الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(عَنْ مِائَتَيْهِمَا) : أَيْ عَنْ مِائَةِ دِينَارٍ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ تَرَكَ مِنْ حَقِّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا، وَسَوَاءٌ عَجَّلَ الْمُصَالِحُ بِهِ أَوْ أَجَّلَ إنْ كَانَ عَنْ إقْرَارٍ. فَإِنْ كَانَ عَنْ إنْكَارٍ جَازَ إنْ عَجَّلَ لَا إنْ أَجَّلَ إذْ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ كَمَا يَأْتِي.
(وَ) جَازَ الصُّلْحُ بِشَيْءٍ (عَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ يَمِينٍ) تَوَجَّهَتْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ، وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ.
(لَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ (بِثَمَانِيَةٍ نَقْدًا عَنْ عَشَرَةٍ مُؤَجَّلَةٍ) لِمَا فِيهِ مِنْ: ضَعٍّ وَتَعَجُّلٍ (وَ) لَا (عَكْسُهُ) لِمَا فِيهِ مِنْ: حَطِّ الضَّمَانِ وَأَزِيدُك (وَلَا بِدَرَاهِمَ عَنْ دَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ وَ) لَا (عَكْسِهِ) .
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ] : أَيْ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ يُؤَدِّي لِسَلَفٍ مِنْ الْمُدَّعِي جَرَّ لَهُ نَفْعًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْمِائَةَ دِينَارٍ وَالدِّرْهَمِ الْمَأْخُوذَيْنِ صُلْحًا مُؤَجَّلًا وَتَأْجِيلُهُمَا عُيِّنَ السَّلَفُ مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى بِهِ حَالٌّ وَقَدْ انْتَفَعَ هُوَ بِسُقُوطِ الْيَمِينِ عَنْهُ بِتَقْدِيرِ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَيْهِ إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [وَلَوْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ] : رَدَّ بِذَلِكَ عَلَى ابْنِ هِشَامٍ فِي قَوْلِهِ إنْ عَلِمَ بَرَاءَةَ نَفْسِهِ وَجَبَتْ الْيَمِينُ. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ لِأَرْبَعَةِ أُمُورٍ: مِنْهَا أَنَّ فِيهِ إذْلَالَ نَفْسِهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ أَذَلَّهُ اللَّهُ» وَمِنْهَا أَنْ فِيهِ إضَاعَةَ الْمَالِ، وَمِنْهَا أَنَّ فِيهِ إغْرَاءً لِلْغَيْرِ، وَمِنْهَا أَنَّ فِيهِ إطْعَامَ مَا لَا يَحِلُّ وَرُدَّ بِأَنَّ تَرْكَ الْيَمِينِ وَتَرْكَ الْخِصَامِ عِزٌّ لَا إذْلَالٌ وَحِينَئِذٍ فَبَذْلُ الْمَالِ فِيهِ لَيْسَ إضَاعَةً لَهُ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ وَأَمَّا الطَّعَامُ غَيْرُ الْحَرَامِ فَلَا سَبِيلَ عَلَى الْمَظْلُومِ فِيهِ {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ} [الشورى: 42] الْآيَةَ (اهـ قَالَهُ - بْن) وَجَوَازُهُ فِيمَا قَبْلَ الْمُبَالَغَةِ إنَّمَا هُوَ بِاعْتِبَارِ ظَاهِرِ الْحَالِ لِمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ.
[مَا لَا يَجُوز الصُّلْح فِيهِ وَعِلَّة الْمَنْع]
قَوْلُهُ: [لِمَا فِيهِ مِنْ ضَعْ وَتَعَجَّلْ] : هَذَا الْمِثَالُ شَامِلٌ لِكَوْنِ الدَّيْنِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ ضَعْ وَتَعَجَّلْ يُدْخِلُ الْجَمِيعَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَلَا عَكْسُهُ " يَظْهَرُ فِيمَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ غَيْرَ عَيْنٍ وَغَيْرَ طَعَامٍ وَعُرُوضٍ مِنْ قَرْضٍ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِيهَا مِنْ حَقِّ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ، فَإِنْ طَلَب دَفْعَهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ لَهُ ذَلِكَ، وَلَيْسَ فِيهِ حَطُّ ضَمَانٍ عَنْهُ إنَّمَا يَظْهَرُ فِي الطَّعَامِ وَالْعُرُوضِ مِنْ قَرْضٍ وَالْعَيْنُ مُطْلَقًا عِلَّةُ سَلَفٍ جَرَّ نَفْعًا فَتَأَمَّلْ.
وَذَكَرَ عِلَّةَ الْمَنْعِ فِي الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ عَلَى سَبِيلِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ بِقَوْلِهِ: (لِضَعْ وَتَعَجَّلْ) فِي الْأُولَى (وَحُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك) فِي عَكْسِهَا. وَيَجُوزُ ارْفَعْ وَأَزِيدُك بِتَقْدِيرِ الْمُبْتَدَأِ أَيْ وَأَنَا، وَنَصْبُهُ بِأَنْ مُضْمِرَةٌ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ (وَالصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ) فِي الْأَخِيرَتَيْنِ.
(وَلَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ (عَلَى تَأْخِيرِ مَا أَنْكَرَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ كَأَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ حَالَّةٍ، فَأَنْكَرَهَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَهُ بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا إلَى شَهْرٍ مَثَلًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِمَا فِيهِ مِنْ سَلْفٍ بِمَنْفَعَةٍ؛ فَالسَّلْفُ التَّأْخِيرُ وَالْمَنْفَعَةُ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرِ عَلَى تَقْدِيرِ رَدِّهَا أَوْ سُقُوطِ الْحَقِّ مِنْ أَصْلِهِ إنْ حَلِفَ. وَهَذَا هُوَ قَوْلُ الْإِمَامِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:(عَلَى الْأَرْجَحِ) وَيُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ بِالْجَوَازِ.
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَذَكَرَ عِلَّةَ الْمَنْعِ] إلَخْ: حَيْثُ كَانَ الْمَتْنُ ذَاكِرًا لَهَا عَلَى طَرِيقِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ فَلَا حَاجَةَ لِذِكْرِ الشَّارِحِ بَعْضَهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ.
قَوْلُهُ: [وَيَجُوزُ ارْفَعْ وَأَزِيدُك] إلَخْ: أَيْ عَلَى حَدِّ انْزِلْ عِنْدَنَا وَنُكْرِمُك؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ إذَا وَقَعَ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ الْوَاقِعَةِ بَعْدَ وَاحِدٍ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي جَمَعَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ:
مُرْ وَانْهَ وَادْعُ وَسَلْ وَاعْرِضْ لِحَضِّهِمْ
…
تَمَنَّ وَارْجُ كَذَاك النَّفْيُ قَدْ كَمُلَا
فَإِنَّهُ يَجُوزُ رَفْعُهُ بِتَقْدِيرِ الْمُبْتَدَأِ وَنَصْبُهُ بِأَنْ مُضْمَرَةٍ بَعْدَ وَاوِ الْمَعِيَّةِ.
قَوْلُهُ: [فِي الْأَخِيرَتَيْنِ] : أَيْ وَهُمَا الدَّرَاهِمُ عَنْ الدَّنَانِيرِ الْمُؤَجَّلَةِ وَالْعَكْسِ.
قَوْلُهُ: [فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ] : أَيْ وَأَمَّا فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ فَإِنْ كَانَ الصَّادِقُ الْمُنْكَرُ فَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ حَرَامٌ وَإِلَّا فَحَلَالٌ.
قَوْلُهُ: [وَيُقَابِلُهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ] : حَاصِلُهُ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الصُّلْحِ عَلَى السُّكُوتِ وَالْإِنْكَارِ - وَيَدْخُلُ فِيهِ الِافْتِدَاءُ مِنْ الْيَمِينِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ عِنْدَ الْإِمَامِ - وَهُوَ الْمَذْهَبُ: أَنْ يَجُوزَ عَلَى دَعْوَى كُلِّ مِنْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَعَلَى ظَاهِرِ حُكْمِ الشَّرْعِ بِأَنْ لَا يَكُونَ هُنَاكَ تُهْمَةُ فَسَادٍ. وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ الشَّرْطَيْنِ الْأَوَّلِينَ فَقَطْ وَأَصْبَغُ أَمْرًا وَاحِدًا وَهُوَ أَلَّا تَتَّفِقَ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ. مِثَالُ الْمُسْتَوْفِي لِلثَّلَاثَةِ: أَنْ يَدَّعِيَ
(وَلَا) يَجُوزُ الصُّلْحُ (بِمَجْهُولٍ) جِنْسًا أَوْ قَدْرًا أَوْ صِفَةً، لِأَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ أَوْ إبْرَاءٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعَيُّنِ مَا صَالَحَ بِهِ. وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ:" بَيْعٌ " إلَخْ وَقَدْ عَلِمْت مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ مَوَانِعَ
ــ
[حاشية الصاوي]
عَلَيْهِ بِعَشَرَةٍ حَالَّةٍ فَأَنْكَرَ أَوْ سَكَتَ ثُمَّ يُصَالِحُ عَنْهَا بِثَمَانِيَةٍ مُعَجَّلَةٍ أَوْ بِعَرْضٍ حَالٍّ، وَمِثَالُ مَا يَجُوزُ عَلَى دَعْوَاهُمَا وَيَمْتَنِعُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ حَالَّةٍ فَيُصَالِحَهُ عَلَى أَنْ يُؤَخِّرَ بِهَا إلَى أَشْهُرٍ أَوْ عَلَى خَمْسِينَ مُؤَخَّرَةٍ شَهْرًا، فَالصُّلْحُ صَحِيحٌ عَلَى دَعْوَى كُلٍّ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ أَخَّرَ صَاحِبَهُ أَوْ أَسْقَطَ عَنْهُ الْبَعْضَ وَأَخَّرَهُ لِشَهْرٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ افْتَدَى مِنْ الْيَمِينِ بِمَا الْتَزَمَ أَدَاءَهُ عِنْدَ الْأَجَلِ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى ظَاهِرِ الْحُكْمِ لِأَنَّهُ سَلَفٌ بِمَنْفَعَةٍ، فَالسَّلَفُ التَّأْخِيرُ وَالْمَنْفَعَةُ سُقُوطُ الْيَمِينِ الْمُنْقَلِبَةِ عَلَى الْمُدَّعِي عِنْدَ الْإِنْكَارِ بِتَقْدِيرِ نُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ حَلَّفَهُ فَيَسْقُطُ جَمِيعُ الْحَقِّ الْمُدَّعَى بِهِ، فَهَذَا مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْإِمَامِ جَائِزٌ عِنْد ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ. وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَاهُمَا: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِدَرَاهِمَ وَطَعَامٍ مِنْ بَيْعٍ، فَيَعْتَرِفُ بِالطَّعَامِ وَيُنْكِرُ الدَّرَاهِمَ وَيُصَالِحُهُ. عَلَى طَعَامٍ مُؤَجَّلٍ أَكْثَرَ مِنْ طَعَامِهِ أَوْ يَعْتَرِفُ بِالدَّرَاهِمِ وَيُصَالِحُهُ بِدَنَانِيرَ مُؤَجَّلَةٍ أَوْ بِدَرَاهِمَ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِهِ، حَكَى ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى فَسَادِهِ وَيَفْسَخُ لِمَا فِيهِ مِنْ السَّلَفِ بِزِيَادَةٍ وَالصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ. وَمِثَالُ مَا يَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَحْدَهُ: أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ فَيُنْكِرُهَا ثُمَّ يُصَالِحُهُ عَلَى مِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى أَجَلٍ، فَهَذَا مُمْتَنَعٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي وَحْدَهُ لِلصَّرْفِ الْمُؤَخَّرِ، وَيَجُوزُ عَلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا صَالَحَهُ عَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ الْيَمِينِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَأَجَازَهُ أَصْبَغُ إذْ لَمْ تَتَّفِقْ دَعْوَاهُمَا عَلَى فَسَادٍ. وَمِثَالُ مَا يَمْنَعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ: أَنْ يَدَّعِيَ بِعَشَرَةِ أَرَادِبَ قَمْحًا مِنْ قَرْضٍ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنَّمَا لَك عَلَيَّ خَمْسَةٌ مَنْ سَلَّمَ وَأَرَادَ أَنْ يُصَالِحَهُ عَلَى دَرَاهِمَ مَنٍّ وَنَحْوِهَا مُعَجَّلَةً، فَهَذَا جَائِزٌ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي، لِأَنَّ طَعَامَ الْقَرْضَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ وَيَمْتَنِعُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ طَعَامِ السَّلَمِ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَهَذَا مُمْتَنِعٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ (اهـ مِنْ الْأَصْلِ بِحُرُوفِهِ) .
وَلَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ الشُّرُوطَ الثَّلَاثَةَ إنَّمَا هِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَقَطْ وَأَمَّا عَلَى السُّكُوتِ فَالشَّرْطُ فِيهِ جَوَازُهُ عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي كَمَا رَجَّحَهُ فِي الـ " مج " وَفِي حَاشِيَةِ الْأَصْلِ.
قَوْلُهُ: [وَهَذَا دَاخِلٌ فِيمَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ بَيْعٌ] : أَيْ فِي قَوْلِهِ: وَهُوَ عَلَى غَيْرِ
الصُّلْحِ سَبْعَةٌ، جَمَعْتهَا فِي قَوْلِي:
مَوَانِعُ الصُّلْحِ جَهْلٌ حُطَّ ضَعْ وَنَسَا
…
تَأْخِيرُ صَرْفٍ وَتَسْلِيفٌ بِمَنْفَعَهْ
بَيْعُ الطَّعَامِ بِلَا قَبْضٍ فَجُمْلَتُهَا
…
سَبْعٌ عَلَيْك بِهَا تَحْظَى بِمَعْرِفَهْ
(وَلَا يَحِلُّ) الصُّلْحُ (لِلظَّالِمِ) فِي الْوَاقِعِ. وَقَوْلُنَا: " الصُّلْحُ جَائِزٌ " إنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِظَاهِرِ الْحَالِ فَالْمُنْكِرُ إنْ كَانَ صَادِقًا فِي إنْكَارِهِ، فَمَا أُخِذَ مِنْهُ حَرَامٌ، وَإِلَّا فَحَلَالٌ، وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ:" وَلَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ " قَوْلَهُ: (فَلَوْ أَقَرَّ) الظَّالِمُ مِنْهُمَا (بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الصُّلْحِ فَلِلْمَظْلُومِ نَقْضُهُ لِأَنَّهُ كَالْمَغْلُوبِ عَلَيْهِ (أَوْ شَهِدَتْ لَهُ) : أَيْ لِلْمَظْلُومِ مِنْهُمَا (بَيِّنَةٌ لَمْ
ــ
[حاشية الصاوي]
الْمُدَّعَى بِهِ بَيْعٌ.
قَوْلُهُ: [جَمَعْتهَا فِي قَوْلِي مَوَانِعُ الصُّلْحِ] إلَخْ: هَذَانِ الْبَيْتَانِ مِنْ الْبَسِيطِ.
قَوْلُهُ: [جَهْلٌ] : أَيْ بِالْمُصَالَحِ بِهِ أَوْ بِالْمُصَالَحِ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: [حُطَّ] : أَيْ حُطَّ الضَّمَانَ وَأَزِيدُك.
وَقَوْلُهُ: [ضَعْ] : أَيْ وَتَعَجَّلْ.
قَوْلُهُ: [وَنَسَا] أَيْ رِبَا نَسَاءً.
قَوْلُهُ: [تَأْخِيرُ صَرْفٍ] : أَيْ صَرْفٌ مُؤَخَّرٌ.
قَوْلُهُ: [وَتَسْلِيفٌ بِمَنْفَعَةٍ] : أَيْ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا.
قَوْلُهُ: [بِيعَ الطَّعَامُ بِلَا قَبْضٍ] : أَيْ بِيعَ طَعَامُ الْمُعَاوَضَةِ قَبْلَ قَبْضِهِ.
قَوْلُهُ: [تَحْظَى بِمَعْرِفَهْ] : أَيْ تَظْفَرُ بِمَعْرِفَةِ تِلْكَ الْمَوَانِعِ.
قَوْلُهُ: [وَلَا يَحِلُّ الصُّلْحُ] : أَيْ بِمَعْنَى الْمُصَالَحِ بِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَأْخُوذًا أَوْ مَتْرُوكًا. وَظَاهِرُ أَنَّ الصُّلْحَ لَا يَحِلُّ لِلظَّالِمِ، وَلَوْ حَكَمَ لَهُ حَاكِمٌ يَرَى حِلَّهُ لِلظَّالِمِ، وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِقَوْلِ خَلِيلٍ فِي الْقَضَاءِ:" وَرَفَعَ الْخِلَافَ لَا أَحَلَّ حَرَامًا ".
قَوْلُهُ: [فَلَوْ أَقَرَّ الظَّالِمُ مِنْهُمَا] : أَيْ بِالْحَقِّ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الظَّالِمَ إذَا أَقَرَّ بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ الصُّلْحَ - كَمَا إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ بِهِ حَقٌّ أَوْ أَقَرَّ الْمُدَّعِي بِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ - كَانَ لِلْمَظْلُومِ وَهُوَ الْمُدَّعِي فِي الْأُولَى وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الثَّانِيَةِ نَقَضَ ذَلِكَ الصُّلْحَ.
قَوْلُهُ: [أَوْ شَهِدَتْ لَهُ] إلَخْ: هَذَا مُقَيَّدٌ بِأَنْ يَقُومَ لَهُ عَلَى الْحَقِّ شَاهِدَانِ؛ فَإِنْ
يَعْلَمْهَا) حَالَ الصُّلْحِ - وَإِنْ كَانَتْ حَاضِرَةً بِالْبَلَدِ - فَلَهُ نَقْضُهُ، إنْ حَلِفَ أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا، وَإِلَّا فَلَا وَأَوْلَى إنْ أَقَرَّ أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِعِلْمِهِ بِهَا (أَوْ) يَعْلَمُهَا وَلَكِنْ (بَعُدَتْ جِدًّا) - لَا إنْ كَانَتْ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً لَا جِدًّا - كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ فِي الْأَمْنِ (وَأَشْهَدَ) عِنْدَ الصُّلْحِ (أَنَّهُ) إذَا حَضَرَتْ بَيِّنَتُهُ الْبَعِيدَةُ (يَقُومُ بِهَا) ، فَلَهُ الْقِيَامُ بِهَا إذَا حَضَرَتْ إذَا أَعْلَنَ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَاكِمِ بَلْ (وَلَوْ لَمْ يُعْلِنْ، أَوْ) صَالَحَ وَ (وَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ) : أَيْ بَعْدَ الصُّلْحِ فِيهَا قَدَّرَ الدَّيْنَ الَّذِي أَنْكَرَهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ) كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (يُقِرُّ) بِالْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ (سِرًّا فَقَطْ) وَيُنْكِرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي الظَّاهِرِ (فَأَشْهَدَ) بَيِّنَةً (عَلَى ذَلِكَ) : أَيْ عَلَى أَنَّهُ يُقِرُّ سِرًّا وَيُنْكِرُ عَلَانِيَةً، فَلَعَلَّهُ إذَا صَالَحْته يُقِرُّ بَعْدَهُ فِي الْعَلَانِيَةِ: فَاشْهَدُوا لِي عَلَى أَنِّي لَا أَرْضَى أَنْ أُقِرَّ بِذَلِكَ الصُّلْحِ (ثُمَّ صَالَحَ) فَأَقَرَّ عَلَانِيَةً (فَلَهُ نَقْضُهُ) رَاجِعٌ لِلْجَمِيعِ كَمَا تَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ. وَتُسَمَّى هَذِهِ الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الِاسْتِرْعَاءِ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الصُّلْحِ وَإِقْرَارِ الْمُنْكَرِ بَعْدَهُ كَمَا أَشَرْنَا لَهُ فِي التَّقْرِيرِ.
ثُمَّ ذَكَرَ مَسْأَلَتَيْنِ لَا يُنْقَضُ الصُّلْحُ فِيهِمَا بِقَوْلِهِ: (لَا) يُنْقَضُ الصُّلْحُ (إنْ عَلِمَ) الْمُدَّعِي (بِبَيِّنَتِهِ) الشَّاهِدَةِ لَهُ بِحَقِّهِ وَصَالَحَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْمُنْكِرَ (وَلَمْ يُشْهِدْ) حَالَ صُلْحِهِ أَنَّهُ يَقُومُ بِهَا إذَا حَضَرَتْ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَامَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَأَرَادَ أَنْ يَحْلِفَ مَعَهُ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِذَلِكَ، قَالَهُ الْأَخَوَانِ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ وَأَصْبَغُ وَنَقَلَهُ ابْنُ نَاجِي فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ (اهـ - بْن) .
قَوْلُهُ: [أَوْ صَالَحَ وَوَجَدَ وَثِيقَةً بَعْدَهُ] : أَيْ فَحُكْمُ الْوَثِيقَةِ حُكْمُ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لَهُ الْقِيَامُ بِهَا. وَالْفَرْضُ أَنَّ الْوَثِيقَةَ إمَّا بِخَطِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ فِيهَا خَتْمُ قَاضٍ ثِقَةٍ وَإِنْ مَاتَتْ شُهُودُهَا أَوْ تَوَقَّفَتْ شَهَادَةُ الشُّهُودِ عَلَيْهَا.
قَوْلُهُ: [وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الصُّلْحِ] : أَيْ لِقَوْلِ ابْنِ عَرَفَةَ: وَشَرْطُ الِاسْتِرْعَاءِ تَقَدُّمُهُ فَيَجِبُ ضَبْطُ وَقْتِهِ. وَشَرْطُهُ أَيْضًا إنْكَارُ الْمَطْلُوبِ وَرُجُوعُهُ بَعْدَ الصُّلْحِ إلَى الْإِقْرَارِ وَإِلَّا لَمْ يَفْدِ - كَذَا فِي الْأَصْلِ. وَمَحَلُّ تَوَقُّفِ الرُّجُوعِ فِي الصُّلْحِ عَلَى بَيِّنَةِ الِاسْتِرْعَاءِ الْمَذْكُورَةِ: إنْ وَقَعَ مِنْ الْمُدَّعِي إبْرَاءٌ عَامٌّ - كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَالْخَرَشِيِّ، وَإِلَّا فَإِقْرَارُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ يُوجِبُ نَقْضَ الصُّلْحِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ بَيِّنَةُ اسْتِرْعَاءٍ وَهِيَ، أَوَّلُ الْمَسَائِلِ.