الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَى مَا ذَكَرْنَا أَحْسَنُ مِنْ تَرْتِيبِهِ.
(وَجَازَ) لِمَنْ مَلَكَ شَيْئًا بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ (الْبَيْعُ) لَهُ (قَبْلَ الْقَبْضِ) لَهُ مِنْ مَالِكِهِ الْأَوَّلِ (إلَّا طَعَامَ الْمُعَاوَضَةِ) : فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الطَّعَامُ رِبَوِيًّا أَوْ غَيْرَ رِبَوِيٍّ. وَطَعَامُ الْمُعَاوَضَةِ: مَا اُسْتُحِقَّ فِي نَظِيرِ عِوَضٍ (وَلَوْ) كَانَ الْعِوَضُ غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ (كَرِزْقِ قَاضٍ وَجُنْدِيٍّ) فَإِنَّهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي نَظِيرِ حُكْمِهِ وَحِرَاسَتِهِ وَغَزْوِهِ، وَكَذَا رِزْقُ عَالِمٍ أَوْ إمَامٍ أَوْ مُؤَذِّنٍ أَوْ نَحْوِهِمْ فِي وَقْفٍ أَوْ بَيْتِ مَالٍ فِي نَظِيرِ التَّدْرِيسِ أَوْ الْإِمَامَةِ أَوْ الْأَذَانِ. لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ نَاظِرٍ وَنَحْوِهِ. لِأَنَّهُ فِي نَظِيرِ عَمَلِهِ وَهُوَ عِوَضٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُتِّبَ شَيْءٌ لِإِنْسَانٍ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ غَيْرِهِ كَوَقْفٍ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لِعَدَمِ الْمُعَاوَضَةِ، وَمَحَلُّ مَنْعِ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ: قَبْلَ قَبْضِهِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
[الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ]
قَوْلُهُ: [بِشِرَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ] : أَيْ كَهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مِعْيَارُ الْعُمُومِ. قَوْلُهُ: [إلَّا طَعَامَ الْمُعَاوَضَةِ] : أَيْ إلَّا الطَّعَامَ الَّذِي حَصَلَ بِمُعَاوَضَةٍ لِمَا وَرَدَ فِي الْمُوَطَّإِ وَالْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ وَهُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مِنْ اشْتَرَى طَعَامًا فَلَا يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ» .
قَوْلُهُ: [كَرِزْقِ قَاضٍ] : أَيْ كَطَعَامٍ جُعِلَ لِلْقَاضِي مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فِي نَظِيرِ ذَلِكَ. قَوْلُهُ: [عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ] : حَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ فِي مُقَابَلَةِ قِيَامِهِ بِمَصْلَحَةٍ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ. وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الطَّعَامِ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ جَازَ لَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ قَالَ (عب) : وَيُلْحَقُ بِرِزْقِ الْقَاضِي طَعَامٌ جُعِلَ صَدَاقًا أَوْ خُلْعًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَا مَأْخُوذٌ عَنْ مُسْتَهْلِكٍ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ (اهـ) .
وَكَذَا الْمِثْلِيُّ الْمَبِيعُ فَاسِدًا إذَا فَاتَ وَوَجَبَ مِثْلُهُ كَمَا قَالَ (بْن) : بِجَامِعِ أَنَّ الْمُعَاوَضَةَ لَيْسَتْ اخْتِيَارِيَّةً بَلْ جَرَّ إلَيْهَا الْحَالُ فِي كُلٍّ خِلَافًا (لعب) حَيْثُ جَعَلَهُ كَرِزْقِ الْقَاضِي.
(إنْ أُخِذَ بِكَيْلٍ) : أَيْ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدٍّ (لَا) إنْ أُخِذَ (جُزَافًا) : فَيَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ؛ فَمَنْ اشْتَرَى صُبْرَةً جُزَافًا بِشَرْطِهِ جَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لِدُخُولِهَا فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي بِالْعَقْدِ، فَهِيَ مَقْبُوضَةٌ حُكْمًا فَلَيْسَ فِي الْجُزَافِ تَوَالِي عُقْدَتَيْ بَيْعٍ لَمْ يَتَخَلَّلْهُمَا قَبْضٌ. وَحُرْمَةُ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ، قِيلَ: تَعَبُّدٌ، وَقِيلَ: مَعْقُولَةُ الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ إنَّهُ رُبَّمَا أَدَّى لِفَسَادٍ فَنَهَى الشَّارِعُ عَنْهُ سَدًّا لِلذَّرِيعَةِ، وَقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ.
وَقَوْلُنَا: (إلَّا كَوَصِيٍّ لِيَتِيمَيْهِ) : مُسْتَثْنَى مِنْ الْمَنْعِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّ الْوَصِيَّ أَوْ الْأَبَ أَوْ السَّيِّدَ إذَا اشْتَرَى لِأَحَدٍ يَتِيمَيْهِ أَوْ لِأَحَدِ وَلَدَيْهِ أَوْ لِأَحَدِ عَبْدَيْهِ طَعَامًا مِنْ الْآخَرِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ لِأَجْنَبِيٍّ قَبْلَ قَبْضِهِ ثَانِيًا حِسِّيًّا لِمَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْوَلِيَّ لَمَّا كَانَ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ لِمَحْجُورِهِ نَزَلَ اشْتِرَاؤُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ مَنْزِلَةَ الْقَبْضِ، فَإِذَا بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [إنْ أُخِذَ بِكَيْلٍ] : أَيْ إذَا كَانَ بَائِعُهُ اشْتَرَاهُ بِكَيْلٍ وَبَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ سَوَاءٌ بَاعَهُ جُزَافًا أَوْ عَلَى الْكَيْلِ.
قَوْلُهُ: [وَجَازَ بَيْعُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ] : أَيْ جُزَافًا أَوْ عَلَى الْكَيْلِ. قَوْلُهُ: [وَحُرْمَةُ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ قِيلَ تَعَبُّدٌ] إلَخْ: قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: وَالصَّحِيحُ عِنْد أَهْلِ الْمَذْهَبِ أَنَّ هَذَا النَّهْيَ تَعَبُّدِيٌّ. وَقِيلَ: إنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى لِأَنَّ الشَّارِعَ لَهُ غَرَضٌ فِي ظُهُورِهِ فَلَوْ أُجِيزَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَبَاعَهُ أَهْلُ الْأَمْوَالِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مِنْ غَيْرِ ظُهُورٍ بِخِلَافِ مَا إذَا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ الْكَيَّالُ وَالْحَمَّالُ وَيَظْهَرُ لِلْفُقَرَاءِ فَتَطْمَئِنُّ بِهِ قُلُوبُ النَّاسِ وَلَا سِيَّمَا فِي زَمَنِ الْمَسْغَبَةِ وَالشِّدَّةِ (اهـ) .
قَوْلُهُ: [إلَّا كَوَصِيٍّ لِيَتِيمَيْهِ] : إنَّمَا كَانَ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَنْعِ لِأَنَّ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ كَوْنِ الْقَبْضِ حِسِّيًّا مَا لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ يَتَوَلَّى الطَّرَفَيْنِ وَإِلَّا جَازَ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ حِسًّا كَمَا قَالَ الشَّارِحُ. قَوْلُهُ: [أَوْ الْأَبُ أَوْ السَّيِّدُ] : بَيَانٌ لِمَا دَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ. وَقَوْلُهُ: [إذَا اشْتَرَى لِأَحَدِ يَتِيمَيْهِ] إلَخْ لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبُ. قَوْلُهُ: [نُزِّلَ اشْتِرَاؤُهُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ مَنْزِلَةَ الْقَبْضِ] : أَيْ الْحِسِّيِّ. قَوْلُهُ: [فَإِذَا بَاعَهُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ] : مِنْ بِمَعْنَى اللَّامِ وَقَوْلُهُ لِمَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ اللَّامُ
لِمَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ وَبَاعَهُ لَهُ بَعْدَ قَبْضِهِ فَجَازَ. بِخِلَافِ مَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَدِيعَةٌ لِشَخْصٍ أَوْ اشْتَرَاهُ لَهُ بِإِذْنِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِكِهِ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمَالِكُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الشِّرَاءِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْقَبْضَ السَّابِقَ عَلَى الشِّرَاءِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا تَامًّا، بِدَلِيلِ أَنَّ رَبَّ الطَّعَامِ لَوْ أَرَادَ إزَالَتَهُ مِنْ يَدِهِ وَمَنْعَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ - ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ. وَكَذَا مَنْ عَلَيْهِ طَعَامٌ مِنْ سَلَمٍ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ عَيْنًا أَوْ عَرْضًا لِرَبِّ الطَّعَامِ يَقُولُ لَهُ: اشْتَرِ طَعَامًا وَكِلْهُ ثُمَّ اقْبِضْ مِنْهُ مَالَك عَلَيَّ مِنْ الطَّعَامِ. قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لِأَنَّهُ بَيْعُ طَعَامٍ قَبْلَ قَبْضِهِ، أَيْ لِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ حَقَّهُ قَبْلَ أَنْ يُقْبِضَهُ دَافِعُ الثَّمَنِ. وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ قَدْ فُسِّرَ بِهِمَا قَوْلُ الشَّيْخِ تَبَعًا لِابْنِ الْحَاجِبِ: وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْ نَفْسِهِ، أَيْ لَا يَكْفِي فِي جَوَازِ بَيْعِ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ أَنْ يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ قَبْضٌ ضَعِيفٌ كَالْعَدَمِ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِهِ حَقِيقَةً مِنْ مَالِكِهِ حَتَّى يَجُوزَ بَيْعُهُ، وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ الْوَلِيَّ بِالنِّسْبَةِ لِمَحْجُورَيْهِ فَأَكْثَرَ إذَا اشْتَرَى لِأَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ طَعَامًا فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ قَبْلَ قَبْضِهِ لَهُ لِأَجْنَبِيٍّ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَجَازَ) لِمَنْ اشْتَرَى طَعَامًا (إقْرَاضُهُ) قَبْلَ قَبْضِهِ لِشَخْصٍ (أَوْ وَفَاؤُهُ عَنْ قَرْضٍ) عَلَيْهِ لِأَنَّ الْإِقْرَاضَ، وَالْوَفَاءَ عَنْ قَرْضٍ لَيْسَا بِبَيْعٍ فَلَيْسَ فِيهِ تَوَالِي
ــ
[حاشية الصاوي]
بِمَعْنَى عَلَى أَيْ بَاعَهُ عَلَى الْمَحْجُورِ الثَّانِي بَعْدَ أَنْ اشْتَرَاهُ لَهُ مِنْ الْمَحْجُورِ الْآخَرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَخَلَّلَ الْبَيْعَتَيْنِ قَبْضٌ.
قَوْلُهُ: [فَكَأَنَّهُ قَبَضَهُ] : أَيْ لِمَحْجُورِهِ الثَّانِي وَقَوْلُهُ وَبَاعَهُ لَهُ أَيْ عَلَيْهِ. قَوْلُهُ: [فَلَا يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ عَلَى الشِّرَاءِ] : أَيْ لِأَنَّ شَرْطَ جَوَازِ بَيْعِ طَعَامِ الْمُعَاوَضَةِ أَلَّا يَقْبِضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ. قَوْلُهُ: [لِأَنَّهُ قَبَضَ مِنْ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ حَقَّهُ] إلَخْ هَذَا التَّعْلِيلُ عَائِدٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ بِخِلَافِ مَنْ عِنْدَهُ طَعَامٌ وَدِيعَةٌ إلَى هُنَا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: " وَهَاتَانِ الْمَسْأَلَتَانِ " إلَخْ. قَوْلُهُ: [وَاسْتَثْنَوْا مِنْ ذَلِكَ] : أَيْ مِنْ قَوْلِهِمْ إنَّ الْقَبْضَ مِنْ النَّفْسِ ضَعِيفٌ لَا يُعْتَبَرُ.