّيَةِ نَعَمْ لَهُمْ التَّرَاضِي عَلَيْهَا، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ الْقَائِلِ: إنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ وَالْعَفْوِ مَجَّانًا، فَمُقْتَضَاهُ أَنَّ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعُهُ مِنْ الْقِصَاصِ وَيُلْزِمُونَهُ أَخْذَ الدِّيَةِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: قَاعِدَةُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي جَوَازَ قِصَاصِهِ حَتَّى عِنْدَ أَشْهَبَ، لِقَوْلِهِمْ: لَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ جَبْرُ الْمُفْلِسِ عَلَى انْتِزَاعِ مَالِ رَقِيقِهِ - كَذَا فِي الْخَرَشِيِّ وَالْحَاشِيَةِ. مِثْلُ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ جِرَاحُ الْعَمْدِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ، وَإِلَّا فَلَهُمْ مَنْعُهُ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: [أَوْ مَا فِيهِ مَالٌ] : أَيْ كَجِرَاحَاتِ الْعَمْدِ أَيْ الَّتِي فِيهَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ كَالْجِرَاحَاتِ الْأَرْبَعَةِ الْآتِيَةِ فِي بَابِ الدِّمَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: [وَعِتْقِ أُمِّ وَلَدِهِ] : أَيْ الَّتِي اسْتَوْلَدَهَا قَبْلَ التَّفْلِيسِ، وَأَمَّا الَّتِي أَوَلَدَهَا بَعْدَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُرَدُّ عِتْقُهَا لِأَنَّهَا تُبَاعُ دُونَ وَلَدِهَا.
فَائِدَةٌ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ أَنَّهُ أَحْبَلَ أَمَتَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ إلَّا أَنْ يَفْشُوَ ذَلِكَ قَبْلُ بَيْنَ الْجِيرَانِ أَوْ تَشْهَدَ بِهِ النِّسَاءُ كَذَا فِي الْحَاشِيَةِ.
قَوْلُهُ: [وَحَلَّ بِهِ] : هَذَا هُوَ الثَّانِي مِنْ الْأُمُورِ الْخَمْسَةِ.
قَوْلُهُ: [وَبِالْمَوْتِ] : يُسْتَثْنَى مِنْ الْمَوْتِ مَنْ قَتَلَ مَدِينَهُ فَإِنَّ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ لَا يَحِلُّ لِحَمْلِهِ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ.
قَوْلُهُ: [مَا أُجِّلَ مِنْ الدَّيْنِ] : أَيْ الَّذِي عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ بَعْدُ وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ.
إلَّا لِشَرْطٍ) بِعَدَمِ الْحُلُولِ بِهِمَا، فَيُعْمَلُ بِالشَّرْطِ فِيهِمَا. وَنَصَّ عَلَى الْعَمَلِ بِالشَّرْطِ فِي الْمَوْتِ ابْنُ الْهِنْدِيِّ. وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ فَلَا يَحِلُّ بِفَلَسِهِ وَلَا مَوْتِهِ.
(وَإِنْ قَامَ لَهُ) : أَيْ لِلْمُفْلِسِ (شَاهِدٌ بِدَيْنٍ) لَهُ عَلَى شَخْصٍ فَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ لِيَسْتَحِقَّ دَيْنَهُ (فَنَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ مَعَ شَاهِدِهِ (حَلَفَ كُلٌّ) مِنْ الْغُرَمَاءِ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ (كَهُوَ) : أَيْ كَحَلِفِ الْمُدَّعِي الْمُفْلِسِ، فَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٌ أَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ حَقٌّ (وَأَخَذَ) كُلُّ مَنْ حَلَفَ (حِصَّتَهُ) فَقَطْ مِنْ ذَلِكَ الدَّيْنِ (وَلَوْ نَكَلَ غَيْرُهُ) : أَيْ غَيْرُ الْحَالِفِ فَلَا يَأْخُذُ الْحَالِفُ إلَّا قَدْرَ نَصِيبِهِ مَعَ حَلِفِهِ عَلَى الْجَمِيعِ عَلَى الْمَشْهُورِ، فَإِنْ حَلَفُوا كُلُّهُمْ تَقَاسَمُوا الْحَقَّ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْ الدَّيْنِ، وَإِنْ نَكَلُوا كُلُّهُمْ فَلَا شَيْءَ لَهُمْ مِنْهُ، وَمَنْ حَلَفَ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا الدَّيْنُ الَّذِي لَهُ فَلَا يَحِلُّ] إلَخْ: اُنْظُرْ لَوْ شَرَطَ أَنَّ لِلدَّيْنِ الَّذِي يَحِلُّ بِمَوْتِهِ أَوْ فَلَسِهِ، هَلْ يُعْمَلُ بِشَرْطِهِ أَمْ لَا؟ قَالَ الْخَرَشِيُّ: الظَّاهِرُ الْأَوَّلُ حَيْثُ كَانَ الشَّرْطُ غَيْرَ وَاقِعٍ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْبَيْعِ، فَإِنْ وَقَعَ فِي صُلْبِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَالظَّاهِرُ فَسَادُ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ آلَ أَمْرُهُ إلَى الْبَيْعِ بِأَجَلٍ مَجْهُولٍ.
تَنْبِيهٌ دَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: " حَلَّ بِهِ وَبِالْمَوْتِ مَا أُجِّلَ ": دَيْنٌ لِلْكِرَاءِ لِدَارٍ أَوْ دَابَّةٍ أَوْ عَبْدٍ حَيْثُ كَانَ الْكِرَاءُ وَجِيبَةً وَإِنْ لَمْ يَسْتَوْفِ صَاحِبُهُ الْمَنْفَعَةَ، فَيَحِلُّ بِفَلَسِ الْمُكْتَرِي أَوْ مَوْتِهِ وَلِلْمُكْرِي أَخْذُ عَيْنِ شَيْئِهِ فِي الْفَلَسِ لَا الْمَوْتِ، فَإِنْ كَانَ الْمُفْلِسُ لَمْ يَسْتَوْفِ شَيْئًا مِنْ الْمَنْفَعَةِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُكْرِي وَرَدَّ الْأُجْرَةَ إنْ كَانَ قَبَضَهَا، وَإِنْ تَرَكَ عَيْنَ شَيْئِهِ لِلْفَلْسِ حَاصَصَ بِأُجْرَتِهِ حَالًا، وَإِنْ اسْتَوْفَى بَعْضَ الْمَنْفَعَةِ حَاصَصَ بِهَا كَمَا يُحَاصِصُ فِي الْمَوْتِ وَيَأْخُذُ مَنَابَهُ بِالْحِصَاصِ حَالًا. وَيُخَيَّرُ فِي فَسْخِ مَا بَقِيَ فِي الْفَلَسِ فَإِنْ أَبْقَاهُ الْمُفْلِسُ رَدَّ مَنَابَهُ مِنْ الْأُجْرَةِ إنْ كَانَ قَبَضَهَا وَحَاصَصَ بِهِ، وَإِلَّا حَاصَصَ بِالْجَمِيعِ هَذَا مَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ شَارِحِ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ (اهـ. مِنْ الْأَصْلِ) .
قَوْلُهُ: [حَلَفَ كُلٌّ] : أَيْ إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْ الْغُرَمَاءِ غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. وَأَمَّا لَوْ كَانَ مِنْهُمْ مَا هُوَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَقِيلَ: يَحْلِفُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ أَوْ وَصِيُّهُ، وَقِيلَ: لَا يَمِينَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَقِيلَ: يُؤَخَّرُ لِرُشْدِهِ؛ فَفِي ذَلِكَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْأَنْدَلُسِيَّيْنِ كَذَا فِي بْن.